بلا شك أن طريق الإصلاح والتغيير والبناء لأهداف سامية ـ لا لأهداف ذاتية وشخصية فقط ـ شاق جدا مليء بالأشواك والصعوبات..، وعلى من يسير على هذا الدرب أن يتهيأ جيدا لمواجهة الكثير من التحديات المتنوعة الاتجاهات والمصادر التي تقف أمامه من نفسية ومادية واجتماعية وسياسية ودينية وعائلية.
بالإضافة إلى وجود من يروج ويشكك في إمكانية تحقق الحرية والإصلاح والتعددية الدينية والفكرية، ويزرع الشوك والمعوقات، وينشر الشائعات والأكاذيب ضد مفهوم الحرية والإصلاح والعدالة والمساواة, وضد كل من ينادي ويعمل ويناضل لتحقيق الحرية، وهناك من يعمل على إقصاء ومحاربة واعتقال وسجن كل من يرفع راية التغيير والإصلاح.
كما ان مواصلة طريق المطالبة بالإصلاح والحقوق بعد التعرض للمساءلة والتهديد والوعيد وللضغوط من قبل (..) ومن بعض أبناء المجتمع بعدم مواصلة العمل الإصلاحي ليست سهلة وبسيطة!… ومن يخرج بروح أكثر قوة وجرأة وإيمانا برسالته وأهدافه، وأكثر نضوجا وإرادة.. لمواصلة درب الإصلاح؛ يستحق من المجتمع غاية التقدير والاحترام والدعم بجميع أنواعه وأشكاله؛ وهذا اقل شيء يقدم له من قبل المجتمع الواعي المتحرك الناضج الساعي للتغيير والتطوير.
ورغم كل الصعوبات والتحديات، ومظاهر التشدد والإقصاء.., لا يزال طريق الإصلاح والحريات والمطالبة بالحقوق والمساواة والعدالة من الجنسين عامرا بالعاملين والمحبين!!
فيما كنت اكتب هذه الكلمات بمناسبة الإفراج عن الشيخ توفيق العامر(داعية الحقوق والحريات) تذكرت قصة جميلة ورائعة تستحق الذكر والتأمل.. قصة الصحابي الجليل, المؤمن, الزاهد, الإصلاحي, صاحب المواقف الكبيرة في نصرة دين الله ونصرة الرسول وأهل بيته والعدالة، الذي كان مصداقا لقول الرسول (ص): “قل الحق وإن كان مُرّاً” و”لا تَخَف في الله لَومَة لائم”؛ ولهذا الإنسان شرف رفع راية المطالبة بالحقوق وانتقاد النظام الحاكم في العهد الإسلامي بعد وفاة الرسول محمد (ص) : انه الصحابي ابو ذر الغفار(جندب بن جنادة) من أوائل الذين أمنوا برسالة النبي محمد (ص) الإسلام… وأصدق الناس حديثا كما قال الرسول بحقه: “ما أظلَّت الخضراء وما أقلَّت الغبراء أصدَق لهجة من أبي ذر”.
رجل يتمتع بالإيمان والعلم والإرادة الحديدية والجرأة والتحدي وروح المواجهة..، تحمل في بداية الدعوة الإسلامية الكثير من المعاناة والضرب المبرح حتى يسقط مغشيا عليه وهو ينادي بالشهادتين.. بسبب مواجهة المتكبرين من الظالمين، فيذهب إلى حبيبه وسيده النبي محمد (ص) والدماء تنزف من جسده فيرفع النبي (ص) من معنوياته ..، وبإرادة اشد من الحديد يعيد التجربة من جديد بلا تعب, ويتعرض للإهانات والضرب ولكنه يبقى صامدا كالجبل؛ فالمؤمن اشد صلابة من الجبل في التمسك بالحق.
وتجلت مواقف هذا البطل الثائر بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) حيث توجه بالبيعة للإمام علي ابن أبي طالب (ع)، رافضا البيعة لغيره،.. ، وفي عهد الخليفة الثالث عثمان انتقد ابو ذر ممارسة الحكومة، ومحاباة الخليفة لأقربائه، رافضا أعمال عامله على الشام معاوية، .. مما أدى إلى إبعاده ونفيه إلى جبال الشام … وهناك واصل ابوذر دوره الإصلاحي وفضح الممارسات الخاطئة من قبل النظام الحاكم..، وفشلت جميع محاولات معاوية من التأثير على أبي ذر عبر الترغيب والترهيب، واخذ يشكل خطرا عليه..، فتم إرجاع ابوذر إلى المدينة بطريقة عنيفة وغير لائقة لرجل طاعن في السن صاحب مكانة جليلة وكبيرة حيث تم وضعه على ظهر جمل بلا غطاء ولا وطاء… فوصل إلى المدينة متعبا من مشقة وطول الطريق.., فحاول الخليفة استقطابه ..، فرفض ابوذر مواصلا انتقاده وفضحه للنظام .. فغضب الخليفة وأمر بنفيه إلى الربذة.. لإبعاده عن الناس والتأثير عليهم.. أرسل ابو ذر إلى صحراء الربذة برفقة زوجته وابنه وابنته حيث لا ماء ولا كلأ. بعيدا عن الناس، مشردا عن وطنه، محروما من حرم نبيه المصطفى، ورؤية أحبابه…، وهناك توفيت زوجته ثم ابنه وبعد ذلك ابنته من شدة الجوع والعطش والمرض، ولقي الثائر ابوذر مصيره الأخير الموت شهيدا كما اخبره الرسول محمد (ص) حيث قال: ( يَرحم الله أبا ذر ، يَمشي وَحده ، ويَمُوت وحده ، ويُبعَث وحده ، ويشهده عصابة من المؤمنين ) .
دفع ابو ذر حياته ثمن التمسك بالحق والعدالة والإصلاح ونقد الممارسات الخاطئة في الأمة..ثمن وضريبة عالية وكبيرة، ولكن هذه التجربة الشاهدة على بطولة الثائر ابو ذر تبقى تجربة رائدة باقية عامرة مخلدة في تاريخ طريق الإصلاح والحقوق والحريات.
من هولاء الذين يمارسون نفس الدور، ويستحقون كل التقدير داعية الحقوق والحريات الشيخ توفيق العامر، والشيخ مخلف الشمري والدكتور متروك الفالح وغيرهم من النشطاء في الوطن والأمة والعالم. الذين قدموا دروسا في دروب الإصلاح والمطالبة بالحريات، والغيرة على الوطن والمواطنين انطلاقا من الموقف الديني والإنساني والوطني ومن باب (( كلكم راعي وكلكم مسؤول عن رعيته)). وهذا دليل على أن مدرسة ابو ذر الثائرة ضد الظلم والفساد والدكتاتورية والاستبداد، ولأجل نشر العدل والمساواة.. ما زالت عامرة بالمناضلين الأبطال، الذين يتحملون المعاناة والألم, وكذب من قال غير ذلك.
تحية تقدير لكل من يرفع راية حب الوطن، والمطالبة بحقوق المواطنين والإصلاح والتغيير والدفاع عن الحريات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وفي عموم أوساط المجتمعات البشرية.
alislman2@gmail.com
* السعودية
كذبوا.. فطريق الإصلاح ما زال عامرا!!
رضي الله عن أبي ذر
وعن الذين بايعوا تحت الشجرة
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::