أحداث عكا تثير القلق المشروع في جميع اوساط الجماهير العربية في اسرائيل. لا يمكن حصر ما يجري في عكا داخل أسوار عكا فقط. هذه صورة بشعة للعقلية الفاشية التي باتت تميز أوساطا واسعة داخل المجتمع اليهودي في اسرائيل. ان الصمت على تصريحات سياسيين ورجال دين يهود وأوساط اجتماعية أخرى، التي ترى بالعرب جسما سرطانيا داخل الدولة، وخطرا ديموغرافيا، هو ضمن المحركات لظاهرة عكا بالغة الخطورة التي نشهد فصولها المأساوية اليوم، ونشهد ” عجز ” شرطة اسرائيل عن ايقاف البوغروم اليهودي العنصري ضد المواطنين العرب في عكا. هذه الأحداث هي سيناريو قابل للحدوث في كل مدينة مشتركة.. وما أكثرها : الرملة، اللد، يافا تل أبيب، الناصرة، حيفا، معالوت ترشيحا وأماكن أخرى ليس بالضرورة مشتركة، انما بلدات متجاورة، وما أكثرها، خاصة في الجليل..
ان ما يشهده المجتمع الاسرائيلي من تنا مي ظاهرة العنصرية والصمت عليها، واستمرار الاجحاف بحق العرب ، نرى بعض نتائجها في عكا. لا لن يكون العرب الوحيدون المكتوين بنار هذا الانهيار الاخلاقي للمجتمع والسلطة في اسرائيل. الكثير من العقلانيين اليهود حذروا من هذه الظاهرة ولم يكن الصوت العربي وحيدا. حتى تقرير “لجنة أور” التي فحصت أحداث انتفاضة أكتوبر 2000 حذر من ان استمرار التعامل مع العرب والتمييز ضدهم سيقود الى انفجارات أكثر اتساعا وخطورة. لم يحدث شيء منذ التقرير. ما زال حبرا على ورق. ويؤسفني أن أقول ان رد فعل الأوساط السياسية العربية على تقرير” لجنة أور” لم يستوعب أهمية هذا التقرير، في الظروف السياسية الاسرائيلية، وضرورة الاصرار على تنفيذه رغم كل الفجوات التي اشاروا اليها وأكتفوا برفضه ونقده، والمضحك ان بعض المسؤولين العرب هاجموه دون قراءته، معللين موقفهم بالجو العام. (عذر أقبح من ذنب).. واكتفوا بتوجيه انتقادات حادة لدرجة اسقاطه من حسابهم. مما خفف الضغط على السلطة وساهم بقبر التقرير.. ولكن نتائج ما حذر منه التقرير بدأت تظهر بقوة ربما لم تتوقعها السلطة، التي لم تقرأ بشكل صحيح الواقع العربي في اسرائيل، ولم تفهم عمق ومخاطر التصريحات الترانسفيرية والفاشية التي ملأت الاعلام الاسرائيلي، ولم تقرأ بشكل صحيح استمرار التباعد والنفور بين العرب واليهود على صعيد الواقع الاسرائيلي، واقع استمرار التمييز البشع، واستمرار حرمان الأقلية العربية من الميزانيات المناسبة، واقع ازدياد الفجوة الاقتصادية مع المجتمع اليهودي.
كنت قد شاركت في الاسبوع الماضي بحفل تدشين المركز التكنلوجي العربي الأول في اسرائيل، وقد شرح أحد المتحدثين حقائق الفجوة المرعبة الآخذة في الاتساع ين العرب واليهود في الدولة. وليس فقط بين الفئات الغنية والفقيرة، انما اتساع على اساس اثني أيضا نتيجة الأهمال المتواصل لتطوير اقتصاديات المجتمع العربي، وعلى راسها الاجحاف في الميزانيات، وغياب الاهتمام الفعلي بدمج الأقلية العربية في اقتصاد الدولة، في المجالات التي باتت تشكل اليوم أهم مميز لقوة اسرائيل الاقتصادية وغنى المجتمع اليهودي، الا وهو مجال الهايتك والتكنلوجيات الدقيقة، والتي تشكل حوالي 80% من صادرات اسرائيل، ومستوى الدخل للفرد فيها هو ثلاثة أضعاف مستواه في المجتمع اليهودي وربما اربع أو خمسة أضعاف متوسط الدخل في المجتمع العربي. يكفي ان نعرف انه من بين 200 الف عامل هايتك في اسرائيل يوجد 300 عامل عربي فقط.
ومن المسائل الهامة التي طرحت، والتي تضفي تفسيرا عقلانيا على ما يحد ث في عكا، هو أن حصة الفرد من الإنتاج القومي الإجمالي في اسرائيل، تبلغ 24 – 25 الف دولار ( بالحساب السنوي ). وبسبب تخلف المجتمع العربي، الذي يعيش على هامش الطفرة الاقتصادية في اسرائيل،، تبلغ حصة المواطن العربي 8 – 10 الاف دولار فقط، وهذا يعني ان حصة المواطن اليهودي ترتفع الى 30 – 31 الف دولار، أي أغنى ثلاث مرات من المواطن العربي. واذا أخذنا بعين الاعتبار مركبات أخرى، أهمها نوع الاقتصاد العربي في اسرائيل، الذي يتركز أساسا في البناء والخدمات، الذي يشكل أدنى الأجور في الاقتصاد الاسرائيلي، وكذلك واقع المرأة العربية التي تشكل نسبة العاملات فيها أقل من الثلث بالمقارنة مع المرأة اليهودية، نصل الى حقائق مرعبة عن الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الآخذة بالاتساع دون أن نجد اهتماما حقيقيا في تغيير النهج بخطط حكومية مناسة، ستعود، بالتأكيد… بالفائدة على مجمل الاقتصاد الاسرائيلي، وليس العربي في اسرائيل فقط، ولكن يبدو ان الأفكار المسبقة لها وزنها في اقرار سياسات السلطة، حتى على حساب التنمية الاقتصادية، رغم ان الكثيرين من المسؤولين الحكوميي يؤكدون بأحاديثهم على أهمية دمج العرب في اسرائيل بعملية التنمية، وليس كقوة استهلاكية فقط، وأن الأمر سيعود بالفائدة على مجمل الاقتصاد الاسرائيلي، برفع نسبة النمو السنوي، أي ان الموضوع خارج السياسة والنزاع القومي، وله أسم واحد : “المال”. المال لا قومية له ولا لون له. واسرائيل امامها مشروع اقتصادي كبير ان تصل الى انتاج قومي سنوي بحدود 40 – 45 الف دولار بالنسبة للفرد الواحد خلال العقد القادم. ولا يمكن ابقاء الأقلية العربية كعربة بلا عجلات يجرها الاقتصاد ورائه، ونتيجة الواقع الاجحافي والتمييز غير المحتمل، تتكرر الانتفاضات والقلاقل، مما ينعكس بسلبية كبيرة على واقع الحياة في اسرائيل. ولكن كما قلت، قد تكون قرارات حكومية صحيحة، الا ان جهاز السلطة عنصري وبيروقراطي ويضع العراقيل امام التنفيذ.
لست من المهاترين في الحديث عن العنصرية و”هيلا هيلا يا عرب”. الحقائق واضحة، وهذه الفجوات ستقود الى المزيد من الغضب والانفجارات (الانتفاضات) الاجتماعية الغاضة. لا ليس موضوع سيارة يقودها عربي في ليلة يوم الغفران اليهودي في حي يهودي في عكا . ربما هذه “القشة التي قصمت ضهر الجمل”. الاحتقان قائم ويتضخم بغياب أي مشروع بلدي تطويري للعرب في عكا. عكا اليهودية تتطور باستمرار وتبنى فيها المشاريع والشبكات والمدارس والنوادي الشبابية الجديدة والبني التحتية العصرية، وعكا العربية تعاني من الاهمال والتخلف وأبنيتها آيلة الى السقوط دون أي مشروع لوقف اندثار عكا القديمة، وكأنها غائبة عن خارطة بلدية عكا. وغائبة عن خارطة وزارة السياحة وغائبة عن خارطة اسرائيل الاقتصادية والتطويرية. هذا عدا مشاكل الأزواج الشابة، وليس سرا ان الكثيرين من أهالي عكا هاجروا مضطرين الى القرى العربية المحيطة بعكا. فهل بالصدفة أن الانفجار وقع في عكا، أكثر نقاط الاحتقان في المجتمع العربي في اسرائيل؟!
امامي تقرير هام وضعته مجموعة من أبرز الأكاديميين اليهود والعرب، بعد انتفاضة أكتوبر 2000 والتي سقط فيها 13 شابا عربيا نتيجة العنف غير المبرر للشرطة. التقرير يحمل عنوان ” ما بعد الأزمة – اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة ازاء العرب في اسرائيل – تقرير طارئ أعده طاقم باحثين من عدة جامعات مقدم لرئيس حكومة اسرائيل السيد ايهود براك ” ( نوفمبر 2000) وعمل على اعداده 25 من الباحثين الأكاديميين المعروفين في اسرائيل من العرب واليهود.
التقرير يتناول مجمل قضايا الواقع العربي في اسرائيل، الأرض والتخطيط، السلطة المحلية والرفاه والأهالي، مشاركة مدنية وثقافية، التربية، التطوير والعمل، القضاء والمجتمع والمواطنين العرب في اسرائيل. ويعالج في بداية التقرير النزاعات الاثنية في الدول المختلفة. التقرير يشير في بدايته الى ان : ” الاجحاف بحق مواطني اسرائيل العرب والتمييز ضدهم من قبل المؤسسة الاسرائيلية ليسا وليدي الصدفة، ولن ينتهيا اذا اكتفت حكومات اسرائيل بتعزيز الموارد المالية المرصودة للجماهير العربية. المطلوب تغيير جذري بصورة أعمق، يشمل تعريف مجدد للأهداف العليا التي توجه سياسة المؤسسة حيال السكان العرب، وملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات الأنشطة الشعبية مع تلك الأهداف المعدلة “.
التقرير يكشف بلا مواربة الواقع المزري، عبر دراسات معمقة وعلمية وتستند الى معطيات رسمية لا تفسر على وجهين، ويقدم اقتراحات حلول عقلانية لهذا الواقع الذي يشكل حالة احتقان قابلة للإنفجار. وكم يبدو ذلك التقرير ملائما اليوم أيضا لأن الواقع المزري ما زال يراوح مكانه.
أحداث عكا هي ضوء أحمر جديد للمجتمع الاسرائيلي كله.. لا يمكن ابقاء العرب في اسرائيل على هامش الطفرة الاقتصادية، وفي قاع السلم الاقتصادي والتطويري. لا يمكن ان تكون البطالة عربية فقط. لا يمكن أن يكون الفقر في اسرائيل من حصة العرب فقط. لا يمكن ابقاء التعليم العربي في حالة مزرية بالمقارنة مع التعليم اليهودي. عندما تصرف سلطات محلية يهودية ما يقارب 8000 شيقل على الطالب، مدينة الناصرة تصرف بضع شواقل فقط.. وقس على ذلك سائر البلدات العربية.
طبعا نطمح لاعادة الهدوء الى عكا، وعودة العلاقات رغم كل الضغائن والأحقاد الى حالة تسمح باعادة الحياة الطبيعية للعرب واليهود.. الخسارة ليست لجانب وربح للجانب الآخر.. الثمن سيدفعه الجميع. ولعل هذا الضوء الأحمر يعيد بعض العقل الى مؤسسات السلطة. بان استمرار الاجحاف بحق العرب، لن يقود الى استقرار اجتماعي وامن شخصي وعلاقات مستقرة. لم تتعلموا من انتفاضة اكتوبر التي ما زالت اسقاطاتها حية في قلوب الجماهير العربية، وتطاردكم حتى يطبق العقاب ضد قتلة الشباب العرب.
ما يقلقني هي سياسات مؤسساتنا العربية.. سياسة الغياب.. تنظيمات عقلانية لا تتجاهل تقرير لجنة اور وتقرير مجموعة الجامعيين ، بل تحولهما الى ” قميص عثمان ” في معاركها السياسية ضد المؤسسة الحاكمة.. وهما تقريران لا يمكن ان يدعي أحد في الشارع اليهودي انهما خطاب عربي متطرف. وقد تكون للتقريرين قيمة قانونية أيضا.
لا أضيف شيئا للحقيقة المعروفة بأن هذا التقرير ظل مادة أكاديمية لم ينعكس في سياساتنا وبرامج أحزابنا “النضالية”!! وبنفس الوقت أهمل في أروقة السلطة.
تريدون انتقاد السياسات العنصرية ؟ هذا حق مشروع وضروري ، لكن انتقاد بدون ” قطران ” بالاعتماد على الحقائق التي تطرحها المؤسسات العلمية في اسرائيل، ولجان تحقيق رسمية، لا يقود الا الى الثرثرة السياسية، وهو ما نعاني منه ، هو المعيار لوعي قياداتنا لمسؤوليتها. وهو ما يعطي للسلطة مساحة واسعة من استمرار نفس السياسات التي حان الوقت لقبرها، باجماع يهودي عربي!!
nabiloudeh@gmail.com
* كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة
عكا: ضوء أحمر آخر للواقع الآيل لانفجار أشد هولا ابحثوا عن وجه التشابه في الأنظمة العنصرية العربية أيضا!! . من المؤسف أن السلطات في الوطن العربي تمارس العنف ليس اقل من إسرائيل بحق المواطنين بدون مرعاه حتى عامل السن , فقد اعتقلت في الأسبوع الماضي السلطة اليمنية في وجه الحرس الخاص للرئيس على عبد الله صالح أربعة أطفال وهم: علي محمد علي السعدي (13 عاما)،يونس حسن سعد(12عاما) ،محمد عبد الله حمود(11عاما) ، نازح ناجي بن ناجي(12عاما) بتهمة محاولة اغتيال الرئيس عند زيارة عدن في نهاية أعياد الفطر, وقد تم القبض عليهم في الوقت الذي الأطفال يطلقون النار على صورة الرئيس… قراءة المزيد ..