• تتنافر (الثقافة) :كـ(خاصية وطاقة انسانية لانتاج المعرفة ،وادراكها الفطن والمثمر، وتجسيد تلك المعرف في منجزات حضارية مادية وفكرية وروحية).. مع الارهاب كـ(مصدر للخوف، ومفاقم له، ومنتج للفناء، وكاتم لمنافذ المعرفة).
• مثلما يتعارض (المثقف) كمنتج مبدع حر للمعرفة المادية والنظرية والروحية البناءة،وكطاقة ابداع حضارية في مجرى التطور التاريخي المتصاعد للامم والشعوب.. مع الارهابي كقوة هدم وتخريب للانتاج المادي والروحي المعرفي ، وارباك او تعطيل او تشويه لحركة النمو التاريخي للمجتمعات.
• فالثقافة – بمفهومها التنموي المجتمعي الواسع – نتاج انساني منفتح الرؤى والمديات ، يحقق غاياته وانجازاته البناءة في البيئة المتحررة من الخوف والتعسف والاستبداد والتمييز..والخالية من التطرف والتخلف..
• والارهاب ظاهرة تدميرية منغلقة ، احادية النظرة، وتمييزية متطرفة ودموية تشيع الخوف وتبدد الامل بالمستقبل بعد ان تهدد الاطمئنان بالحاضر، وتروج لابادة التنوع الحضاري الروحي والثقافي والمادي..
من هنا يأتي السؤال( هل من الممكن ان يكون المثقف ارهابيا؟) ويأتي الجواب عليه بالنفي..على اساس مبدئي..اذا نجحنا في الفصل بين النتاجات الابداعية لبعض المثقفين وبين مواقفهم الاجتماعية الممالئة للتعسف.
(ثقافة) الارهاب كاحد مكونات الثقافة العامة في مجتمعنا
لكن (الارهاب) كطاقة، وتنظيم، واساليب، وجذور، وامكانيات، وغايات ، لم ينشأ من الفراغ او (يأتي من الخارج فحسب ) كما يحاول بعض السياسيين تصوير ذلك – رغم وجود مثل هذا التسرب والتكامل بين ارهابيي الداخل وارهابيي الخارج _ ( لان الوقوع بالوهم القائل: ان تسلل الارهاب الينا من الخارج هو المسؤول عن مايجري في العراق ، سيؤدي الى استنتاج مضلل يقول.. ان اقفال الحدود سينهي طوفان الموت ويوقف دوامة الخراب!) ، لكن الباحث الموضوعي سيجد في ثقافتنا المجتمعية العامة بؤرا تعد بيئة خاملة للارهاب كامنة في مفاصل ومكونات ثقافتنا ونمط حياتنا وعاداتنا المجتمعية..- ومادتها وذخيرتها هي “التخلف والتطرف”، ومحفزها “التعسف”، ووقودها – الناس والحجارة – ، مثلما هي الفطريات الخاملة التي تنتظر من يثيرها لتنتشر وتتفاقم بسرعة، وبآلية وسرعة تذهل المراقب الغافل عن الحركة الذاتية للظاهرة،فالارهاب ينمو عندما يجد بيئة جاهلة منغلقة ، ويتفاقم كفعل تعسفي تدميري ووحشي يغدر باهداف بشرية ومادية وروحية مجردة من القدرة على الدفاع عن نفسها، بمواجهة طغيانه المفرط بالقسوة، وعاجزة عن التملص من وسائله الوحشية واساليبه العدمية المباغتة ..وتشكل تلك الممارسات الارهابية صفحات نازفة ومخزية في تاريخنا السياسي والمجتمعي.
فخلال نصف القرن الماضي على سبيل المثال:
• نشأت اجهزة وتنظيمات وشلل ومنظمات حكومية وشبه حكومية وحزبية مدججة بالسلاح والكراهية، ومتمرسة على اساليب وادوات الفتك والموت..
• ومارست اشكالا بشعة من الارهاب الذي استهدف افرادا وجماعات ومدن ومكونات اجتماعية،( فابيد آلاف العراقيين بالغازات السامة وانتشرت المقابر الجماعية السرية على امتداد خارطة الوطن، وحرقت آلاف القرى المسالمة، وغيب مئات الاف الاشخاص من العوائل البريئة في السجون والمعتقلات والمنافي، وشرد الملايين الى ديار الغربة الجليدية والاستوائية).. وحدث هذا امام انظارنا جميعا كمجتمع وكافراد.
• وظهر بيننا من يسوغ تلك الجرائم ( قانونيا، ونظريا، وامنيا، وفكريا، ودينيا، واجتماعيا) ..بل وطفحت الى سطح الثقافة نصوص تمجد الارهاب وتجذره كـ- تعبير عن امجاد الامة !_.
• وصارت تلك الممارسات الارهابية اليومية لاتثير سوى الفزع في نفوس ملايين (المتفرجين) من عامة الشعب على الضحايا من اهلهم .
• مما خلق مزاجا عاما اذعانيا تراكميا لاجتراع الاعمال الإفنائية بصمت مرير.
• بل ان المجتمع صار يخشى .. في كل (محلة او دربونة) – وربما في كل بيت – ارهابيا يثير ذكر اسمه الذعر في نفوس الناس، ويسبب تداعيات رهيبة لحياتهم ..تبدأ بترحيل الابناء والاسرة وتهريبهم الى المنافي، ومرورا بالتهديد بقطع لقمة العيش، وتهديم وحرق المنازل، والقتل امام انظار المارة في الشوارع وسحل الجثث..الى اطلاق الرصاص على الفتيان في الساحات العامة ومطالبة الاهل بدفع ثمن رصاصة الغدر.
(ان مشاهد، واسماء، واحداث، وتواريخ، ومواقع تحضرني وتحاصرني ..وانا اكتب النص).
ارهاب الاخوة للاخوة والحلفاء للحلفاء
• تختزن المقابر العراقية – العلنية والسرية – (الى جانب المقابر التي ملئت بها الكتاتورية ارض الوطن) عشرات الالاف من ضحايا إرهاب الحلفاء والاخوة بعضهم لبعض،في فترات متعددة ومتنافرة ودموية من حياتنا السياسية خلال نصف القرن الاخير.( وبينهم اصدقاء لنا ..وطنيون شرفاء قتلوا غدرا برصاص اخوتهم او من كانوا او اصبحوا حلفائهم!).
• واليوم بامكان المتابع ان يقرأ ويسمع بوضوح جلي انعكاس ذلك التراث (المتخلف والمتطرف) في الخطاب الاعلامي والسياسي للعديد من القوى السياسية – المعارضة والمشاركة في الحكم .. كتعبير عن(مفردات الارهاب ، واساليبه، ومنهجه،ونواياه،ووعيده..).. كلما اختلفوا على امر فيما بينهم.
• ويكاد المرء يعجز عن تمييز ( لغة الوعيد الملغومة بالكراهية والقطيعة والاقصاء والتخندق) التي يطلقها الشركاء المختلفون بعضهم على بعض عن لغة التكفيرين ومحاضنيهم،ضد هؤلاء الشركاء بالحكم.
• لاشك ان تراكم اساليب ووسائل التعسف والارهاب والقمع والابادة التي مارسها النظام السابق ، على مدى عقود من السنين ضد معارضيه ، قد خلق بيئة سياسية تتسم بالعنف والتطرف والقسوة الدموية لم تسلم منها مناهج وسياسات واساليب ورؤى العديد من الجماعات السياسية المعارضة له.
• مثلما لم تسلم ايضا تلك الاحزاب والحركات من – وباء عبادة الفرد- ( المعبر الايديولوجي عن ثقافة الارهاب وممارساته ) والتي تفشت حال سقوط الصنم (بدبابة الغزاة ) من خلال ظهور طوابير من الاصنام الصغيرة والكبيرة ، في كل بقاع الوطن ، وكأن الانسان العراقي عاجز عن التطلع لـ(العقل) كمنقذ له ولوطنه ، فاستعان بالاصنام،لوئد دموية الارهابيين وبشاعة المحتلين.
..مثقفو السلطة او – مروجو ثقافة الاذعان-!
• يشكل مثقفوا السلطات المستبدة البيئة الاجتماعية التي تنتج فئة – مروجي ثقافة الارهاب -.
• لان ثقافة السلطة المستبدة تفقئ في اولى خطواتها وميض الحرية في روح المتعامل معها من العاملين في الشان الثقافي، وتكرس عبادة – الحاكم الاوحد- ، وتشيع مفردات التقديس والتعظيم والتبجيل لولي النعمة، وتطلق الالقاب الفريدة على – معبود الامة – كالشجاعة والحكمة، والذكاء المفرط، والفصاحة، والاصالة، والحنكة، والسخاء، والتسامح، والرحمة، والتواضع…(تلك الخصال الفريدة التاريخية والاسطورية والسماوية!التي نجدها قد تكاثرت وامتدت لتطلق على العديد من سياسيي هذه الايام في بلادنا..واضيفت لهم مناقب نادرة فريدة).
• ومثل هذه الاوبئة تتفشى بسرعة مذهلة – بشكل خاص – بين العاملين في ادارات صناعة ثقافة التسلط.
• رغم انها تجد – احيانا – عند البعض منهم – ممن جرفهم التيار الى مجرى السيل – الاستهزاء والاستخفاف ( الى جانب الخوف من المجهول).
• مثلما تجد عند البعض الاخر – المستورد من بيئة (التخلف والتطرف) الى حاضرة الثقافة – فرصة نادرة وبيئة منتجة للتعسف وقمع ثقافة الاخر، وكم الافواه والعقول.
• فتتدرن فئة من هؤلاء العابثين بالوسط الثقافي عن مجموعة – من مروجي ثقافة التسلط – تتسم بالتطرف والتعجرف والتخلف والعدوانية ، ومسلحة بالتضليل والرصاص.
• فتفرض على الثقافة والمثقفين نمطا ساماً من المفاهيم، وكَمّا كاربونيا من المفردات ،وشكلا عقيماً من النتاجات،واسلوباً مريباً من العلاقات،وشكلاً عدوانياً من المنظمات،وطابعاً فاسداً من الادارات.
• فتسقط هيبة الثقافة..ويتمرغ اسم المثقف بالذل في عيون المجتمع، وتتراجع مكانة المثقفين الى (جوقة في – فيالق السلطة القمعية –، او زمرة منبوذة تنتج وسائل التخريب والدمار)..
• وينكفئ – آنذاك – عدد غير قليل من المثقفين داخل الوطن الى العزلة خوف التلوث بادران السلطة..
• ويتردى آخرون الى عتمة الاحباط واليأس..
• ويتلاشى غيرهم في المجهول حتى لم نعد نسمع باخبار موتهم..
• ويتناثر غيرهم في مجاهل الغربة ..
ووسط هذا الصراع المضطرم في جسد الثقافة والمثقفين ،يشكل المتعصبون والمتطرفون ( الدينيون والعرقيون والطائفيون والحزبيون والعقائديون)..الذخيرة التي تغذي الارهاب بـ – مروجي ثقافة الارهاب ومسوغيها -، على امتداد التاريخ ، ومنه تاريخنا المعاصر ، وايامنا المضرجة بالدم والظلام..هذه!.
ثقافة الارهاب كاحد مكونات ثقافة بعض القوى السياسية
• ان فرض بعض القوى السياسية رؤيتها واهدافها ومناهجها وبرامجها ومصالحها – بالتعسف، والعنف، والقسوة، والتهديد، والوعيد ..على الاخرين من القوى السياسية والمجتمعية المختلفة معهم بـ:الرؤية والاهداف والبرامج والمصالح هو الشكل الفاقع للارهاب السياسي الذي يمهد للارهاب الدموي.
• لقد مارس نظام البعث منذ عام 1963 اشكالا معقدة ومتداخلة ومتواترة من التعسف بحق الثقافة والمثقفين مثلما مارسها بحق جميع فئات المجتمع الاخرى.
• فالثقاقة وضعت كخصم لدود عندما تسلطت اجهزة القمع ومنذ البداية على مصالح وعقول ونوايا ومقدرات ونشاطات الفرد والمجتمع..
• وتحول التفكير المتنوع والمختلف معهم– كنشاط طبيعي للانسان – مصدرا لقلق السلطة وارتيابها وشكها بولاء – الشخص المفكر – لها..
• فسعت ومنذ اشهرها الاولى وحتى ساعة سقوطها ..الى عزل المثقفين واستقدام – مروجي ثقافة الاذعان – بديلا عنهم..
• ولم يسلم من هذا الاقصاء حتى (مثقفين) من اعضاء الحزب الحاكم الذين لم يبلو – بلاءا حسنا ؟!- في تنفيذ برنامج قبر الثقافة،وتصفية المثقفين..
• وحل (رجال الترهيب) مكان (رجال الثقافة) في عيون المجتمع، وصار المثقف العقائدي( على اختلاف اختصاصاته ) متمنطقا بسلاحه وبزته الحربية رمزا لثقافة الارهاب السلطوي الرسمي.
ان اي متصفح لتاريخ حركاتنا السياسية – الحاكمة والمعارضة – خلال نصف القرن الاخير سيحتاج الى مراجعة متأنية للاحداث المتواترة والصراعات الدموية، والاساليب الوحشية، والوسائل المتعسفة، والذرائع المهلهلة، والنتائج التدميرية، لكي يصنف ثقافة تلك القوى – السياسية – كجزء من الثقافة الوطنية من جهة، وكمصدر من مصادر تاجيج الصراعات المتطرفة من جهة اخرى..
• فثقافة القوى السياسية المتسلطة ذات القدرة المدوية – بخلاف ثقافة المجتمع المقموعة – استطاعت ان تؤدلج ميول المجتمع الطبيعية نحو التنمية الحرة والمثمرة للفرد والمجتمع ماديا وثقافيا وروحيا ، وتحجمها وتقبرها في توابيت العقائد الحجرية، وتخضعها للشعارات الفضفاضة والمتشنجة، تلك الشعارات التي صيغت وفق الارادات الحزبية القصيرة النظر والضيقة الافق، والمنكفئة على المشاريع الظرفية والجزئية..
• مما عطل طاقات ابداعية لدى مثقفي ومتلقي ثقافة تلك القوى السياسية ( وهم جزء من مثقفي الوطن ) بفعل المكابح التي تكبلهم – عقائديا – لكي تجعل النتاج الثقافي _ المتحرر بفعل قوانينه الداخلية – متطابقا مع البرنامج السياسي المحجم بفعل المصالح الحركية او الحزبية والمؤطر بالاهداف المرحلية لذلك الحزب او تلك الحركة ، حيث يختزل البعض من تلك الحركات – المنتج الثقافي – عادة ..بتمجيد القائد وتعظيم الحركة..والتغني بسيرة الموتى.
( دون ان نغفل الدور الكبير الذي ادته رؤية وتوجهات قوى سياسية في تفجير طاقات ابداعية لدى اجيال من المثقفين).
التراكمات الثقافية المادية لمهارات الفعل الارهابي
ان العمل الارهابي يظهر كفعل مادي اجرامي منظم وفعال الاداء، وتتوفر فيه درجات عالية من المهارة الميدانية، والاستخدام المتقن للامكانيات الاستخبارية والعسكرية والتنظيمية، والقدرات الفردية..
• مما يستدعي ادراك ان احد اهم عوامل تشكل ونمو وادامة نشاط العمل الارهابي هو وجود – ثقافة مهارات القسوة – وحواضن ومغذيات مدربة عسكريا ومجهزة بالسلاح –الفردي – في المرحلة الاولى (على الاقل)..
• ومحتقنه بكراهية عقائدية مجافية لمنطق – التساؤلات العقلانية والحوار مع الاخر ..بل تكفيره واستباحة دمه- ..
• وهذه – البيئة المُعَسْكَرة والمتشنجة والممارسة للعنف المفرط ، تراكمت لديها خبرة البطش بالآخر خلال عقود من الزمن وترسبت في ثقافات ومهارات وسلوكيات الافراد والجماعات ،وخاصة في سنوات الحروب المتعاقبة_ وشكلت لاحقا القوة الاجتماعية الحاضنة والمفرخة للمتطرفين المدربين والمتمرسين ، الذين يعيثون فسادا بوطننا وهدرا بدمائنا.
الجذور التاريخية لارهاب المخالفين بالراي
ويشكل تيار الدم النازف من اعناق المعارضين للسلطات المستبدة..الممتد في مجرى تاريخنا ، كـ(احد مفردات الفروسية والشجاعة – من وجهة نظر مؤرخي سلطات التعسف – ضد المعارضين، واصحاب الراي الاخر، ودعاة ثقافة التعدد والتنوع) ويعد هذا التاريخ الاسود ..احد المرجعيات المعرفية العقائدية لثقافة الارهاب، فالبطش بالخصوم، وسلبهم، وحرق قراهم ومدنهم، وسبي نسائهم واغتنام ممتلكاتهم ..تلك مناقب يتغنى بها المتعسفون في ايامنا هذه ، وينبري مروجو (ثقافة) التطرف والتخلف لتلميع تلك الافعال المشينة.
المثقف العراقي ضحية لارهاب متعدد الاطراف ومتنوع الاساليب
ان اكثر مايهدد اركان الاستبداد هو تنامي الوعي في المجتمع، واكثر القوى الاجتماعية خطرا على تلك الانظمة هم ( المثقفون المنبثقون من ضمير شعوبهم والمعبرين عن تطلعاتها ورؤيتها ومصالحها واحلامها) لهذا فان :
• الانسان المدرك لنفسه كمبدع حر بَنّاء ..
• والواعي لقوانين محيطه الفاسد الذي يكتم انفاسه..
• والقادر على التعبير عن هذا الادراك..
• والمتمكن من ايصال رؤيته وافكاره ونتاجاته للاخرين ..
• والمبتلى بالبحث الدؤوب عن الحقائق ..
• والنابذ الشجاع للاوهام ..
• والعاشق المتيم للحرية..
فان (مثقف) كهذا.. لاشك سيصطدم ..
• بمن يقصي العقل عن مخاض الحياة..
• وسيشتبك مع من يستعين بالظلام على الكلمة المضيئة..
• وسيتنافر مع يقحم الحاضر في الكهوف السحيقة..
• وسيثور بوجه من يغتال وميض المستقبل بنصوص الماضي القمعية..
• وسيفضح زيف ادعاءات المحتلين..
• وسيبدد الغبار عن نوايا الطامعين الدوليين والاقليميين..
• وسيلقي الضوء على –بروتوكولات صهيون – النافثة هذه الايام من الاقبية السرية المتدفقة دماء على الارصفة وظلاما في الافق ..
ولهذا فان المثقف العراقي – اليوم كما الامس – قد وجد نفسه ضحية وهدفا سهلا لسيوف القتلة المتجولين من كل الاصناف والفئات والاجناس والنوايا..
• وتتسع قائمة المثقفين – من كل المنابع الفكرية – الذين يختطفون وتلقى
جثثهم في الطرقات..حتى صاروا يندبون ضحاياهم المغدورين والذين يعدون بعشرات الالاف..
• ويشارك في حملات غدر المثقفين العراقيين اطراف عديدة لديهم احقاد متراكمة ولهم مصالح مختلفة في اسكات صوت المثقفين العراقيين وتعطيل عقولهم ووئد ابداعهم ودثر نتاجاتهم..
• فالمثقفون الملقاة جثثهم في طرقات الوطن الذبيح هم:
ضحايا الارهابيين التكفيريين..
وضحايا بقايا الاجهزة القمعية للنظام السابق..
وضحايا المحتلين المتوحشين..
وضحايا الميليشيات الطائفية..
وضحايا عصايات الجريمة المنظمة.
وضحايا عصابات اجهزة الاستخبارات الدولية والصهيونية والاقليمية المعشعشة في جسد الوطن.
ان التصفية الجسدية ليست هي الشكل الوحيد لارهاب المثقفين العراقيين، حيث يتعرض المثقفون – اضافة للتصفية الجسدية على ايدي تلك القوى المتطرفة والمنفلتة المذكورة اعلاه – الى اصناف متعددة من الارهاب :
• فالمثقف المستقل والمنتمي الى رؤية وتطلعات ومصالح ملايين العراقيين الصامتين يعاني من اختناق صوته في قرارة روحه، ويحرم من ايصال رأيه او نتاجه او افكاره الى اهله (الصامتين) داخل الوطن وخارجه واصدقاء شعبه خارج الوطن ..لانه ، لايحمل – صك غفران- يدخله الى ابواب وسائل الاعلام المملوكة لدافعي الهبات الدوليين، او الاقليميين، او للاحزاب والحركات الحاكمة او المعارضة لها..حتى ان الاعلام العقائدي ضيق مديات الفكر والرؤية لحاضر الوطن ومستقبله في وجه المثقف المستقل.. وحددهما بطريقين لاثالث لها ( اما يكون المثقف مع الارهابيين او مع المحتلين!).
• وفي بلد تعرض للتخريب المنهجي المنظم على مدى عقود، وزج بحروب عبثية تدميرية، وقبر في حصار افنائي لاكثر من عشر سنوات، وخنق معرفيا وثقافيا على مدى مايقرب من اربعة عقود، فان هذا المثقف الذي نجا من الخراب والتعفن والتبدد والاستهلاك، وصمد كقوة ابداع بناءة ، يجد نفسه محاصرا في العديد من الدوائر الحكومية ويتعرض لارهاب فكري يتمثل في فرض ارادة (الشعارات الفضفاضة غير المنتجة) على ارادة (البناء العقلاني التنموي) في جميع فروع المعرفة الانتاجية والبناء المادي للبنية الاساسية وخاصة تلك التي تلبي احتياجات الناس الاساسية. فالمثقف القادر والمدرك والماهرفي توظيف ادوات انتشال الوطن من الخراب يقف بمواجهة ميول ادارية ومالية فاسدة وغير تنموية وتعسفية تحرم الوطن من طاقته وتحرمه من التعبير عن انتماءه للوطن بانتاج يوقف التدهور ، ويعبد الدرب للبناء..لانه ينبذ خلف كواليس اتخاذ القرار التنفيذي..في حين يتربع على طاولة القرار التخطيطي والتنفيذي الاداري اشخاص لاتنطبق عليهم خصال – البناء والاعمار والتنمية – لان تلك المواقع اغتنموها نتيجة تفشي وباء المحاصصة ، وإقصاء مبدأ – وضع المواطن الكفء المناسب في المكان الذي يستطيع فيه ان يعمر الوطن بابداع- ).
• وفي المجتمعات المحلية التي انكفأت نتيجة تراكم وتتالي الخيبات والاحباط واليأس الى الاشكال المتدنية من العلاقات الاجتماعية ، نبذت تلك المجتمعات المثقف ككينونة انسانية لصالح طغيان حجم الانماط القبلية والعرقية والطائفية المتورمة والصاخبة في المجتمع.. وطفح – مروجو الشعارات المجوفة والحادة الزوايا- وتدافعوا لاشغال ذلك الحيز التاريخي الذي ينبغي ان يشغله (الانسان – المثقف – المنتج الواعي المنتمي لشعبه..بصفته مواطن كامل الحقوق في وطن كامل السيادة وليست أية صفات اخرى).
ارهاب الثقافة السلطوية للمثقف المتحرر
• لكل سلطة (ثقافتها التسلطية) الشائكة والمتورمة..وتنفتح تلك الـ(ثقافة) او تنغلق على ثقافة المجتمع تبعا للطبيعة الاجتماعية الاقتصادية (المصالحية) لتلك السلطة ، ومدى قربها او بعدها عن مصالح وتطلعات واحلام وثقافة القوى الاجتماعية الواسعة من المجتمع.لكن السلطة – اية سلطة – لابد ان تميل بفعل طبيعتها (التسلطية) الى فرض هيمنتها على ثقافة المجتمع وجرفها بانحراف تحدده طاقتها التعسفية، ومدى هشاشة ثقافة المجتمع الوطنية وضعف مناعة مثقفيه ضد اوبئة الاذعان والتشرذم.
• وفي تجربتنا العراقية –الفريدة- حيث السلطة هشة وثقافة المجتمع منكفئة والمثقفون متشرذمون ، فان مفهوم (السلطة) لاينطبق على قدرة السلطة – الفعلية – على التاثير الا عندما تتطابق مع الميل الارتدادي المتدني الذي يجرف صروح الثقافة لتستوي مع رموس المعارف القبلية للمجتمعات البدائية ، حيث يحل الدجل والشعوذة محل البحث العلمي والاستقراء المنطقي للظواهر، وتحل النظرة الضيقة الافق محل الرؤية المتسعة المديات.
• من هنا يصطدم المثقفون بالسلطة – ذات الثقافة البدائية – كلما أعاقت تيار وعيهم، او اقتربوا من مباخر طقوسها السحرية وحاولوا فك طلاسمها الاقصائية.
• لكن السلطة – اليوم في العراق – ليست كيانا متماسكا منسجما كما –اسلفنا- بل هي نسيج متنوع ومتناقض مع نفسه غالبا، مما يتيح امكانية التعايش مع جزء منها والتنافر مع اجزاء منها ، لان ذلك الجزء هو جسد المثقفين الكامن في منظومة اية سلطة.
وفي هذه المرحلة من تاريخنا العراقي ليست هناك سلطة واحدة لها ثقافة واحدة بالمعنى السائد في البلدان الاخرى ، لان من مصائب الاحتلال ومنافع سقوط الدكتاتورية هو:
تفكك ثقافة الدولة المستبدة وانسحاب معظم (مثقفيها) عن بريق الاضواء– الى حين – وتزلزل العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع، وتفاقم الحراك الشائك احيانا والمثمر احيانا اخرى، مع الاشارة الى ان الميل العام لذلك الحراك هو:
• نهوض ثقافات عميقة الجذور كانت مقموعة على مدى عقود من الزمن..
• وتَشَكُلْ انماط جديدة من الثقافات المحلية المتنورة في قرارة ثقافة المجتمعات القروية..
• وتبلور تيارات وعي ثقافي – وخاصة بين المثقفين الشباب – بعيدة عن الفكر الشمولي المتوارث من انظمة الاستبداد على مر التاريخ ،وبعيدا عن – الفوضى الهدامة! – التي جاء بها المحتلون.
• ظهور اشكال مختلفة ومتنافرة من – مروجي ثقافة التسلط – تعبيرا عن القوى السياسية والطائفية المتنافرة والساعية الى التسلط التي يمثلونها، وهم جميعا – رغم تشاتمهم – يصطفون كجدار من الدخان الاسود في وجه المثقف الساعي الى تحرير الانسان والوطن من عبودية :الارهاب والاحتلال والتطرف والقحط .
• لهذا فان المرحلة الدموية والشائكة والمريبة من تاريخنا جعلت المثقف العراقي هدفا سهلا ورخيصا للقتل، والاقصاء، والتحجيم، والتشريد، والتهجير الى فيافي الغربة مخلفين ورائهم وطنا يسفك دما بدل الدموع عليهم ويتحسر حاجة لعقولهم الحريصة على حماية وطنهم واعادة بناءه ، وصاروا ضحية مكشوفة الجوانب الاربعة ازاء الغادرين القادمين من الكهوف المغبرة ، والصحارى العاوية، وعبر المحيطات المريبة ، ومن دهاليز الاخوة الاعداء المحتقنة بالكراهية المتواترة عبر القرون ،والنوايا الشريرة للجيران الالداء.
• ففي كل ساعة يسقط المثقفون شهداء جراء وعيهم بحقيقة مايدبر لوطنهم وشعبهم ، وثمنا لتجرؤهم على اقتحام طوفان التساؤلات الشائكة والمحضورة..
• ويقذف كل يوم الى هاوية المجهول -خارج الوطن وداخله – خيرة المثقفين الابداعيين والمتخصصين وذوو الكفاءات النادرة والانجازات العلمية والادبية والفنية المرموقة، لينظموا الى عشرات آلاف المثقفين الذي سقطو ضحايا الارهابيين من كل الاجناس منذ سقوط النظام الدكتاتوري بمعاول الغزاة..
ان مادبر حتى الآن من خراب وفناء وموت ..ويضمر من شرور ضد المثقفين العراقيين كونهم عضو في جسد شعبهم الذبيح، وما يجري لهم اليوم من :اختطاف، وقتل، واقصاء، وتشريد خارج الوطن وداخله، يؤكد صواب دعوتنا الى ضرورة وحدة المثقفين العراقيين على اختلاف جذورهم الاجتماعية وميولهم الفكرية واختصاصاتهم الابداعية واصولهم القومية والدينية والمناطقية.. ( والتسريع بـ عقد المؤتمر الوطني للمثقفين العراقيين ) من اجل توحيد صوت العقل، وضمان حرية المواطن من التعسف والخوف والبؤس، وتحرير الوطن من المحتلين والارهابيين والمسلحين من كل الاصناف،وتطهير ثقافتنا وتشريعاتنا ونظامنا السياسي من كل اشكال القمع والتمييز والاقصاء القومي او الديني او الطائفي اوالسياسي او الفكري، وبناء وطن حر خال من التخلف والتطرف ..يعيش اهله الاحرار برخاء وامان..في ظل نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي دستوري تنموي ..ولنتذكر دائما:
اذا نام العقل استيقظت الوحوش
لماذا يفتك الارهابيون بالمثقفين العراقيين؟!
على مراءى العالم المتحضر يتم اخلاء الشرق الاوسط من المسيحيين السكان الاصليين للبلاد وما نشاهده في العراق هو ابادة جماعية للشعب المسيحي وكل الدول العربية والاعلام العربي هم شيطان اخرس راضون عن هذه الابادة الجماعية لسكان بلاد النهرين الاصليين السريان الكلدان الاشوريين فلا خير في الامة العربية ومن هنا انا مسيحي عربي اعلن تخليي عن العروبة واعتبر العربي ارهابي ومشجع للارهاب وما يحدث في الشرق الاوسط من اضهاد المسيحيين هو بصمة عار على جبين العرب والمسلمين جميعا.