أود أن أؤكد، ابتداءً، حقيقة أساسية هي أن عصرنا يشهد حركة هائلة في تاريخ “الإبداعية البشرية” في طريق تدوينها وتسجيلها وتصويرها ورؤاها المتنوعة. بعبارة أخرى، نحن اليوم في عصر “تآزر” الأنواع الأدبية، بل تآزر كل الفنون. ذلك أن تقنيات الاتصال والتوصيل قد أتاحت لأول مرة في التاريخ إمكانات هائلة غير مسبوقة، لنرى الأنواع الأدبية يدخل الواحد منها في الأنواع الأخرى، وهذا النوع نفسه الذي يدخل في غيره يغير من أساليبه وتشكيلاته، فنجد القصيدة في القصة القصيرة، ونجد القصة القصيرة في الشعر ونجد الشعر في الرواية، بل إننا إذا مَددنا الأمر على خط مستقيم نجد أن الأمر في غالب الأحوال، يشمل الفنون جميعا، فنجد القصيدة في الموسيقى، ونجد القصة في العمارة ونجد الرواية في اللوحة، وهكذا.
وفي تقديري انه لن يمضي وقت طويل حتى يغيب لأول مرة وإلى الأبد، منظر الشاعر الذي يقف بين أيدي جمهوره على منصة معزولة عن هذا الجمهور ليلقي قصيدة، ولا دور لهذا الجمهور في تلك الحالة سوى التصفيق. وسنجد قصيدة الشاعر مصحوبة بموسيقى وغناء وديكور ورقص، لن يسمى هذا العمل قصيدة، بل يسميه أساتذة النقد في العالم اليوم “نص”، فكلمة نص الآن في الوقت الراهن تعني عملا تتآزر في انجازه جملة الفنون.
في هذا الأفق الجديد لن تجد فناً يتقدم وآخر يتوارى أو ينقرض، بل يشي بأن الإبداعية البشرية تتبدى في تجليات من النصوص تعكس تآزر الفنون.
من هنا تأتي راهنية دور المثقف. فإذا كانت الثقافة هي مواقف نقدية من الحياة ودور المثقف هو دور نقدي للحياة في مجتمعه وعصره، كان لزاماً عليه – أي المثقف- أن يقوم بدوره النقدي الفاعل تجاه الجهات المعنية بالنقد من سلطة أو مؤسسة أو فرد.
لكن مجتمعنا الكويتي الذي يسعى للخروج من العلاقات الكلاسيكية شبه الإقطاعية إلى العلاقات الحديثة المعاصرة، العقلانية والديمقراطية، لا يحتمل، حتى الآن، الدور النقدي للمثقف فيحاصره ويصادر عمله ولا يقر له بحرية التفكير وإبداء الرأي.
إن تفعيل دور المثقف يتأتى بأن ينهض المثقفون في المجالات الإبداعية كافة، للنضال من أجل تحرير العقل وحماية حرية النقد.
ولا يكون ذلك محصوراً على آحاد وأفراد من المثقفين الكويتيين، بل في جماعات وجمعيات ونقابات واتحادات ترفع دور المثقف، ليتحقق ناقداً طبيعياً في مجتمعه وعصره. هذه الأوعية الديمقراطية تحمي الحرية وتحمي المثقف وتضمن حقه في التعبير والتفكير.
ayemh@yahoo.com
باحث وكاتب كويتي