لنقل جدلاً أننا نوثّق حدثاً هنا، لذا نبدأ بـِ: في عدد الثاني من شباط للعام التاسع من الألفية الثانية التقيته أخيراً، وكنت أظنني لن أفعل ما حييت، قضيت ثلث عمري أبحث عنه وهاأنذا قد وجدته.
رأيته ممتطياً صهوة قلمه، حاشداً نقاباته وجمعياته الأهلية كلها، وجاهزاً لشن معركته الأخيرة ضد الفارس الأول (ريتشار غير) ونيو (كيانو رييفز في الماتريكس) والسيد جونز(هاريسون فورد في إنديانا جونز)؛ وإليكم تفاصيل لقائي بـ دون كيشوتنا كلنا والتي لم أستطع تمالك دموعي وأنا أكتبها لكم:
بدأت القصة بعد أيام من سقوط بغداد على أيدي المحتلين وقتها وأثناء تفحصي لبريدي الالكتروني استلمت رسالة من أحد الأصدقاء عنونها بـ “انظروا ماذا قالوا عنا”، احتوت الرسالة وقتها تصريحات لمشاهير هوليوود؛ نصفهم كانوا يكيلون لنا الشتائم والعبارات العنصرية ويتهمون شعبنا بالإرهاب ووو، أما النصف الباقي فقد كان بين حيادي وإنساني ومنصف، قرأت الرسالة وانتقلت إلى ما تلاها من الرسائل دون أن أعيرها بالاً.
مرت الأيام وانقضت السنون وتعرض لبناننا إلى الهجوم الهمجي في العام 2006، أفتح بريدي وأقرأ فيه ” انظروا ماذا قالوا عنا؟؟” يالله!! إنها الرسالة نفسها غير أن “براد بيت” لم يكن موجوداً في الرسالة الماضية و”ريتشارد غير” قد غيّر أقواله وتحول من محايد إلى عنصري، قرأتها وأنا أشتم ” داستن هوفمان” لما كتبوا نقلاً عنه إذ إني لطالما عشقت أدواره.
تمر أيام وتمضي سنتان بعدها وتضرب غزة وتصلني الرسالة عينها ولكن بأبطال جدد وقد غيروا أدوارهم وصار “ريتشارد غير” أشد غيرة على الصهاينة وحقداً على العرب (الإرهابيين) و”آل باتشينو” و”روبيرت دي نيرو” يلعبان دوري النقيض كما في فيلمهم “هيت” الخ…
اليوم وبعد قراءتي مقالة “نجيب نصير” (الهولوكوست) في صحيفة بلدنا الثاني من شباط 2009 أسأل نفسي سؤالاً مهماً ربما كان علي طرحه وقتها:
من أرسل تلك الرسالة لي أيام بغداد والضاحية وغزة؟ من حرّر تلك المقابلات؟ من جمع تصاريح أولئك البشر ومن قابلهم؟ من صوّرهم وهم ويدلون بتلك الكلمات؟ لعلّه “سانشو” رفيق درب الدون كيشوت؟ أم إنه حماره المسكين؟
بل السؤال الأجدر: هل تحقق “نجيب نصير” من حيقيقة تلك التصريحات ومن يقف خلفها؟ هل سأل السؤال نفسه الذي راودني بل وقضّ مضجعي فقط بعد قراءة مقالته؟ هل كان جادّاً في مسألة رفع دعوى على أولئك العنصريين؟ ألم يكن مازحاً عندما طالب النقابة التي تمثله (أنا لا أعرفها) بأن تقيم الدنيا ولا تقعدها على رأس “براد بيت” وأصحابه…
أظنه تنصل من ذلك بأن أتى بالخبر نقلاً عن صحيفة الثورة نقلاً عن موقع “ألف”…
أنا شخصياً حاولت التحقق من الخبر وأضعت ساعة كاملة بحثاً عن ذلك الخبر في صفحة الثورة الالكترونية إلا أن الصفحة كانت تعاني خللاً تقنياً والبحث كان غبيّ البرمجة ولم يعد عليّ بنتيجة، أما موقع “ألف” فهو محجوب أمنياً و”سحبان السواح” لم يرد على هاتفه، فأطفأت جهاز الكومبيوتر ونمت وحلمت أني طفل صغير يقرأ مجلة أسامة ولم يكتب فيها خضر الآغا، وحلمت أيضاً بميترو جميل لونه أخضر…
لقد وجدت دون كيشوتنا، لكني لم أظنّ حالته على هذا القدر من التأخر؛ ليتني ما وجدته…
kouteiba@hotmail.com
* كاتب سوري