عندما تعجز الدولة عن تقديم السلع السياسية وفي مقدمتها الأمن تصير فاشلة
أصبحت اليمن موقعاً لجنرالات وأمراء الحرب و«الفيد» والإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة
حين يصبح الاختطاف صناعة وطنية والتهريب ممارسة رسمية تكتمل الصيغة المتطرفة لفشل الدولة
تتشابك روابط فشل الدولة مع خيوط الإرهاب الداخلي والدولي وشبكات تجارة السلاح والمخدرات وعناصر الحرب المستدامة
إنه هو:
جسد متعفن يتحلل إلى عناصره الأولية ويتفسخ، يتفكك، يتهتك، ويتناثر الى مزق وأوصال تتطاير وتتبعثر في الأرجاء بفوضى أرجوانية عربيدة لا يحتويها النظر.
تلك هي حالة يمن اليوم وبالأحرى ما يسمى بـ”الدولة” في اليمن وهي لن تتبدل تبعاً لمزاج المراقبين الدوليين الذين يحذرون من أيلولة اليمن إلى دولة فاشلة بلغة تتعامى, عن قصد أو بغيره, عن تضافر وتكاثر علامات ومؤشرات الدولة المنهارة في اليمن وهي “صيغة متطرفة من الدولة الفاشلة” ويقال ان الانهيار هو المرحلة الأخيرة من فشل الدولة.
وإذا ما افترضنا بوجود دولة في اليمن, فمن الواجب الإقرار بأن علامات انهيار تلك الدولة صارت هي التي تحدد إطار المشهد الراهن في اليمن، وترسم تجاعيده وأخاديده وتغضناته وملامحه العنيدة, ما يدعو الى عرض ابرز تلك المؤشرات والعلامات التي تنطبق على اليمن بالحذافير رغم انها استخلصت من الدراسات المعمقة لأوضاع دول سبقت اليمن في الانهيار والفشل.
أبرز مؤشرات الانهيار في اليمن
يفيدنا التوصيف الدولي لـ”الدولة الفاشلة” ومؤشرات وعلامات انهيارها بما يلي:
* عندما تعجز الدولة عن تقديم السلع السياسية الاساسية وفي مقدمتها الامن، يصبح الفساد واللاقانون مصدرين للرزق, تفقد الدولة شرعيتها وتصير فاشلة.
* تعد الدولة الفاشلة موقعاً لاستضافة الفاعلين من خارجها ومرفأ لهم وجنرالات وأمراء حرب وجبهات وطوائف وعصابات جريمة منظمة وإرهابيين و….الخ.
* تتسم الدولة الفاشلة بالتوترات والصراعات والنزاعات العميقة والشرسة والمواجهات المسلحة والدموية بين جماعات “الحكومة” والجماعات المسلحة الأخرى.
* في بعض الأحيان تواجه السلطة الرسمية في أي دولة فاشلة حالتين أو أكثر من حالات العصيان والتمرد, وتمور الأجواء بالقلاقل وموجات السخط والاستياء والغضب الموجهة نحو المتنفذين الفاسدين من عناصر الأقلية أو العائلة الحاكمة.
* يمكن تعريف الدولة الفاشلة بالعنف المستمر والطابع القوي والحدي لمطالب قوى الاحتجاج والتمرد والاعتراض الجهوي أو الطائفي حيث ترتفع نبرة الدعوة إلى الاستقلال وحق تقرير المصير و….الخ.
* كلما تصاعدت حدة العنف ووصل إلى درجة الحرب صار انهيار الدولة وفشلها هو الحقيقة الوحيدة الأكيدة.
* تتجلى أسوأ علامات فشل الدولة في ضعف شعور الناس بالانتماء لوطن ودولة وحين يلوذون بأطر الاحتماء والانتماء السابقة: القرية، القبيلة، العشيرة، الطائفة، ويستنجدون برابطة الدم والنسب والقرابة، وتصير هذه الأطر موردهم الأساسي ومصدرهم الوحيد للأمن وكسب الرزق؛ تحت لواء الوجاهات والزعامات القيادية القوية لهذه الجماعات.
* لا تستطيع الدولة الفاشلة إحكام السيطرة على منافذها وحدودها البحرية والبرية والجوية، كما تفقد السيطرة على أجزاء ومساحات كثيرة من أقاليمها الداخلية وتتركز وتقتصر عناصر السيطرة في الغالب على العاصمة وتعتمد في السيطرة على العاصمة والأقاليم الأخرى على أدوات القمع وافتراس المواطنين وزجهم في تناحرات داخلية مهلكة. ومع تصاعد عمليات قمع عائلة الحكم لغالبية السكان, ومع تفشي ممارسات الابتزاز والتحرش بالجماعات الأهلية غير الموالية, يتزايد اعتماد حكم العائلة على نظام الرعاية القائم على التملك والاستيلاء على حيازات وممتلكات المواطنين وكذا الممتلكات العامة، وتستمرئ هكذا «دولة» المغامرة باتجاه المزيد من الفشل, عن طريق استثارة ردود الفعل الموازية من جانب الغاضبين والمتمردين إلى أن تنحط وتتسفل وتتحول إلى دولة إجرامية قامعة ملطخة بدماء المقموعين بضراوة وتفلت مدعومين بغياب القانون.
* مع غياب القانون تتنامى العصابات و”المؤسسات” الإجرامية وتسيطر على شوارع وأحياء في العاصمة والمدن وعلى مناطق ريفية وقبلية كاملة وتنتشر تجارة السلاح والمخدرات, وتعربد الفوضى وتتفشى وتصبح هي العرف السائد ويلجأ الحيارى والرعايا العزل من اي سلاح او حماية للشوس من قادة الحرب و”الفتوات” والقبضايات وزعماء الميليشيات والمشايخ والشخصيات القوية المعبرة عن التضامن العرقي والعشيري؛ وتبعاً لذلك تبرز الكثير من القوى وعناصر القوة ويحدث ذلك حين يكون كل شيء آخر بما في ذلك الدولة في حالة تفتت وانهيار.
* تنعدم مبررات وجود الدولة عندما تفقد قدرتها على تأمين السلع السياسية الأساسية الأخرى التالية لسلعة الأمن ومنها الخدمات التعليمية والصحية والقضاء النزيه والمستقل وسيادة القانون.
* تدهور وخراب البنية الأساسية من السمات التقليدية للدولة الفاشلة التي لا تستطيع تقديم السلع السياسية والاقتصادية. وإذا ما كانت تلك السلع متوافرة فهي تفتقد للصيانة والتجديد والاستثمار وينسحب ذلك على وضع شبكات الكهرباء والمياه المتهالكة.
* ومع خراب الخدمات وتدهورها ودمارها تتعمق الانقسامات والتشظيات, ويسود منطق التفضيل والتمييز وتتوزع المواطنة إلى درجات بحسب معايير وأهواء الأقلية الحاكمة ولحساب تهميش الأغلبية المحرومة والجائعة, ويتعاظم ثراء حاشية الحكم كلما تفاقم إفقار الأغلبية ويتزايد الثراء عبر العمليات المشروعة وغير المشروعة والمضاربة بالعملة والنهب والتهريب الذي يصبح ممارسة رسمية، والاختطاف الذي يصير صناعة وطنية. ويجنح الحكام الى الاشتغال على اقتصاد الفتنة, والاستفادة من قاعدة «فرق تسد» ويستثمرون حالة الخوف وانعدام الأمان لتعظيم ثرواتهم وتوسيع دوائر نفوذهم وهيمنتهم, ويشنون غاراتهم المتلاحقة على البنك المركزي كلما احتدمت الأزمة وشحت موارد العملة الصعبة ولا يتورعون عن طبع المزيد من أوراق العملة الوطنية والبيع الوهمي لأذون الخزانة ولو أفضى ذلك الى اكتمال حلقات فشل الدولة بجعل العملة الوطنية بلا قيمة تذكر.
* مع الانهيار المؤسسي يتولى الفاعلون الفرعيون زمام الأمور وتصبح البلاد نهباً للناهبين من كل الجهات والجبهات وتزدهر الفوضى وتصبح الجماعات المسلحة سواء تلك المحسوبة على الدولة او المتناثرة والمتناحرة في أرجاء متفرقة من البلاد، سيدة الموقف ولا تنقطع تلك الجماعات عن الإغارة على الأراضي, وعن التنازع وخوض حروب السيطرة على المناصب والمراتب وعلى المنافذ الايرادية والجمركية والضريبية وتصبح ممارسة العنف خبزاً يومياً ونوعاً من التسلية ورياضة قومية في أكثر الأحوال.
وكما يقترن فشل الدولة بانتشار الجماعات المسلحة فإن فراغ السلطة او الفراغ الناتج عن فشل الدولة يجتذب الضالين والضالعين في العنف والجريمة من كل صنف, والجماعات المتطرفة والإجرامية والإرهابية في الداخل والخارج ويتلابس حضور “القاعدة” مع المهربين وتجار المخدرات والسلاح وشبكات جنرالات الحرب والقراصنة, ويلتحق العشرات بل المئات والآلاف من الشباب العاطلين عن العمل بزعماء تلك الجماعات المسلحة وتنتفخ جيوب التمرد وحركاته وتتشابك روابط الدولة الفاشلة مع خيوط الإرهاب الداخلي والدولي وغير ذلك من الشبكات الاخطبوطية والخفية ويصبح الفساد مقززاً وتصير محاولة قراءة الوضع برمته ضرباً من التخمين والتنجيم والتجديف وتستعطي إمكانية تحديد بداية خط الانهيار او أطرافه وضفافه. وفي ذلك يتجلى مغزى القول انه: “في السياسة يصعب تحديد متى وكيف يمكن ان يحدث الانهيار”.
ويقول البعض إن جذر المشكلة يكمن في طبيعة الحكم نفسه وفي اللاشرعية السائدة في اعلي مستويات الحكم: في الرشاوى والاختلاسات والنهب والتدمير المنهجي للمؤسسات, وفي التوظيف القائم على المحاباة والمحسوبية والمفتقر الى الحد الأدنى من الكفاءة والأهلية, وفي اتخاذ الخطأ, بل الخطايا, لطابع التسلسل الهرمي الناظم لنظام الفوضى والعشوائية والاعتباط, وفي الفاسدين الذين يحمون أنفسهم عبر تدمير عنصر المسؤولية لدى أتباعهم, وفي دولة فاشلة تضم مؤسسات هشة، متصدعة، صورية، جوفاء وغير فعالة، وفي اختلال وظيفي وإداري, واستحواذ قلة من المتنفذين الفاسدين على ثروات ومقدرات البلاد إلى الدرجة التي سمحت لهم اعتماد موازنات إضافية غير مبررة بمليارات الدولارات, وسمحت لبعضهم بانتزاع منح دراسية خارجية لأولادهم بقيمة مليون دولار لكل منحة وعلى حساب وزارة النفط وعلى أنف الآلاف من الطلاب المتفوقين من أبناء الفقراء الذين لم يحصلوا على حقهم في التعليم والعمل.
ويقول آخرون إن جذر المشكلة يكمن في التدمير المنهجي لمؤسسات الدولة عبر توريث الفساد, وفي ظل غياب القانون وعجز الحكومة عن القيام بأي إصلاحات, بل وتحايلها على الإصلاحات وانفضاحها كحكومة لا تريد ان تتراجع من مسيرتها الظافرة نحو الانهيار التام وكأنها مأمورة بإنجاز هذه المهمة من قبل «الباب العالي».
ومع انهيار المؤسسات وشبكات الرعاية ازدهر الفساد على نطاق تدميري وبشتى تلاوينه: الفساد المعتاد، المركب، الفاجر، العابر للحدود والقارات، واستولت الجماعة الحاكمة على جميع مجالات العمل التجاري, وتوكيلات الشركات النفطية والمقاولات من الظاهر والباطن وذلك بالإضافة إلى ما سبق لها الاستيلاء عليه من مقاطعات وإقطاعيات ويقال «مؤسسات» وجميعها ايرادية مربحة، وبالإضافة إلى تحكمها بالمفاصل الحساسة في الجيش والأمن وغير ذلك.
وحرصت هذه الجماعة على اعتماد نهج الابتزاز والمغالطة والتزوير, وصارت الإحصاءات الصادرة عن الجهات والمؤسسات الحكومية الرسمية غير جديرة بالثقة، وانجرفت القلة الحاكمة في غواية النهب و«الصفقة» السريعة, وصارت تبيع ما تبقى من الثروات الكامنة تحت الأرض والكائنة عليها بأثمان بخسة, وتستخدم ما تبقى لديها من قوة لتوسيع امارة الاستيلاء والغنيمة, واستملاك القطاعات الايرادية والمثابرة على تصفيتها ونخرها من الداخل وتحويلها إلى إقطاعيات وغنائم شخصية حتى تحولت «الدولة», بما فيها ومن فيها, إلى ضيعة مملوكة لـ«عائلة» وحاشية تقطعت أواصر انتمائها لشيء اسمه الوطن او «الدولة», وفتحت الباب واسعاً لاستنجاد ملايين المحرومين والمقموعين بأواصر الولاء المرتبطة بالدم والنسب والقرابة.
لئن كانت مؤشرات وعلامات انهيار الدولة الواردة أعلاه, تمثل الصيغة المتطرفة لفشل الدولة في أي مكان؛ فهي ماثلة للعيان في اليمن وينبغي الأخذ بالاعتبار ان تلك العلامات قد استخلصت من قبل علماء وخبراء في حقل السياسة الدولية.. وإزاء مؤشر فشل الدولة الناجم عن غياب القانون, وانفساخ المجال أمام الميليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة, والعنف والتقطع والاختطاف يمكن التلويح بـ: “الحوثيين” وجماعات الجهاد و«القاعدة» ومعسكراتها وميليشيا طماح في العسكرية, بيافع والعصابات المنظمة والمسلحة في العديد من أحياء العاصمة والنقاط والمفارز العسكرية القائمة والمرتجلة في أرجاء متفرقة من البلاد وإمارة “الجعاشن,” ومشيخة ” الفاشق “(2)، وكرات اللهب التي تتدحرج في الكثير من الأرجاء.
ويمكن الاستشهاد بما جاء على لسان رئيس أركان الأمن المركزي العميد يحيى محمد عبدالله صالح الذي استغرب اعتماد المراجع العليا في البلاد على وساطة تاجر سلاح للتفاوض مع الحوثيين – راجع صحيفة الوسط 1 يوليو2009 – وهي إشارة تقطع بأن تجارة السلاح مهنة رسمية وقيادية نافذة وما خفي بشأن تجارة المخدرات تجيب عليه النشرات الإخبارية والتقارير الأمنية السعودية حول إفشال الكثير من عمليات تهريب المخدرات الضخمة والخطيرة من اليمن الى السعودية وغيرها.
أما بشأن عمليات النهب والتهريب فتلك ممارسات يقوم بها الضالعون في الحكم وهي رسمية بالمعنى الواسع للكلمة.. وبالنظر إلى المؤشرات والعلامات على فشل الدولة المستخلصة من قبل خبراء دوليين مختصين في دراسة تجارب دول أخرى مثل الصومال, سيراليون, زائير, بورندي, واخضعوا الأقليات الحاكمة والزعماء اللصوص فيها لمشرط التشريح السياسي النفسي السريري.
وبما ان تلك المؤشرات والعلامات أصبحت تتفاعل وترتسم على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه في جهات اليمن الأربع؛ فقد صار من الضروري بمكان انجاز مهمة تعبئة الخانات الفارغة أمام كل مؤشر وعلامة من علامات انهيار الدولة الفاشلة في اليمن، وتلك مهمة لاحقة يأمل محرر هذه السطور إنجازها لتبيان علامات الانهيار المتطرفة للدولة الفاشلة في اليمن بموضوع لاحق.
*
# هامش
(1) الدولة الفاشلة “الثقافة العالمية” 117 مارس – ابريل 2003
(2) الجعاشن / الفاشق: مناطق يملكها ويحكمها المشائخ بكل ما فيها من بشر ، وشجر وحجر .
اليمن صيغة متطرفة لفشل الدولة(1) الفشل العربي العظيم القادم. استمرارية الاعتقاد بان هناك شخصا ما( ميتافيزيقي) المصدر , بإمكانه إن يقوم بإنقاذ – اي بلد – اليمن من الورطة التي وقع فيها , المصيبة التي حلت علية , أمر مخالف للمنطق إطلاقا . عندما تكون طريق الخلاص مبهة فصورة شخصية المنقذ لا بد إن تكون مبهمة ايضا , فالإنسان ذات الثقافة العربية بدون استثناء مثل الإنسان حامل الثقافة الروسية لدية اعتقاد بان شخص واحد قادر على تغيير الواقع, ويجعل السيئ جيد, والفاسد مصلح,…..,.. ولكن آدا جرى شيء من هدا القبيل فأنة لفترة زمنية محددة وليس أبدية, استالين , صدام ,… قراءة المزيد ..