باريس (رويترز) – يقول الفيلسوف الاسباني المولد جورج سانتايانا “هؤلاء الذين لا يستطيعون تذكر أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها.”
في ايران يتذكر الجانبان الماضي. ويحاكي النشطاء الداعون للديمقراطية تكتيكات الثورة الاسلامية بينما تسعى السلطات الى تجنب أخطاء الشاه في ظل محاولتهم الدفاع عما يعتبرونه النظام الشرعي.
وترفض السلطات أي مقارنة بين أحداث عامي 1978 و1979 والاحتجاجات الحاشدة التي نشهدها هذه الايام على اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد المتنازع عليها. لكن الاجراءات الصارمة واراقة الدماء في شوارع طهران تعيد للاذهان الذكريات بضراوة.
وينحي الزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي باللائمة في الاحتجاجات على ما وصفها بالقوى الغربية المعادية و”الارهابيين”. وقد ألقى بكل ثقله وراء احمدي نجاد.
وشكلت توليفة قوية الاقناع من القيادات في الداخل والخارج الثورة في عامي 1978 و1979 مستغلة المساجد وشرائط الكاسيت لنشر الخطب المناهضة للشاه لاية الله روح الله الخميني الذي نفي في البداية الى العراق ثم في وقت لاحق الى فرنسا.
واستغل الثوريون مجالس العزاء التي تقام في اليوم السابع واليوم الاربعين بعد كل وفاة في احتجاجات جديدة وهو ما كان يسفر عن “شهداء” جدد للقضية.
وترددت أصداء الثورة ضد الشاه في أنحاء بلدات وقرى بالاقاليم. ومن بين اكثر التكتيكات تأثيرا اضرابات عمال النفط الذين عطلوا انتاج السلعة التي تدر معظم دخل البلاد فضلا عن تجار الاسواق الذين كانوا يمولون رجال الدين المتمردين.
ونادى مرشح المعارضة الرئيسي مير حسين موسوي الذي يقول ان السلطات سرقت انتصاره باقامة مواكب جنائزية حدادا على المتظاهرين الذين قتلوا في الاحتجاجات.
كما دعا الى تنظيم اضرابات اذا تم اعتقاله. لكن لم تظهر بوادر على اضطرابات عمالية حتى الان ويبدو أن تجار الاسواق موالون للنظام الحاكم حيث ازدهرت تجارتهم التي تعتمد على الواردات. وتتمتع الحكومة فيما يبدو بسيطرة محكمة على صناعة النفط التي يظل عائدها ضروريا لتمويل الانفاق العام ومكافأة الموالين.
واثناء الثورة كانت اخبار الاحتجاجات والاضرابات والوفيات تنقل بالهاتف الى الخارج من خلال شبكات للمقاومة ويعاد بثها لايران عن طريق الخدمة العالمية لهيئة الاذاعة البريطانية ومحطات اذاعية أخرى تبث ارسالها على الموجة القصيرة.
وحين كنت مراسلا شابا في باريس انهالت علي المكالمات الهاتفية التي تروي وقائع لا يمكن التأكد غالبا من صحتها في ايران من معارضين في المنفى مثل ابو الحسن بني صدر وابراهيم يزدي.
وأصبح بني صدر أول رئيس منتخب لايران عام 1980 قبل أن يتم عزله في العام التالي ونفيه مجددا الى فرنسا. ولا يزال يزدي الطبيب الذي تدرب في الولايات المتحدة والمساعد المقرب من الخميني يرأس حزب الحرية الايراني في طهران وتم احتجازه لفترة قصيرة في الاسبوع الماضي.
ويستخدم نشطاء المعارضة في يومنا هذا تكنولوجيا التواصل الاجتماعي على الانترنت مثل موقعي فيس بوك وتويتر بنفس الطريقة التي استخدم بها أتباع الخميني شرائط الكاسيت والهاتف لنشر الاخبار وتنبيه وسائل الاعلام.
ولديهم شبكة واسعة النطاق من الانصار في الخارج الذين يديرون مواقع الكترونية ومحطات تلفزيونية. على سبيل المثال يستغل المخرج الايراني المعروف محسن ماخمالباف وضعه كشخصية شهيرة في خدمة المعارضة بتحدثه بالنيابة عن موسوي في البرلمان الاوروبي ووسائل الاعلام الفرنسية.
وفي داخل ايران حاكى نشطاء تكتيكات ثورية بتنظيم احتجاجات في الليل هاتفين “الله اكبر” و”الموت للدكتاتور” من على أسطح منازلهم وتعلو أصواتهم حتى يبلغ صداها جبال البورز فوق شمال طهران.
وبالنسبة لنشطاء حقوق الانسان انذاك كان خطأ الشاه الاكبر هو تنفير الشعب بممارسة التعذيب واراقة الدماء ويقول بعض المؤرخين ان الشاه كان شديد الضعف والبطء وغير حازم في قمعه.
وحين حاول اتخاذ اجراءات صارمة كان اوان وقف الحركة الجماهيرية قد فات واهتز ولاء قوات الامن التابعة له. وعندما حاول متأخرا التواصل مع المعارضة رفض الخميني كل تسوية وحكم على المتواطئين بالاعدام.
ومن بين الدروس الرئيسية التي استقاها الخميني وخلفاؤه من الثورة الحاجة الى تقسيم قوات الامن مع تشكيل أجهزة ثورية موازية على كل مستوى لضمان الولاء للسلطات ومنع اي انقلاب محتمل.
ولا يزال هذا النظام مستمرا حيث تشارك شرطة مكافحة الشغب وميليشيا الباسيج والحرس الثوري في اخماد الاحتجاجات باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات وفي بعض الحالات الذخيرة الحية.
وتشك قلة من الايرانيين في أن السلطات عقدت العزم على سحق حركة الاحتجاج. والسؤال هو ما اذا كان هذا سيزيد هوة الشقاقات اتساعا في المؤسسة الدينية ويولد مقاومة طويلة المدى يمكن أن تقوض النظام الثوري.