قد يبدو للوهلة الاولى ان الاجتماع الذي عقده وزراء الخارجية العرب في العاصمة الاماراتية ابو ظبي قد جاء خارج سياق الزمان والمكان، علما ان وقتا ليس بطويل قد انقضى على قمم الدوحة ومجلس التعاون الخليجي في الرياض والكويت. فما الذي استدعى هذه العجلة، وما هي الضرورة التي املت عقد مثل هذا الاجتماع وفي العاصمة الاماراتية ابو ظبي وليس في مكة او الرياض او حتى القاهرة؟ وما علاقة الاجتماع بزيارة الرئيس التركي عبدالله غل الى المملكة العربية السعودية بعد الصدقية التي حاول اسباغها على نفسه رئيس وزرائه رجب طيب اردوغان؟
مراقبون سياسيون قالوا لـ”الشفاف” ان الاجتماع جاء نتيجة الادراك المتزايد لدى يعرف بقوى الاعتدال العربي لمخاطر السياسية البراغماتية الايرانية على دول الخليج والشرق الاوسط، خصوصا وان ايران ترواغ من حساب فلسطين ولبنان وبتسويق سوري، دخل على خطه مؤخرا خالد مشعل، بعد حسن نصرالله، من اجل تكريس هيمنة الذراع الايراني في المنطقة خدمة لمصالح طهران.
فقد تداعت كل من مصر والسعودية الى عقد اللقاء. وكان اول المتجاوبين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس باعتباره اول ضحايا التمدد الايراني. وقرّ الرأي على الاجتماع في ابو ظبي للخروج بموقف عربي موحد برفض التدخلات الاجنبية. وكان يقصد بهذه التدخلات (قبل زيارة عبدالله غل الرئيس التركي الى الرياض) كلا من طهران وتركيا. إلا أن الاجتماع تحاشى ذكر اي جهة بالاسم وتم تسريب اسم الجهة المقصودة بوقف تدخلها، على انها ايران.
اختيار ابو ظبي جاء لاسباب عدة ابرزها استمرار الاستفزازات الايرانية للامارات حيث اقدمت طهران مؤخرا على افتتاح مكتب تمثيلي للجمارك الايرانية في جزيرة ابو موسى الاماراتية المحتلة، إمعانا في رفضها اعادة الجزر للامارات ورفض التحكيم الدولي بشأن ملكية الجزر. فكان الاتفاق على ان يجتمع الوزراء في الامارات لتوجيه الرسالة الى مقصدها الفعلي، اي طهران، بشأن ضرورة وقف تدخلها في الشؤون العربية وإبداء الدعم للامارات في نزاعها مع طهران.
اما بالنسبة لتركيا فيبدو ان الخلاف داخل “حزب العدالة والتنمية” في تركيا قد بدأ يظهر الى العلن، بعد ان اعلن رئيس الوزراء التركي إنسحابه من مؤتمر دافوس وما وصفه المراقبون بالدعاية المبتذلة التي حاول اردوغان ان يسوقها لنفسه لاسباب وغايات داخلية تركية اولا، وفي وجه الرئيس التركي عبدالله غل، الذي سارع بدوره الى المملكة العريبة السعودية من اجل تثبيت الخلاف مع رئيس وزرائه، وسحب البساط من تحت اقدامه وللحؤول دون ان يتطرق وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في ابوظبي الى الدور التركي في العالم العربي. خصوصا وان حماس تطالب بوجود مراقبين اتراك على المعابر، وفي معبر رفح تحديدا من ضمن فريق المراقبين الدوليين.
الرئيس التركي ادرك حجم الخطر على المصالح التركية في العالم العربي في ما لو تداول وزراء الخارجية العرب مسألة التدخل التركي. وبالتالي، اذا تبنوا موقفا مشابها لموقفهم من التدخل الايراني فان المصالح التركية سوف تتضرر بسبب ما وصفه المراقبون بالمسرحية الاردوغانية في دافوس لاسترضاء ما يسمى بمحور الممانعة العربي واللعب على مشاعر الشعوب العربية التي تستنكر، وهي محقة، ما ارتكبته اسرائيل من مجازر في غزة.
الوزراء الذين اجتمعوا في ابو ظبي اتفقوا على آلية عمل يتوجهون من خلالها الى الخارج والى الادارة الاميركية الجديدة تحديدا من اجل العمل معا على وضع تصور مشترك لمواجهة تنامي النفوذ الايراني في المنطقة العربية.
وطبقا لما قال المراقبون لـ”الشفاف” فان العرب مستعدون اليوم اكثر من اي يوم مضى لتقديم كل ما يلزم للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وما رفضوا اصلا مناقشته مع الادارة السابقة، بحجة ان المصالح الاقتصادية في الخليج العربي سوف تصاب بضرر بالغ في حال نشوب اي حرب ايرانية اميركية، قد يكون الخليج العربي مسرحا لها. ويضيفون ان الازمة الاقتصادية الحالية وضعت معظم اقتصادات العالم على المحك ومن بينها اقتصادات الدول العربية كافة وفي مقدمها دول الخليج ذات الاقتصاد الريعي النفطي، وبالتالي لم يعد هناك من مبرر للخوف على مصالح اقتصادية آيلة للسقوط اسوة بباقي اقتصادات العالم إضافة الى التهديدات الايرانية التي تجعل من المنطقة مكانا غير آمن وغير صالح للاستثمار.
abouelkim@hotmail.com