(ما فى السماء يكون على الأرض – As above so is below)
تصدير:
فى كتابنا “حصاد العقل” المنشور عام 1973 كان الإهداء الذى صدّرناه به هو “إلى الإنسان الكونى الذى أشرق عصره فلاح بالأفق المبين”، هذا فى وقت كانت الغلبة فيه للأيديولوجيات القومية والدينية، ولم يكن مفهوم العولمة – بدلالته الحديثة – قد ظهر أو قيل. ومن يـُصدّر كتابه بإهداء إلى “الإنسان الكونى” لا بد أن يكون على تشوّف لهذا الإنسان وعلى تشرف بتحقيقه، وبذاته ولذاته، فيكون مثلا ومثالا. وهذا حال ينأى عن التعصب لبلد، أو لجنسية، أو لقومية، أو لمعتقدية، وهو دليل نركن إليه وتستهدى به على أننا حين نكتب عن حضارة مصر القديمة موافقة أو مخالفة، لا نصدر فى ذلك عن نازع وطنى، وإنما نفعل ذلك عن وازع إنسانى ودافع كونى، لا يريد إلا الحق، والحق وحده، مهما كان الثمن وكيفما يكون الأداء.
ويعنى ذلك أنى دائما أبدا، ومنذ أول كتاب لى، وحتى الكتاب الرابع الآنف بيانه، وفيما بعد ذلك، أرنو دائما إلى الانسان الكونى، الذى يستشرف الكون كله، ويستهدى بالتراث البشرى بأجمعه، ويتضامن مع الانسانية كلها؛ بصرف النظر عن اختلاف العقيدة أو اللون أو الجنس أو الوطن أو اللغة أو أى شىء آخر.
فمع أنى مصرى أصلا، ولادة وتربية وثقافة وحياة، فإنى أنتشر من مصر إلى كل العقائد والألوان والأجناس والأوطان واللغات والثقافات. وهذه الدراسة تهدف فى النهاية وتعمل منذ البداية، إلى تآلف العقائد، وتعارف الناس، وتداخل الجهود، وتآنس الجميع، فى رحاب الكونية، ومحيط الانسانية. فهى وإن بدأت من مصر، فذلك لأن مصر كانت – كما سوف يبين ويتأكد – من الجانب الكونى – هى صورة السماء وأصل الحياة وأم الدنيا.
والذى آمله أن يفهم الجميع مقاصدى وأن يعرف القراء أهدافى. فهى لا تتصل أبدا بمصريتى، وليست تعصبا أو تحيزا بأى حال من الأحوال. فهدفى الدائم هو “الحقيقة” وسعيى المستمر هو استجلائها. ولعلى أُوفق فى أن يشاركنى الكثيرون ذلك بعد أن ينتهوا من قراءة هذه الدراسة.
*
(15)
العقيدة الكونية (أ)
فى أعماق كل إنسان، وفى الصميم منه، شعور قوى دفين،هو شرارة مقدسة تربطه بالألوهية، وهى لمن لا يدركها ويشعر بها، تكون شعورا قويا عميقا بعدم الأمن وعدم الإكتمال. وقد يخفف من هذا الشعور أن يجد الفرد نفسه فى محيط أسرة، أو ضمن جماعة، أو مواطنا فى دولة، يتهيأ له معه أنه وصل إلى الأمن، ويُخيـّـل له به أنه بلغ الإكتمال، لكنه سرعان ما يتبين أنه لم يزل بغير أمن ودون إكتمال، وأن عليه أن يتواصل ويتداخل مع ما هو أبعد من الأسرة والجماعة والوطن والإنسانية جمعاء، وذلك يكون – على التوالى ومع التدارج – هو الكون بأسره، فى المشهود منه ؛ والغيب فيه.
وثـَمّ أفراد لا يشعرون بشىء من ذلك أبداً، ولا يدركونه على الإطلاق ؛ ويكون هذا لبلادة شعورهم أو لصلادة عقولهم، وهم لهذا وذاك إستثناء من الأصل، لا يدخل فى التقدير ولا يُعمل له أى حساب ؛ فهم فى سبات عميق، سوف يفيقون منه، وإن تعددت حيواتهم وتكاثرت.
وعلى الصعيد المقابل، فقد يحتد الشعور بعدم الأمن ويمتد الإحساس بعد الإكتمال حتى يملأ كيان شخص أو أشخاص، مرهفى الحس مصقولى الشعور، فيعبرّون عنه بالغربة أو الإغتراب، بما يعنى أنهم غرباء فى هذا العالم لا يجدون فيه الأمن الذاتى ولا يصلون منه إلى الإكتمال الحقيقى. وأصحاب الصوفية العقلية (Intellectual mysticism) يقولون للتعبير عن حالتهم تلك إن “المعرفة غربة” ؛ يقصدون بذلك أن ما هم عليه من معرفة (قد تكون أنوارا من المعرفة المقدسة) تجعلهم غرباء عن الآخرين، الذى يسدرون فى العالم المادى عن جهل ويصدرون فى تصرفاتهم عن ردود أفعال مادية. وفى منتصف القرن العشرين صار الإغتراب فلسفة يعتنقها البعض ويتكلم عنها ويكتب فيها، دون أن يدرك السر الحقيقى للشعور بالإغتراب، والذى ينتج عن الإدراك بعدم الأمن وعدم الإكتمال، والذى هو دافع فطرى ونازع طبيعى، للعمل الواعى المستنير، الذى يسعى إلى التواصل والتداخل مع الكون كله، لكى يرتبط به ويندمج فيه ؛ ولا يكون ذلك من خلال الإعتزال بعيداً، بل بكل ضروب التواصل وكل دروب التداخل من جانب، ثم الإنعطاف إلى الذات لاستكناهها واستبصارها، وربّ محصولها من التجربة والتأمل والسكون، حتى يصل إلى صميم الكون ولباب الوجود. عند ذاك يدرك الفرد أو تفهم الجماعة أنها وصلت إلى العقيدة الكونية، وأنه بهذه العقيدة يتضح المسار وتنجلى الحقائق ويتسارع التداخل ؛ فتسمو النفوس وترقى العقول.
العقيدة الكونية صيغة ميسرة ودالة متكاملة هى : الإيمان بالله، واتباع الحق والعدل والإستقامة والنظام. وهى بشقيها هذين، لزيمان يتلازمان، وقسيمان يتقاسمان، ومُحيلان يتبادلان الإحالة بينهما. فالإيمان دون أخلاق، يكون محْض إيمان أجوف وبحْـتَ اعتقاد جامد، والأخلاق بغير إيمان تكون هلامية بلا قوام، تجنح إلى المصالح الخاصة أو تجمح إلى التبريرات الخاطئة.
وقد يقول قائل : وما هو الإيمان بالله، وما فائدته؟ إن البشرية تفرقت وتحاربت من أجل الدين، وتمزقت شيعا وأحزابا، ولو كان الإيمان حقيقة لكان واحدا، ولجمّع بدلا من أن يفرق.
ويرد على ذلك بقول بسيط، هو أنه يكون صحيحاً ويحدث فعلا عندما يبعد الإنسان عن صميم قلبه وحقيقة ضميره، وعندما يتصور الناس أن الله مادة تقع فى نطاق الحواس، مع أنه لا يُعرف إلا بالبصيرة ولا يُدرك بالحواس أبدا. وهل تدرك الحواس حقيقة عمل الجسم البشرى، أو تعرف بغير مناظير خاصة فى المعامل مستوى ما تحت الذرة (Sub Atomic) وهو يصغر عن المستوى المادى بعشرة مليون مليون مرة ؟ وهل يدرك البشر – دون أجهزة خاصة وبغير معامل علمية – ماهية الأشعة الكونية التى تنهمر عليهم فى كل آن وفى كل مكان ؟ أو يعرف حقيقة الجاذبية ونتائجها ملحوظة لا شك فيها ؟ أو يرى النجوم البعيدة دون مناظير خاصة ومراقب متطورة ؟ لقد سلف بيان ما كانت تعرفه قبيلة بدائية ؛ وهى الدوجون عن وجود نجم آخر بجوار نجم الشعرى اليمانية، أقل نورا وأكثر أهمية، ولم يُكتشف هذا النجم إلا فى أواخر القرن التاسع عشر !؟ مما يدل على وجود معارف وصلت إلى الأقدمين، لكنها غابت و ضاعت بمرور الوقت.
إن المادة، بالعقل المادى، الذى لم يتطور لدى البعض ليصبح العقل الحيوى، تتصور الله على أنه مادة لكن لا كالمواد، ليس كمثله شىء (من المواد). وعن ذلك تذكر الدراسة مثلا من التوراة وأمثلة من مقالات (أى مذاهب) الإسلاميين. ففى سفر الخروج جاء (.. ثم صعد موسى وهارون.. وسبعون من شيوخ اسرائيل ورأوا إله اسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء فى النقاوة.. وكان منظر مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل.. ودخل موسى فى وسط السحاب وصعد إلى الجبل) 20 – 24. وفى كتاب ” مقالات الاسلاميين (أى مذاهب المتأسلمين) لأبى الحسن الأشعرى عن قول (مذهب) جماعة منهم أن (معبودهم – أى الله عندهم – جسم وله نهاية وحدّ، طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه مثل عمله، لا يوفى بعضه على بعض) وعلـّق الأشعرى على ذلك فقال (قالوا طوله مثل عرضه، على المجاز دون تحقيق). وعن جماعة أخرى ذكر الأشعرى أنهم (زعموا أن الله نور ساطع، له قدر من الأقدار فى مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية تتلألأ كاللؤلؤ المستدير من جميع جوانبها، ذو لون وطعم ورائحة ومجسّة، ولونه هو طعمه، وطعمه هو رائحته، ورائحته هى مجسته، وهو نفسه لون). وقال عن جماعة ثالثة إنهم يقولون عن الله (إنه جسم ذاهب جاء، فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم بأخرى. وأنه طويل عريض عميق، لأنه مالم يكن كذلك دخل فى حدود التلاشى). وعن جماعة رابعة ذكر أنهم يقولون إن (الله صورة الإنسان، وهو نور ساطع ذو حواس). تراجع هذه الآراء وآراء أخرى عن وصف الله فى كتاب أبى الحسن الأشعرى – مقالات الإسلاميين – الطبعة الثانية 1969 – الجزء الأول – صفحة 106 وما بعدها.
تلك آراء شاردة وأقوال باردة لا حس فيها ولا حياة، وقد حدثت نتيجة الجهل الذى يعمل على توثين القوى وعلى تجسيد الوظائف وإلى التفكير فى الله على نحو مادى، يوافق تقدير الجاهل الذى لا يعرف إلا ما يوافقه ولا يفهم إلا ما يشاكله. وهو تقدير ظل، وما زال، يسرى فى الثقافة البشرية حتى اليوم. ومنه كتب أبو حامد الغزّالى (1059 – 1111 م) كتابه (إحياء علوم الدين) الذى ظل للمسلمين دستورا مدى ألف عام. وفى هذا الكتاب قال نصا “الصناع فى الباطن هم الملائكة كما أن الصناع فى الظاهر هم أهل البلاد… لابد من مَلـَك (أى ملاك) يجذب الغذاء إلى جوار اللحم والعظم.. ولابد من آخر يمسك الغذاء إلى جواره، ولابد من ثالث يخلع عنه صورة الدم.. ولا تظن أن الدم بطبيعته يهندس شكل نفسه، فإن محيل هذه الأمور على الطبع جاهل لا يدرى ما يقول.. فهذه الملائكة الأرضية وقد شُغلوا بك وأنت فى النوم تستريح وفى الغفلة تتردى، وهم يصلحون الغذاء فى باطنك ولا خبر لك منهم، وذاك فى كل جزء من أجزائك الذى لا يتجزأ، حتى يفتقر بعض الأجزاء كالعين والقلب إلى أكثر من مائة ملك”(المرجع المشار إليه، صفحة 2271 – 2270).
وعلى هذا الفهم قال أحدهم فى بيت شهير من الشعر:
من قال بالطبع أو بالعلة… فهو كفـْرً عند أهل الملة
أى من قال بالطبيعة (وهى قوانين الحياة) أو قال بالسببية والعلـّية فقد كفر.
هذا الفهم التوثينى التجسيدى للقوى والوظائف هو الذى زيـّف الإيمان وحرّف معانى الحق والعدل والإستقامة والنظام. ومن التزييف والتحريف حدثت كلّ الإضطرابات والقتالات والإختلافات والمصاعب والمتاعب والنوائب. فمن ينكر صحيح الإيمان وصادق القول والفعل، ينكر نفسه ويجحد ضميره ويكبت قلبه، لأن كل ذلك كامن فى نفسه واقر فى كيانه قائم فى ضميره كائن فى روحه، ومن يحرّف هذا أو يزيف ذاك يحكم على نفسه بالشقاء والعذاب والعدم وكل ما شابه من أوصاف.
إن الجدير بالإنكار هو هذا الإتجاه التزييفى والتحريفى الذى يجعل المادة هى كل شىء. ويحول بين الإنسان وقلبه، لأن القلب هو الطريق الصحيح للوصول إلى حقيقة الألوهية وصميم الكونية ومعانى الصدقيـّة (التى عبر عنها المصريون بلفظ ماعت). ومن ينكر الوثنية – وإن زعموا أنها محض الإيمان – لا يكون كافرا ملحداً، وإنما هو مجرد منكر لإتجاه وثـّن القوى وجسّد الوظائف (ويلاحظ أن لفظ الكفر يعنى فى الأصل اللغوى : الإنكار أو التغطية. ولم يتحول هذا المعنى إلى معنى الكفر بالله أو الكفر بالدين إلا على تقدير المعتقدات الجافة التى تزعم الإطلاق مع أنها نسبية، وتدّعى الصواب مع أنها هى عين الخطأ). أما الذى يوثـّن ويجسّد حتى الألوهية فهو جاهل بالحقيقة وجاهل بنفسه. ومن هذا الوصف أُطلقت أوصاف الجهالة والجاهلية على من لا يعرف الله حق المعرفة.
إن الله – كما بشرت به كلمته وروحه التى تجسدت أول ما تجسدت على الأرض فى أوزير – إله سام مطلق، فعّال وحاضر على الدوام، بلا إسم ولا رسم ولا “كسم”، ولا ضريب ولا شريك ولا قرين ولا مثيل – كما أن ماعت (التى هى الحق والعدل والإستقامة والنظام) هى معانى تـُعاش وليست ألفاظا للنقاش، وهى روح وحياة ؛ وليست قولا أو جدالا أو زعما أو ادعاءا.
هذا هو الدين الحق، والقول الفصل. أما الشريعة فهى طريق كل نبى أو رسول يعلمه لتابعيه كى يتوصلوا إلى صميم الحق، وصحيح القول. وفى القرآن (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) سورة المائدة 5 : 48. فالدين بذلك قاسم مشترك بين الجميع، والشريعة عامل يفترق عند الجميع.
وقد أدرك قدم العقيدة الكونية أهم فلاسفة المسيحية الكاثوليكية (القديس) أوغسطين (353 – 430 م) فكتب يقول ملمحا إلى هذه العقيدة التى كانت قد ظهرت فى ترجمات لصحف إدريس (أوزير) : إن ما سُمى بالعقيدة المسيحية وُجدت مع الأقدمين ولم تكن غير موجودة أبدا، منذ بداية البشرية حتى جاء المسيح فى الجسد. حينذاك بدأت العقيدة الحقة التى توجد منذ البداية تُسمى بالمسيحية.
وفى القرآن عن ذلك (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذى أوحينا اليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) سورة الشورى 42 : 3. وفيه (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) سورة البقرة 2: 136.
ومن المهم الذى تنبغى معرفته فى هذا الصدد أن فى الديانة المصرية القديمة كان يتعين على المصريين أن يعرفوا أن إيمانهم الحق واتـّباعهم ماعت (الحق والعدل والإستقامة والنظام) يؤدى إلى أن تـُسلم لهم النجوم والعالم الذى تسير فيه الشمس. ولعله من هذه الجملة نفذت كلمة تـُسلم أو الإسلام إلى شبة الجزيرة العربية فقال زيد ابن عمرو ابن نفيل – قبل نزول الرسالة المحمدية:
أسلمت وجهى لمن أسْلمت.. له المزن تحمل عذبا زلالا
وأسلمت وجهى لمن أسلمت.. له الأرض تحمل صخراً ثقالا
هذه هى العقيدة الكونية جاء بها أوزير من السماء، ومن كوكبة الجبار أهم الكوكبات، حقيقة لا مجازا، وواقعا لا وهما؛ وبشر بها فى مصر، وفى الحبشة، وفى الهند، وفى أوروبا، على ما أنف البيان، وفى المناطق التى تقع كمحاط فى رحلاته، مثل اليمن والساحل العربى وشرق أوروبا وغيرها.
ومع تلك العقيدة، وقبلها، أقيمت الأهرام (بأسلوب مجهول إلينا لم يزل، ذلك أنه شُيد بالحساب والتقدير (Calculation) وليس بالبناء والتشييد (Construction)،وهو نفس الأسلوب التى اتبعه الله فى خلق الكون، وكان حريـَّا أن يعرفه أوزير، كلمة الله وروح الله، (أول تجسيد للكلمة والروح على الأرض) وأن يتبعه فى إقامة الهرم الأكبر، وهو ما دعا أحد العلماء الغربيين إلى نسبة إقامته إلى الله ذاته، لأنه أسلوب يخالف ويجانب كل أسلوب آخر، اتـُبع بعد بناء الأهرام ونحت تمثال أبى الهول. وفى الأهرام، وأبى الهول، معارف كثيرة هندسية وحسابية ورياضية وفلكية، وتنبؤية وغيرها، الأمر الذى أدّى، ببعض العلماء إلى القول بأنه ” كبسولة ” زمنية تفضّ ما فيها من معلومات وحادثات، معلومة معلومة ؛ وحدثا حدثا.
وقبل أن يبشر أوزير بالدين، نشر أجواء من الإستنارة حتى يمكن بها إستيعاب المفاهيم والمضامين، دون الوقوف عند حدود الظواهر والشكليات والألفاظ والتلاعبات. فعلـّم الناس (فى مصر وغيرها) الحساب والكتابة والزراعة والصناعة والحياكة والموسيقى والفلك والتنجيم، وعلمهم الختان وحرم عليهم أكل لحوم البشر أو التضحية بإنسان أو حيوان. ويلاحظ أن اللغة المصرية كانت تكتب أولا بحروف هيروغليفية، ولفظ هيروغليفية من أصل يونانى، ويعنى حرفيا الكتابة المقدسة، لأنه كان لكل حرف فيها معنى ولكل نطق لإسم قوة. ولابد أن يكون بعض الرهبان العلماء قد عرفوا منه معارف كثيرة ومعلومات وفيرة، صارت تنتقل بينهم شفاها، من فم إلى أذن، وهكذا دواليك، حتى قبل أن يبدأ عهد التدوين (عام 3200 ق.م بالتاريخ القصير، أو 5400 ق.م بالتاريخ الطويل).
وعلم التنجيم مما يصعب – إن لم يكن من المستحيل – أن يصل إليه الإنسان فى تلك العصور السحيقة، دون تلقين خارجى ومعرفة من الغيب. والمقصود من التنجيم خاصة، أن يربط كل إنسان بخيوط وأشعة إلى دورة الأفلاك ومواقع النجوم وحركات الكواكب وصميم الألوهية، حتى لا يكون الإنسان وحيدا فيشعر بالغربة والإحباط، ولاتكون الإنسانية مقطوعة عن حركة الكون بعيدة عن الله نائية عن الخلاص. وقد سبق أن بيّنت الدراسة أن الله كان يعلم أن الإنسان بملكاته وقدراته سوف يبغى ويطغى، ويتكبر ويتجبر، فيسوء خـُلـُـقه ويضيع خلـْقه، وتعم الجاهلية وتزيد المادية، فتقطعه من كل الروابط الكونية وتحبسه فى المقاصد المادية. وعلى من يريد أن يقف (يوقف) أثر حركة النجوم والكواكب، أو دائرة الفلك، ويجعلها تـُسلم له، فعليه أن يتـّبع المعرفة المقدسة، دراسة وتطبيقا. فإن فعل، هدأت فيه نوازع الشر المادى وفترت فيه فواجع النهم والشراهة، وذهبت عنه أية قدرة على الإيذاء وأى اتجاه إلى الضـّر. حينئذ فحسب، وآنذاك فقط، يتخلص من حركة الكواكب بما تنتجه من كوابح ومحابس وضغوط على من يكون بلا معرفة مقدسة، لكى تمنعه وتكبحه عن الضـُّر بالغير ولكى تعيقه وتعرقله عن الشر الكائن والكامن فى نفسه. فالعالِم بعلم التنجيم (Astrology) يدرك تماما من الخرائط اليومية لقبة السماء أن حركة الكواكب مع الشمس والقمر تنفتح ساعة وتنغلق ساعات، وتعطى السعادة مرة وتحط بالشقاء مرات ؛ ومن هنا قيل “الفرح له سنة والترح – اى الحزن – له سنين، وفى ذلك يقول الشاعر
من سره زمن… ساءته أزمان”.
أما تحديد صلة الفرد بالكون، فهو يكون بتحديد مواقع الكواكب والنجوم والأقمار والبروج وقت ولادته، والأصح لحظة التحام نطفة الذكر ببويضة الأنثى (وهو ما يسميه المنجموّن العرب : نزول النطفة). فهذه اللحظة هى التى تحدد صفاته وسماته وطباعه وملكاته وقدراته مدى الحياة. ومن الخارطة التى تبين القبة السماوية وقت ميلاد الشخص (والتى تسمى بالإنجليزية Chart) مع المعرفة المقدسة، يكون فى مُكنة الإنسان أن يعرف سبب وجوده، وأن يتفاعل بهدوء وسلاسة مع حركة الكون لكى يفض ذاته، حدثا حدثا، حتى يحقق الغرض منه وما يريده الكون به.
والجزاء على ذلك مقدم مؤجل. فمن يتبع العقيدة الكونية، يحيا فى الدنيا هادئا هانئا، يعرف نفسه ويحكم مقاديره (إلى حد كبير)، وهذا فى حد ذاته كفاء وجوده. أما بعد أن تنتهى حياته على الأرض فسوف يحق له أن يلحق بالسماوات العلا، ليكون كالنجم فيها أو يتداخل فى الكلمة ويتواصل بالله ؛ وهو جزاء روحى ما بعده جزاء. أما من يتصور أن الجزاء سوف يكون ماديا، فهو خالط بين الحياة الدنيا والآخرة، مازج هذه بتلك، وهو أمر مستحيل كما أنه ضرب من التوهم ودرب من التخيل. فمنذ بداية الحياة على الأرض لم يلحظ أحد أبدا أنه بالوفاة يكون للمتوفى جسد مادى يبحث عن لذائذ المادة ويرغب فى أطاييبها. لكن الثابت أنه بالموت يتلاشى القسم الحى فى الإنسان ويترك الجسد بلا حياة ولا رغبة مادية. وهذا الملاحظ والمفهوم والمعروف حرّفه وزيفه وغيّره وبدله رجال الديانة المنظمة منذ عهد بعيد، أيام بداية انحلال الديانة المصرية القديمة، فصوروا للناس الجهلة السذج أنهم بالموت ينتقلون – حين يبرّءون من المحاكمة الكبرى – إلى جنة أوزير، وهى صورة طبق الأصل لحيواتهم على الأرض بما فيها من أنهار وحدائق ومنازل وتجمّع للأسر. وكان هذا المعنى – على خطئه – هو الذى يرضى العوام الجهلاء، وحتى اليوم ؛ فلم يكن يرجو من الموت – بالمعرفة المقدسة – أن يتحد بالكلمة (كما كانوا يقولون : أوزير أوناس أو أوزير بيبى أو أوزير آنى. إلى آخر ذلك) أو أن يتوحد فى الله، لكنهم وقفوا عند حدود الجزاء المادى، غير المعقول ؛ وتركوا بالجهل الجزاء الأسمى الذى يمليه العقل ويدركه المنطق ويقبله العارف بالله.
والعقيدة الكونية هى للناس جميعاً، فى كل مكان وأى زمان، فلقد بشر بها أوزير فى هدوء وسلام إلى المصريين، ثم إلى غير المصريين. وسافر من أجلها إلى الحبشة – عبر السودان غالباً – وإلى الهند – مرورا بالساحل العربى – ثم سافر إلى أوروبا فى أمكنة غير محدودة. وبديهى أن تكون رسالته لكل الناس. هذه العقيدة الكونية، لا لقوم بذواتهم ولا إلى منطقة دون غيرها، ذلك أنها رسالة خلاص للبشرية كلها، وليست طلبا لحكم أو رغبة فى سيادة أو سببا للحصول على مطامع مادية ومطامح ذاتية. إن خلاص الإنسانية يكون بعمل كل واحد، وبخلاص الكل معاً، وذلك بالتواصل المستمر والتداخل المستديم للإنسان مع نفسه وقلبه، ومع الإنسانية جمعاء ؛ إذ لابد أن يكون من المعرفة أن عدم خلاص قوم أو واحد يعيق خلاص الكل، لأن الله حفىّ بالجميع، شخصاً شخصاً ؛ نـَجىّ بالكل، فرداً فرداً.
أهم المراجع
1- Plato , great dialogues.
2- E.A. wallis Budg , the gods of the Egyptians 2 volumes.
3- E.A. wallis Budg , the Egyptian Book of the Dead.
4- E.A. wallis Budg , osiris 2 volumes.
5- Henry frankforts , kingship and gods.
6- lsha swhwaller de sulicg , Egyptians initiate 2 volumes.
7- E.A.Wallis Budge , Egyptians Magic.
8- Peter femesurier , The great pyramid Decoded 1977.
9- الكتاب المقدس – الطبعة البروتستانتينية.
10- Peter Tompkin , secrets of the great pyramid 1973.
11- King Land , The great pyramid in Facened Theary 1932.
12- Abb M. Moreux , la sience mysterieuse des pharons , paris 1924.
13- james henri breasted , dawn of conscience.
14- encyclopedia Britannica.
15- encyclopedia Americana.
16- The nag hammadi library. General Editor Games M. Robinson
17- مؤشر بحث Google، مؤشر بحث yahoo مؤشر بحث، MSN.
وخاصة فى البحوث التالية:
Great pyramid statistics, construction stones
The pyramid of orion
Orion ( constellation )
Ptah , the universal architect god
Constellation
The mystery of the sphinx
Symbolism and coincidences of the great pyramid
Hermes Trismegistus
The deep photographic guide to the constellation
Sirius
Sirius , mystery of red color
Osiris
Sirius mythology
The great pyramid of giza
Mercury in Astrology
Apollo
Hermes ( roman mercury )
A new look at planetary symbolism
Egyptian …. Themes in Christian tradition
Pagan Christ’s
Mercury
Illuminating the Mysteries of the Great Pyramid and the Sphinx
by Jan Wicherink
العقيدة الكونية 15
بعض الجهات متغيظة جداً من إكتشاف المستشار العشماوى لإقتحام منزله وهى أكثر تغيظاً لأنه أبلغ السلطات المصرية ومنها المخابرات العامة .
الفـُرقعات الإعلامية يحدثها من كانت بضاعته قليلة وكان معروفاً بالإدعاء الكاذب .
أما المستشار العشماوى فهو على الضد من ذلك ، وهو غزير الإنتاج متنوع الموضوعات . فلماذا التعرض لمسألة الإقتحام فى التعليق على المقال . وهل إطلع المعلق على التحقيقات كى يشكك فى الواقعة لقد صدق من قال إذا لم تستحى فاكتب ما شئت .
العقيدة الكونية 15
ماذا حدث للعشماوي؟ لعل ما صرح به حول اقتحام منزله لا يندرج ضمن الفرقعات الإعلامية مثل صديقه سيد القمني.
ورغم الشك الكبير في موضوع اقتحام منزله المقال جيد
العقيدة الكونية 15
لقد قرأت المقال وهو يحمل بصمة المفكر العشماوى المعروفة ولنا معه مداخلات قادمة