كيف تنظرون إلى نتائج ما جرى في بيروت؟ ولماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
لا شك أن أحداث الثامن من مايو وما بعده, كانت مفجعة وأليمة وشكلت اعتداءً على الدولة, وعلى مكانتها, إذ تم اغتصاب سلطتها, كما كانت خروجاً على القانون بكل معنى الكلمة, أما لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ فلأن الذي يفقد منطق الحجة وقوة المنطق ويعطل المؤسسات, ومنها مؤسسة المجلس النيابي وسائر مؤسسات الدولة التي أصيبت بالشلل نتيجة الاستقالات ونتيجة الاعتصام, أغلق باب الاحتكام إلى القانون, وإلى الدولة كمرجعية, فعندئذٍ رأى هؤلاء أنهم لم يتمكنوا من الحصول على المزيد من المكاسب بلغة المنطق أو المؤسسة, فإذاً لا بد من اعتماد لغة منطق القوة لذلك. أنا قلت في بعض المناسبات إن هذا العصيان المسلح الذي ظهر على الأرض كان نتيجة طبيعية للعصيان النيابي الذي عطل مؤسسات الدولة وحول الشارع إلى مكان للخصام, وعندما يكون الشارع مكاناً لخصام سيفجر الوضع, بطبيعة الحال.
ما كان يريده هؤلاء هو تعطيل بعض القرارات الصادرة عن الحكومة, قلنا إن هناك آليات لجعل الحكومة تتراجع, ولو بعد صدور القرارين موضع الخلاف, لأنه كان بإمكان المجلس النيابي أن ينظر في القرارين ويعطلهما, أو كان بالإمكان استخدام آليات شعبية سلمياً.
إن ما جرى لم يكن له علاقة بهذا الأمر, ولذلك نقول بأنه لم يكن هناك أسباب موجبة لما جرى, خصوصاً أن الذي عوقب ليست الحكومة التي اتخذت القرارين, لذلك كما نرى اليوم, أنه بعد العصيان المسلح في الثامن من مايو وما تبعه, كادت الدولة أن تسقط ولم تسقط الحكومة, خصوصاً أن الأماكن التي تم الاعتداء عليها في بيروت أو في الجبل, أو ما جرى في الشمال, أو ما جرى في دار الإفتاء الجعفري في صور, لم تكن لها أي علاقة بالقرارات الصادرة عن الحكومة, هل هذه الأماكن (الطريق الجديدة, النويري, رأس النبع, رأس بيروت, الجبل) هي التي أصدرت قرارات الحكومة؟
البعض يربط ما جرى بتكليف إلهي لـ”حزب الله”…
نعوذ بالله, أن يكلف الله سبحانه وتعالى بأمور حرمها العقل, وحرمها في كتابه الكريم, لأننا نعتبر أن الاعتداء على الفرد, هو اعتداء على الناس جميعاً. كيف يعقل أن يأمر الله بشيء حرمه, ونهى عنه, وهدد به, وأعد لفاعله عذاباً عظيماً يوم القيامة؟
يتحدثون عن قدسية السلاح, هل صحيح بأن الوسائل التي تقتل وتهدم, لها قدسية؟
أظن أن منطق القداسة لا يكون بهذه الأشياء, وإذا كان من قداسة للأشياء فهي لأجل قداسة الإنسان وكرامته واحترامه, أما أن تقول بشيء مقدس على حساب قداسة الإنسان, ويؤدي إلى فساد في الأرض, وتفكيك وحدة المجتمعات والأوطان فهذا ليس بقداسة. ولذلك لا يمكن أن يقال أن هناك سلاحاً مقدساً, القضية المقدسة هي قضية الإنسان والأوطان والشعوب, أما أن يكون السلاح مقدساً, فذلك لا يكون بمعزل عن قدسية الإنسان والمحافظة على كرامته.
تتماهون مع قوى 14 آذار وتؤيدون مشروعها. هل هذا التأييد يأتي من حرصكم على سيادة الدولة أم نتيجة لخلاف سياسي مع القوى النافذة في الطائفة الشيعية؟
لا أعتقد أنني خرجت عما أراه وتراه طائفتي مصلحة لها ولوطنها, لأن مصلحة الطائفة هي كمصالح سائر الطوائف الأخرى, تتمثل في عيش مشترك, في دولة لبنانية واحدة, تشكل مرجعية لكل اللبنانيين. أعتبر أن المطالبة بمشروع الدولة ليست خروجاً على ثوابت الطائفة الشيعية, وإنما أرى أن الواجهة السياسية في الطائفة الشيعية والمتمثلة بالأحزاب السياسية قد خرجت في أدائها عن ثوابت هذه الطائفة, لأنها أصبحت هي المعرقل لمشروع الدولة اللبنانية في الجنوب وفي بيروت, وفي مناطق عدة من لبنان, خصوصاً أن حركة “أمل” في السابق كانت تقاتل من أجل مشروع الدولة.
طبعاً ألتقي مع 14 آذار وسائر القوى السياسية في لبنان, التي تطالب بمشروع الدولة اللبنانية, بغض النظر عن المشاريع السياسية. أما حركة “أمل” و”حزب الله” فقد حولا الجنوب إلى ساحة حرب, ودفعا بهذه الطائفة إلى التهجير والتشرد, لهذه الأسباب رفعنا الصوت عالياً, وقلنا: إلى أين أنتم بنا ذاهبون؟ آن الأوان من أجل أن ينتهي هذا الوضع المأساوي. ودعوناهم آنذاك إلى اللقاء والحوار لمناقشة ما يجري. ليقولوا لنا أين هي المصلحة في ما يقومون به من أعمال؟ لكنهم كانوا يرفضون أي حوار وأي نقاش وأي مشاركة في الرأي داخل الطائفة الشيعية في الوقت الذي يطالبون فيه الدولة بالمشاركة ويطالبون الحكومة بالمشاركة.
يطالبونك بحركة ارتدادية داخل الطائفة لحماية تيار الاعتدال فيها, ولكن هذا لم يحصل؟
عندما حذرنا ونبهنا الواجهة السياسية الشيعية من مغبة المسار الذي تستمر به في تعطيل مشروع الدولة, بسبب الارتباط الخارجي الذي يدفعها إلى هذه السياسة بطريقة تتنافى مع الماضي, الذي كان أيام الإمام موسى الصدر وشمس الدين وغير ذلك, قلنا أن هدفنا التحذير والتنبيه إيجاد حالة من الرأي العام داخل الطائفة الشيعية يؤمن بعملية النقل, وأن الطائفة في نهاية الأمر هي التي تختار من يمثلها في الاستحقاقات القادمة, فتنبثق من خلال هذه المواقف التي اتخذناها جماعات لتشكل أحزاباً ومجموعات. أنا لست ضد أي رأي آخر, لا في الطائفة الشيعية ولا في سائر الطوائف الأخرى, ولم أكن بصدد إيجاد حالة ثانية, المهم عندي أن أنبه وأرشد, وأن أكون حامياً لأي رأي آخر يكون ضمن الطائفة, وضمن مسار العمل, ولم أكن بصدد الإقدام على أي عمل, حتى يقال أننا خشينا أو تعثر الأمر.
هل لديكم ملاحظات على قوى 14 آذار لأنها لم تعرف كيف تتعامل معكم, وبالتالي قصرت في فهم موقف الاعتدال الشيعي؟
14 آذار كانت تراهن دائماً على قوى الأمر الواقع, باعتبار أنها موجودة, وأنه لا بد أن يأتي اليوم الذي يجلسون معاً ويتحادثون, ولذلك لم يقطعوا العلاقات مع هذه القوى المهيمنة على القرار الشيعي. لسنا مع قطع هذه العلاقات, بل كنا نريد أن يفتحوا أبوابهم وصدورهم للرأي الآخر ضمن الطائفة الشيعية والطوائف الأخرى. ولم أرَ طبعاً لا من خلال قوى 14 آذار ولا حتى من الحكومة, التعاون المطلوب حول تظهير قوى الاعتدال في الطائفة الشيعية, والتعاطي معها بالشكل الذي يجعلها قوة مهمة في تغيير وجهة النظر القائمة.
كان هناك تقصير من أجل إلغاء الأحادية الموجودة, في القرار الشيعي.
هل هناك خلاف فقهي إيديولوجي بين ما أنتم تعتقدون به, وبين ما ينتهجه “حزب الله” من خلال ارتباطه بولاية الفقيه, وهل صحيح أن الحزب جزء من المنظومة؟
لا اختلاف على المستوى الأيديولوجي, في ما يسمى بأصول الاعتقاد التي يتفق فيها المسلمون جميعاً. لكن الاختلاف الموجود هو حول الأيديولوجيا الدينية التي يعتمدها “حزب الله” والتي يحاول أن يدخلها في السياسة كما جرى في إيران, هذه الإيديولوجيا يجب أن تبقى أيديولوجيا فكرية, حيث يمكن أن يفكر المرء بما يشاء, وكيفما يريد.
في لبنان نحن مجتمع متعدد ومتنوع, عملنا السياسي ينبغي أن ينسجم مع نظامنا السياسي في الوطن الذي نعيش فيه, لأن هناك شريكاً في هذا الوطن ولسنا لوحدنا.
من هنا. إن خلافنا مع “حزب الله” كمشروع ثقافي, شأنه أن يرتبط بولاية الفقيه التي نرى أنها لم تكن في الأصل مشروعاً سياسياً, وإنما كانت مسألة فقهية, لا علاقة لها بعالم السياسة, أما الآن فقد أدخلوها إلى عالم السياسة وأقاموا عليها نظاماً سياسياً.
في كل الأحوال, نحن لا نرى في ولاية الفقيه ما يرتبط بحياة الشيعة في لبنان وفي العالم العربي, لأن الشيعة, ولاسيما الرافضون لولاية الفقيه بإيران لم يعترفوا بأن للفقيه ولاية سياسية, فالولاية للدولة والولاء للوطن.
نشدد على أن الولاية هي للدولة وهذا هو الخلاف بيننا وبين “حزب الله”. يمكن أن تكون علاقتنا مع الفقيه علاقة دينية وعلاقة روحية وثقافية, لا علاقة سياسية, لأن العلاقة السياسية هي مع النظم السياسية الموجودة في أوطاننا والتي تحكم شعوبنا العربية, التي نحن جزء لا يتجزأ منها.. ليست الولاية للفقيه, الولاية هي لدولة المؤسسات والقانون.
هل صحيح أن زيارتكم مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني, واستنكاركم بما جرى في دار الفتوى, هو ما أوجب الاعتداء على دار الإفتاء الجعفري؟ وهل القرار الذي صدر عن »المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى« بحقكم كان متخذاً سلفاً بانتظار الفرصة لتنفيذه؟
أعتقد أن هناك تراكمات, ويمكن أن يكون منها, زيارة صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني. كان من الطبيعي في ظل الاحتقان الطائفي والمذهبي في البلد أن نذهب لزيارته, كما أن مفتي الجمهورية, ليس حكراً على طائفة, والتواصل معه كان شيئاً طبيعياً وضروريا. من هنا, فإن فريقاً من المجلس الشيعي كالرئيس بري وحركة “أمل” كانا يعتبران أن هذا نوع من التأييد لبيان المفتي الذي طالب بالخضوع لقوانين الدولة اللبنانية. هم لا يريدون أي موقف مخالف لهم ويرفضون الرأي الآخر. كما أن تأييدي لقراري مجلس الوزراء بخصوص شبكة الاتصالات, ونقل الضابط, قد يكون من الأسباب أيضاً. لقد ذكروا هذه الحيثية بأننا نتعاطى في السياسة بما يتنافى مع ما تراه المؤسسة, والواجهة السياسية الشيعية.
الاعتداء الذي تم على دار الإفتاء الجعفري كان قبل قرار الحكومة منذ ما يزيد على الشهر تقريباً, فقد تلقيت رسالة من المجلس الشيعي حملها بعض المفتين الموفدين من قبل الشيخ عبدالأمير قبلان, وكانوا يذكرون فيها أن هناك شيئاً يُدبر, إذا لم أتراجع عن مواقفي وأؤيد مواقف الرئيس نبيه بري وغيره. وقلت لهم بأن قناعتي وحريتي وما أراه واجباً وطنياً ودينياً, هو ما أقوم به, وسأستمر بالتزام النهج الذي أرى فيه مصلحة طائفتي ووطني, فليس من مصلحة الجنوب أن يستمر ساحة للحرب, وساحة للفوضى, وساحة لإعاقة مشروع الدولة.
إذا كانت الحكومة قد تراجعت عن قراريها, وفي الدوحة حصل ما يشبه الاتفاق بين اللبنانيين, فهل تتوقع أن يتراجع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عن القرار الذي اتخذه بحقكم؟
في الحقيقة, لا أطلب من المجلس أن يتراجع, هذا شأنه. لكن إذا أحبوا أن يكون هناك حالة من الحوار والنقاش داخل الطائفة الشيعية من أجل النظر في أداء هذه الواجهة السياسية والدينية الموجودة, لأنها تحولت إلى إطار لقوى الأمر الواقع, دون أن يكون لها أي قرار مستقل.
البعض يستغرب أن تتخذ بحقكم قرارات لا سيما أنكم ترتقون بالحسب إلى سلالة الرسول (صلى الله عليه وسلم), هل هذه سابقة تتكرر في أزمنة التسلط والهيمنة؟
المفارقة أنهم عطلوا الدولة وكادوا أن يشعلوا البلد ناراً من أجل نقل موظف شيعي. الآن يتخذون بحقي قرارات لمجرد الانتقام السياسي بسبب الخلاف في الرأي. إذا كانوا يحافظون على الطائفة الشيعية، فهل الحفاظ على الطائفة يكون بهذا الشكل؟ وأنا قلت في النهاية إن الألقاب ليست ذات شأن, كما ذكرت في بعض وسائل الإعلام وليس لمنصب الإفتاء معنى سوى اسم لصاحبه.
كيف استقبلت مقررات مؤتمر الدوحة, هل أنت مرتاح للنتيجة?
نحن نقول بغض النظر عن النتائج التي لم ندرسها جيداً, إن المهم عندنا أن يسلم الوطن, وأن يتم إخماد نار الفتنة, فإذا سلم الوطن سلمنا جميعاً, وإذا أخمدت نار الفتنة شعرنا بنحو من الأمن والأمان والاستقرار الذي يجعلنا نتقدم إلى الأمام. نأمل أن يكون هذا الاتفاق, قد طوى صفحة الماضي وجعلنا ننطلق إلى مستقبل أفضل. وأنا أعتقد أنه كلما تعزز دور الدولة, بسطت سلطتها, واتسعت مساحة الحرية والرأي الآخر, وأعتقد عندئذٍ أن القوانين الانتخابية لا تعود مشكلة, لأن المهم أن يكون هناك دولة تبسط سلطتها, وتحمي المواطن عندما يريد أن يعبر عن رأيه.
لا شك بأن ما جرى أوجد شرخاً كبيراً بين المذاهب الإسلامية, البعض اليوم ينادي بالمصالحة. هل هذه المصالحة ممكنة؟
لا شك أننا نؤيد الدعوات للمصالحة وطي صفحة الماضي، لأن الحرب بين الأهل أو على الأهل، وبين الإخوة أو على الإخوة, هي حرب لا نحفظ بها الموجود, ولا نسترد بها المفقود, ولذلك لا بد من وجود وسائل للملمة الجراح وتضميده. لكن كان ينبغي أن تصدر اللجنة العربية قراراً حول تشكيل لجنة تحقيق عربية تنظر في الأسباب والنتائج التي حصلت في لبنان, أي الأعمال العسكرية التي جرت, لإصدار أحكامها أمام العالم العربي كله والعالم الإسلامي نظراً لحجم الكارثة التي وقعت, وليس من أجل الثأر والانتقام, بل من أجل أن يعرف المخطئ أنه أخطأ, والجاني أنه جنى, حتى نضمن عدم تكرار هذه الأمور في المستقبل. كما قلت في بعض المناسبات أن الوقت الآن ليس وقتاً للحساب, بل للملمة الجراح, وللندم ومحاسبة النفس على ما جرى, لأن ما جرى لم يكن له أي مبرر وليس له أي ضرورة أبداً. والنتائج التي حصلنا عليها في الدوحة كان يمكن أن نحصل عليها من دون ما حصل.
ماذا تنصح الأفرقاء في لبنان موالاة ومعارضة؟
النصيحة هي العودة إلى مؤسسات الدولة, وأن يكون دائماً الحوار من خلال هذه المؤسسات, وأن نأخذ العظة والعبرة مما جرى. لأن المؤسسات هي التي تضمن لنا حقوقنا, وتحفظ الجميع.
نقلاً عن “السياسة” الكويتية
مفتي صور وجبل عامل: الولاية للدولة لا للفقيهفضيلة المفتي اجاب فأوضح موقفه لاكن الا يعتقد ان اس المشكل هو تديين السياسة و تسيس الدين اضافة الى ان كل طائفة دينية او سياسية لها امتداد خارجي يتأثر به حيث من الصعوبة بمكان حل المسألة نهائيا في بلد مثل لبنان الا عبر حكم ديمقراطي صحيح غير طائفي حيث وللأمانه لم استوعب على الاطلاق حكومة ينسحب منها وزراء لتعطيل القرارات و رئيس البرلمان يقفل المجلس و يضع المفتاح في جيبه. ما فائدة اعضاء حكومة ليس هناك تناغم فيما بينهم ومجموعة منهم لا تخضع لرئيس الحكومة بل و قد تعطل قراراتها اذا مارأى حزبها… قراءة المزيد ..