لقد اكدت الانتخابات الكويتية عدة مسائل اساسية. فالمجتمع الكويتي اكد انه يمتلك حسا لصالح التغير اكبر من الايديولوجيات والاطروحات السائدة بين القوى السياسية. اذ اكدت الانتخابات ان الحس العام هو الذي سيطر. فالمرأة فازت باربعة مقاعد في سابقة على قدر كبير من الحضارية، والاطروحات الاسلامية المتشددة تراجعت بسبب تناقضها مع الاعتدال والعقلانية. كما ان الرؤية المعتدلة للتعامل مع الازمة السياسية الكويتية تقدمت للامام وذلك كأنعكاس لوجود تيار عقلاني كبير في الساحة الانتخابية الكويتيه. لقد قدم الشعب الكويتي مساحة من الهدوء والاعتدال لاي حكومة كويتية قادمة وذلك بهدف التنمية وانجاز كل ما تأخرنا عن انجازه. لقد غيرت الانتخابات الموازين العامه في المجلس لصالح اغلبية مريحة قادرة على اخذ القرار على كل صعيد ممكن.
وامام هذا الوضع، كيف يمكن للحكومة ان تؤمن وضعا ناميا للكويت وتطرح شيئا جديدا؟ ان المسألة الاولى الان هي في تشكيل حكومة فيها عناصر قوة رئيسية، وتتضمن ادخال للاعبين الاساسيين في الساحة السياسية الكويتيه. وهذا يعني وجود تسوية سياسية واضحة المعالم بين ابناء الاسرة المؤثرين في الساحة وقبول دور واضح لهم في الحكومة مما يساهم في ضبط الوضع السياسي في المجلس.
اما من جهة اخرى فوجود حكومة كفاءات اصبح اساسيا للانجاز. لكن حكومة الكفاءات تتطلب توجها اصلاحيا على جميع الاصعدة الادارية. فهذا يشمل صنع القرار والرؤية المالية والتنموية والتعليمية للكويت. فكيف يمكن تطوير العلم بلا اصلاح التعليم، وكيف يمكن تطوير الجامعة والحياة الطلابية فيه في ظل قانون منع التعليم المشترك؟ ولكن كل هذا لا يكفي. البلاد بحاجة لنقلة نوعية في التعامل مع الحداثة. فرسالة الشعب هي رسالة حداثة. والحداثة هي اساسا ايمان بالفرد ودوره وحرياته الاساسية، وقناعة بالمساواة بين الرجل والمرأة، واصلاح للادارة، واصلاح التعليم لصالح المنافسة العالمية.
النقلة النوعية بحاجة لرؤية واضحة ايضا نحو التنوع الكويتي. فالنسيج الكويتي يتكون من فئات كثيرة. و كل فئه تشعر بأن الفئة الاخرى غريبة عنها ومختلفة. اذ تنظر كل فئه في الكويت الى ان الاخرى تهدف الى السيطرة على البلاد والاستئثار بخيراتها بمعزل عن بقية الفئات. هذه النظرة بين الحضر والقبائل وبين السنة والشيعة، وبين المتجنسين حديثا والمتجنسين قديما هي التي تهدد البلاد بتفكك اكبر وصراع شديد السلبية. فهل كما يقال احيانا ويكتب توجد مؤسسات في البلاد لا توظف احد من المذهب الجعفري؟ وهل توجد مؤسسات لا تتعامل مع ابناء البادية؟ الا توجد مؤسسات تميز بوضوح ضد المرأة؟ الا تحتاج البلاد لقانون واضح في مسألة التميز والعنصرية؟ وهل يمكن لقوانين البلاد ان ترتقي لتتعامل مع التميز بين الفئات وبين درجات الجنسية المختلفة في الكويت؟. ان قانون الاختلاط في الجامعة وقانون عمل المرأة بعد ساعات محددة نموذج لقوانين معادية للمرأة والمساواة والحقوق والتقدم.
ان الاوان لنظرة جديدة للمستقبل. الانتخابات الاخيرة اعادت الفرحة الى قلوب المجتمع و بنت حسا متفائلا كبيرا في اوساط كويتيه وعربية وعالمية. الفرحة لم تكن كويتيه فقط، بل وصلت الى كل من يهتم بمستقبل البلاد الاسلامية وتطورها. وضح للجميع اننا مثل غيرنا نسعى لان نمارس المساواة ونؤمن بالتغير. لكن متابعة التغير ستتطلب جرأة كبيرة ومقدرة على صنع القرار وبناء تسوية سياسية عملية بين اهم الاقطاب السياسية في الكويت.
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت