نصير الأسعد
ينفّذ النظام السوري قراره بتفجير لبنان، بوتيرة سريعة جداً.
ففي غضون أربعين يوماً، أقدم هذا النظام على تنفيذ “باقة” من العمليات التخريبية الإرهابية، استباقاً لإقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن ومواجهة لهذه المحكمة بعد إقرارها.
“فتح الإسلام” والبارد والشمال
أطلق العنان لعصابة “فتح الإسلام” في مخيم نهر البارد والشمال. وكانت الخطّة في بداياتها تهدف إلى تحويل شمال لبنان إلى “إمارة” أو مجموعة “إمارات” خارجة عن الدولة من ناحية وإلى خلق فتنةٍ سنّية ـ سنّية من ناحية ثانية. ثم تحوّلت الخطّة باتجاه استهداف ضرب العمود الفقري للدولة، أي الجيش، ونحو فتنةٍ لبنانية ـ فلسطينية.
التفجيرات
بالتزامن، أطلق نظام الأسد العنان لشبكاته الاستخباراتية و”خلاياها النائمة”، كي تضرب عدداً من المناطق اللبنانية من “ألوان” مختلفة، فكانت تفجيرات الأشرفية وفردان وعاليه وذوق مصبح. وهدفت هذه “الخطّة” إلى ترويع المجتمع الأهلي، و”إفهامه” انّ كلفة المحكمة الدولية مرتفعة، وانّ كلفة التمسّك بالاستقلال باهظة.
“الكاتيوشا”
وفي توقيت متقارب، أوعز النظام السوري إلى مجموعاته من حملة السلاح المسمّى فلسطينياً خارج المخيمات، لتوجيه رسالةٍ إلى المجتمع الدولي، فكانت صواريخ “الكاتيوشا” باتجاه “كريات شمونة”. وهدفت الرسالة إلى تهديد قوّات الطوارئ الدولية، وإلى “توليع” إسرائيل، وإلى التلويح بإغراق الجنوب في “الفوضى”.
الاغتيال
وتأكيداً على حقده على الأكثرية اللبنانية، وعلى “تيار المستقبل” بنوع خاص، بما انّ دماء مؤسسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري أتت بالمحكمة، أقدم على إغتيال النائب الشهيد وليد عيدو ونجله ومرافقيه وعدد من المواطنين، بهدف القول للأكثرية وللبنانيين انّ المحكمة لا تزال أمامهم ولم تغدُ وراءهم بعد.
الفشل السابق والفشل اللاحق
من الواضح من خلال استعراض هذا “الشريط” انّ النظام السوري أراد أن يؤكد انّه قادر على التفجير، وعلى “تنويع” وسائله، وأنه “أعمى ما بيشوف وضرّاب سيوف”. بيد أنّ ما لا يخفى سياسياً، هو أنّ انتقال نظام الأسد إلى هذه المرحلة من التخريب الإرهابي “المباشر”، كان بنتيجة فشل حلفائه “السياسيين” في الداخل اللبناني في تحقيق أي من الأهداف السياسية المرسومة، بالرغم من مرور عدّة أشهر على انطلاق الانقلاب المرعيّ سورياً ـ وإيرانياً ـ ضدّ الدولة والنظام السياسي في لبنان.
هذه المرحلة من التخريب الإرهابي المنطلقة من فشل “الحلفاء السياسيين”، باءت هي نفسها بالفشل أيضاً. سقطت خطّة إقامة “الإمارات”. وسقطت الفتنة السنّية ـ السنّية. وسقطت الفتنة اللبنانية ـ الفلسطينية. وسقطت خطّة ترويع المجتمع الأهلي. كما سقطت الغاية من معاودة الاغتيالات. وفي المقابل نجح الجيش ونجحت الدولة وتماسك المجتمع الأهلي وتصلّب المجتمع السياسي المُستهدف أي حركة 14 آذار.
تعطيل المسعى العربي وعدم القدرة على “التثمير”
عند هذا الحدّ، جاءت مهمّة الوفد العربي، وجانب رئيسي منها ـ المهمّة ـ مساعدة لبنان على ضبط حدوده مع سوريا، باعتبار انّ هذه الحدود تشكّل معابر لخطّة التخريب الإرهابية السورية، أي انّ هذا الجانب يعني الطلب مباشرة من النظام السوري وقف تدخّله في لبنان.
ردّ نظام الأسد على مهمّة الوفد العربي، على خطّين متوازيين: إغلاق الحدود مع لبنان في البقاع الشرقي في موازاة التهديد بإغلاق كلّ الحدود ولم يبقَ مفتوحاً إلا معبر المصنع من ناحية وإحياء دور “الحلفاء السياسيين” ـ بعد أسابيع من الاتكال على عدّة الشغل المخابراتية ـ من أجل “التثمير” السياسي من ناحية أخرى.
كان نظام الأسد، من خلال خطّة الأربعين يوماً، “يحاول” أن يستدعي تفاوضاً عربياً ودولياً معه. فهو عندما يعلن انّه قادر على التفجير وعلى تنويع وسائله، انما يُعلن انّه القادر على إعادة الهدوء.. بشرطين: التفاوض معه، ومكافأته.
استطاع الحلفاء السياسيون للنظام السوري أن يفشّلوا مهمّة الوفد العربي. وصلت الرسالة إلى دول النظام العربي بأنّ نظام الأسد يقف وراء فشل المهمّة. لكنّ ذلك “شيء” واستدعاء النظام العربي إلى مفاوضات حول لبنان “شيء” آخر. ذلك انّ النظام العربي الذي يحترم الشرعية الدولية لا يمكن أن يتعاطى مع النظام السوري من خارج القرارات الدولية المتعلّقة بلبنان في هذه الحالة، وهو نفسُه يقوم أصلاً على “مبدأ” العلاقات المتساوية بين دوله.
الإعتداء على الطوارئ: المرحلة الثالثة و”جنوباً دُر”
أول من أمس، إنتقل النظام السوري الى مرحلة “ثالثة”، أخذاً في الاعتبار أن الانقلاب بواسطة الحلفاء السياسيين شكّل المرحلة “الأولى”، وأن استخدام “عدّة الشغل” المخابراتية “الخاصة” شكّل المرحلة “الثانية”.
في هذه المرحلة “الثالثة”، أقدَم نظام الأسد على “مواجهة” قوات الطوارئ مباشرةً، وعلى قتل ستّة جنود من الكتيبة الإسبانية العاملة في إطار “اليونيفيل”.
بدايةً، لا مفرّ من القول أن “التُهمة” بتفجير قافلةٍ لـ”اليونيفيل” موجّهة الى النظام السوري، أياً تكن الأداة المنفّذة. صحيحٌ أن اللبنانيين سمعوا خلال الشهور المنصرمة أن ثمة جماعات لـ”القاعدة” في لبنان، وأن بعضَ تواجدها في الجنوب. وصحيحٌ أن اللبنانيين سمعوا “الداعية السوري” فتحي يكن يعلنُ خلال أحداث مخيّم نهر البارد أن “الملف” في المخيم لم يعد في يد “فتح الإسلام” وقد انتقل الى ما سمّاه “التنظيم الدولي للقاعدة”. وكان اللبنانيون سمعوا من “الداعية” ما غيره في الصيف الماضي وأثناء العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، إشادةً بـ”الرجل الثاني” في “القاعدة” أيمن الظواهري على خلفيّة أن هذا الأخير دعا الى مواجهة العدو الإسرائيلي، فما كان من يكن إلاّ أن امتدح “التوجه الجديد” وطالب بترجمته عملياً. غير أن الصحيح أيضاً، الى جانب هذا وذاك من المواقف، أن اللبنانيين سمعوا أبواقاً سورية تهدّد طوال الفترة السابقة بأن “اليونيفيل” ستكون “الضحيّة”، تارةً عبر التحريض عليها تحت عنوان أنها تخرُج عن مهمّتها، وتارةً أخرى عبرَ التحريض على دور مزعوم لها تسليحاً للأكثرية أو لفرقاء منها.. وتارةً ثالثة تهديداً لـ”الطوارئ” من أي دور على الحدود اللبنانية ـ السورية.
وعلى هذا الأساس، سواء أكانت الأداةُ المنفّذة للاعتداء على الدوريّة الإسبانية “تشكيلاً قاعدياً” أو مجموعةً تحمل سلاحاً مسمّى “فلسطينياً”، فإن الفاعِل هو النظام السوري نفسه الذي حشد في لبنان كل هذه “المنوّعات”.
الأسد يتوهّم تفاوضاً دولياً معه “على” لبنان
في ضوء ذلك، لا بد من القول أن نظام الأسد الذي “لاحظ” أن “رسالة الكاتيوشا” لم تصِل سياسياً الى حيث يجب، وأن تعطيل مهمة الوفد العربي لم يأتِ بالنتيجة التي ينتظرها، أي فرض التفاوض معه “على” لبنان، أراد بتفجير الدوريّة الإسبانية توجيه رسالةٍ دمويّة مدوّية بأنه قادرٌ على “فتح” الجبهة الجنوبية بتفجيرها، وهي رسالةٌ يريد من خلالِها استدراج مفاوضات دولية معه “على” لبنان أيضاً، وبشأن حماية الأمن الدولي بما أنه قادر ـ بحسب اعتقاده ـ على تعطيله.
إذاً، باستهداف جنود الكتيبة الإسبانية أول من أمس، يعلن النظام السوري المرحلة “الثالثة” حرباً على “اليونيفيل” وعلى القرار 1701.
بيدَ أن خطّة “جنوباً دُر” لن يكون مصيرُها “أفضل” من مصير الخطط الأخرى السابقة. فهو هنا، أي في الجنوب، يلعبُ “لعبة عراقية” في وضع لا يشبه الوضع العراقي، علماً أنه مطالبٌ في العراق بالكفّ عن دعم الإرهاب. فالقوات الدولية في الجنوب اللبناني ليست قوات إحتلال، وتحظى بـ”تكليف” دولي إجماعي بموجب القرار 1701، وتؤدّي دوراً مرحّباً به من الشعب اللبناني، في الجنوب على وجه الخصوص.
.. لكنه يستدرج الضربة في المرحلة الرابعة
وأغلب الظنّ أن اعتداء النظام السوري على قوات الطوارئ الدولية، بقدر ما يشير الى نيّته لعب لعبة التصعيد في الجنوب، فهو سببٌ كاف لموقف دولي متصاعد. فقد بدأ تحرّك الأمم المتحدة للنظر في كيفية تعزيز قدرة “اليونيفيل” على تطبيق القرار 1701، ومن المرجح أن يصدر عن مجلس الأمن، في هذا السياق، قرارٌ جديد “إضافي”.
على أن “الأهم” هو أن نظام الأسد، باعتدائه على “الطوارئ”، يستدرج رداً، ولعلّه يستدرج ضربةً، يحسب أنها سوف “تغطّي” على ما عداها في حال حصولها، أي أنه ـ بواسطتها ـ يستطيع “قلب الطاولة”: فبِما أن “رسالة التفجير” بالجنود الإسبان لم تصل كما يبتغي، فلتكن “مواجهة” ما تؤدي الى “قلب الطاولة” وإلى بحث معه!
“قبل الأخيرة”
وبالعودة الى نقطة الانطلاق حول الوتيرة السريعة جداً التي تحكُم تنفيذ النظام السوري قراره تفجير لبنان، يمكن ـ ويجب ـ تسجيل عدد من الاستنتاجات الرئيسية.
تشير الوتيرة السريعة أولاً إلى انّ نظام الأسد على عجلةٍ من أمره، وانّه يسابق الزمن.
وتشير ثانياً إلى انّه يستخدم “دفعة واحدة” مجموعة من “البدائل” الإرهابية.
وتفيدُ ثالثاً انّ السرعة المبنية على فشل “الحلفاء السياسيين” في مرحلة سابقة، هي نفسُها فاشلة.
وتؤكد رابعاً انّ النظام في دمشق يتصرّف وكأن “ما بعد” هذه المرحلة “الثالثة”، سيكون لـ”الحديث” معه عربياً ودولياً.
بيد انّ ما لا بدّ من قوله خامساً، هو انّ النظام السوري “يقفُ” على أعتاب المرحلة “الرابعة” والأخيرة. ففي السياسة، لن يستطيع استدراج عروض، وهو يجازف بـ”ضربة” لم يعُد المجتمع الدولي بحاجة إلى ذريعة لها. وبكلام آخر، تبدو المرحلة “الثالثة” الحالية كأنها المرحلة “قبل الأخيرة” في صراعه مع الزمن.
“حزب الله”
…وتبقى كلمة موجّهة إلى “حزب الله”. فبالرغم من مسارعته إلى إدانة الاعتداء على “اليونيفيل”، فإنّ الأسئلة كثيرة: هل تكفي الإدانة لـ”ضمان” عدم رضى الحزب وتأكيده؟ وهل يؤسّس التخريب في الجنوب أيّاً تكن أداته التنفيذية لـ”سياسة” مختلفة ونهج مختلف؟ وهل “يستدرك” مواقفه حول “الخطوط الحمر” في وجه الجيش، والتي شكّلت “المناخ” للاعتداءات المتمادية على الجيش.. و”اليونيفيل”، أو “استُغلّت” لذلك؟ وماذا يستفيد “حزب الله” من الصمت عن “لعبة القاعدة” التي يمارسُها النظام السوري؟.
المستقبل
يستخدم عدّة الشغل “الخاصة” بوتيرة سريعة ودفعة واحدة.. وينفّذ الآن خطّة “جنوباً دُر” القاتلة
Passionnant thriller !
Si les Syriens sont si puissants dans les affaires Libanaises, il ne reste qu’à faire appel à eux pour remettre un peu d’ordre.