(الحلقة الخامسة من دراسة مهدي خلجي: “سياسات آخر الزمان: حول عقلانية السياسة الإيرانية)
Mehdi Khalaji:
Apocalyptic Politics
On the Rationality of Iranian Policy
*
وجهات النظر الدينية لخامنئي وأحمدي نجاد
تختلف وجهات النظر الدينية لخامنئي وأحمدي نجاد من نواحٍ عدة، بما في ذلك مواقفهما إزاء “المهدوية” و”آخر الزمان”. مع ذلك، كلاهما يخضعان بقوة لتأثير النزعة غير العقلانية في الإسلام، ولتأثير الممارسات الدينية الشعبية التي كان الخميني قد نبذها.
خلفية أحمدي نجاد
ولد علي حسيني خامنئي، في 15 يوليو 1939 في “مشهد”، وهو الإبن الثاني لـ”جواد خامنئي”، الذي كان رجل دين عادياً، ورعاً، وفقيراً. والتحق بـ”مكتب” (أي مدرسة دينية تقليدية) منذ أن بلغ سنّ الرابعة لتعلّم القراءة والكتابة، ثم شرع بدراسة الفقه الإسلامي في “حوزة مشهد”. وحينما بلغ 18 سنة، توجّه إلى “النجف” وقرّر الإقامة فيها ومتابعة دراسته الدينية هناك، ولكن والده طلب منه أن يعود إلى إيران. عاد علي خامنئي إلى “مشهد” بعد فترة وجيزة، ثم توجّه إلى “قم” لدراسة الفقه. وأقام في “قم” من 1958 إلى 1964، وتعرّف إلى الخميني. بين العام 1964 وثورة 1979، كان خامنئي في “مشهد” باستثناء رحلات للوعظ الديني وسنوات قليلة قضاها في سجن طهران وفي المنفى بــ”بالوشستان”. وقد تابع دراسته في “مشهد” وشرع بالتدريس في الحوزة، وبات لاحقاً إمام الصلاة في “جامع كرامات”.
لم تكن خلفية خامنئي التعليمية تقليدية. فبتأثير حوزة “مشهد”، أحس بالإنبهار أمام الأدب الفارسي وكتب قصائد عدّة في سنّ مبكرة. وكان يخالط الأوساط الأدبية في “مشهد” وتعرّف على الأنواع الأدبية الحديثة. وكان خامنئي يحّب قراءة القصص، ويقول أصدقائه القدامى أنه قرأ أكثر من ألفي رواية أجنبية وإيرانية. ويعتقد بعض المحلّلين أن خوفه من “ثورة مخملية” في إيران ومن دور المثقفين يستند إلى الأعمال الأدبية لكتّاب أوروبيين شرقيين مثل “فاكلاف هافيل”. ويثابر خامنئي على الإهتمام بالشعر حتى الآن، ويعقد ندوات شعرية في مكتبه. وفي مثل هذه الندوات، يقوم الشعراء الموالون للحكم بقراءة قصائدهم أمامه، ثم يعطي تعليقاته عليها.
الأدب الفارسي ليس السمة الوحيدة التي تميّز خامنئي عن علماء “قم” الآخرين. فالتعليم الذي حصّله في “مشهد” أثر في نظرته إلى العالم بحكم المناخ المعادي للفلسفة السائد فيها والذي يعطي للطقوس الدينية يفوق قيمة تفوق قيمة المفاهيم المجرّدة. وتفيد تقارير أنه يتأثر كثيراً بالعلوم السرّية وبــ”المقدّسين” (حول “المقدّسين”، راجع الحلقة السابقة). وغالباً ما يظهر خامنئي على التلفزيون الحكومي وهو يستقبل أفراداً يقدّمون له “كوفيتهم” (التي ذاع صيتها كلباس فلسطيني) لمباركتها. وكانت “الكوفية” رمزاً دعم الفلسطينيين في البداية، ثم أصبحت رمز ميليشيا “الباسيدج”. ولمباركة الطعام، فإنه يأكل من طبق ثم يترك بقية الطعام لأتباعه ليأكلوه. ويلجأ خامنئي أحياناً لـ”الإستخارة” لاتخاد قرارات حاسمة للبلاد. وتفيد الشائعات أنه يعتمد على “الإستخارة” حينما يشعر بالإحباط ( هذه المعلومة تستند إلى مقابلة مع أحد أقارب خامنئي المقيمين في “قم”، بتاريخ أبريل 2007.)
إن ما يميّز خامنئي فعلاً عن الآخرين هو تجربته السياسية. فقد أمضى معظم حياته في السياسة وليس في “الحوزة”، وهو يتعاطى الشؤون السياسية منذ أن كان عمره 24 سنة. ويقول خامنئي أن خطاب “سيّد مجتبى نوّاب صفوي”، زعيم “فدائيي إسلام”، في العام 1951، وكلامه حول تطبيق الشريعة وحول “مكائد الشاه والبريطانيين”، أثّر فيه وحفزه ليصبح ناشطاً سياسياً. (سيرة خامنئي متوفّرة على الإنترنيت باللغة الإيرانية). والأرجح أن خامنئي تعرّف إلى إيديولوجية “الإخوان المسلمين” عن طريق “فدائيين الإٍسلام”. وقام خامنئي بترجمة بعض أعمال “سيّد قطب”، مثل “مستقبل الإسلام”، و”ضد الحضارة الغربية”، علاوة على كتابات أصولييين آخرين مثل “عبد المنعم نمري نصر”، وهو إسلامي هندي. ومنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، أصبح خامنئي أحد شخصياتها الرئيسية وحليفاً مقرّباًً من الخميني. وشارك في تأسيس “الحزب الإسلامي الجمهوري” وشغل المناصب الحكومية التالية: نائب وزير الدفاع، القائد العام بالوكالة لقوات الحرس الثوري، ممثّل القائد الأعلى في المجلس الأعلى للدفاع، عضو “المجلس”، رئيس مجلس الثورة الثقافية، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، رئيس مجلس مراجعة الدستور، رئيس جمهورية إيران، وأخيراً القائد الأعلى. ويمكن القول أن أياً من السياسيين ورجال الدين في الجمهورية الإسلامية لا يضاهيه في تجربته السياسية والعسكرية هذه.
يصعب اعتبار خامنئي أحد المعتنقين الجدد لفكرة آخر الزمان الوشيك لأن “المهدوية” ليست محوراً رئيسياً في خطبه. بالأحرى، تركّز خطبه على الإمام الغائب كمصدر لأمل مستقبلي سيضع حدّاً للظلم في العالم. إن كلام خامنئي قريب جدّاً من المفهوم الشيعي التقليدي للإمام الغائب حيث أنه يؤمن بأن المهدي لا يؤثّر مباشرة في نظرة المؤمن للعالم ولا يؤثّر في الحياة اليومية. وهو يعتبر أن المؤمن الحقيقي هو الشخص الذي يمارس الشريعة الإسلامية ويجهد لتطبيقها في الحياة والمجتمع. بل إن خامنئي لا يستخدم تعابير ثورية لوصف حكومة المهدي. وأحد المؤشرات الأخرىعلى موقفه الأكثر تقليدية هو أنه يعتبر نفسه واحداً من علماء “مشهد” الذين يمتلكون العلوم السرّية، ويقومون بمعجزات صغرى، ويتّصلون بالإمام الغائب. ووفقاً لتقارير غير رسمية، غالباً ما يجتمع خامنئي مع “وسطاء” الإمام الغائب من أجل تلقّي تعليماته. باختصار، خامنئي لا يعتنق أفكاراً مهدوية، ولكن عقليته الدينية، متضافرة مع خمسة عقود من التجربة السياسية، تجعل منه شخصية غامضة وملتبسة تنبع قراراتها السياسية من الحسابات السياسية ومن الإستشارات السرّية على السواء.
خامنئي ومؤسّسة “مشهد”
نشأ خامنئي في “مشهد” وتلقى معظم دراسته الفقهية فيها. ومنذ وصوله إلى السلطة، يسافر خامنئي إلى “مشهد” في كل “نيروز” (أول الربيع حسب الروزنامة الإيرانية) ويلقي خطاباً في حرم ضريح الإمام الرضا. وقد اعتاد الإيرانيون أن يستمعوا إلى خطب منذرة من خامنئي، ولكن أنصاره يقولون أنه، حينما يكون في “مشهد”، تحلّ عليه بركة الإمام ويصبح أكثر شجاعة وتصميماً. أما نقّاد النظام فيقولون أنه، في “مشهد”، يسعى لاسترضاء أنصاره التقليديين والمحافظين.
إن أبرز معالم مشهد هو حرم الروضة المقدّسة الذي يعتبر “أقدس موقع ديني في إيران وربما أكبر وأغنى إمبراطورية تجارية في البلاد” (راجع: (1)مهدي خلجي: “سياسات آخر الزمان” في إيران
“سياسات آخر الزمان” في إيران (2): المهدوية التراثية وقبل الثورة الإسلامية
“سياسات آخر الزمان” في إيران (3): “مشهد” ومتطرّفوها
التفكيكيّون، و”الحجّتية” و”الولايتيّون”
سياسات آخر الزمان” في إيران(4): المهدوية في الجمهورية الإسلامية
أيضا:
وول ستريت جورنال: داخل آلة النقود المقدّسة في إيران
“ضريح الإمام الرضا”أغنى إمبراطوية تجارية في إيران الإسلامية