حب.. حب.. حب
حِبْ كل الناس
بالحب خلق الكون
الله أحَب الخلق
لذا خلقك
لتحب وتحبه
وتحب كل العالم
هذه الأغنية تعلمها نوارة الحوش لأطفالنا
ممنوع الدخول..ممنوع الخروج
ونحن راجعون إلى منزلنا أوقفونا في بوابة السكن وبصوت واحد: ممنووووع.. يتساءل الداخل، ومن يريد الخروج، لماذا؟ ما الذي يحدث؟
شفاه مزمومة، وجباه غاضبة، لوجوه منفوخة بالقات، مركبة على أجساد هزيلة، بعيون جاحظة تدور وتلف على ماذا، لا ندري، ولم نعرف سوى، ممنووووووووووع!
نتساءل، انقلاب عسكري تفجر في سكننا، ما الذي يحدث؟
الوجوم والصمت سيد المكان، وسيد الممنوع، وكل شيء.
نرجع إلى سكننا مرة أخرى، أيضاً، ممنوع الدخول، ممنوع الخروج، التفتيش مازال قائما، والأطقم مستنفرة، كل شيء محوّط بالعسكر والأسلحة والخوف والفضول من مارة الشارع.
بعد مرور قرابة الساعتين تقريباً، سمحوا لنا بالدخول وسط صمت مطبق، ووصايا، لا تسأل، لا تتحدث، لا تلتفت، كل شيء مراقب من التليفون إلى نبضات قلبك، لا، لا، لا.
بعد جهد جهيد عرفنا أن العمارة (…)، وأن الشقة الفلانية هي المقصودة بهذا الممنوع.
صعقنا، وتيبسنا، الضربة كانت قاصمة، الدور عليهم هذه المرة، الجميع يعرفهم أنهم أسرة تتساكن مع الشجر والحجر، تتعايش بمحبة مع الجميع، ولا تحمل كرهاً أو بغضاً، لأي مخلوق كان، ربما حتى لمن اضطهدوهم، وجعلوهم يفرون من بلادهم.
عندما سألنا الحراس، من هم سادة الممنوع، أي أولئك العسكر، أو من أي جهة، هل عندهم أمر خطي بالتفتيش، لم تكن الإجابة إلا بشيء واحد، هذه: أوامر عليا، جهات عليا، من فوق، من سابع سماء..
أحدهم: ربما أمن قومي
آخر: لا بحث جنائي
آخر: جهات عليا وبس
أياً كانوا، فإنهم البحث الباطش المتهور والمجنون
الاسبرطيون مروا من هنا:
في الساعة الثانية عشرة من ليلة الجمعة 20/6/2008، بعد أن غادرت الأطقم، هرعنا إلى جيراننا.
حتى الآن نعجز عن وصف ما رأيناه ، قوانا خائرة، أما هم فقد كانوا أكثر قوة وبأساً منا، لأنهم يدركون وبإيمان أنهم لم يرتكبوا أدنى خطأ، بمعنى حكمة الواثق: “يد ما تسرق ما تخاف”.
لكن الذهول، كان علامة ما يجري، خصوصاً وذلك البيت الأليف والنظيف والمرتب، الذي من دخله يتكلم عنه، بساطة وجمال، والأهم أنه عامر بالألفة والمحبة.
بدت الشقة كما لو مسرحاً لحروب مدمرةا.
شاهدنا الصور الحميمية لأفراد العائلة، ومناسباتهم، والألعاب والألوان التي يشتغل عليها أطفالنا كل خميس متناثرة .
دببة، وكراريس، وألوان، كروت، أوراق، علب، ملابس، أدوات الطب، الأسرّة، حتى المخزن الذي يحتوي على فائض الأثاث نثروه.
ذلك البيت المرتب الذي عرفناه بدا مجهولاً ومروعاً.. كائنات فضائية متوحشة مرت من هنا!
الكتاب رفيقهم:
ثلاثون عاماً في اليمن.. لا حول لهم إلا اللجوء إلى الكتاب، فهو تجمعهم، وسينماهم ومسرحهم، ومقهاهم، زادهم الثقافي والاجتماعي، صداقات محدودة للغاية، لكنهم لا يبخلون أمام أي محتاج، بل على العكس أعرف أن قلب الأم واسع وبصمت تساعد الناس .
شهادة تكريم على طريقة الأمن القومي:
الأب خبير في الطرقات، تعرفه جبال وهضاب اليمن، والأم متطوعة في أحد المستشفيات الرسمية منذ عشر سنوات، (كانت الأم تتأهب لاستلام شهادة تكريم من المستشفى الذي تعمل فيه لعملها الخيري التطوعي).
نطرق بابهم، نسألهم، إذا ما مرض أحد أولادنا خصوصاً آلام العيون.
الملكة وحكاية الخميس
نوارة الحوش، وملكة الخميس، التي تحوّل كل خميس إلى عرس صغير لأطفالنا، فتراهم، يتواعدون، وكل يطرق باب الجار الآخر، انتظرني، سآتي معك عند الأستاذة… وهم في أحلى حلة من لباس مرتب. اليوم خميس، أطفالنا يتباهون كل بملبسه، نوارة المكان، تعلمهم الرسم، والقصص، واللون، وتحكي لهم كل خميس عن حكايا الصدق، والأمانة، والمحبة والتسامح، والأمل، التعاون، الصبر، حب الناس… الخ.
في مرواحهم يسارع الأطفال إلى آبائهم، وهم يرفلون بأوراق الرسم، والأشغال اليدوية، والجعالة من (حلوى وكعك).
دهشة 30 عاماً
كانت العبارة التي تتردد وسط الذهول: (بعد ثلاثين سنة، يعملون بنا هذا، لماذا.. لماذا؟ ما من إجابة سوى لماذا ولماذا ؟!)
رأيت بياداتهم على وجه الموكيت، لقد دخلوا بسلاحهم، بأعقاب البنادق دقوا الأبواب، وصوبوا فوهات بنادقهم على صدور الجميع.
كانت نوارة الحوش، تذاكر استعدادا للامتحان عندما هبوا وبنادقهم مصوبة، نحو كراريس الطب، والسماعة، وبعض أدوات التعليم…
كانت لفظة “الأوامر العليا” تخرس أي سؤال..
بجانب قسوة بعض الجنود في التفتيش الجائر، كان آخران يفتشان ويتحدثان بشكل مؤدب.
وسط تلك الفوضى كانت مائدة العشاء، التي لم ترفع من عليها بعد صحون العشاء، أكواب العصائر، وبعض المأكولات، تحكي.. بعد ثلاثين سنة يحدث هذا!
اجتياح علوي:
أوامر عليا
جهات عليا
هما الأداتان اللتان حولتا تلكم الأسرة الرائعة الآمنة إلى حالة أخرى لا تمت إلى العائلة التي كانت قبل ساعة الاجتياح العاصف والغاضب، الساعة التاسعة مساء.
هذا الأعلى، من هو، ليخول لنفسه تحت أي مسمى كان، أن يدوس بلا فرامل على بشر، وهو يعرف أن مشيته وطاقمه مر من فوق طريق كان جارنا المهندس وراء شقها وإصلاحها.
وأنتِ أيتها الجهات العليا، بالتأكيد في يوم ما أسعفت أحد أفراد عائلتك المرضى إلى الطبيبة – الأم التي صوبتِ بنادقك عليها وعلى أفراد عائلتها.
وأنت أيتها الجهات، كان لك طفل أو طفلة علمته الأستاذة الصغيرة ذات الواحد والعشرين عاما (بالمناسبة، ولدت ملكة الخميس في يوم 22 مايو أي نفس اليوم الذي ولدت فيه الوحدة) مبادئ قيم الجمال.
بلا فرامل
جريمة لا تغتفر أن تقتحم، وترعب وتجتاح شقق مجمع متخم بالسكان، وتحوله إلى ثكنة عسكرية، يدب فيها الهلع والرعب، فتحبس الأطفال في حوش صغير، بعد أن أدخلهم الحراس في الحوش الصغير لينجوا من السرعة القاتلة في حوش مكتظ بالسيارات والأطفال والناس، ومازال خوف تلك الأم التي خرجت وأولادها لتشتري طعام العشاء (شاهدة عيان كادت تلقى حتفها أثناء دخول الطقم المجمع).
أية جهات عليا – أياً كانت تنشر الرعب والدمار، بحجة حماية الأمن الذي لا يعرفونه أصلاً، ولا نعرفه نحن أو جيراننا.
الجهات العليا، تعرف من هم الإيرانيون المتواجدون في اليمن، الهاربون من بطش الولي الفقيه! إلى بلد الأرق أفئدة، والألين قلوباً!
جيراننا يحملون فكراً إنسانياً متنوراً، يحرمون حمل السلاح، والسكين يستخدمونه لضرورة المطبخ، ولو كان هناك أداة غيرها لحرموها.. يؤمنون بالحداثة، يخافون الدم والحروب، مسالمون إلى أقصى حدود السلم.. هكذا يؤمنون ويعملون بما يقولون.
ولأنهم خارج سرب المقاومات والجهاديات وأناشيد الحروب، كانوا الحلقة الأضعف، فكل جهة تريد أن تصفي حساباتها على ظهر أصدقائنا.
هستيريا أخبار اليوم:
هذه الهستيريا لا بد أن توقف تحت أي مبرر كان، هناك قانون يقضي بالا، تصفى حسابات قذرة على حساب أمن وسلامة مواطنين هم أكثر منا يمننة، وحباً لبلاد اليمن وأهلها.
بلد الأمان ممثلة بأمنها القومي، الجهات العليا، تمارس المعايير المزدوجة ، فهي تعتذر لجيراننا الإيرانيين، من جهة، وفي ذات الوقت تنشر الشائعات عبر صحفها من “أخبار اليوم”، وتعممها على كل وسائل الإعلام: من أن ثمة مخربين إيرانيين، جواسيس لإسرائيل وأمريكا، والصومال، وتنجنيقا، وبلاد سيحوت وجيحوت.
المضحك في الأمر، أن مهندس التهم والجنايات، كانت تخرينته بقات عالي الهلوسة، فأتت تهمه سمك لبن، تمر هندي، كل جنحة بوادي.. إنها الهستيريا والجنون، التي مكانها الأصلي مصحة الأمراض العقلية.
أستاذتنا الفنانة والطبيبة الصغيرة، يا ملكة الخميس: غداً الخميس، فماذا ستحكين لأطفالنا؟ أتمنى أن تعيدي عليهم حكاية ودرس المحبة التي كانوا قبل ذلك قد درسوها.. أعيدي، وأعيدي، وأعيدي، فحكايا المحبة، لا يمكن أن تحكى مرة واحدة فقط..
نحن قطرات
نحن قطرات
شجر واحد
نحن أوراق
شجر واحد
هيا معنا
نتحد جميعنا معاً
هذه لغة الحياة
فكيف تشوفووووووووووا؟!
arwaothman@ yahoo.com
صنعاء- اليمن
إقرأ أيضاً:
إعصار في بيت (نون).. ليلة القبض على الإيرانيين في صنعاء
منصور هائل
الأمن القومي: هستيريا الغزوة الكبرى كان يا ما كان دكتاتور باسم صدام الآن في اليمن صديقة دكتاتور باسم صالح من قرية سنحان . يسير بخطوات من سبقوه- الدكتاتورية الشرقية – إلى موكبهم الأخير ” المشنقة” , هكذا راوغ صدام بين إلا إنسانية وسوء الأخلاق , بين الإسلام و البعثية بين والدكتاتورية و الطاغية بين ….بين , سياسة التأرجح والسقوط الى الشر , إلى السوء باستمرار هي دليل واضح في تخبط سير الأنظمة التي تنتهج سياسية جاهلية لا تتطابق لا مع الزمان والمكان,اليوم في اليمن في كل مكان تنفث رائحة نتنة من افواة القبائل والاستخبارات التي تعرشت على قمة السلطة (… قراءة المزيد ..