بات من الواضح والمؤكد أن انتفاضة العقل
والعلم والتنوير في السعودية، التي بدأت
على يدي جلالة الملك عبدالله، أطال الله في
عمره، أصبحت خطوة لا رجعة فيها. فالانفتاح،
والتنوير والمساواة، ومحاسبة المقصر،
ومحاربة الفساد، باتت عناوين جديدة
للمرحلة القادمة لدى الجارة العزيزة، وإن
لم تسرّ هذه التغيرات الجميع، فمازال هناك
المتحفظ والرافض والمتوجس من هكذا تطورات.
فبعد الضجة التي أثيرت حول جامعة الملك
عبدالله، أول جامعة مختلطة في المملكة،
وبعد إقالة عضو هيئة كبار العلماء
السعودية الشيخ سعد الشثري، إثر تصريحاته
التي انتقد فيها الاختلاط في الجامعة، صار
الشيوخ السعوديون يعدون إلى العشرة قبل
التجرؤ على انتقاد الخطى الجديدة التي
تسير عليها السعودية نحو الانفتاح
المعتدل، وما عادوا يستطيعون انتقادها
علناً. ما العمل إذاً، والموجة نحو العلم
والتقدم يقودها جلالة الملك بذاته
المصونة؟ وكيف للشيوخ أن يحتفظوا بنفوذهم
ويداوموا على التحكم برقاب البشر وتذكير
الناس بتأويلات وتفسيرات أكل الدهر عليها
وشرب؟
يبدو أن الطريقة الوحيدة التي وجدوها
أمامهم هي «الاستعانة بصديق»، وبما أن
أقرب الأصدقاء لشيوخ السعودية، هم رجال
الدين في الكويت، فقد تم، وعلى ما يبدو،
الإيعاز لهم بأن يقوموا بمهمة التدخل
بقائمة الإفتاء المتشددة لرفض الفكر
الجديد، والتصدي للفتاوى العقلانية التي
انتشرت مؤخرا.. وهكذا ما كان.
فبعد أن خرج الشيخ أحمد قاسم الغامدي
بتفسير متنور متفتح تناول فيه مسألة
الاختلاط بموضوعية، وساق حول ذلك أدلة
كثيرة من السيرة النبوية تؤكد شرعية
الاختلاط، قائلا «ان الاختلاط أمر طبيعي
في حياة الأمة ومجتمعاتها، وان الأدلة
الشرعية ترد بقوة على من يحرمه»، بدا هذا
الكلام لا يتسق مع أفكار المتشددين الذين
يحاولون جهدهم محاصرة ورفض كل محاولة نحو
انفتاح الإسلام باتجاه متطلبات العصر،
وبناء على إيعاز النجدة هب شيوخنا لنجدة
شيوخ السعودية والتحدث بلسانهم، فاستنكر 22
عالما وشيخا كويتيا مفاهيم الغامدي حول
جواز الاختلاط، معتبرين أن هذه «الفتوى
(شاذة) ومخالفة لما اتفق عليه الأئمة
الأربعة وعامة علماء المسلمين». وهكذا
وبعد ان كنا في الكويت نستورد التطرف
والتزمت أصبحنا نصدره إلى أصدقائنا
وجيراننا.
إن الكثير من المفاهيم الدينية أسيء
استخدامها وتوظيفها، وحورت عبر التاريخ
حتى يتمكن رجال الدين من إحكام سيطرتهم على
المجتمع، وبسط نفوذهم على عقول الناس. لهذا
يرفض بعض الشيوخ أي تفسير أو تفكيك أو
تأويل جديد لنص ديني يمكنه أن يزعزع
مكانتهم أو يهدد أدوات نفوذهم. وعندما أحس
شيوخهم بالخطر ولم يستطيعوا الدفاع عن
مراكزهم استدعوا شيوخنا ليدافعوا بدلا
عنهم، متناسين أن الفتاوى ما هي إلا
اجتهادات شخصية من بشر.. والبشر وإن كانوا
علماء دين وشيوخا ولهم التبجيل والاحترام،
فهم ليسوا معصومين عن الخطأ. ولكل شيخ رأي
مختلف واجتهاد حسب فهمه وفكره، ولكل مجتهد
الشكر والامتنان. ولنا نحن (العامة) أن نتبع
الفتوى التي تناسب توجهاتنا وقيمنا،
وحسابنا إن أخطأنا أو أصبنا، عند واحد احد..
لا عند شيخ ولا عالم.
وإلى أهل السعودية لكم شيوخكم ولنا
شيوخنا.. فامضوا في طريقكم المتنور المتفتح
على يد ملككم.. والله يرعاكم.
dalaa@fasttelco.com
القبس الكويتية