ضمن اصدارات مركز الشيخ محمد بن ابراهيم آل خليفة للدراسات والبحوث في مملكة البحرين، صدر مؤخرا كتاب جديد باللغتين العربية والانجليزية للأكاديمي الدكتور عبدالله المدني من طباعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.
والكتاب من القطع المتوسط، ويحمل عنوان ” فيتوريو وينسبير جيوشياردي ودوره في تأكيد سيادة وهوية البحرين” ويبلغ عدد صفحات الجزء العربي منه 89 صفحة، فيما يبلغ عدد صفحات الجزء الانجليزي 85 صفحة. وقد قدم له وزير الخارجية الايطالي السنيور “ماسيمو داليما”.
وبهذه المناسبة أجرت الاذاعية البحرينية المتألقة “ايمان علي” حوارا حول هذا الكتاب القيم مع الدكتور المدني
وفي ما يلي نص المقابلة التي تمت اذاعته يوم الاثنين الواقع في 30 مارس 2008 من اذاعة البحرين:
• في مقدمة الكتاب أشرت إلى أن هذا الإيطالي ( فيتوريو وينسبير جيوشياردي) لم يعد أحد يتذكر اسمه، يستوي في ذلك الخاصة والعامة والمخضرمون والشباب … من هو هذا الرجل؟ ولماذا أفردت كتاباً عنه؟
• السنيور فيتوريو وينسبير جيوشياردي سليل عائلة إيطالية نبيلة من جزيرة صقليا ودبلوماسي إيطالي مخضرم خدم بلاده في وظائف دبلوماسية وقنصلية مختلفة ما بين عام 1936 الذي التحق فيه بالسلك الدبلوماسي وعام 1995 الذي توفي فيه. وهو الشخصية التي اختارها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة السيد يوثانت في مارس 1970 لقيادة بعثة تقصي الحقائق الأممية إلى البحرين من اجل استطلاع آراء شعب البحرين وتطلعاتهم فيما يتعلق بالمستقبل السياسي والقانون لبلادهم… وأكرر من اجل استطلاع آراء شعب البحرين، إذ يجب أن يكون واضحا أن حكومة صاحب العظمة المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وأخيه رئيس الوزراء الموقر صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة كانت قد أكدت في جميع الاجتماعات واللقاءات التي جرت ما بين ممثليها وممثلي الحكومة الشاهنشاهية الإيرانية و حكومة صاحبة الجلالة البريطانية، وسواء تلك التي عقدت في جنيف أو نيويورك، أنه لا استفتاء حول هوية وعروبة وسيادة البحرين، لأن من شأن ذلك التشكيك في تلك الهوية، لكن البحرين قبلت بصيغة حل هي قدوم بعثة أممية لجمع الحقائق و المعلومات حول رغبات البحرينيين وتطلعاتهم، وهذا ما كان. أما أسباب ودوافع تخصيص مؤلف عن الرجل فمن بينها تذكير الأجيال البحرينية الشابة التي ولدت في مرحلة ما بعد الاستقلال بالدور الذي لعبه هذا الدبلوماسي في تأكيد هوية وسيادة بلدهم، ومن بينها أيضا التعويض عن الإهمال غير المقصود الذي لحق بالرجل في الأدبيات التاريخية المحلية، ناهيك عن أن الحديث عن الأمر في هذه المرحلة بالذات هو بمثابة الرد على الادعاءات الإيرانية المتجددة حول مسألة تم حلها وتوثيقها نهائيا قبل أربعة عقود من قبل اكبر محفل دولي وبشهادة وإجماع قوى المجتمع الدولي.
• ما دوره الفعلي في تأكيد هوية واستقلال البحرين؟
• قد يعتقد البعض أن دور الرجل كان إجرائيا محضا، وبالتالي لا فضل له في قضية هوية وسيادة البحرين، لكننا حتى لو سلمنا بمثل هذه المقولة، يبقى أن للرجل فضل أداء مهمته بحياد ونزاهة ودقة تامة، وهو ما شهد به كل من عاصره أو التقى به.
• ما هي المصادر التاريخية والمراجع التي استقيتها للتأريخ لهذا الرجل؟
• أهم المراجع هي بطبيعة الحال وثائق وسجلات الأمم المتحدة التي لم تكن وقتذاك تكتب بالعربية، لذا كان علي استخراجها و ترجمتها من الإنجليزية أولا. بعد ذلك اعتمدت على بعض المراجع الإيطالية وتحديدا في ما خص السيرة الذاتية للسنيور جيوشياردي. أما فيما يتعلق بتطورات وتأريخ دبلوماسية المساعي الحميدة كآلية معترف بها، وهي التي استندت إليها مهمة السيد جيوشياردي حول البحرين، فقد اعتمدت على عدد من المؤلفات القيمة في مجال العلاقات والمنظمات الدولية والقانون الدولي. ولا بد لي من التنويه هنا بمرجع هام هو كتاب الدكتور حسين محمد البحارنة المبني على أطروحته للدكتوراه من جامعة كمبردج، والذي رصد فيه تطورات المحادثات الأولية التي جرت للاتفاق على مهمة المبعوث الدولي إلى البحرين.
• ما هي ابرز النقاط الجوهرية التي أوردها هذا الرجل في تقريره للأمين العام للأمم المتحدة في فترة السبعينيات؟
• كما قلت سابقا، جاء التقرير دقيقا وشاملا إلى الدرجة التي يصلح معها أن يكون مرجعا لأحوال البحرين السياسية والاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية والثقافية والجغرافية في السبعينات. ومن اجل توضيح تفاصيل المشهد البحريني في أوائل السبعينات، اضطر الرجل إلى إيراد 57 فقرة منفصلة في تقريره، إضافة إلى ملحق طويل بأسماء المجالس والدوائر والمنظمات والأندية والفرق الرياضية التي قابلها ليستطلع آراءها حول المهمة التي جاء من اجلها. من أكثر الفقرات التي استرعت انتباهي في التقرير: الفقرة 57 التي بناء عليها تمت الموافقة بالإجماع في مجلس الأمن الدولي على رفض الادعاءات الفارسية حول السيادة على البحرين. تقول هذه الفقرة “إن مشاوراتي أقنعتني بأن الأغلبية الساحقة لشعب البحرين ترغب في الاعتراف بهويتها ضمن دولة مستقلة تماما وذات سيادة وحرة في أن تقرر لنفسها شكل علاقاتها مع الدول الأخرى. إلى ذلك هناك الفقرة 9 التي يشيد بها المبعوث الدولي بشعب البحرين ونصها “أود أن اعبر عن امتناني وتقديري للتعاون الذي لقيته من جميع الأطراف خلال مهمتي. فبعد ثلاثة أسابيع من الاتصالات المكثفة مع الشعب البحريني، وجدت نفسي متأثرا بصفة خاصة بكرمه ولطفه في جميع الأوقات”. ومن الفقرات المهمة الأخرى: الفقرة رقم 45 ونصها “لم تكن هناك تباينات طائفية حول النقطة موضوع البحث. فحتى رجال الدين من الطائفتين السنية والشيعية اتفقوا على رأي موحد. وممثلو إدارات الوقف الدينية التي تنظم على أساس الطائفة، رفعوا صوتا يعبر عن عدم وجود خلافات في الرأي، حتى في التفاصيل”. ثم هناك الفقرة رقم 46 ونصها “لم يكن هناك أي تمايز مهم بين وجهات نظر السكان المنحدرين من المناطق الحضرية وأولئك المنحدرين من المناطق الريفية، على الرغم من وجود اختلاف بسيط في ما شددوا عليه، حيث بدا سكان الحواضر أكثر اهتماما ومعرفة بالمطالب الإيرانية وبالتالي أكثر صراحة في تطلعهم إلى حل،فيما كان تركيز ممثلي الجماعات الريفية بصورة كادت أن تكون حصرية على هويتهم العربية وعلى عروبة البحرين. ورغم أن هذا الأمر الأخير لم يكن موضوعا لأسئلتي، فانه بدا لقرويين كثر تعبيرا كافيا عن رغبتهم في استقلال البحرين كجزء من الأمة العربية. وأخيرا هناك الفقرة رقم 49 ونصها “لم يمثل السن أية دلالات هامة، وان بدا الشباب أكثر مجاهرة بآرائه حول وضعية البحرين المستقبلية. حيث كان معظمهم مقتنعا بأن مستقبل البحرين هو ضمن دائرة الدول العربية الأوسع، وتحديدا تلك الموجودة ضمن منطقة الخليج”.
• جاء كتابك مدعماً بشهادات بعض النخب البحرينية … ما قيمة تلك الشهادات؟ ألم يكن كافياً ما قام به السنيور والتقرير الذي قدمه للأمم المتحدة؟
• الغرض من إيراد تلك الشهادات، كان فقط من اجل معرفة الانطباعات الشخصية التي تكونت لدى أصحابها حول شخصية السنيور جيوشياردي وأسلوب عمله وطريقة تعامله، وذلك تعويضا للنقص الموجود في هذا الجانب والناجم عن عدم وجود أية كتب أو مقالات تتناول سيرة الرجل. وعليه فان فحوى هذه الشهادات لا تضيف شيئا جديدا أو مهما إلى التقرير الاممي الذي جاء شاملا ودقيقا ومفصلا.
• ما مدى تعاون الكتاب الوطنيين والمثقفين في تلك الفترة مع بعثة السينيور فيتوريو؟
• اعتقد أن كافة الكتاب والمثقفين وقطاعات المجتمع المختلفة وتنظيماته المعترف بها رسميا، تعاملت مع الحدث أي مع مهمة المبعوث الاممي بجدية ومسئولية، بل أن إحدى القوى السياسية التي كانت تصنف نفسها وقتذاك كقوة معارضة، تجاوزت تلك المعارضة وتعاونت مع السلطة من اجل تأكيد عروبة وسيادة واستقلال الوطن في وجه الادعاءات الإيرانية، على اعتبار أن ذلك هدف أسمى.
• هل كانت شاهداً في تلك الفترة؟ إن كانت الإجابة نعم … كيف كان تقبل أهل البحرين لتلك البعثة ؟ الاتجاه السائد للرأي العام حول تلك القضية؟
• كنت شابا يافعا وقتذاك، استعد للسفر إلى الخارج لإتمام تعليمي الجامعي، لكني لا زلت أتذكر تدافع الناس بفئاتهم المختلفة نحو فندق الخليج بالمنامة – مقر إقامة بعثة تقصي الحقائق الدولية – لأداء واجبهم الوطني، خاصة وان مجلس الدولة كان قد مهد الطريق لقدوم البعثة بالإعلان في جميع وسائل النشر عن طبيعة مهام البعثة ومدة تواجدها و الحريات المكفولة للجميع للوصول إليها للإدلاء بالرأي دون ضغوط أو عواقب لاحقة. كما لا أزال أتذكر ما أججه الحدث من مناقشات في الدور والمجالس والأسواق حول كيفية أداء هذا الواجب الوطني والمصيري.
• بصفتك متخصصاً في العلاقات الدولية … في ذروة مطالبات إيران في تلك الفترة بأحقية البحرين لها…. إلى أي مدى نجحت أو ساهمت الدبلوماسية العربية وعلاقات البحرين الدولية والعربية في حسم هذه القضية؟
• اعتقد أن ما حدث في ذلك الوقت يسجل صفحة ناصعة من صفحات تاريخنا الخليجي والعربي، تضافرت فيها جهود الدبلوماسية البحرينية بقيادة سمو رئيس الوزراء الموقر الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة مع جهود الدبلوماسية الخليجية ولا سيما الدبلوماسيتين السعودية والكويتية، وبمؤازرة تامة من الأشقاء العرب وتحديدا الشقيقتين مصر والعراق، إضافة إلى مؤازرة الدول الصديقة كبريطانيا والولايات المتحدة والمجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن.
• التقرير والنتائج الواردة في كتابك التي أعدها السنيور تظهر نزاهة وحيادية وأمانة لهذا الرجل الغربي وحسمه الموضوعي لهذه القضية التي كلف بحسمها .. هل ترى ضرورة أن يوضع هذا الرجل في المقام اللائق به على الأقل في المناهج الوطنية نظير جهوده ومصداقيته في التوصل إلى حل عادل للأزمة في ذلك الوقت؟
• أنا من مؤيدي وجهة النظر هذه، وقد أوضحت ذلك تفصيلا في مقدمة كتابي وفي مقال منفصل نشرته لي صحيفة الأيام وعدد من الجرائد الخليجية. ففي اعتقادي انه رغم رحيل هذا الدبلوماسي الغربي النزيه عن دنيانا عام 1995، وبالتالي عدم وجوده بيننا اليوم لنكرمه حيا، فان الوقت لم يفت بعد لتكريمه في صورة إطلاق اسمه على شارع أو ميدان أو حديقة في البحرين أو إصدار طابع بريد يحمل صورته، وذلك اعترافا متأخرا بجهوده التي حسمت إلى الأبد هوية بلادنا واستقلالها، وتذكيرا للأجيال الجديدة بمنعطف تاريخي كان له فيه دور لا ينكر، وأيضا تقديرا لما أورده في نص تقريره المرفوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة من عبارات تعكس مودته لشعب البحرين وإعجابه بتحضرهم وأخلاقهم الرفيعة ودماثتهم وكرمهم وتعاونهم.