منذ عامين تقريبا كتبت مقالا تحليليا عن برنامج عمل تقدمت به حركة الإخوان المسلمين يشتمل على ما ينبغي أن تكون عليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر في حال وصولهم للحكم وهم يرون أن البرنامج ما هو إلا تطبيق للشريعة وفلسفة الحكم في الإسلام، وقد نشر المقال في عدد كبير من المواقع ومن ثم فانه لا داعي لتكرار ما ورد به ولكنني فقط بصدد تناول بعض الجوانب غير المنطقية والخطيرة على مستقبل مصر والتي وردت في هذا البرنامج عسى أن تتدارك القيادات المستنيرة في الحركة الأمر وتتعامل مع هذه القضايا بواقعية وعقلانية.
وأول هذه القضايا نظرة الإخوان الدونية للمرأة واعتبارها لا تصلح لقيادة الدولة وأن مكانها الطبيعي هو البيت ورعاية الأسرة. والحقيقة أن كل الشواهد حولنا تنطق بعكس ذلك، فنتيجة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها كل الأسر المصرية تقريبا فان ملايين النساء تركن البيت وخرجن إلى العمل والمرأة بطبيعتها وفطرتها أكثر تنظيما من الرجل ولذلك نجدها تعمل موظفة وفي نفس الوقت ترعى أسرتها خير رعاية. وقد قرأت في أحد الأبحاث أن أبناء المرأة العاملة أكثر تفوقا في دراساتهم من أبناء المرأة التي لا تعمل، كما أنه معروف علميا أن الرجال والنساء الذين يعانون من ضغط العمل يكونون أكثر تنظيما وكفاءة في إدارة الوقت من هؤلاء الذين لا يعانون من أي ضغوط والسبب كما يقول علم الاقتصاد أنه عندما يقل عرض أي شيء (وهو الوقت هنا) تزداد قيمته ونحن نميل بالفعل إلي تنظيم الوقت المتاح لدينا بشكل صارم ودقيق عندما يكون محدودا، فإذا كانت المرأة تعمل في كل المجالات فما الذي يمنع أن تتولى قيادة الدولة لو أنها تتمتع بمؤهلات هذه القيادة؟
والأكثر من هذا أن تاريخ البشرية مليء بقصص نساء كانوا أكثر تفوقا من الرجال في قيادة دولهم مثل مارجريت ُثاتشر، انديرا غاندي، جولدا مائير وحاليا أنجيلا مركيل.
ونصيحتي للإخوان هنا أن يعيدوا النظر في هذه الجزئية من برنامجهم وأن يقروا بمبدأ المساوة بين الرجل والمرأة التي لا تشكل فقط نصف المجتمع ولكنها أيضا ترعى نصفه الآخر سواء في شكل أم أو زوجة أو أخت أو حتى ابنة.
الجزئية الأخرى في برنامج الإخوان والتي تصطدم مع المنطق بقوة هي قناعتهم بأن رئيس مصر لابد أن يكون مسلماُ وهم بهذا يهدمون أول مبدأ تقوم عليه كل الدول المعاصرة وهو حق المواطنة المتساوي لكل من ولد وعاش على تراب مصر، فكما أن الإنسان لا يختار لونه أو شكله أو طوله أو عرضه أو صحته أو حتى والديه و أخوته وأسمه….الخ فإنه أيضا لا يختار دينه وكما أنه من الظلم بما كان أن نحكم على الإنسان أو نحدد مكانته الاجتماعية حسب لونه أو حسب وجاهة أسرته أو وسامته فإنه من غير العدل أن ننكر على القبطي حقه الكامل في المواطنة لمجرد إنه ولد قبطياً. إننا بهذا نشعر الأقباط بأنهم غرباء في بلدهم وهذا في حد ذاته دافع لقتل روح الانتماء لديهم وهذا شيء طبيعي في أي وطن يشعر فيه الإنسان انه مواطن درجة ثانية لمجرد أنه ولد على غير دين الأغلبية.
ولو أن قيادات الإخوان تتمتع بالحد الأدنى من الكياسة والحنكة السياسية لأدركوا أن من شبه المستحيل في ظل أجواء الشحن الطائفي التي تعيشها مصر هذه الأيام بكل أسف أن يتولى قيادة مصر حالياَ أي قبطي مهما كانت كفاءته، وبالتالي فلو أن برنامجهم نص على حق الجميع في الترشح لمنصب الرئاسة لكان هذا النص تحصيل حاصل ولا يمكن تحققه باعتبار أن مصر ذات غالبية مسلمة وأنها لم تنضج بعد إلى المستوى الذي نتجاوز فيه عن مسألة الاختلاف الديني كما هو حاصل في دولة مثل الهند التي كان رئيسها مسلماً ورئيس الحزب الحاكم فيها سيدة إيطالية ورئيس الحكومة من السيخ وكل هؤلاء أقليات في الهند.
وحالياً أيضاً فإن من يحكم أمريكا رئيس أسود من أب مسلم، ويمكنني أن أذكر عشرات الأمثلة من أوروبا كما يعرف كل المقيمين فيها.
وحتى لو حصلت المعجزة وتم انتخاب رئيس قبطي لمصر فما هي المشكلة طالما أن هذه هي رغبة الأغلبية المسلمة؟!
إن خوف الجميع من الإخوان المسلمين وبرنامجهم دفع بأقباط مصر بقيادة البابا شنودة والكثير من المصريين بالإضافة إلى أوروبا وأمريكا بكل أسف إلى تأييد سيناريو توريث مصر إلى ابن الرئيس الحالي،ولو كتب لهذا السيناريو المهين النجاح فإن التاريخ سيسجل في صفحات العار أن الإخوان دفعوا بمصر إلى هذا الدرك السحيق وسيحملهم وحدهم مسؤولية استمرار تردي الأوضاع فيها.
ومرة أخرى فإنني أنصح إخوان مصر أن يعيدوا النظر في مواقفهم وبرنامجهم وألا يضعوا أنفسهم في صدام مباشر مع المنطق ومع بديهيات السياسة بل ومع العالم كله. والله من وراء القصد.
mahmoudyoussef@hotmail.com
مستشار اقتصادي مصري