لابد لنا، قبل الدخول في عالم الخسائر الاقتصادية الفادحة، والتي طالت أغلب شرائح المجتمع السوري، والناجمة عن قرارات الحكومة الأخيرة، فيما يتعلق برفع الدعم عن المشتقات النفطية، وزيادة أسعارها إلى أكثر من 325 %، من إيراد بعض ( الحقائق المفرحة) عن بعض “السياسات” المتبعة في سوريا، والتي قادت في السابق إلى تخصيص جزء من القطاع العام لشركات خاصة امتصت كل الفائض والأساسي (إن وجد) من جيوب الفقراء في الوطن.
في حديث لسيرياستيبس : 30/5/2008 اعتبر رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري، ورئيس مجلس إدارة شركة سير يتل، أنَّ عام 2007 كان متميزاً لشركة سيريتل، في كافة المقاييس، حيث حققت زيادة كبيرة في الإيرادات وصلت إلى ما يقارب 25% عن العام السابق، وارتفع العائد على السهم الواحد بنسبة قاربت ألـ 29% ليصل إلى حوالي 100 ل.س للسهم الواحد.
وأوضح مخلوف في كلمته إلى الاجتماع السنوي للهيئة العامة العادية للشركة، بأنَّ سيريتل تقوم الآن بتقديم خدمة الخليوي لأكثر من ثلاثة ملايين، و / 300 / ألف مشترك، أي بزيادة نحو / 800 / ألف مشترك عن العام / 2006 /.
وأشار إلى أنَّ معدل انتشار الخطوط الخليوية في سورية ما يزال بحدود 30% من إجمالي عدد السكان، وهذا أقل بكثير من معدلات الانتشار في الدول المجاورة، والفرصة كبيرة أمامها لزيادة إيراداتها في السنوات القادمة.
وأكد مخلوف أنَّ هناك شركات عديدة تودُّ الانضمام إلى سيريتل، فهي شركة “شهيَّة” للآخرين.
وقد وضح نادر قلعي المدير العام التنفيذي لشركة سيريتل :
إن إيرادات سيريتل عام 2007 وصلت إلى عتبة الأربعين ملياراً، و أن سيريتل قد حققت نجاحات برهنت من خلالها أنَّ الشركة تعمل ضمن رؤى واستراتيجيات محددة، وقد تُرجمت هذه النجاحات عبر نمو لإيراداتها في عام 2007 والتي اقتربت من عتبة 40 مليار ليرة سورية في صافي إيراداتها، مُحققة نمواً مقداره 7.7 مليار ليرة، حيث بلغت هذه الإيرادات / 39.4 / مليار ليرة سورية، مُقارنة بـ / 31.7 / مليار ليرة سورية في عام 2006 /.
أما صافي الدخل لعام 2007 فقد بلغ 13.1 مليار ليرة قبل خصم الاهتلاكات والإطفاءات والفوائد والضريبة، محققاً نسبة مقدارها 33.36% من صافي الإيرادات مقارنة بالعام الماضي والتي بلغت 10.3 مليار ليرة سورية وبنسبة 32.32% وبذلك يكون قد حقق نمواً ملحوظاً قدره 2.8 مليار ليرة سورية، أما نسبة حصة المؤسسة العامة للإتصالات من الإيرادات فقد بلغت 40% وأضاف قلعي بأنَّ صافي الدخل بعد اقتطاع الضريبة قد بلغ 6.67 مليار ل.س، وبنسبة 16.95% من الإيرادات الإجمالية، حيث حقق الدخل نمواً ملحوظاً قدره 1.48 مليار ل. س.
بعد هذه المقدمة لشركة من شركات ” الإقطاع السياسي ” في القطاع الخاص ذات الأرباح الخيالية حكماً نتوجه بالدعوة لكل الذين باعوا قسائم مازوت الشتاء (قبل أن يجف حبر كتابتها) من 8 – 10 ليرات سورية لليتر الواحد، ولكل الذين استلموا (المنحة) والزيادة في الراتب، والتي ُمنت عليهم من قبل الحكومة بسبب ارتفاع الأسعار, أن يتقدموا على جناح السرعة لشراء الأسهم (الرابحة) في شركة سيريتل قبل أن تنفذ والتي ستصبح يوما ما عالمية !!!.
ثمة شعور مشترك, مشوب بالقلق, ينتاب الشارع السوري بشكل عام، عندما تناقش قرارات الحكومة العتيدة، وإجراءاتها التعسفية ضد هذا الشعب، فقد طال عمرها كثيراً على غرار عمر قانون الطوارئ والإحكام العرفية في سوريا، فلن يختلف اثنان على إنها تعمل جاهدة في سياسية مبرمجة بدقة, لإذلال هذا الشعب على كافة المستويات !! وقد يكون أخطرها المستوى الاقتصادي المرتبط بلقمة العيش وتأمين الطعام مستقبلاً.
فرغم تخوف الكثير من منظري الاقتصاد السوري، وتحذيرهم الدائم، من أن رفع أسعار المشتقات النفطية دفعة واحدة إلى الأرقام القياسية التي نشهدها حالياً سيثقل كاهل الوطن والمواطن وسيربك كل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في البلد، وللأسف كانت الحكومة الموقرة تعطي (أذن من طين وأخرى من عجين) لكل تلك الدراسات الاقتصادية، وتفاخرت على الدوام بأنها تستطيع أن ترتجل من القرارات ما يحلو لها بكل جرأة, وتنفذ ما تفكر فيه دون خوف أو وجل، من أي ردة فعل مفاجئ في الشارع (السكوني) الذي ارتضى كل شيء ببساطة منقطعة النظير، لا يبررها إلا الخوف المقيم في كل جوانب حياتنا، ونقدر بأنها لم تعلم بعد بان قراراتها الأخيرة ساهمت بتهتك النسيج الاجتماعي في القطر، إلى درجة قد يكون من الصعب إصلاحها في المدى القريب , وقد تكون الأمراض الاجتماعية التي تكونت في الفترة الأخيرة من أخطر ما يواجه المجتمعات في الوقت الحالي.
هذا إضافة إلى مشكلة البطالة المتجذرة والمزمنة في سوريا فقد أكد أحد التقارير الصادرة عن (الاتحاد العام لنقابات العمال) تعمق ظاهرة البطالة في المجتمع والاقتصاد السوري.
(وبين هذا التقرير بأن هذه الظاهرة قد بدأت تأخذ طابعاً هيكلياً في الاقتصاد مبينة أن الواقع الحقيقي يميل إلى تقدير معدل البطالة إلى مابين 14-16% وذلك بشكل يخالف التقديرات الصادرة عن المصادر الرسمية والتي تشير إلى انخفاض البطالة من 8.5% في عام 2006 إلى 7.5% في عام 2007).
وأشار التقرير إلى الأخطار التي تتهدد المجتمع السوري نتيجة هذه الظاهرة المعطلة لأهم الموارد الاقتصادية الوطنية وهي الموارد البشرية, مرجحاً استفحال ظاهرة البطالة في سورية على سياسات التشغيل التي تتبعها الحكومة في القطاع العام والقطاع الإداري.
لقد كان الهدف من كل تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً تقليص العجز في الموازنة وزيادة الموارد للخزينة !؟، من خلال رفع أسعار كل أنواع المشتقات النفطية، والغاز المنزلي والخدمات الهاتفية و الكهرباء ومياه الشرب، و إعادة النظر في توزيع الدعم الحكومي لهذه الموارد على مختلف شرائح المجتمع، هي بالتأكيد (إجراءات صحيحة) من وجهة النظر الاقتصادية الليبرالية البحتة، ولكن مهلاً ؟؟، إن الذي يحصل هو في سوريا !!، صاحبة شعار (لا حياة في هذا البلد إلا للتقدم والاشتراكية)، والتي ادعت يوماً بأنها ستطبق سياسة (اقتصاد السوق الاجتماعي) والذي سيجنح (حسب التبرير المسهب من قبل مروجيه) إلى مصلحة الطبقات الفقيرة من الشعب ؟!.
إنها سوريا فقط… (والمفاخرة دوماً) بمقدمة دستورها إلى الآن، وفي أكثر من مادة من مواده الكثيرة، بأنها دولة اشتراكية بكل معنى الكلمة !، وإنها دولة العمال والفلاحين وصغار الكسبة ؟؟ وهي التي ما زالت تدعي بجانب آخر بأنها تمارس السياسات الاقتصادية المخططة وفق الرؤية التي كانت متبعة قبل ثلث قرن تقريباً ببرامج وخطط خمسيه مكررة, والمنسوخة بالحرف عن البرامج التي كانت سائدة في دول المعسكر الاشتراكي السابق.
وهي سوريا…. التي كمت أفواه المنتقدين لسياساتها بالقوة، وهي التي اعتقلت من المثقفين والسياسيين وأصحاب الرأي الكثيرين، بحجة مناهضة الاشتراكية، أو أنهم ضد سياسة وتوجهات أهداف حزب البعث العربي الاشتراكي ؟؟.وكم نتمنى أن يأتي يوم قريب، لمراجعة كل الخلل السابق وإصلاحه، وان تعتذر السلطة لكل الذين ظلموا بسبب كلمة أو موقف مهما كان.
وبالعودة إلى لب المأساة الاقتصادية, والتي طالت كل القطاعات الصناعية والإنتاجية والخدمية في القطر, طبعاً إذا استثنينا قطاع التجارة الرابح دوماً, من خلال سياسات عديدة أهمها الاحتكار, واللعب في مروحة فوضى الأسعار التي فرضتها الموجة الأخيرة من الغلاء.
فالقطاع الصناعي المهشم أصلاً منذ عقود، أصبح حالياً في خبر كان !! في ظل ما يحصل، أعاقت تقدمه نحو الأمام، هذا إذا لم يتراجع !، فتاريخ الصناعة في سورية (التي نالت استقلالها في نفس الفترة، مع الصين والهند وأغلب الدول الأسيوية، وبداية التعمير من جديد لليابان وألمانيا من الخراب الناتج عن الحرب العالمية الثانية!!). فللأسف هذا القطاع بعد 50 عاماً من الاستقلال، لم ينتج إلا معامل ومصانع بسيطة، والمفارقة بالأمر بأنها أعتبرت إلى الآن (منجزات عظيمة)؟؟ لتلبي الحاجات المحلية بإنتاج محدود وأرباح ضئيلة، أما الصناعات الكبيرة فكانت ولا تزال قليلة ولم تنجح حكومة عطري وما سبقها من حكومات عتيدة، في التأسيس لصناعات إستراتيجية عملاقة وخاصة الصناعات التحويلية ذات القدرة التنافسية العالية التي تتعامل مع أسواق عالمية ولا تتأثر بالقرارات المحلية كزيادة أسعار المازوت أو الغاز لكون ارتفاع سعر منتجها النهائي يقابله ارتفاع أيضاً في سعر المنتج المنافس غير المدعوم إطلاقاً.
إن الخوض والتفصيل في مجال تعثر الصناعة في سوريا نتركه لوقت أخر.
ولنستعرض الآن بعض ما يعانيه أصحاب المشاريع البسيطة في بلادنا.
– فمحافظة السويداء الفقيرة بكل شيء إلا بطبيعتها، وأرضها التي كانت خصبة يوماً، ولكنها خذلت أصحابها في السنوات القاسية الأخيرة وجعلت حال المزارعين ومربي المواشي فيها (يصعب على الكافر) أمام سياسات التطنيش التي امتازت فيها الحكومة حيال القطاع الأهم في القطر، وحال المحافظة هذا لا يقارن طبعاً بالوضع المزري لباقي المحافظات، والتي فيها القطاع الزراعي هو الأساس (هذا إذا استثنينا زراعة التفاح والكروم والتي حالها ليس بأفضل من الزراعات الأخرى بفعل الرياح القوية التي نشهدها في هذه الفترة وتقلبات الطقس بين الليل والنهار).
فالسويداء (قلعة البازلت ؟) والتي تفخر بأنها قدمت لكل ساحات دمشق (عاصمة الثقافة العربية) أروع ما تمتاز به، ألا وهو الحجر الأسود, حيث أعطاها بصمة واضحة وجميلة, مجبولة بقساوة صخرها البهي، “تعاني” معاملها الآن والتي تنتج تلك الصخور”مأساة كبرى”, حيث بدأ أصحابها بالصراخ بصوت عال…. عله يصل آذان المسؤولين المسدودة !
يوجد في المحافظة أكثر من 35 معملا للرخام وإنتاج البازلت الجاهز لكافة استعمالات البناء وللطرق والساحات والأرصفة، وتستوعب من العمال وسطياً من 10 إلى 25 عاملا في كل معمل، وأمام ارتفاع أسعار المحروقات الأخير، أصاب الإرباك هذه الصناعة بشكل واضح، ولتغطية خسائرها الفادحة نتيجة ذلك، حيث تضاعفت تكلفة ” الاستجرار” والنقل لمادة الحجر والرخام إلى حوالي 125 % وارتفعت أجور العمال بنسبة 25 % حسب قرارات الحكومة، وأصيبت بكارثة كبرى – فوق ذلك – تلك المعامل التي تستخدم إلى الآن مولدات المازوت!! (حيث تكلفة محولة الكهرباء / 200 ك ف أ / مثلاً حوالي المليون ومائة ألف ليرة سورية فقط ؟؟ ومديرية الكهرباء لا تنفذها إلا بعد دفع كامل القيمة، وبالمقابل المصرف الصناعي يمتنع عن منح قروض التوسع الصناعي الـ /40% / إلا بعد شرائها وتركيبها ؟؟) وأمام ارتفاع أسعار الكهرباء الصناعية كذلك بنسب غير مدروسة وفق شرائح محددة (لا يستوعبها إلا رب العالمين؟؟)، قامت تلك المعامل مكرهة، برفع أسعار إنتاجها إلى مستوى يقارب 60 %، مما جعل حجم المبيعات ينخفض إلى ادني مستوياته، نتيجة الوضع العام الذي أصاب كل المواطنين، الذين تورطوا بمشاريع البناء، من غلاء فاحش لكل المواد، من حديد واسمنت ومختلف أنواع الحصويات، مما اضطر أصحاب المعامل، إلى تقليص أيام وساعات العمل، ونتج عن ذلك الوضع المأساوي الجديد، خفض عدد العمال الذين (يعتاشون) من تلك المهنة، ليضيف أعداداً جديدة للعاطلين عن العمل، وأصبحت تلك المعامل تعاني (الأمرين) من ذلك، مما دفع الكثيرين إلى التوقف جزئياً عن العمل، لعل الصورة تتوضح مستقبلاً، وعسى أن يكون هناك وضوح في أخر هذا النفق المظلم !!.
هذه الصورة القاتمة، في السويداء” بالتأكيد ” لن تكون أفضل لكل أنواع الصناعات الأخرى في باقي أنحاء القطر كذلك.
– أما في محافظة درعا، فزراعة الخضروات بأصنافها المتنوعة، ضمن البيوت البلاستيكية أو المروية، أكملت دورة إنتاجها هذه السنة على مضض، حيث كان هناك بعض الاحتياطي من المازوت، إن كان للتدفئة أو لسقاية المزروعات، أما في السنة المقبلة فالأمور ستتغير إلى “الأسوأ” من ذلك بكثير, وليس مستغرباً أن يصبح كيلو البندورة أو الخيار في الموسم الصيفي القادم بسعر 100 ل.س للكغ. وطبعاً لم نتكلم عن الخسائر الفادحة, التي أصابت أصحاب الأراضي الواسعة في (سهل حوران) وكذلك أراضي محافظات الجزيرة السورية، التي كانت مزروعة بالحبوب من القمح والشعير و.. و..والتي اضطرت مكرهة إلى بيعها مرعى للمواشي، للتعويض قليلاً من خسائر تكاليف زراعتها, كون الزراعة البعلية خاسرة جدا، نتيجة واقع الجفاف والقحط الذي (أمحل) كل المواسم, وللأسف أكمل كوارثه على كل المواطنين وخاصة المزارعين، وكانت الطامة الكبرى، بقرارات الحكومة الأخيرة، ولحظة التوقيت الخاطئ (بالتزامن؟) أو (بالتأمر؟) مع هذه السنة الصعبة، والتي لم تراع فيها حالة تغير المناخ السيئ الذي أصاب كل أنحاء القطر والدول المجاورة؟؟؟
– وتبرز الآن بشكل جدي المخاطر الكبيرة حول تقليص مخزون البلاد من القمح كاحتياط استراتيجي، والذي من شأنه أن ينذر بعواقب وخيمة، ستجعل المواطن بسببها يركض لاهثاً وراء رغيف الخبز لأطفاله دون جدوى. فالأمر يقتضي في مثل هذه الظروف، بان يأخذ الفلاح (فوق حقه) كونه ملتزم بأرضه وما تنتج، دون إكراه من السلطة، حتى لو أدى رفع سعر الشراء من الفلاحين إلى أكثر من سعر التكلفة، ولو تجاوز 22 ل.س للكغ الواحد، حتماً سيكون أفضل للاقتصاد الوطني شراءه من الخارج بحدود 30 ل.س في العام القادم أو ما بعده، هذا إذا وجدنا مستقبلاً في ظل الأزمة الراهنة، وانخفاض مخزونه العالمي من يبيعنا القمح، وبوجود هيمنة سياسة السيطرة الأميركية على أسواق القمح العالمية وشروطها، أو قبل أن يسحب سماسرة السوق السوداء أو المرابون، البساط من تحت أقدام السلطة، بالمتاجرة به على حساب الفلاح والمستهلك، ومن الأفضل أن نجهد بكل قوة، إلى تحصين مقومات نجاحه قبل فوات الأوان، وان لا تنتظر المعونات من الدول الأخرى، كون سوريا من الدول التي كانت مصدرة للقمح سابقاً. ” مع الشكر لدولة الإمارات العربية على المنحة التي قدمتها (للشعب السوري) وهو نصف مليون طن من القمح ؟”.
– وهذا الحال المزري أصاب زراعة القطن ايضاً، في محافظات الجزيرة والمنطقة الوسطى من سوريا، فالتسعيرة التي وضعتها الحكومة للكغ الواحد من القطن الخام، لم تتجاوز /30/ ل.س، بينما سعر التكلفة أصبح في ظل الوضع الحالي ما يقارب /70/ ل.س. ومؤخراً, توقف الفلاحون عن زراعة (الذهب الأبيض) وذلك للخسائر الكبيرة والتي تفوق مقدرتهم على تحملها, أمام هروب الحكومة من مسؤولياتها تجاههم, وعجزها عن القيام (مسبقاً) بما يلزم لدعم تلك الزراعة المهمة للاقتصاد الوطني.
ولابد لنا, من التوسع الجغرافي بسلسلة المآسي تلك, لنصل بذلك إلى محافظات الشمال : حلب وأدلب وباقي المحافظات السورية التي تهتم بزراعة محصول الشوندر السكري, والذي تميز بأنه الإنتاج الثالث من حيث الأهمية في سوريا, فتكلفة الدونم الواحد المزروع, يقدر حالياً بحوالي /28000/ ل.س من سقاية وبذار وأجور الزراعة والجني والنقل وغير ذلك، والدونم بالحالة العادية ينتج وسطياً /7/ طن من الشوندر, والحكومة (الحنونة) سعرت شراءها للمحصول بـ 3.5 ل.س للكغ الواحد من المزارع، أي إن ثمن الطن يساوي /3500/ ل.س, وبذلك يكون مبيع إنتاج الدونم الواحد هو 3500 * 7 = 24500 ل.س، أي بخسارة قدرها /3500/ ل.س لكل دونم مزروع عن سعر التكلفة، لذلك لجأ اغلب مزارعي الشوندر لقلع محاصيلهم قبل النضوج لعدم قدرتهم على الاستمرار, والبحث عن تجار جدد لبيعها كعلف للحيوانات تعويضاً بسيطاً عن الإكمال في مشاريع الخسارة تلك.
أمام كل تلك الكوارث المتنقلة في أنحاء القطر, والتي أصابت الاقتصاد الوطني في أخطر مفاصله, نتيجة القرارات الاقتصادية المرتجلة, والذي تجلى بشكل واضح وخطير، برفع أسعار المحروقات الجنوني، وما ترتب على ذلك من فوضى، بكل تفاصيل الحياة الاجتماعية , والذي يعتبر مقامرة كبرى، على مستقبل الوطن وجميع أبنائه، دون النظر إلى النتائج السلبية، التي ستظهر على مستويات النمو والتنمية وزيادة الناتج الإجمالي للدخل القومي , التي تنشدها الحكومة من خلال البرامج العديدة التي تطرحها يومياً، والمبادرة إلى وضع حد وبشكل فوري, لهذا الانهيار الذي لن يسلم منه أحد في سوريا. ولن يكون ذلك إلا بإتباع خطوات جديدة، وجدية، وان تكون مدروسة بدقة عالية, لوضع سلم أولويات اقتصادية، تساهم برفع الضيم عن كاهل المتضررين من كافة المواطنين، إن كان من جهة إعادة تسعير كل المنتجات الزراعية على ضوء ما حصل حديثاً , أو التوجه لدعم الإنتاج الزراعي عملا بما تقوم به أغلب دول العالم المتحضر، وان تضع برامج و إجراءات جديدة للنهوض بالقطاع الصناعي مما أصابه من شلل وإعاقة، وان ذلك من شأنه ” فقط ” أن يعيد بعضاً من الثقة المفقودة لدى كل أفراد الوطن.. والمخلصين
إن إضعاف دور الدولة في قيادة الاقتصاد الوطني تحت عنوان” اقتصاد السوق” أو ابتعادها غير المبرر عن تسعير المواد، هو المسؤول الأول عن استباحة الأسواق، لقد أصبحنا بفضل سياسات الحكومة، (دولة الاقتصاد الحر) بامتياز، بل وأكثر من غيرنا من الدول الرأسمالية، وإن تعويم الأسعار في ظل هذه السياسية، يجب أن يقابله تعويم مماثل للأجور، كما يحدث في كل دول العالم، ولن يتم ذلك إلا بمشاركة “النقابات” التي تدافع بشراسة عن أعضائها، وللأسف تلك النقابات ليست (كالمنظمات النقابية الهشة والتي صنعتها السلطة في بلادنا). ولن يتم هذا الأمر بشكل صحيح إلا بمؤازرة تامة من كل الفعاليات المهتمة بالشأن الاقتصادي والمعيشي للمواطن، من جمعيات مختصة بحماية المنتج والمستهلك، ومنظمات المجتمع المدني، وكل المهتمين والوطنيين والشرفاء في البلاد.
marwanhamza@maktoob.com
السويداء – شهبا