احتشد حوالي 70 ألف ناشط اندونيسي، بدعوة من فرع حزب التحرير الإسلامي في اندونيسيا، يوم 12/8/2007 في ستاد “غيلورا بنغ كارنو” في العاصمة الاندونيسية جاكرتا لإحياء ذكرى سقوط الخلافة، وفق التقويم الهجري، والمشاركة في اعمال “المؤتمر الدولي للخلافة2007”.
وقد ألقى عدد من قيادات ورموز هذا الحزب في كل من بريطانيا واستراليا وفلسطين والسودان واليابان، بالإضافة إلى اندونيسيا، كلمات ركزت على: سبل التوسع في تطبيق الشريعة في اندونيسيا، وأهمية إعادة الخلافة الإسلامية إلى الوجود، والبيئة العالمية المواتية، في ظل وجود هجمة واضحة على الإسلام بوجه عام، وتكرار مظاهر معاداة الدين الإسلامي وإيذاء أتباعه على وجه الخصوص. كما اشتملت فعاليات المؤتمر على القيام باستعراضات صاخبة وإلقاء الشعر.
وكان الحزب قد عقد مؤتمرا دوليا مماثلا، وتحت نفس العنوان، في العاصمة البريطانية لندن يوم 4/8/2007 تناول فيه المتحدثون عددا من الموضوعات الرئيسية مثل : تحرير أراضي المسلمين من الاحتلال من خلال تأسيس الخلافة الإسلامية، واتحاد الأمة الإسلامية من خلال تأسيس دولة الخلافة، وتجديد منهج مواجهة التحديات السياسية، تشويه صورة دولة الخلافة الإسلامية من قبل الحكومات الغربية في ظل الحرب على الإرهاب..الخ.
وفي ضوء هذه الدعوات المتكررة لإقامة الخلافة الإسلامية، باعتبارها الحل والخلاص من كل المشكلات والأداة الأنجع لقهر الخصوم والأعداء في الداخل والخارج، التي ما انفك حزب التحرير الإسلامي ومحازبيه يروجون لها في العالمين العربي والإسلامي، يثور سؤال حول منطقية هذا الخيار ومدى قابليته للتحقق.
إن أول ما يلاحظه المراقب تزايد عدد المؤيدين لهذه الدعوة (للمقارنة فقد شارك 5 آلاف شخص في مؤتمر عقد في اندونيسيا تحت نفس العنوان عام 2000 بينما شارك في المؤتمر هذا العام حوالي 70 الف شخص) مع انها لم تقدم أية مؤشرات أو براهين نظرية وعملية على صحتها وواقعيتها.
ينطلق دعاة “دولة الخلافة” من فرضية رئيسة واستنتاج ذاتي. الفرضية تعتبر”دولة الخلافة” فرضا إسلاميا وترى فيها الأداة الأنجع لحل كل مشكلات المسلمين ووسيلة مضمونة للانتصار على الخصوم والأعداء.
وأول ما يمكن ملاحظته افتقار هذه الفرضية/المنطلق إلى سند صلب وواضح من النص الديني (القرآن الكريم والحديث الشريف)حيث لم ترد في النص لا صراحة ولا بشكل غير مباشر، إن لم نقل أن وقائع التاريخ في العهد النبوي والراشدي تشير إلى الضد من ذلك حيث توفي الرسول(عليه الصلاة والسلام) دون أن يحدد طريقة للحكم بعده أو يسمي رئيسا، إماما، وهذا ما أكده المسلمون وجسدوه في خلافهم في سقيفة بني ساعدة. إذ لو كانت القضية محسومة بالنص لما اختلفوا وتناقشوا وتفاضلوا قبل أن يتفقوا على مخرج اختيار شخص من أوائل المهاجرين، قرشي انتمى إلى الدين الإسلامي ودولة المدينة، أي فضل المواطنة في الدولة الوليدة على الانتماء القبلي. فدولة الخلافة تشكلت تاريخيا في سياق الرد على الضرورة الاجتماعية، التي يستدعيها النص الديني عبر تحديده لعلاقات ملزمة بين المسلمين الأفراد بعضهم ببعض وعلاقتهم بغير المسلمين وعلاقتهم بالحكام، كي تقوم بحفظ هذا النظام وإلزام الأفراد به وما يقتضيه ذلك من تشريع وإدارة وقضاء وتنفيذ وردع…الخ.وقد تم تشكيلها بالتوافق مع شروط وظروف العصر الذي تشكلت خلاله حيث كان نمط الدولة السائد آنذاك هو النمط الإمبراطوري.
لقد اخطأ دعاة “دولة الخلافة”عندما لم يميزوا بين ضرورة الإمامة، المرتبطة باحترام الضرورة الاجتماعية، الذي نادت به كل المذاهب الإسلامية (السنة، الخوارج، الشيعة، المعتزلة، المرجئة…الخ.) عبر النص على وجوب قيام “إمام” على رعاية شؤون المسلمين، وبين طبيعة الدولة وارتباطها بشروط وسمات العصر الذي تقوم فيه، حيث لا يمكن فصل الدولة عن العصر الذي تنشأ فيه. وقد ذكرت كتب التاريخ أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حاول وقف الفتوحات عند حدود معينة لكنه لم يستطع لان نمط الدولة السائد آنذاك لا يسمح بذلك. فنمط الدولة الإمبراطوري، والذي يقوم على “حق الفتح”، يستدعي الحرب والاستعداد للحرب للمحافظة على الذات والأرض. فلو بقي المسلمون في حدود دولة المدينة لما تركهم سكان الجزيرة العربية من غير المسلمين يعيشون بسلام، ولو بقوا في حدود جزيرة العرب لما وفرتهم الإمبراطورية الفارسية، أو الرومانية، التي تتصرف بموجب قانون الدولة الإمبراطورية: حق الفتح.
كان التمييز بين ضرورة “الإمامة” وطبيعة “الإمامة”، لو أخذه بعين الاعتبار دعاة قيام “دولة الخلافة”، حريا بوضع حد لهذه الدعوة غير المنطقية والتي لن تقود إلا إلى هدر الوقت والجهد والمال في سبيل هدف مستحيل لأنه يتناقض مع روح العصر ومع الدولة الحديثة حيث لم يعد للدولة الإمبراطورية وجود بعد أن قاد التطور السياسي والاجتماعي إلى إلغاء “حق الفتح”عام 1919 في عهد عصبة الأمم (كان “حق الفتح” قد ألغي في أوروبا قبل قرون من هذا التاريخ في معاهدة وستفاليا 1648لكنه بقي اتفاقا أوروبيا محضا) ما جعل الدولة الإمبراطورية بسماتها المعروفة: عدم ثبات حدود الدولة، لانها عرضة للتغير الدائم بحسب نتائج الحروب والغزوات، وعدم ثبات الشعب، لذات السبب، وعدم ثبات السيادة والولاء، غير شرعية ولا تمتلك فرصا للنهوض لأنها ستواجه من قبل دول العالم قاطبة وأمامنا أمثلة معاصرة الإمبراطورية السوفياتية المنهارة والأمريكية التي تلقى مقاومة دولية للحد من ممارساتها الإمبراطورية.
يعكس التطلع إلى عودة “دولة الخلافة” بين عموم المسلمين حنينا إلى ذكرى جميلة كانوا فيها سادة العالم من جهة وعجزا مضمرا عن الخروج من حالة انعدام الوزن والهوان في مواجهة الخصم الداخلي والعدو الخارجي دفعهم إلى التعلق بهدف مستحيل من جهة ثانية. أما تبنيها من قبل قوة سياسية فيعكس حالة انفصال حادة عن العصر وعجز منطقي وعملي في الفكر والتصور لن يقود إلا إلى الهزيمة والخسران.
ali.a1950@gmail.com
*كاتب سوري