سعد كيوان- بيروت
“الدفاع عن بلد ما لا ينحصر في الشق العسكري والقتالي فقط، فلمؤسسات الدولة كافة دور فيه، ولكل منها دور أساسي في اعداد الوسائل وتحفيز المجتمع وتعبئة القوى الداخلية والخارجية لمواجهة الجهد الدفاعي (…)، وبناء عليه يقوم الردع على تكوين قوتين، الجيش النظامي والمقاومة. وتتشكل قوى المقاومة من السكان، ويجب أن تغطي الأراضي اللبنانية كافة”.
قد يتبادر الى الذهن أن هذا الكلام صادر عن أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله أو أحد قياديي الحزب، باعتبار ان هذا الحزب هو حزب إلهي مدجج بالسلاح، ومصر على التمسك بسلاحه، والاستمرار في مقاومته. إلا أنه في الحقيقة يشكل عصارة الرؤية الاستراتيجية للجنرال المتقاعد، و”المقاوم الناشىء” ميشال عون، رئيس “التيار الوطني الحر” للدفاع عن لبنان عبر تعميم “المقاومة الشعبية المسلحة” على الأراضي اللبنانية كافة (كذا)، وخلق “مجتمع مقاوم”!
ولكن، في الوقت عينه، يجب أن لا ينغشن أحد في كفاءات وقدرات الجنرال السابق. فهذه الرؤية ليست من بنات أفكاره، ولا هو مارس في يوم من الأيام “المقاومة الشعبية” أو “حرب العصابات”، التي يتكلم عنها في الورقة التي قدمها حول “الاستراتيجية الدفاعية”، في جلسة الحوار الثانية التي عقدت في القصر الجمهوري قبل أيام…
أن ما طرحه عون في هذه الورقة هو نسخة طبق الأصل عن ما جاء على لسان الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ”حزب الله”، في مقابلة مع جريدة “النهار” اللبنانية، في شهر حزيران 2007، الذي دعا الى تعميم “نموذج المقاومة” على كل لبنان، في معرض تصور حزبه لـ”الاستراتيجية الدفاعية”. فهل هو مجرد “تطابق في الرؤى”؟!
ان الجنرال المتقاعد ميشال عون تحول في المرحلة الأخيرة الى مجرد “ساعي بريد”، يتولى إيصال ما يوكل إليه تعميمه من مواقف ومحاولة تسويقها، تحديدا على الصعيد المسيحي. وفي أحسن الأحوال يقوم بدور “كاسحة ألغام” ممهدا الطريق أمام خطط ورغبات “حزب الله”، وموفرا له في الوقت نفسه تغطية لا يستهان بها، مثلما فعل في 7 أيار خلال غزو “حزب الله” لبيروت ومحاولة اجتياحه لجبل لبنان.
يمهد عون لهذه الصيغة الفريدة، معلنا، أولا، أن الاستراتيجية الدفاعية “يجب ان تشمل كل مؤسسات الدولة ومواردها”، وليس الجيش والمؤسسات الأمنية فقط . أي إنه يريد تجييش الدولة وعسكرة المؤسسات والمجتمع، وتسليح الناس وتحويلهم الى ميليشيات شعبية (وما أدراك ما هي الميليشيات!) و… كل ذلك من أجل تحرير مزارع شبعا؟
ويعلل الجنرال رؤيته هذه، مستندا على الأرجح الى تجربته العسكرية الرائدة في الجيش اللبناني، ومن ثم في قيادته الى حروب “التحرير” و”الالغاء، وكذلك “التجييش الشعبي” (الشعبوي) من قصر بعبدا، بالقول أن “الدول الصغرى طموحاتها محدودة لا تتخطى الدفاع عن حقها بالاستمرار في الوجود”!…
ولو يا جنرال! أنسيت قدراتك في “التجييش الشعبي” (عفوا الشعبوي)، من قصر بعبدا بين عامي 1988 و1990، وعنترياتك ضد حافظ الأسد وسمير جعجع، وضد العرب والعالم بأكمله، وضد النواب و”الطائف” و… ربما لأن الجنرال قد أصيب بالاحباط لعدم تمكنه من تحقيق حلمه في أن يصبح رئيسا لجمهورية هذا “البلد الصغير”؟
وهل إن دعوته اليوم الى “المقاومة الشعبية المسلحة” تستند الآن الى “أقوى دولة إقليمية في المنطقة من هنا الى الصين” (كلام عون) تعمل على تصدير “الثورات الخمينية”، وتدعم وتسلح المقاومات المرتبطة بنظام “ولاية الفقيه”؟
تغوص الورقة في التفاصيل، وتستعمل لغة عسكرية امتازت بها أنظمة “الصراخ القومي”، ومفردات تعود الى ذاك الزمن البائد، من نوع “تحفيز المجتمع” و”تعبئة القوى” و”حشد الطاقات”، في مقاربة يطغي عليها الطابع العسكري التقني وأساليب الدفاع والقتال.
ويذهب العسكري المتقاعد أبعد من ذلك طارحا تدريب الجيش النظامي، وتحويله الى “وحدات قتالية تمارس حرب العصابات”. أي، بمعنى آخر، يريد تحويل الجيش نفسه الى “مقاومة”، وتحويل لبنان كله الى “مقاومة”. وهذه بدعة جديدة تصبح معها الدولة ومؤسساتها ومجتمعها المدني، مرتكزة على “المقاومة”، أي أن تصبح هذه الدولة في عهدة “الميليشيات الشعبية”، و”حكم الجماهير”… ويصح هنا القول المأثور “الجنرال راح عالحج والناس راجعة”!
تتكلم الورقة عن “الميليشيات اللبنانية المسلحة” من دون تحديد من هي هذه الميليشيات. ولكنها، ومنعا لأي إلتباس، تعود لتوضح إنه “لا يمكن مقارنة سلاح الميليشيات بسلاح المقاومة المنضبط (كذا) والمعد للعمل ضد اسرائيل”. لا شك ان المرء يحتاج الى كثير من الجرأة للكلام عن “سلاح المقاومة المنضبط” بعد غزوة 7 أيار الماضي.
ان ورقة الجنرال لا تأخذ بعين الاعتبار موقع لبنان ووظيفته ودوره، كبلد حر ديموقراطي وتعددي، وبالتالي له دور ريادي ومميز في محيطه يطمح الى استعادته في خضم التحولات التي يشهدها العالم. دور يأخذ بعين الاعتبار خصوصية التركيبة اللبنانية، والتنوع السياسي والديني والطائفي فيها. ولا يمكن بالتالي فرض أي خيار، بعيدا عن توافق بين مكونات الدولة اللبنانية.
وفي مكان آخر تتناول الورقة خطر الارهاب، مؤكدة أنه “خارجي المصدر بشقيه العقائدي والتمويلي، ولكنه يعتمد على قاعدة داخلية”. كيف يمكن اذا عسكرة الدولة وتحويل لبنان الى “مقاومة مستمرة” اذا كانت هذه “المقاومة” تستند على هذا الخارج الذي يدعم ويمول الارهاب ويصدره لنا؟ ثم، طالما ان هذا الارهاب “خارجي المصدر بشقيه العقائدي والتمويلي”، لماذا لم يصدر عن “التيار العوني” أي موقف أو كلمة تجاه “فتح الاسلام” والشريط المفبرك الذي عرضه التلفزيون السوري قبل أيام؟
الا ان المثير في هذه الورقة أنها تحتوي على “مقطع نشاز” لا علاقة له بكل الصيغة المطروحة، أو كأنه “أدخل سهوا”، ويتناقض مع رؤية الجنرال بالكامل. تقول “المطالعة الدفاعية” إن “المجتمع اللبناني يتميز بتوازنات اجتماعية-دينية قد تكون نقطة قوة أو نقطة ضعف، والقوة هي في الوحدة الوطنية والضعف في غيابها، والوحدة هي ضرورة مطلقة للاستراتيجية الدفاعية، وفقدانها هو مصدر للنزاع. وقد يستدرج السلاح الى داخل البلاد ويصبح اداة اقتتال”. هذه المقاربة الدقيقة والصحيحة تنسف عمليا بالكامل كل ما جاء في الورقة لأنها تؤكد انه لا يمكن فرض “المقاومة” أو أي خيار أحادي آخر على اللبنانيين، وتقر أن السلاح يصبح، في حيال إعتمد هذا الخيار القسري، “أداة اقتتال”!
ان السؤال المركزي هو في ما اذا كان الهدف بناء دولة ومجتمع متصالح مع نفسه، أم دولة مقاومة، ولا شيء غير المقاومة! وهل يمكن أن تتعايش الدولة مع “مقاومة تغطي الأراضي اللبنانية كافة”، كما يرغب عون ومن وراءه؟
يبقى، في النهاية، لفت الانتباه الى أن عون يحاول عبر هذه الورقة “ضرب عصفورين بحجر واحد”، اذ انه يسعى أيضا الى تسويق “انعطافته السورية” في الوسط المسيحي، الغريب الأطوار والمزاج ببعض قطاعاته، والتمهيد لزيارته المرتجاة الى دمشق “للتعرف” على بشار الأسد و”تعريف نفسه” به. وقد استقبل في الرابية، لأول مرة قبل أيام، أمين سر حزب البعث في لبنان فايز شكر، بعد ان كان رفض الدعم الذي أعلنه أمين سر البعث السابق عاصم قانصو لمرشحه في معركة انتخابات المتن الفرعية، في صيف 2007، ضد أمين الجميل.
s.kiwan@hotmail.com
استراتيجية عون الدفاعية: دولة “مقاومة” تحت رحمة “الميليشيات الشعبية”!
لا للمليشيات لا للمافيات المخابراتية ولن ترتاح الانظمة الشمولية في العالم العربي الا اذا تحولت لبنان الى نظام شمولي ديني او علماني وتدمر فيه محاولة اعادة الدمقراطية له.يقول احد علماءالاجتماع(أن انتخابات في الشرق المنكوب هي مسيرة بقوة الجندرما وخناجر الحشاشة وشوارب المخابرات، والنتائج فيها محسومة سلفا بين 98 و99,99 في المائة، وفي انتخابات صدام الأخيرة رفع النسبة إلى 100 في المائة، فكان إيذانا بموت الأمة إلى الصفر، وموعدا مع الشنق والمشنقة هو وأخوه برزان، فما كان لهما من دون الله من وال..)