شدد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، على “أن تداول السلطة هو الركيزة الأساسية لأي نظام ديموقراطي، وأن الدولة القوية القادرة والعادلة وحدها تحمي الجميع ومن دون استثناء”. ولفت الى أن “المطلوب من رئيس الجمهورية التوافقي والتوفيقي ليس إدارة التوازنات إنما بلورة الحلول المتوازنة وفرض هذه التوازنات وضمان قيامها، والحسم دائماً وأبداً لمصلحة الوطن الواحد ومصالحه الوطنية العليا”.
سليمان أشار الى أن الحكومة الجديدة “ومهما كانت نتائج الانتخابات يجب أن تعكس في تشكيلها روح الدستور الميثاقية”، داعياً الى “حكومة جامعة، واعدة، حاضنة، حكومة ضامنة، بكل أطيافها ضامنة وليس بجزء منها. فالجزء لا يضمن الكل. بل العكس هو الصحيح”. مؤكدا “أن الحفاظ على روح الطائف والدستور هو واجب الجميع وحق هذا الوطن علينا”، مشيراً الى أن “لا مكان في الميثاق للمثالثة، بل للمشاركة الكاملة في الحفاظ على وطن الأرز”.
كلام سليمان جاء في احتفال نظمه اتحاد بلديات جبيل وبلدية عمشيت بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لتوليه سدة الرئاسة، في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري وعقيلته، ورئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وعقيلته، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، ونائب رئيس مجلس الوزراء عصام أبو جمرة، وعدد من الوزراء والنواب، وقائد الجيش العماد جان قهوجي ورؤساء الأجهزة الأمنية، ورئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مارتينوس، ورؤساء بلديات ومخاتير قضاء جبيل، وحشد من الشخصيات.
وقال الرئيس البناني : “إن وطنكم ليس من التاريخ ولن يكون، إنما هو كان وسيبقى، من صنّاع التاريخ. إن وطنكم ليس ساعي بريد ولن يكون، إنما هو كان وسيبقى الرسالة. إن كل ما تحقق خلال السنة المنصرمة كان نابعاً من إرادتكم اللبنانية الجامعة. لقد كان التحدي كبيراً، لكن الهمم كانت أكبر. معاً استرجعنا مكاننا بين الدول والمنظمات الإقليمية والدولية من خلال سياسة واحدة لدولة موحدة ينطق بها رئيس الدولة، الأمر الذي حتّم على الدول كافة، شقيقة كانت أم صديقة، التعاطي معنا من دولة لدولة. أمر كان عزّ علينا منذ زمن”.
أضاف: “إن القمم التي عقدناها مع الملوك والأمراء والرؤساء، ومشاركتنا الفعّالة في المؤتمرات العربية والدولية كانت لإعلان موقفنا وإسماع صوتنا، مؤمنين بحقنا ومتمسكين بدورنا، فتحرير ما تبقى من أرضنا المحتلة واجبنا، وحوار الأديان وتعميم النموذج اللبناني غايتنا، والسلام العادل والمشرّف والشامل مطلبنا وفق ما أجمعنا عليه في المبادرة العربية، وتنقية علاقاتنا مع الدول هدفنا، ورأب الصدع بين الأشقاء رسالتنا”.
وتابع سليمان: “صحيح أن العلم اللبناني رفرف فوق سفارتنا في دمشق، لكن الأكيد أنه لم يغب يوماً من قلوب أبنائها. فما ينظمه القانون الدولي من أصول للعلاقات الديبلوماسية إنما يهدف إلى تصحيح وإزالة أي شائبة قد تعتري علاقات البلدين المعنيين”.
أضاف: “عام مضى، استطعنا خلاله أن نعيد ثقة العالم بوطننا، وثقة المغتربين في بلدهم. إن نجاحنا بتفادي آثار الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد في لبنان رسّخ ريادة دوره، وجذب الاستثمارات إلى بلدكم، فتعالوا نعيد الزمن الجميل إليه وتستعيدون فيه مكاناً ومرقداً. لم يعد لبنان منصة لخرق القرارات الدولية، ولم تستطع الصواريخ المشبوهة أن تعبث بأمن الجنوب والوطن. إن مقاومة العدو الإسرائيلي يكون صورة عن الذي جرى في لبنان وأدى إلى تقهقر العدو بتلاحم المقاومة والجيش والشعب. وهذا ما تُرجم ليس فقط في ايار 2000، بل تجلى أيضاً في تموز 2006. لقد درج العدو على إرباك الوضع وتعطيل مواسم السياحة، وتهريب المستثمرين، إلا أنه وبعد تلاحمنا في الدفاع عن أرضنا وكرامتنا، والهزيمة التي مُني بها، أيقن أن لعدوانه حساباً أليماً، وأن الاعتداء على الوطن وشعبه بسبب أو بدون سبب، زمن مضى ولن يعود”.
وقال: “لم يعد لبنان ساحة للصراعات الدولية، لم يعد كرة يتقاذفها اللاعبون، فهذا بلدكم والقرار لكم، ولكم وحدكم، وطنكم لا يطلب منكم سوى أن تؤمنوا به. آمنوا بالمؤسسات، بجيشكم والقوى الأمنية، ابقوا كما كنتم متحدين معها في حربها على الإرهاب وهو الوجه الآخر للعدو، عندما غدر بجيشكم ساعياً إلى إرهابكم وفرض ظلامه على الوطن. وقد تمكّن بدعمكم من اقتلاعه من جذوره. إن الدماء الذكية التي روت تراب الوطن أنبتت الكرامة والمجد فكان عبرة لمن يحاول زعزعة الاستقرار. وابقوا سنداً لجيشكم والقوى الأمنية في تصديها للعدو الإسرائيلي في مطاردة شبكات عملائه والقبض على افرادها، وهي تتهاوى يوماً بعد يوم وتُهزم أوكارها، وتُحبط المؤامرات. فأثبتنا مرة جديدة أن الدولة القوية القادرة والعادلة وحدها تحمي الجميع ومن دون استثناء”.
وتطرق سليمان الى موضوع الانتخابات بالقول :” إن القانون الحالي ليس مبتغانا، وأن النظام الأمثل قد يكون باعتماد النسبية التي تؤمن تمثيلاً صحيحاً لكل الآراء والقوى ويبعد شبابنا عن الاصطفافات الطائفية والتجاذبات السياسية، ويعمق إنخراطهم في مجالات العلم والابداع من منطلق الالتزام بالمواطنية الصحيحة”.
وأكد سليمان “أن تداول السلطة هو الركيزة الأساسية لأي نظام ديموقراطي. من حقكم أن تختاروا من ترونه الافضل ومن واجبكم العمل لإيصاله. لكن الأهم هو القبول بالنتائج. فالتنافس سينتج عنه رابح وخاسر، لكن مسؤولية الخاسر ستكون أكبر إذ تقع عليه مهمة المراقبة والمتابعة والمساءلة”، مخاطباً اللبنانيين بالقول “إن تمسككم بالمؤسسات الشرعية الدستورية يجب أن يبقى القاسم المشترك بينكم، فهي الضامن ولا أحد سواها، ولتأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها بالكامل. لا اختلاف حول الهوية، لا تنازع حول نهائية الوطن، لا مساومة في رفض أي شكل من أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين، لا حياد في القضايا القومية، وإن العدو واحد”.
وأردف سليمان: “نبدأ مع الثامن من حزيران يوماً جديداً، فيه ينجلي غبار المعارك الانتخابية وتعلن شمس هذا النهار، لكافة الفرقاء، بداية ورش الإصلاح في الإدارة والقضاء، في الاقتصاد والسياسة، في اللامركزية الإدارية، في العمل الجاد والمبرمج للإنماء المتوازن، في تأمين العلم والطبابة للجميع، في تعزيز دور المرأة، في توفير بيئة نظيفة وفي استكمال إعطاء الجنسية لمستحقيها المغتربين، في ورشة تعزيز القوى الأمنية وتدريبها حتى لا تدمع عين أم ولا يرتعد طفل بعد اليوم”.
وقال: “ستقع على عاتق مجلسكم الجديد مسؤولية مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة التي ستتألف عملاً بأحكام الدستور والتي مهما كانت نتائج الانتخابات يجب أن تعكس في تشكيلها روح الدستور الميثاقية. حكومة لا تشبه إلا أنتم، حكومة تلبي طموحكم، جامعة، واعدة، حاضنة، حكومة ضامنة، نعم، بكل أطيافها ضامنة وليس بجزء منها. فالجزء لا يضمن الكل، بل العكس هو الصحيح”.
وشدد سليمان على “أن الإصلاح السياسي الذي نصبو إليه هو ليس انتقاماً من فريق لمصلحة آخر وليس تقاسماً للصلاحيات أو تنازعاً عليها، بل هو توزيع للمسؤوليات على من أوكلهم الشعب إدارة شؤونه، أولهم رئيس الجمهورية حامي الدستور وعليه تبعة الحفاظ على الدستور وحمايته، وبالتالي تمكينه من الفصل والبت بأي خلاف. فما هو مطلوب من رئيس الجمهورية التوافقي والتوفيقي ليس إدارة التوازنات إنما بلورة الحلول المتوازنة وفرض هذه التوازنات وضمان قيامها،والحسم دائماً وأبداً لمصلحة الوطن الواحد ومصالحه الوطنية العليا”.
وأكد “أن الحفاظ على روح الطائف والدستور هو واجب الجميع وحق هذا الوطن علينا. إن إلغاء الطائفية السياسية لا يعني إلغاء الطوائف وإلغاء النموذج اللبناني القائم على التنوع والحضارة الفريدة الناتجة عن تفاعل ثقافات الأديان. هذا النموذج أصبح حاجة للعالم أجمع. فلا مكان في الميثاق للمثالثة… بل للمشاركة الكاملة في الحفاظ على وطن الأرز. فالتنوع الطائفي موجود في معظم دول العالم، لكن ميزة الدستور اللبناني أنه يكرّس دوراً فاعلاً للطوائف في الحياة السياسية”.
وختم قائلاً: “جميلٌ أن نلتقي بعد هذا العام في جبيل ودنياي ههنا كانت لي نبعاً نهلت منه حب الوطن والتآخي. هذه المنطقة التي بقيت تجسّد في قراها وبلداتها ومدارسها وأفراحها وأتراحها قيمة الإنسان لأي دين أو طائفة انتمى، وبالتالي قيمة لبنان. جبيل النموذج، شكراً لك، ولكل جبيلي سلام”.