يتيقن الأطباء أن المرء ليست به آفة عقلية، إن كان غير شديد اليقين بقواه العقلية، ومعارفه العامة، وكان يتصور إحتمال أن تطرأ على تفكيره علل، وأن تكون معلوماته قابلة للشكوك، تجوز مناقشتها وتغييرها أو تبديلها أو تعديلها.
ويدرك الناس أن الفرد قد نضج ولم يعد طفلا، إن هو لم يظل متعلقاً بالتدليل، راغبا فى المديح، إنما يقبل التوْجيه ويحتمل النقد.
وشأن الجماعات شأن الأفراد، يمكن أن تظل فى حالة طويلة من الإضطراب الفكرى والإختلاط العقلى والقصور النفسى، إن هى أضفت اليقين على كل معلومة لديها وكل مفهومة عندها، حتى لو كانت قد تلقتها سماعا، دون تحقيق أو تدقيق أو توثيق، فرفضت أى جدال فيها، وقاومت أى نقاش بشأنها وكذلك فإن الجماعات (أو الأمم) تكون غير سوية وغير ناضجة، إذا كانت تسرف فى طلب المديح وتكرار الفخر، وترفض قبول أى حقيقة أو سماع أى نقد.
هذه الجماعات غير السوية وغير الناضجة، أى الجماعات الطفولية القاصرة، تصعب – إن لم يكن من المستحيل – مواجهتها بالحقائق أو مكاشفتها بالصواب، ذلك أن هذه الجماعات تتعلق بالتدليل وتتمسك بالتفاخر وتميل إلى سماع ما يرضيها، وما يدغدغ عواطفها، أو يهدهد مشاعرها. وبذلك تظل فى قصور دائم، وطفولة مستمرة، ينـْطلى عليها الزور والبهتان، وتتمسك أبدا بالخطأ والبطلان، ما دامت عقولها قد غابت فى الآذان، وهى الصورة التى عبّر عنها الشاعر بدقة، حين قال وهو يصف شعبا أو جمعا، من هذه الجماعات (الأمم) فقال عنه، عندما تصور أن الهزيمة نصر:
أثر البهتان فيه
وانطلى الزور عليه
يا له من ببغاء
عقله فى أذنيه
بعد عرض واقع الشرق الأوسط، لابد من التعرض لمستقبله، لبيان ما يمكن أن يجد فيه أو يطرأ عليه، وفى ذلك، فإن الأمر سوف يكون مثار جدال ومجال نقاش، خاصة مع هؤلاء الذين ينحّون العقل والمنطق جانبا، ويجعلون الحكم للعواطف والشعارات.
فى العصر الحديث بدأ عصر الدول الوطنية يظهر ويسود، بعد الثورة الفرنسية (1789). ومع ازدياد عدد الدول الوطنية ورسوخ قدمها، بدأت تظهر فكرة سيادتها (Sovereignty) وهى فكرة تعنى أن تكون الدولة ذات سيادة كاملة على أرضها وشعبها، بل على كل من يقيم على أرضها أو يعبر خلالها. والسيادة تكون فى الأصل للدولة (State) وليس للنظام (Regime) الذى يسيطر على مقاليدها أو الحكومة أو الإدارة (Administration , Government) التى تمارس السلطة فيها.
غير أن سيادة الدولة لم تكن سيادة مطلقة أبدأ، ذلك أنها تتقيد بالقواعد الدولية، مثل ترسيم الحدود بينها وبين غيرها من الدول، والتحرك فى نطاق محدد من الأميال فى البحار التى تطل عليها، وهكذا. يضاف إلى ذلك أن المعاهدات الثنائية والمعاهدات متعددة الأطراف، كانت وما زالت تفرض قيوداً على سيادة الدول التى تقع عليها.
وقد حدث إبّان حكم السلطنة العثمانية أنها رفضت توقيع معاهدات ثنائية مع دول غير إسلامية، بإدعاء عدم جواز تعاقد المسلم مع غير مسلم. ومن ثم فقد أصدرت فرمانات (مراسيم) بإمتيازات لبعض مواطنى البلاد الأوربية لتسهيل الإنتقال والتجارة. ومع الوقت صارت هذه الأمتيازات (Capitulations) عبئا على الدولة العثمانية، والبلاد التابعة لها كمصر، إذ صارت تشكل قيوداً على سيادتها لا يقابلها أى حقوق لها (حتى إستطاعت مصر إلغاء الإمتيازات الأجنبية بمقتضى معاهدة مونترو 1937).
وفضلا عما سلف، فإن مبدأ الأممية (Internationalism) الذى إعتنقته وبشرت به الماركسية، كان لا يقيد من سيادة الدول الأخرى فحسب، بل كان يعمل على تقويض النظم السياسية والإجتماعية والإقتصادية فيها.
وكذلك الشأن فى مبدأ القوميات، فالقومية العربية مثلا، كانت تخاطب الشعوب بعيداً عن حكوماتها وترى أن سيادة القومية أولى من سيادة الدولة. ومبدأ تصدير الثورة الذى تبنته الثورة الإسلامية كان يلتزم نفس النهج.
ولما قويت نظم الحكم الأيديولوجية والدكتاتورية استلبت لنفسها مبدأ سيادة الدولة، وخالطت وطابقت بين النظام (Regime) والدولة (state) لتعتبر أنها هى الدولة، مع أنها نظام عارض قد يكون، وغالبا ما كان مضاداً لصوالح الدولة ومعارضاً لمصالح الشعب. ولعل أول مثل منطوق فى ذلك هو ما قاله لويس الرابع عشر ملك فرنسا حين أدمج الدولة فى شخصه فقال : أنا الدولة (L’ Etat C’ est Moi). وفى العصر الحديث، فإن النظام الفاشى فى إيطاليا، والنظام النازى فى ألمانيا، إختزل الدولة فى تنظيمه أو فى زعيمه، ليكون هذا أو ذاك هو الدولة، وفى حال كهذه، يصعب إضفاء السيادة على زعيم أو حاكم أو نظام ليتمتع بكل حقوق السيادة المقررة أصلاً للدولة، فيعبث بها، ويسىء إستخدامها حتى ضد أبناء الوطن وعامة الشعب. فالضمير الإنسانى يتأذى بلا شك حين يقوم النظام النازى بإعدام مواطنين فى بلده، ظلما وعدوانا، ويحتمى فى عمله ذاك بمبدأ السيادة، كذلك فإن ذلك الضمير ومبادىء العدالة تتضرر بشدة حين يضرب النظام العراقى أبناء شعبه بالغازات السامة (حلبجة 1988). وحين يطلق النظام الصربى (1999) فرق الإعدام لتقوم بأعمال الإغتيال الجماعى للجنسيات والأعراق غير الصربية من شعبها، ثم يتستر الحكام هنا وهناك بمبدأ السيادة ليمنعوا أى رقابة على أعمالهم الإجرامية، ويحولوا دون أىّ مساءلة عن إغتيال الأبرياء.
يضاف إلى ذلك أن سهولة وتكرار قيام بعض المجموعات بإنقلابات عسكرية، يستولون بعدها على أزمّة الحكم وأعنّة السلطة، ثم يزيفون إستفتاءات أو إنتخابات لإضفاء الشرعية على أوضاعهم، لا يمكن فى التقدير القانونى السليم أو المفهوم الدولى الصائب، أن يخولهم حق السيادة المطلق المقرر أصلاً للدولة، وبالتالى للمؤسسات التى تصدر عن الشعب فى حرية وشرعية، وتعبّر عم مصالحه وصوالح الدولة فى وعى وإلتزام.
وعندما قامت عصبة الأمم (1919) كانت تهدف إلى أن تحدّ من سيادة أعضائها بما يحول دون قيام حرب عالمية أخرى، ولما أنشئت الأمم المتحدة (1945) قصدت إلى ذلك الهدف، وأضافت أهدافاً أخرى لتنمية الشعوب الفقيرة، ونشر الثقافة الرفيعة، وإيجاد معايير علمية للزراعة، والعمل على حفظ الصحة العامة، وبذلك وُجدت إلى جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، منظمات أخرى غير سياسية، مثل منظمة العلوم والثقافة (Unesco)، ومنظمة الزراعة (Fao)، ومنظمة الصحة العالمية (Who)، وهكذا. وهذه المنظمات تعمل على مساعدة الدول، لكنها فى سبيل تحقيق أهدافها قد تلزمها بعض القواعد أو الإجراءات التى تحد من سيادتها أو تعتبر فى القليل قيوداً عليها.
ونظر لرغبة بعض الدول فى إحداث تنمية إقتصادية ترفع من المستوى الإجتماعى والأقتصادى لأفراد شعبها، مع عدم وجود أموال كافية لديها، فإنها تضطر إلى الإقتراض من الحكومات الغنية، ومن المنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولى (IMF)، وتقبل فى ذلك الشروط التى تـُوضع لها والقيُود التى تـُفرض عليها، فى تحديد الموارد وبيان المصارف، وعرض الميزانية العامة، وفرض الضرائب بصورة مرسومة، وهكذا، مما إضطرت لقبوله كثير من البلاد النامية، بل قبلته الروسيا نفسها.
وإلى جانب القروض فإن تشجيع الإستثمار الأجنبى لرفع المستوى الفنى والإقتصادى للشعوب، أدى ويؤدى إلى تنازل بعض الحكومات طواعية عن جزء من سيادتها.
فمصر التى كافحت طويلاً لإلغاء المحاكم المختلطة، حتى ألغيت 1949، عادت وأصدرت القانون رقم 27 لسنة 1994 (21/4/1994). فى شأن التحكيم الدولى، وهو قانون يسمح للجهة المستثمرة بأن تلجأ فى حل منازعاتها مع الحكومة المصرية والأفراد إلى هيئات التحكيم الدولى فى جنيف، أى إن هذا القانون بديل عصرى للمحاكم المختلطة، يحد من سيادة الدولة المطلقة فى أن تتولى سلطتها القضائية الفصل فى كل المنازعات.
وقد أدى تغير الظروف الدولية بسرعة متناهية، وتخلف بعض الحكومات عن مواكبة هذا التغيير، إلى أن تسْعى هذه الحكومات إلى طلب ما كانت ترفضه فى حقبة الخمسينات والستينيات، مثال ذلك أن البلاد العربية جميعاً كانت ترفض قواعد عسكرية أجنبية بها، غير أن بعض هذه الحكومات إضطر فى التسعينيات إلى قبول وجود قواعد عسكرية على أراضيها أو فى بحارها، وعرض إقامة مشاركة إستراتيجية مع دول عظمى، ودعوة هذه الدول إلى الدفاع عنها، بل دفعت الحكومات وما زالت تدفع قوائم حساب الجيوش والقواعد والأسلحة الأجنبية، وهذا كله مما يعتبر تغييراً جوهرياً فى مبدأ السيادة الوطنى.
علا مدّ الإسلام السياسى وعلى ما سلف بيانه، منذ أوائل السبعينات حتى وصل إلى الذروة فى نهايتها، بدخوله إلى أفغانستان للحرب مع الولايات المتحدة ضد الإتحاد السوفيتى، ووقوع الثورة الإسلامية الإيرانية.
ومن الثابت أن الولايات المتحدة هى التى نصحت شاه إيران بمغادرة إيران، ومنعت قادة القوات المسلحة الإيرانية من إطلاق القذائف على الطائرة التى أقلـّت الخمينى ومجموعته من فرنسا إلى طهران، وبذلك تكون فى الواقع قد مهدت الطريق للثورة الإيرانية، وسلمتها مقاليد الحكم بسهولة، ودون أى مقاومة، لكن هذه الثورة سرعان ما تنكرت للولايات المتحدة وسّمتها الشيطان الأكبر، وقامت ببعض الأعمال التى تؤثر دعائياً على الولايات المتحدة. ومن ثم فقد أعطتها الذرائع لضرب الثورة الإيرانية، فبدأ ذلك بحرب الخليج (الأولى 1980 – 1988) ثم تلى ذلك فرض الحصار على إيران، عسكرياً وإقتصادياً، حتى انخفضت مواردها، وصار دخل الفرد فى المتوسط ثلث دخله إبّان حكم الشاه، ومع الوقت تحللت الثورة الإيرانية، وخـَبَتْ قوتها، أمام المشكلات الإقتصادية، وبسبب تطلعات الشباب (وهو 70٪ من تعداد الشعب الإيرانى) إلى نموذج الحياة الأمريكية، ومظاهر الترف الحضارى، هذا فضلاً عن الرغبة العارمة لدى القوى المستنيرة، ومنها رئيس جمهورية سابق، وكل الشباب الإيراني، في إنشاء المجتمع المدني، الذي يقوم على سيادة الشعب وحكم القانون، فينفى مبدأ ولاية الفقيه ونظام الدولة الكهنوتية، وإذ كان الشباب هو المستقبل، فإن صراع القوى التقليدية مع القوى التحررية، محسوم من الآن لصالح الليبرالية والتحررية والمجتمع المدني. ولا عزاء لمن لعب على حبال التطرف زمنا أو رقص على مزامير التخلف طويلا.
ولئن كان المد المتطرف قد بدأ جزره في إيران، فإنه سرى كاللهيب فى أنحاء كثيرة من العالم، نتيجة الجهل والتخلف، وأثرا لتمويل التهييج، حتى صارت ناره تشتعل فى أماكن كثيرة، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، والعلة فى ذلك ترجع إلى أسباب متعددة يمكن دمجها وإيجازها لتيسير البحث وتسهيل الفهم.
فى حديث لإحدى القنوات الفضائية قال الجنرال فادرينكوف رئيس القوات البرية السوفيتية فى أفغانستان (1979 -1985) إن الولايات المتحدة كانت تعلم أن الاتحاد السوفيتي سوف يدخل إلى أفغانستان، لكنها لم تذكر ذلك ولم تبد أي ملحوظة عنه ولم تصدر أي تحذير بشأنه، لأنها كانت ترغب بالفعل فى أن تدخل القوات العسكرية السوفيتية إلى أفغانستان،حتى تقع فى المستنقع، وحتى ترتب الولايات المتحدة النتائج التي استتبعت دخول القوات السوفيتية.
وهذا القول من شخصية سوفيتية بارزة كانت فى ميدان الحرب وفى حومة الوغى، يؤكد ما ذكرناه من قبل من أن الحكومات لا ترغب بصفة عامة فى الهدوء والسلام، بل إن بعضها يعمد إلى اختلاق مجالات للتوتر وبؤر للصراع ومناطق للنزاع.
وبالنظر إلى حديث القائد السوفيتي، وقياسا عليه، يمكن القول بأن المخابرات الأمريكية(A.I.C) والمخابرات الإسرائيلية (Musad) عملا معا على زيادة قوة الإسلام السياسي، لضرب القومية العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية،اللتين كانتا مدعومتين بالاتحاد السوفيتي، ولضرب الحركات الماركسية فى الشرق الأوسط وغيره، وفى سبيل ذلك، فقد أقيم أكثر من مائة مؤتمر لجماعات الإسلام السياسي، عقد أكثرها فى الولايات المتحدة، مما أدى إلى أن تكون هذه الجماعات لنفسها شبكة اتصالات عالمية خاصة بها (Internet )،وشبكة معاملات مصرفية متعلقة بنشاطها، وهو الأمر الذي دعاها – كما هو الملحوظ دائما – إلى أن تتعجل الصراع مع من صنعوها وزودوها بالقوة والحماية. ففي خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات كانت الحكومات تتفادى أي صدام مع جماعات الإسلام السياسي، بل كانت تقدم لها العون والمساعدة، وكان كتاب ودعائيو هذه الجماعات يتجنبون أي صراع مع الحكومات ويوجهون قذائفهم ضد المستنيرين ليخلو الجو لهم، ولا يكون هناك شخص غيرهم، ولا صوت غير صوتهم، ونظرا لأني عرفت هذه الحقيقة فى وقت مبكر، من اتصالاتي الشخصية، فقد نبهت بعض الأصدقاء من المستنيرين إلى ذلك، حتى نكون على بينة من حقيقة من يحمى جماعات الإسلام السياسى، ولنتفهم السبب فى أن الحكومات تعزف عن محاربتهم أو حتى تقليص نشاطهم،أو مجرد إعطاء المستنيرين أى مساحة للرد عليهم وتفنيد شعاراتهم، سواء فى الصحف أو فى أجهزة الإعلام.
وفى حديث لى مع مجلة مصرية (فبراير 1990) ذكرت ما كنت قد علمته من أن جماعات الإسلام السياسى قد طلبت من المخابرات الأمريكية عام 1988 أن تسلمها السلطة فى كل البلاد العربية، والإسلامية، والإ فإنها سوف تشعل أبار النفط نارا، حتى تضرب المصالح العالمية. وإذ لم تتلق الجماعات الإسلامية ردا على مطلبها، لأن الغرب كان يعرفها جيدا وكان قد استخدمها بما يكفيه، ولم تعد له رغبة فيها، فقد انقلبت هذه الجماعات على الغرب بصفة عامة، وعلى الولايات المتحدة بصفة خاصة، وبدأت تعمل ضدهما، وهو ما ظهر أمره واضحا جليا منذ حرب الخليج الثانية، فى أغسطس 1990، حيث أرادت تهييج الشارع الإسلامى إلى صفها ففشلت.
عندما كان للاتحاد السوفيتى علاقة صداقة مع مصر وسوريا والعراق والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية،وخلال حرب افغانستان، كانت جماعات الإسلام السياسى تندد فى كل مقال وأى مجال بهذه العلاقة مع مشركين ينكرون الدين.. وتدعو فى كل مقال وأى مجال إلى ضرورة الصداقة والتعاون مع أهل الكتاب من النصارى فى الولايات المتحدة وفى أوربا. وحينما انقلبت الجماعات الإسلامية على الولايات المتحدة بدأت تركز دعايتها على عدم الولاية مع غير المسلمين، واتهمت الغرب بما أسمته الصليبية والصهيونية. وكانت أجهزة المخابرات الغربية قد عجمت عيدان قادة جماعات الإسلام السياسى، وأيقنت أنهم على جهالة وضيق أفق وقلة خبرة، فضلا عن أنهم لا يؤتمنون على علاقة أبدا. فعلى مدى تاريخهم، منذ بدأت جماعة الإخوان المسلمين، لم يكن لهم صديق إلا المال، ولا حبيب غير السلطة، وكان الصديق يتحول إلى عدو والعدو ينقلب إلى صديق، وفقا للمصلحة وتبعا للثمن.
ظل البوم ينعق فى أجهزة التليفزيون وفى محطات الإذاعة وفى المطبوعات المختلفة بثقافة الكراهية (Hatred culture) ضد غير المسلمين، وهى ثقافة تنتشر بطبيعتها بأيسر مما تنتشر به ثقافة المحبة والصداقة. ونتيجة لهذا فقد اشتعلت بؤر النزاع فى كل مكان من العالم، وفيها على الدوام طرف مسلم، حدث هذا فى الفيلبين وفى غرب الصين وفى جنوب الروسيا وفى إندونيسيا وفى شبه الجزيرة الهندية وفى كل البلاد العربية وفى كثير من البلاد الغربية، وأوربا وأمريكا.. ولجأت جماعات الإسلام السياسى إلى شن حرب من الإرهاب، اعتبار من 1992، على الحكومات فى مصر والجزائر وفى فرنسا والولايات المتحدة وغيرها.
وكأنما كانت أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تنتظر هذا التصرف، الذى ربما تكون قد عملت له طويلا، ودفعت هؤلاء الحمقى الجهال إليه دفعا. بهذا انقلب العالم كله ضد الإسلام وضد المسلمين، ومن ثم صارت قضايا غير المسلمين ضد المسلمين قضايا عادلة، اكتسبت عدالتها من الصورة الشائهة التى بدا عليها الإسلام والمسلمون، بفضل مقالات وتصرفات جماعات الإسلام السياسى، ومن يلحظ أو يرصد تصرفات حكام إسرائيل يجد أنهم كانوا يزورون كل بلد يقوم فيه بعض المسلمين باضطرابات انفصالية أو أعمال إرهابية، فقد حدث ذلك مع الصين ومع الروسيا، إذ أصبح الجميع فى سلة واحدة، يحاربون عدوا واحدا. ولعل هذا هو ما جمع جهودا كثيرة للعمل على القبض على زعيم حزب العمل الكردستانى وتسليمه إلى الحكومة التركية.
فى أمريكا وكندا وأوربا، يجرى العمل بهدوء وفى تنسيق كامل على محاصرة المسلمين، واستبعاد من يمكن استبعاده مع وضع قوانين صارمة للهجرة تمنعهم من الوجود الدائم فى هذه البلاد، هذا مع التدقيق الشديد فى إعطاء تأشيرات الدخول visa)) إلى مواطنى الشرق الأوسط خاصة، وللمسلمين عامة.
وفى تركيا وضح لبعض المحللين أن الموجة الإسلامية ليست موجة صحية موضوعية لكنها موجة شكلية مظهرية، قوامها غطاء الرأس (المسمى خطأ بالحجاب) وإطلاق اللحية ورفع الصوت فى الأذان وتلاوة بعض الأدعية. وأرجع هؤلاء المحللون تلك الموجة إلى حنين فقراء الأتراك إلى أيام السلطنة العثمانية التى سودت الأتراك وأثرتهم، براية الإسلام وعلم الشريعة، فأخذت الجزية والغنائم من البلاد الإسلامية ووزعت بعضها على الأتراك من الشعب.هذا فضلا عن تولى الأتراك السلطة فى كل البلاد التابعة للإمبراطورية العثمانية، سواء فى منطقة البلقان واليونان أو فى البلاد العربية.
فالإسلام لدى الأتراك الذين يجهلون العربية ولا يستطيعون قراءة القرأن فى لغته، هو الحنين إلى أيام الأمجاد والسيادة والثراء. وأمام النزعة الدينية الشكلية المظهرية، بدأت تتنامى القومية التركية الطورانية التى يمكن أن تركب موجة المستقبل، فتضم تحت لوائها أغلب بلاد التركستان، وسط أسيا، التى تتكلم التركية (عدا أذربيجان) وتشترك مع الترك فى أن أصولها تتارية (أو مغولية). وهذه البلاد تتمتع بثروات طبيعية هائلة.ويمكن أن تكون مع تركيا كتلة ضخمة، تصبح مع الوقت ذات ثراء عظيم ونفوذ كبير. أما فى الشرق الأوسط فإن الوضع جد خطير، لأن هذه المنطقة هى مهد الإسلام، وموطن كل حركاته، ومصدر الإسلام السياسى المعاصر. وإذا كان المسلمون قد استاءوا عندما قيل، بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، إنه لم يبق أمام الغرب إلا المسلمون فعليهم أن يلوموا من عمل منهم بطيش وحمق، وعمالة وجهالة، على إيجاد تلك المقولة ثم إثباتها، بالتأكيد المتوالى على عبارة (الصليبية والصهيونية )، وعلى التكرار المتصل على ثقافة العداوة التى تدعو إلى عدم موالاة المسلم لغير المسلم، وهى اتجاهات دعت إلى تدخل ما يعرف بالنظام العالمى الجديد.
تعبير النظام العالمى الجديد ظهر فى بداية القرن، مع نشوء الماركسية فى الاتحاد السوفيتى، ودعوتها إلى الأممية لتحقيق هذا النظام، ثم عاود التعبير ظهوره أثناء الحرب العالمية الثانية، إذ كان النازى يشيع أنه يعمل على تحقيق النظام العالمى الجديد.. ثم ظهر التعبير مرة ثالثة، أثناء حرب الخليج الثانية، التى استدعت فيها دول عربية قوى غربية، على رأسها الولايات المتحدة، للدفاع عنها.
مع الوقت بدأ تحديد إطار ومعالم وأهداف هذا النظام العالمى الجديد، خاصة بعد التدخل العسكرى من حلف الناتو (nato)فى كوسوفا ومنطقة البلقان، واحتفال الناتو فى واشنطن بعيده الخمسينى، مع انضمام ثلاث دول جدد إليه. هذا الإطار وتلك المعالم وهاتيك الأهداف تتحدد فيما يلى:
• مبدأ تصدير الأمن، بمعنى أن الحلف لن يتوقف عند مبدأ حماية أعضائه، لكن نشاطه سوف يمتد لإقرار الأمن والنظام فى أى مكان فى العالم.
• التأكيد على أن تقوم كل دولة فى العالم بتوفيق أوضاعها لتتلاءم مع النظام العالمى الجديد، ويكون ذلك بإنشاء المؤسسات الحقيقية الفعالة فى كل دولة، ابتداء من مؤسسة الحكم وانتشارا إلى باقى مؤسسات السلطة.
• اعتبار القوام الحقيقى لكل دولة هو حكم القانون واحترام حقوق الإنسان، وذلك وفقا للمعايير الدولية الخاصة بحكم القانون وحقوق الإنسان، وليس تبعا لتفسير نظم الحكم المختلفة لمفهوم القانون وحقوق الإنسان.
• حظر إنتاج واستعمال الأسلحة البيولوجية والجرثومية، والبلاستية. وإلى جانب هذا المبادىء، فقد قال الرئيس كلينتون فى خطاب له، مكتوب وليس مرتجلا (مما يفيد أنه يتضمن مبادىء استراتيجية )، بتاريخ 2 يونيو 1999، فى أكاديمية القوات الجوية بكلورادو، وهو يحدد مهام الولايات المتحدة، إن من هذه المهام أن تقوم (الولايات المتحدة) بسد الفجوة التى حدثت بين العالم الإسلامى والغرب، منذ ألف سنة، (وهى مدة طويلة جدا، تشمل فيما تشمل خروج العرب من أسبانيا،والحروب الصليبية، واستيلاء العثمانيين على الإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، وحروب الاحتلال الغربي لبلدان الشرق الأوسط، والمسألة الفلسطينية..الخ)
مفاد ذلك كله، أنه بعد انتصار حلف الناتو فى كوسوفو، سوف يعيد تنظيم منطقة البلقان، ويتركها للاتحاد الأوربي (u.E) ليعمل هذا على تنميتها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وضمها إليه تباعا، أما المجال التالى لعمل حلف الناتو فسيكون منطقة الشرق الأوسط. ولا يمكن الاحتجاج فى ذلك بمبدأ السيادة الوطنية، فقد سلف شرح هذا المبدأ فى صدر هذه الدراسة، وكيف أنه مبدأ لدن، اتسع ويتسع لتفسيرات متعددة، يضاف إلى ذلك أن العرب هم الذين يستدعون أمريكا وأوروبا لحل المسألة الفلسطينية، ويتهمونهم بكل نقيصة إن تقاعسوا عن التدخل فيها لحلها. مع أن الحل لن يكون كما يرجو العرب، لأن الظروف الدولية والمحلية سوف تعنى بأمن إسرائيل، ولن يكون على أرض الواقع ما يسمح بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، وجيش عصري، وحدود لا تداخلها مدن إسرائيلية وطرق إسرائيلية.
أما بالنسبة لباقي الدول العربية، فعليها من الآن أن تلتزم المعايير الدولية فى إنشاء المؤسسات، وإقامة حكم القانون وتأكيد حقوق الإنسان. وهى أمور لازمة لتقدم كل دولة واستقرارها، ولا ضير فيها أو خطر منها، ولا تنتظر إلى أن تفرضها عليها قوى خارجية. يضاف إلى ذلك أن قيام المؤسسات الصحيحة قد يؤدى إلى غض الطرف عن حيازة أسلحة الدمار الشامل، لأن خشية المجتمع العالمي الحقيقية، أن تقع هذه الأسلحة فى أيد غير مسئولة، فى دولة ليست بها مؤسسات تضمن عدم وصول مغامرين إلى الحكم، أو أن تظل الأسلحة فى أيد غير أمينة تتعلل بمبدأ السيادة لتجعل من الحاكم الدكتاتور صاحب الحق المطلق، والسيادة الشاملة فى استخدام هذه الأسلحة ضد مواطنيه وغير مواطنيه.
saidalashmawy@hotmail.com
• القاهرة
مستقبل الشرق الأوسط(3)
التاريخ يشهد والعالم كله يعلم ان حرب العراق هي حرب ضد الانسانية وضد الامم المتحدة وضد كل القيم مهما تكن الاهداف منها القضاء على نظام الديكتاتور البعثي الصدامي ولكن اصبح هناك ديكتاتوريات ارهابية انها المليشيات الطائفية الارهابية الايرانية والقاعدة والمليشيات العرقية التي قتلت مليون بريء وشردت 4 ملايين
حزين
أحزن بشدة عند قراءة ما يكتبه الدكتور الكبير المستشار محمد سعيد العشماوى في السياسة….كلامه يدل على فهم عميق للأمور وأحكامه دائما شديدة الصواب ! وسبب حزني أننا لا نستغل مثل هذا المفكر و يفضل معظمنا السير وراء الغوغاء والمهيجين الجهلة …
مستقبل الشرق الأوسط(3)
الكل يعشق السلام ولكن يجب ان يكون عادلا اي يجب ان يكون بين نظامين ديمقراطيين.ان الخاسر هو الشعوب العربية المتخلفة وخاصة الشعب الفلسطيني المشرد بعد ان استغله النظامين الايراني والسوري بالشعارات والتخدير. ولقد وصلوا الى النتيجة الا وهو اذلال المنطقة وتفقيرها وتهجير النخب من قبل انظمتها خلال 40 عاما والان اما استعمار او اتفاقات غير عادلة وذلك لاستمرار الانظمة المخابراتية الشمولية. نعم سيكتب التاريخ انها مسرحيات لبقاء الانظمة الشمولية المدمرة للشعوب في المنطقة. السؤال:هل اتفاقات بين نظام سوري شمولي مخابراتي يدمر شعبه بمافياته المخابراتية ونظام اسرائيلي ديمقراطي يبحث عن تطوير شعبه هو السلام الحقيقي؟