المكتسب الاعظم من الخبرة الطويلة للوعي والمعرفة الانسانية يمكن تلخيصها إختصارا في القول المحكم ” التناحر بين الحقائق ومحاولات فهمها هي الاساس الذي جاء بالنظريات الحديث”. وبلغة اخري فان تطير العقل من تصورته الخاطئة هو مسار تقدم الفهم المستمر للعلوم والمعارف الحقيقية. فما اكثر الاخطاء التي ارتكبها العقل وما اصعب تبني مبادئ حديدة لحل معضلات واجهت الإنسانية.
فالموقف من الكون وحقائقه في نظر وسمع البشر ظلت مشابهة للالغاز البوليسية الكاملة الخيال، وتحتوي داخل كل لغز علي جميع الادلة الضرورية لحل المشكل، وظلت صعوبة الفهم والتفسير ملازمة من مصادر الاعاقة الداخلية في العقل مرة بسبب نموه المستمر تجاوزا لقصوره الاسبق ومرة بسبب الاوهام التي خلقها لحل عجزه عن الفهم.
فكلما كانت مبادئ لغة الطبيعة سهلة وبسيطة كلما كانت مصدرا للسرور والارتياح لما تخففه من اعباء التعب وارهاق البحث اللذان صحبا تقدم العلم والمعرفة والوعي بشكل عام. فكثيرا ما كانت الايحاءات الداخلية والتصورات الذهنية النظرية لا تتفق والادلة المكتشفة. فما اعظمه، إذن، من الم ووجع عندما يصبح التضحية باحداهما ضرورة. فهل يمكن التضحية بنتائج الكون المادية التجريبية حتي ولو خالفتها نصوص الوحي او تصورات العقل والذهن السابقة بدون برهان؟ ام كان التخلي عن ما رسب في العقل من أوهام لم تثبت جدواه بل مخالفته لوقائع الواقع؟ فالقصة المستهلكة التي شنفت آذان المسلمين عن تابير النخل ونتائج قانون الطبيعة في التلقيح النباتي الملزم اجبرت نبي الاسلام متخليا عن قوله الاسبق ولاحقا به قوله الشهير “انتم أدرى بشؤون دنياكم”.
كان من الاجدر للعقل الامي، ان يبحث عن تعريفا لتخلفه فيالها من صعوبة بينه ان تخرج الفراشة من داخل شرنقة الظلام. وهذا بالضبط ما فعله العقل الاوروبي ولم يفعله العقل العربي في ذات الفترة التاريخية التي مرت علي كل منهما بالتزامن. فما اكثر المحاولات الحديثة من انصار تحديث الاسلام بادماج العلوم الطبيعية ضمن مفاهيمه مع إعادة الاعتبار للافكار التقليدية السائدة لانها متوافقه تلفيقا وتوفيقا مع كثير من الايات والنصوص الدينية. حتي ولو كان الانفصام وعدم الترابط واضحا بجلاء.
ما اكثر الحقائق التي حجبها العقل الاسلامي عن نفسه مثلما حجب العقل المسيحي حقائق الكون عن ذاته وملتصقا بنظريات واقوال ارسطو عن الحركة وبطليموس عن تركيب المنظومة الفلكية مؤيدة باقوال الكتاب المقدس. لكن الفداحة في العقل الاسلامي انه لم يكن يرتهن نفسه او يرتكن الي اي نظريات سابقة او حقائق مؤكدة. فقد كان جاهليا بجدارة وداوم علي هذه القاعدة لقرون طويلة ما اوصل السعوديين والاوصياء علي الاسلام وورثة النبوة بإجازة استخدام التكنولوجيا اما العلم الخالص فيجب عدم الالفات اليه. خرجت هذه التوصية بعد مؤتمر رفيع المستوي عقد في الكويت عام 1983 وحضره رؤساء 17 جامعة عربية (لم تدرج ايا منها ضمن اعلي 500 جامعة مؤخرا). كان الهدف من المؤتمر تحديد وإزالة المعوقات التي تواجه تطوير العلم والتكنولوجيا في العالم العربي. وبرزت، بل هيمنت، في المؤتمر سؤال محرج وهو: هل العلم إسلامي؟
كانت وجه نظر السعوديين ان العلم يتعارض مع المعتقد الاسلامي كما انه مخرب للعقيدة وهو دنس لأنه مدني (Secular). وعليه خرجت التوصية السابقة. فرغم ان المؤتمر موصوف بالعلمية وهدفه علمي الا ان خيانة السياق التاريخي للتطور الذهني الباحث عن العلم وكيف ان التخلي عن الوهم لصالح الحقيقة كان ما وصل اليه العقل العربي المجتمع في الكويت.
في أوروبا زمن الحكم الديني الكنسي، نادى أهل الدين بان الصواعق تحدث كغضب من الله نتيجة لعدد من الخطايا أهمها عدم التوبة والرجوع الي الله وعدم دفع العشور (الزكاه) للكنيسة وعدم الصلاة فيها. شرح القسس ظاهرة الصواعق بانها اصبع الله المنتقم من مخالفي تعاليمه. وفي العام 1752 اطلق أحد المسيحيين (بنيامين فرانكلين) طائرته الورقية الشهيرة اثناء حدوث احدي العواصف المصحوبة بالبرق والرعد ليكتشف كيف يمكن ابطال غضب الله علي الناس وتضليل اصبعه بتسريب ما سمي لاحقا الشحنة الكهربية الي الارض بدلا من ان تصيب الناس ولو كفروا به. بعدها ارتفعت موانع الصواعق من فوق المنازل، فهل تخلي القساوسة عن اقوالهم بعد مشاهدتهم لتكنولوجيا ذلك العصر؟ كان اول من صمد ونجا من الصواعق بما تم تركيبه من موانع بيت للدعارة فقامت الكنائس بمرارة وأسي بتركيب موانع بابراجها لتضليل اصبع المعبود بداخلها.
كان هناك عالم آخر مواز للعقل الكنسي ومؤسسات علمية وجامعية جديدة تبني في نفس المدن العامرة ببيوت الله وكنائسه لتقول بعكس ما يقوله القساوسة بل وتسخر من اقوالهم. أما في عالم العرب والمسلمين فظلت الخرافة والتفسيرات الاكثر ايغالا في الجهل والتخلف تفوح ليس فقط من داخل مؤسسات الاسلام الدينية انما من الجامعات التي حصل منها كثيرون علي شهاداتهم العلمية من امثال زغلول النجار. ساوي الرجل نفسه باجهل المشايخ في الفضائيات الاسلامية السعودية التمويل لتاكيد وتفعيل مقررات مؤتمر الكويت. فماذا قال زغلول النجار عن اعصار تسونامي؟
بدأ الزغلول بالتهديد والارهاب قائلا: من قال إن زلزال تسونامى ظاهرة طبيعية فهو كافر!! في جزيرة اندونيسيا المنكوبة مات الالاف وشرد ما هو اكثر بضربة واحده رغم انهم من معظمهم الفقراء البسطاء وفيهم مسلمون ايضا. الاصبع المنتقم في عقيدة زغلول ليست فقط اكثر بطشا انما اكثر عماءا ايضا. إصبع الله في الاسلام، حسب اقوال المشايخ والفقهاء ومن حضروا مؤتمر الكويت، اخطر واكثر تاثيرا لانها وحسب ما يقول الفقهاء والمشايخ هي تصحيح لما حرفه اهل الديانات السابقة، كما لو ان وظيفة الخالق هي البطش بمخلوقاته. فياله من تحريف رحمة بالبشر ورأفة بهم!!!! وفي لقاء حي مع اذاعة لندن، كرّس الزغلول حياته وفكره لاستبيان ما ذكر في كتاب الله من علوم طبيعية. وكانت كتبه وأشرطته هي الأكثر شيوعاً وتنافس كتب مثل «زواج الجان من بني الإنسان» و«عذاب القبر»، و«دليل طرد الجن من المساكن» حيث يباع الجميع بجانب بعضهم علي الارصفة وفي المكتبات. فهل كان القرآن بتفسيرات علمائه ملزما المؤمن “التعمية” و “حجب الحقيقة”، حسبما يريد السعوديين في مؤتمر الكويت؟
كان منهاج الجاهليين في مكة وقت نشوء الاسلام يلخصه شعارهم “لا تسمعوا” كما جاء في الآية التالية “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ”. لم يغادر من اسلم نفس النصيحة فرفعوا نفس الشعار ولو بعد 1400 عام في مؤتمر الكويت بالا يلتفتوا للعلوم الحقيقة التي برهنت علي نفسها بنفسها من قوانين الطبيعة. المضحك ان يسوق المسلمين آيات مثل “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”. “ونبئوني بعلم إن كنتم صادقين” للتدليل علي ما لديهم من غيبيات لا برهان عليها كانشقاق القمر او انشقاق البحر. علوم الفيزياء المرفوضة في الكويت تثبت ذاتها بذاتها حتي ولو لم يكن هناك راصدا او مشاهدا لها من بني البشر. فقوانين الموائع والغازات تشجب عصا موسي وديناميكا نيوتن تدحض انشقاق القمر. هكذا اخرجت الطبيعة حقائق الوجود ردا علي الاية القرآنية “وقل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا”.
الايمان يمنع التشكيك في صدقية النصوص الاسلامية لكن اي عاقل عليه الالتزام بقدر ولو ضئيل من الامانة الفكرية والعقلية بالقول ان قوانين الطبيعة الاجبرارية والملزمة والحتمية والتي لا لسان لها او اعضاء تشهد عليهم يوم القيامة هي التي تشكك. لهذا فان عداء المجتمعين لها في الكويت كان مبررا، فالحفاظ علي الجاهلية هو هم عربي وواجب قومي اولا واخيرا. لكن المسخرة الحقيقة تكمن في فلسفة العرب القائلة ” الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها فهو اولي بها”. المهزلة في ان العرب المحتفظين بجاهليتهم بكل استنطاع وتطفل يريدون نهب وسرقة الحكمة والتكنولوجيا التي لم يجدوها في القرآن رغم انه القائل “يؤتي الحكمة من يشاء” وايضا “وما فرطنا في الكتاب من شئ”. فلم نشأ حتي يومنا هذا ان نجد سوي مؤتمرات الجهل والانتهازية في الكويت، وزغاليل تكذب علنا علي ما تعلموه في بلاد اسحق نيوتن، وتكذبهم الماده الجماد الصادقة التي لم تكذب علي نفسها او علي من آمن او كفر علي حد سواء. فاين الحكمة إذن يا ايها المشايخ والدعاة؟ افيدونا قبل ان يلحقنا الكفر ونحن لكم، وما زلنا، منصتون، ليس تطوعا انما مجبرين لوجود تكنولوجيا الفضائيات في بيوتنا تبث برامج من قنوات كلها مشبوهة.
elbadry1944@gmail.com
• القاهرة