اذا ما امتُحنت مقولة «الهلال الشيعي» في لبنان فلن تجد لها ما يعزز الاعتقاد بحقيقتها. فلبنان الذي تدعي المقولة انه حلقة مركزية في «هلالها»، ربما ادى التأمل فيه الى اضعافها، هي الركيكة اصلاً.
مقولة «الهلال الشيعي» تفترض ان حزب الله امتداد لنفوذ ايراني، وهو افتراض صحيح الى حد كبير. لكن ما ان نخطو خطوة واحدة بعد هذه الحقيقة حتى تبدأ الاشارات التي تضعف الافتراض: هناك حزب الله العقائدي، وحزب الله السياسي. حزب الله العقائدي حزب مقفل، واذا استثنينا عناصر الحزب وكوادره، لا يبدو ان الشيعة اللبنانيين شديدو الصلة بهذا الجانب من اداء الحزب ومن ثقافته. هذا من دون ان نستبعد، طبعاً، سعيه مؤخراً الى بث ثقافته في «انحاء» المجتمع الشيعي في لبنان، وتعميم طقوسه ورموزه في المشهد الاجتماعي، خصوصاً في اعقاب «النصر الإلهي» الذي نجم عن حرب تموز (يوليو) العام الفائت.
للشيعة في لبنان علاقة وثيقة بحزب الله السياسي، وبآلة الحزب المالية والاجتماعية، ناهيك عن الأمنية والعسكرية. لكن حزب الله السياسي يمت ايضاً الى الجماعات والمشاعر السنية العربية بصلات اوثق. فالصراع العربي الاسرائيلي الذي بنى حزب الله «امجاده» عليه، يحاكي مشاعر السنة العرب اكثر من محاكاته مشاعر الشيعة في لبنان. ثم ان الحزب عاد واستثمر في «المشاعر السنية» في سبيل تعزيز نفوذه. وهذه المعادلة ادت الى ربطه بمزاج عربي سني يفضي أي اختلال فيه الى زعزعة موقع الحزب والى فقدانه الوزن العربي الذي اكتسبه من جراء صراعه مع اسرائيل.
ربما كان مفيداً سوق وقائع اودت او كادت تودي بالسمعة العربية والسنية لـحزب الله. ففي سياق تعاظم المأزق اللبناني قام الحزب بخطوات غير محسوبة بدت انها تنطوي على مواجهة بينه وبين السنة اللبنانيين. اعتصام في الوسط التجاري هو اشبه باحتلال له، وتظاهرات في الأحياء السنية من المدينة اوحت بأنها شيء من قبيل اجتياحها. مباشرة بدأ حساب الخسائر: ماذا يبقى من حزب الله اذا خسر سمعته العربية «السنية»؟ لن تكون الأجابة طبعاً بأن هذه الخسارة ستشكل نهاية الحزب، والدليل انه خسر ما خسره في السنة الفائتة على هذا الصعيد من دون ان تظهر مؤشرات تدل على تصدعه. لكن هذه الخسارة ستدفع به الى موقع آخر، ومن علامات انتقاله الى موقعه الجديد «الوثبة الداخلية» التي اشّرت الى انتقاله الى الداخل اللبناني عبر تحريك آلته باتجاه الحكومة اللبنانية، في ما بدا انه نقل للمواجهة.
كلام كثير يتداوله اللبنانيون هذه الأيام عن قيام حزب الله بالاستعداد لمرحلة جديدة من المواجهات. اشاعات واخبار عن شرائه اراضي في مناطق مختلفة من لبنان، وعن اقفاله مناطق واسعة في الجنوب والبقاع. سياسيون معارضون له يشيرون الى توليه تدريب عناصر درزية واخرى مسيحية موالية لشخصيات وتيارات حليفة له. وقد تزامن تسرب هذه الأخبار مع الحديث عن شبكة الهاتف المستقلة التي كشف وزراء في الحكومة اللبنانية عن ان الحزب في صدد بنائها او اعادة بنائها. وفي هذا السياق جاءت التأويلات المختلفة لكلام السيد حسن نصر الله عن مفاجآت يخبئها في حال قيام اسرائيل بحرب جديدة على الحزب.
حزب الله يمارس «تقية سياسية» حيال هذه الأخبار فلا يعقب على تداولها، على رغم ان جزءاً منها كشف عنه وزراء مسؤولون في وزارات من المفترض انها على صلة بالوقائع والحقائق. هذه «التقية» تضاعف الريبة والشكوك وتدفع الى الاعتقاد بأن ثمة وقائع اخرى لم يكشف عنها بعد. في المقابل، يخرج رئيس مجلس النواب نبيه بري عن صمت حزب الله ويعلن ان شبكة الهاتف تلك شبكة قديمة ووزارة الهاتف على علم بها، والجديد على هذا الصعيد ان وزير الهاتف (مروان حمادة) صار في موقع الخلاف مع حزب الله، وهو ما ادى الى كشفه عنها. اذاً، نحن مدعوون الى الوقوف الى جانب الوزير في معركته مع حزب الله، لا الى التأمل في خطورة ان يكون في امكان طرف سياسي وامني في لبنان القيام ببناء شبكة هاتف مستقلة. ثم جاء التلميح في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الى احتمال ان تكون شبكة الهاتف تلك قد وصلت الى وسط بيروت، حيث يعتصم مناصرو الحزب ويحتلون مساحات ويعطلون الحياة، وهو احتمال غير مستبعد على كل حال، لكن علينا هنا ايضاً التوقف عند حال العجز المخيفة التي تمنع سلطة وحكومة من منع احتمال كهذا في منطقة من المفترض ان تكون تحت رقابتها المحكمة.
ويساور كثيرين ممن لا تروقهم دولة حزب الله خوف من ان يكون سوق وقائع في غير صالحه، وقائع ترسم صورة دولته السرية، هدفه سجال داخلي لا يستبطن حرصاً على «السيادة» ولا خوفاً على «الوطن»، لا سيما وان وقائع مماثلة سيقت بهدف تعزيز مقولة «الهلال الشيعي» التي تصدعت بعد مرور قليل من الوقت على انطلاقها.
فالمشهد في المنطقة شديد التعقيد، واطلاق اوصاف مبسطة لا يخدم محاولة فهم طبيعة القوى فيها. وبناء تصور لدولة حزب الله بهدف سجال سياسي عابر، لن يصمد في وجه تبلور تسوية من الخارج، وعندها سيكمل حزب الله بناء شبكة هاتفه الخاصة من دون اعتراض الوزير، وسننتظر نحن اللبنانيين فرصة خلاف جديدة حتى نعرف ما يجري، من دون ان يعني ان ما عرفناه هو الحقيقة.
لا يهدف هذا الكلام الى استبعاد احتمال سعي حزب الله الى امتلاك قدرات دولة، مثلما لم يكن يهدف التشكيك بمقولة الهلال الشيعي الى نفي وجود مشروع ايراني في المنطقة. ثم ان حزب الله نفسه غير راغب في نفي احتمالات من هذا النوع، خصوصاً ان تداولها يعزز صورة قوته ونفوذه المبنية اصلاً على قدر كبير من الوقائع غير المؤكدة. انه دعوة الى اجتراح قناة جديدة للمعرفة ولوصول الأخبار عما يجري تحت اقدامنا!
(الحياة)
حزب الله… والوقائع غير المؤكدة
Dear Sir,
I do not think that Hizbullah will build up his own state or take over our Lebanese state, they know very well it is impossible, because from the Lebanese history, the recent at least, many other factions tried the same way and they failed, and Lebanon stayed as it always was, and all had gone. Hibullah should think of doing its own state in Israel because it is easier.
لماذا الوقائع غير مؤكدة؟ما من شك ان حزب الله العقائدي يتفق مع السياسي و يرغب في اسلمة كل لبنان اسلمة ثورية نتيجة ما يسمى بالرصيد ( الانتصاري) الذي حصل عليه من مقارعة اسرائيل- ليس وحده بالطبع – فكل المقاومات قامت بما عليها كل حسب امكانياته و مقدرته من خلال منطقة و منطق الحزب المهيمن مما ترتب على ذلك تجيير النتائج لصالحه. بعد تجميع ذلك الرصيد يرى الحزب ان من حقه ان يحكم لبنان حكما اسلاميا شيعيا ضاربا بعرض الحائط بكل مقومات اللعبة السياسية في لبنان التي تعتمد المحاصصة البغيضة ولكن الضرورية للاستمرار بدلا من اللجوء الى البنادق. المشكلة الحاصلة الآن… قراءة المزيد ..