بعد صدور هذا البيان بصيغته النهائية والتي تظل بحاجة إلى إعادة صياغة وتهذيب، أجد إنني بحاجة لتوضيح بان هدفنا كمعدي وموقعي هذا البيان ليس إثارة الفتنة أو العمل وفقا لأجندة خارجية أو داخلية، بل كل ما نهدف إليه ونطلعه بان تنتهي هذه الفتنة الطائفية والصراعات المذهبية التي تعج بها أوطاننا العربية والإسلامية . فالعالم من حولنا يسمو ويتعايش ونحن نعيش في حالة من الصراعات المحتدمة التي لا نهاية لا لها ولا أمد ، لأنها في أصلها وجوهرها صراعات ترتكز على الأفكار الغيبية والنظم العقائدية والفقهية، التي هي في نهاية الأمر نسبية ومن غير المكن القطع بها أو الجزم التام بأي منهاز لذلك فإننا كمواطنين نفخر بانتمائنا الوطني والقومي والديني نتمنى بل ونتطلع إلى أن تصبح حمى هذه الصراعات جزءا من الماضي لنتفرغ لبناء أوطاننا وتنمية بلداننا إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وثقافيا. لم نقصد الإساءة لأحد وخاصة الإخوة رجال الدين. فنحن لا نستطيع الاستغناء عنهم أو العيش بدونهم، كما أنهم كذلك لا يستطيعون الاستغناء عن بقية شرائح المجتمع، ولا توجد امة على وجه هذه الأرض إلا وفيها رجال دين يساهمون في بناء الأوطان وضبط مسيرة الحراك الإنساني والتنموي فيها. كل ما قصدناه هو أن يتحرك رجال الدين بصفتهم الوطنية والاجتماعية الخالصة ويشاركون عبر المؤسسات العامة التي تتيح للجميع فرصة ممارسة التغيير وان لا يتحركوا من منطلق الوصاية، فقط هذا كل ما قصدناه. وأما بخصوص الخمس فإننا لم ندعُ إلى سحب البساط من رجال الدين بالمطلق، بل كل ما نريده هو أن تكون ولايتهم عليه من منطلق عقد اجتماعي باختيار المجتمع لا إلزامية شرعية، وقد كان هذا هو شان الشيعة منذ زمن بعيد. والى وقت قريب، كان الشيخ محمد جواد مغنية يفتي بهذا المعنى. وكل ما نطمح إليه هو تساهم هذه الأموال في دعم الاقتصاد الاجتماعي. نحن نعلم بأنها لم ولن تحل كافة القضايا الاجتماعية لكنها ستخفف منها على الأقل. أما بعض الأحكام الشرعية التي أعلننا بأننا لا نريد الالتزام بها، فهذا حقنا المكفول ولنا فيها وجهة نظر صريحة وواضحة، ومعظمها عبارة عن اجتهادات قابلة لإعادة النظر ونحن ندعو الفقهاء الكرام إلى مراجعتها وتقييمها من جديد. وأما قضية الخلفاء الراشدين السابقين على الإمام علي (ع) فانه من غير المقبول أن نخالف أحاديث واضحة وصريحة وثابتة عن أئمة أهل البيت تدعونا إلى عدم السباب والتجريح. ومن ناحية أخرى فان الخلفاء الثلاثة السابقين على الإمام علي هم رموز محترمة لدى معظم إن لم يكن جميع إخواننا المسلمين، ولذلك يجب احترامهم وحث عامتنا وخاصتنا على ذلك، وانه لمن المستحيل الانطلاق في رحاب التسامح والاحترام المتبادل مع إخواننا المسلمين وما يزال طابعنا الثقافي والفلكلوري يتهجم عليهم بشكل أو بآخر. ونحن هنا نسجل عميق الاحترام لكل الإخوة من رجال الدين الذي دعوا إلى ترك الجدل في سيرتهم من اجل وحدة المسلمين وتآلفهم.
إن العقائد، بشكل عام، معظمها تكون نتيجة عوامل وتراكمات وتحولات مختلفة وليس لأحد في اغلب الأحيان ادعاء كونها تمثل الحقيقة المطلقة. لذلك نسعى ونتطلع لان لا تكون الانتماءات المذهبية مدعاة للفرقة بين أبناء الوطن الواحد والشعب الأحد، وارى أن نقد المتشددين من أبناء الطوائف الإسلامية الأخرى ودعوتهم لنبذ التطرف والكراهية يتطلب أولا نقد الذات وإصلاح شأنها ثم بعد ذلك يمكننا دعوة الآخرين إلى ذلك.
إن هذا البيان ليس موجها لأهالي القطيف، بل هو رأي عام لمسيرة الطائفة الشيعية الكريمة والتي افخر بالانتماء إليها. ولم يكن هدفنا سوى المساهمة في إصلاح شانها بحيث يمكنها أن تمد يدها إلى أختها الطائفة السنية الكريمة وبقية الانتماءات الدينية في عالمنا العربي لبدء مرحلة جديدة من الوئام والانسجام والاحترام المتبادل لتتجه شعوبنا العربية إلى بناء أوطانها والانشغال بحاضرها ومستقبلها بدلا من الانشغال بالجدل الطائفي الذي لا طائل منه.
إن الاختلاف لا يجب أن يكون مدعاة للتجريح أو للقول بان هذا البيان قصد منه تحقيق أهداف وغايات لإطراف معينة. فمن الطبيعي أن يستفيد منه من أراد الاستفادة أو يستغله من أراد الاستغلال، ولكننا لم نقصد أبدا، وعلى نحو الإطلاق، النيل من انتمائنا المذهبي، بل كل ما نسعى إليه هو إصلاح الأمور وبلورتها باتجاه اللاطائفية والاماضوية، لتتجه شعوبنا في العالم العربي والإسلامي إلى الاهتمام بالتنمية. وأما بخصوص رأينا في بعض العقائد الخاصة بالشيعة، كالتقليد مثلا ، فهي جزء من بحوث واختلافات فقهية وعقائدية ليست بالجديدة ونحن كل ما فعلنا هو أننا أعلنا تأييدنا لبعضها، فرأينا في العصمة وغيرها من العقائد الدارجة في الوسط الشيعي مثلا يجب أن يكون مبنياً على قناعة ومعرفة عقلية متوافقة مع الضمير والوجدان. والفقهاء يقولون بان لا تقليد في أصول الدين ولا في العقائد عامة وان القناعة بها يجب أن تكون ذاتية. وبالنسبة للتقليد في الفروع ، فان مسألة التبعيض طرحها بعض الفقهاء وقد كان هذا حال الشيعة من زمن ليس بالبعيد. وكذلك مسالة ولاية الفقيه. فالكثير من الفقهاء لا يرونها، والشيخ شمس الدين طرح ولاية الأمة على نفسها في زمن الغيبة، وان تدخل الفقهاء في شئون السياسة لا يكون إلا عبر مؤسسات الدولة ونظمها القانونية المحكمة، لا من خلال إسقاط اجتهاداتهم الفقهية عليها. وبالنسبة للإخوة الممارسين للشعائر الحسينية فإننا لم ندعُ إلى تركها، فليس لنا أن نفرض قيمنا على الآخرين بأي شكل من الأشكال ،كل ما ندعو إليه هو مراجعتها، والناس في شانها أحرار على كل حال.
إخواني أبناء الشيعة: لم نقصد تجريح المذهب الشيعي أو إهانته، فنحن ننتمي إليه ونتشرف بانتمائنا إلى احد المذاهب الإسلامية العريقة كالمذهب الجعفري. ولكن انتمائي لهذا المذهب هو شأن خاص وليس عاماً بالضرورة، بحيث لا يتعارض مع إقامة العلاقات الطبيعية مع أبناء شعبي وإخلاصي لوطني وانتمائي له. وعلى هذا الأساس دعونا إلى إصلاح شاننا الداخلي بحيث يمكننا بعد ذلك من دعوة الآخرين إلى إصلاح شانهم، وليس لنا أي غرض سوى أننا هدفنا إلى التعبير عن آرائنا وأفكارنا كشبان من الجيل الجديد ، نتمنى أن نساهم في خلق ظروف أفضل وأجمل لبلادنا ومجتمعنا بعيدا عن أي نزعة مذهبية أو طائفية.
صدقوني، إخوتي من الشيعة والسنة، لن نصل إلى أي حل سوى بتعزيز الانتماء الوطني والقومي والاممي وترك الصراعات المذهبية جانبا، لأننا لم ولن يصل إلى اتفاق بشأنها أبدا. لقد عرف الغرب هذه الحقيقة فتجاوزها فتطور وازدهر. وكذلك بعض البلدان العربية كدولة الإمارات. فهذه الدولة يزورها الإخوة المشايخ السلفيون والإخوة المشايخ الشيعة، فالسلفيين يذهبون إلى الشارقة ورأس الخيمة ويلقون المحاضرات والخطب ويتوجه الشيعة إلى دبي وابوظبي والشارقة لإلقاء المحاضرات الحسينية والتعليم الديني. وكلا الطرفين في حاله وسبيله يعمل بما يعتقد. وان شاء الله الجميع على خير ورحمة الله تشملنا جميعا. لذلك ادعوكم بقلب مخلص بان تتركوا الصراعات والنزاعات الطائفية والمذهبية لأنها لن تصل بك إلى خير أبدا، ولتبدأوا بالتفاعل مع بعضكم البعض من اجل بناء أوطانكم وأمتكم.
إن هذا البيان الذي ساهمت في صباغته والتوقيع لا يقصد سوى ذلك. وقد تحرك من خلال الدعوة إلى الإصلاح بشكل عام وعرض بعض ما توصنا إليه من أراء وقناعات، وكل ذلك في سبيل التهيئة الذاتية للمصالحة مع الآخرين. ولم يكن جزء من حرب على المذهب أو الطعن في عقائده أو محاربة إخوتنا رجال الدين الكرام ، بل هو موقفنا وقناعتنا نعرضها على الجميع وهذا من حقنا.. أتمنى أن يأتي ذلك اليوم الذي لا اعد فيه شيعيا أو سنيا بل مواطنا عربيا سعوديا، كويتيا، أو مصريا أو أي كان ، واعمل مع إخوتي العرب والمسلمين في بناء غدنا المشرق الجميل.
raedqassem@hotmail.com
• القطيف
إقرأ أيضاً:
نداء إلى المتصرفين بأموال الخمس في القطيف
“سهم الإمام يجب أن يصرف.. على ما فيه خير البلاد والعباد”