طرح أحد الأصدقاء مرة ذلك السؤال الذي جعل منه بعض المفكرين الإسلاميين كتاباً (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟) ولأني لا أؤمن بما طرح في تلك الكتب من أن السبب هو “بعد المسلمين عن الدين” فقد شاركت برأيي في ذلك الحوار بالقول إن السبب هو أن المسلمين جاءتهم الفلسفة في أجمل حلة عندما كانوا فرسان العالم، فطردوها شر طردة ولم يستمعوا لما كانت تريد أن تقول, فراحت تركض وتجمع الحقائب الممتلئة بكتب اليونان بترجمة عربية واتجهت لأوروبا التي كانت الصدر الحنون لها، بل حتى لكتب الفلاسفة المسلمين الذين عوملوا باضطهاد كبير بين أهلهم وذويهم وعلى أرضهم التي ولدوا فيها، فنشأت مدرسة فلسفية في أوروبا القرون الوسطى اسمها “المدرسة الرشدية” نسبة لأبي الوليد ابن رشد وأصبح هذا الرجل أحد المؤثرين في البناء الفلسفي في أوروبا، كيف لا وهو من حفظ لأوروبا نصوصاً لأرسطو لا توجد إلا في ترجمات وشروح ابن رشد.
الفلسفة ترعرعت في أوروبا وكبرت حتى وصلت لفلسفة رينيه ديكارت الرياضية في القرن السابع عشر الميلادي والتي قامت على أكتافها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر والتي ولدت فيما ولدت التكنولوجيا المعاصرة التي ملك العالم من ملكها. هناك سوء ظن كبير يعتري مجتمعاتنا تجاه هذا العلم، بل تجاه المفردة “فلسفة” وسوء الظن هذا هو نتيجة لسوء الفهم، فالفلسفة علم يدعو لاستخدام العقل كآلية وتدعو دائماً للتساؤل والتحقق والتبين وطرح الأسئلة والبحث عن أجوبة لها في محاولة لفهم هذا الكون والتعاطي معه والاستفادة من خيراته وكشف أسراره وللوصول إلى الحقائق ولا يلزم من ذلك أبداً الصدام مع الدين، بل هناك مساحة كافية للمسألة الدينية، وكان هناك دائماً وفي كل الأمم من الإغريق وحتى الزمن المعاصر، فلاسفة مؤمنون وفلاسفة غير مؤمنين، وكم من العقول الكبيرة كانت مؤمنة وكم من العقول الكبيرة كانت ملحدة، النتيجة ليست واحدة وحتمية في كل الصور، بل تبقى رهينة لخيار الإنسان المفكر وخياره هو وحده.
يدرس مجلس الأمة الكويتي هذه الأيام مشروعاً لا يمكن أن يوصف إلا أنه مشروع “ردة ثقافية” وانقلاب على مسيرة الكويت الثقافية على مدى نصف قرن إن تم تنفيذ ما جاء فيه. فقد قامت اللجنة الاستشارية العليا لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في مجلس الأمة بطرح مشروع إلغاء مقرر الفلسفة من المرحلة الثانوية العامة بحجة أن الفلسفة تزعزع الإيمان برغم أن الفلسفة تدرس في الكويت منذ أربعين سنة ولم نسمع أن الكويت مرت بمرحلة إلحاد أو تحولت إلى “أمستردام” أخرى، فالمجتمع الكويتي مجتمع إسلامي محافظ أولاً وأخيراً. إن تم إلغاء تدريس الفلسفة فهي العودة لإحراق الكتب الذي عاشه العالم الإسلامي في عصور الانحطاط ومزيد من الانغماس في دياجير الظلمات وتطبيق فلسفة “النعامة” التي تضع رأسها في حفرة لكيلا ترى العدو وهو يهجم عليها، بدلاً من أن نخرج رؤوسنا للهواء الطلق ونواجه الحياة بكل ما فيها، بكل فكرة تقال، كل مشروع، كل علم.
لكن مد “الإسلام السياسي” الذي يجتاح الكويت في السنوات الأخيرة يحاول أن يسير بهذا البلد العزيز علينا في اتجاه لن تحمد عقباه، وكأن “الإسلام السياسي” يريد للكويت أن تمر بما مر به غيرها حذو القذة بالقذة دون اعتبار بالمشكلات العويصة التي عانت منها تلك الدول وعلى رأسها مشكلة “الإرهاب” الذي ما نشأ ولا ترعرع إلا على أرضية “الإسلام السياسي” وما شرب إلا من ماء أفكاره وأدبياته وفذلكاته. هذه الوصاية الأبوية على عقول الناس وعقلية “الحزب الواحد” الذي ينطلق من المنطق الفرعوني ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، إنها ديموقراطية “الإسلام السياسي” التي تفضح نفسها بسرعة فما إن تصل لأدنى سلطة حتى تنقض على أهم مبادئ وأسس وقيم الديموقراطية لكي تدمرها وتلغيها، كم أتمنى من الإخوة منظري “الإسلام السياسي” أن يغيروا سياسة “المعول” وأن يستبدلوه بالبناء وتقديم شيء جديد يساعد في نمو هذه المجتمعات وترقيها، بدلاً من أن يكونوا العصا التي توضع في العجلة لتوقف المسير.
* كاتب سعودي
نقلاً عن “الوطن” السعودية
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2887&id=7090&Rname=53
الكويت وإلغاء تدريس الفلسفة
تعبت في بيتها راحت تكنس الشارع.
الكويت وإلغاء تدريس الفلسفة
http://www.asharqalawsat.com/sections.asp?section=27&issueno=10863
الكويت وإلغاء تدريس الفلسفةلا اعرف إذا كان للفلسفة اصلا من مكان في عرف وفكر كاتب المقال. فهو يتحسر علي الغاء ماده الفلسفة لكنه يردد بسذاجة نادرة اقوال الاسلام السياسي بل والاسلام العادي باستدعاء اكذوبه عربية اسلامية من انطلاق الفكر الواحد من المنطق الفرعوني. لقد سب العرب الفراعنة كثيرا دون دليل واضح في كتاباتهم المقدسة والغير مقدسة لكنهم لم يصلوا ولو لقدر ضئيل مما اتي في مدارس اون وطيبة ومنف وابيدوس في مصر القديمة، التي تعلم فيها فلاسفة اليونان بعد ذلك بدءا من افلاطون. بل ان القيم الاسلامية لا ترقي الي مستوي قيم كثير من الشعوب البدائية. فهل يتحسر الكاتب فعلا… قراءة المزيد ..