هذه ليست دعوة لإلغاء الآخر، بل دعوة للوقوف ضد استغلال بعض رجال الدين للرمزية الدينية الممزوجة بالثقافة السياسية للصعود على ظهرها من أجل الوصول إلى كرسي البرلمان، هي دعوة لإسقاط العمامة الدينية المسيّسة في انتخابات مجلس الأمة القادم في الكويت، تلك العمامة التي تتدثر زورا برداء الحرية والديموقراطية، فيما هي في الواقع تشرب من نبع الطائفية السياسية وتتسلق الجدار الديني الطائفي لتحقيق مصالحها الفئوية التي تنعتها غصبا بالمصالح الوطنية. ولو أن تلك العمامة أو الرمزية الدينية ابتعدت عن ألاعيب السياسة وواجهت لاأخلاقياتها أو أوقفت اللف والدوران لتهذيب سلوكها، لكانت ظلت في منأى عن السقوط في مستنقع السلوك غير الأخلاقي الذي يفرضه الخوض في العمل السياسي ويرفضه السمو الديني. وإذا ما ألقينا نظرة، ولو غير علمية، إلى وجهة نظر عامة الناس تجاه الانجذاب لرجل الدين، لوجدنا أنهم أقرب إلى ذلك الذي لا يدنس الرمزية الدينية بمصالح السياسة وألاعيبها وأكاذيبها ويبعدها قدر المستطاع عن ذلك المجال وتلك الظروف.
في أجواء الانتخابات البرلمانية في الكويت، هناك مِن رجال الدين مَن يستغل ملابسه الدينية ومسماه الديني سواء للنجاح أو لتبرير عدم النجاح. لذلك حينما يفشل هذا الشخص سياسيا تجده يقحم هذه الرمزية الدينية بشكل فج معتبرا أنها تعرضت لـ”الإهانة”. لقد بات الناس في الكويت، وفي دول مجاورة مثل العراق وإيران ينظرون بازدراء إلى الشخص الذي يستغل الرمزية الدينية لتحقيق مصالحه السياسية النفعية الضيقة، لأنهم وعوا بأن تلك الرمزية لابد أن تكون خارج إطار اللعبة السياسية، وأنه يجب عدم زجّها في كل شاردة وواردة مصلحية في المجتمع وكأنها وسيلة لكسب غير مشروع، وأنها يجب أن تظل في إطارها الديني الروحاني والأخلاقي، وإذا ما أراد صاحبها خوض العمل السياسي فعليه أن يستثنيها بالكامل من أنشطته. فمستغل الرمزية الدينية في العمل السياسي لا يختلف عن ذاك الذي يستغل ثراءه المالي لتحقيق نجاحات سياسية بطريقة غير قانونية، في حين أن رجل الدين المعمم المسيّس الذي يرشح نفسه لانتخابات مجلس الأمة يجب ألا يستغل ملابسه ومسماه لتحقيق اختراقات انتخابية أو لتبرير أي فشل انتخابي، ليس لأنه يمارس عملا غير قانوني وإنما لأنه يمارس عملا غير أخلاقي بالدرجة الأولى.
إن الكثير من التقارير التي تؤكد أن العراقيين والإيرانيين يزدرون رجل الدين لم تأت من فراغ بل جاءت نتيجة تصرفات وممارسات غير أخلاقية في عالم السياسة من قبل هؤلاء وبسبب الاستغلال البشع للرمزية الدينية وللملابس والمسمى لتحقيق مصالح ذاتية على حساب حقوق الناس ومصالحهم المفقودة والمنتهكة.
إن أحداث العراق أثبتت أن السلطة مفسدة سواء كان الحاكم ملحدا أو رجل دين، كما يعبر عن ذلك العراقي علي الصفار في مقال له في موقع “الحوار المتمدن”، مشيرا إلى أن سمعة الملحدين في العراق أصبحت أفضل بكثير من سمعة رجال الدين، الذين باتوا يستخدمون اللباس الديني المقدس للاستئثار بمقاولات المحتل الأمريكي والعمل مع قطاعي الطرق والمشاركة في تهريب النفط والقيام بالممارسات القمعية والدخول في الصراعات الشخصية، التي أثبتت أن الإسلام في العراق مفرقا لا موحدا حيث يتقاتل رجال الدين الشيعة مع رجال الدين السنة ويتقاتل أصحاب المذهب الواحد على مكاسب دنيوية فانية.
والأمر لا يختلف كثيرا في إيران. إذ أدت هيمنة رجال الدين على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى نفور الشعب الإيراني من رجل الدين المسيّس. فالتشدد تجاه قضايا الحريات الفردية جراء فتاوى دينية، كمسألة فرض اللباس والحجاب على الرجل والمرأة، وتجاه الحريات الاقتصادية، حيث تتحدث تقارير عن مظاهر ثراء فاحشة لدى رجال دين يتبعون النظام فيما يعاني جانب كبير من الشعب الإيراني من ظروف معيشية صعبة، أدى ذلك إلى ظهور مواقف شعبية مناهضة لرجل الدين المسيّس الذي أسس ما يسمى بالخطط التنموية على أسس من النص الغيبي التاريخي غير الواقعي.
إن ما يجب أن يعمل الكويتيون على مواجهته ورفضه، قبل أن يستفحل أمر استغلال الرمزية الدينية في اللعبة السياسية الطائفية المصلحية بشكل يفوق ما هو حاصل الآن، هو أن يقفوا في مواجهة زج العمامة في معمعة السياسة والانتخابات. فصاحب الرمزية الدينية السياسية وأنصاره يسعون إلى خلق ظروف وأجواء يستطيعون من خلالها استغلال اللباس الديني ومسمى رجل الدين، وبالذات ممن ينتسبون أو يدعون الانتساب إلى سلالة آل النبي، في سبيل تحقيق مكاسب سياسية. فهؤلاء يصرون على التضحية باللباس والمسمى من أجل مكاسب دنيوية، أي أنهم يتعمدون تحويل أي صراع دنيوي إلى ديني ليقينهم بأنه مثير للمشاعر الدينية الطائفية ومهيج للعواطف الروحية. بمعنى أنهم يستغلون مكانة آل بيت النبي الرفيعة ويدخلونها في الصراع السياسي مما يحقق لهم فرص كسب سياسية.
إن العمامة زجت في العملية الانتخابية في الدورة السابقة من الانتخابات البرلمانية في الكويت من أجل كسب أصوات الناخبين. وكان صاحب العمامة المرشح وأنصاره يوجهون الناخبين باتجاهٍ عنوانه أنه من لم يصوت لصالحه من شأنه أن يرتكب إثما وفعلا حراما. وكان الهدف من كل ذلك هو زج العمامة في الصراع السياسي بهدف تسييس الرمز الديني لكسب مزيد من الدعم والتأييد له، وكانوا يرفعون شعار “نصرة العمامة” في مقابل شعار “إهانة العمامة”.
إن دخول الرمزية الدينية معركة العمل السياسي تفتح المجال أمام حامل هذه الرمزية لاستثنائه من قوانين اللعبة السياسية في الساحة المحلية، وذلك بسبب انتمائه إلى سلالة نبوية يعتبرها المسلمون مقدسة. فقبول شخص ما قوانين اللعبة السياسية في الساحة السياسية والاجتماعية المحلية، ولو كان هذا الشخص منتسبا لبيت النبي ومرتديا لباسه الديني، يترتب عليه قبوله وأنصاره تبعات دخوله السياسي من نقد ومساءلة وهجوم لاذع على مواقفه، كما يترتب عليه عدم استغلال لباسه ومسماه الدينيين لإلغاء معارضيه ومنتقديه، وكذلك عدم السعي لتحقيق أهداف مصلحية طائفية تختبئ وراء اللافتة الوطنية العريضة. فقد كانت هناك مساع “انتخابية” لمحاربة أي نقد يوجه ضد رجل الدين السياسي، وهو مسعى هدف إلى استغلال الرمزية الدينية لفرش الطريق السياسي باللانقد. لذلك لاتوصف عملية نقد استغلال الرمزية الدينية في العمل الانتخابي من أجل التكسب السياسي والطائفي، إلا بأنها مسعى يصب في صالح الدفاع عن الدين وصونا لقيمه الروحية والأخلاقية.
ssultann@hotmail.com
كاتب كويتي