كانت ليلة الجنرال قاسية. اقتحموا غرفته بلا استئذان. تسللوا الى ما بين جفنيه. تسربوا الى أحلامه. يعرفهم كما يعرف قدره. جنود ذبحوا في نهر البارد وتوزع الدم على ثيابهم المرقطة. ضابط عاد ملفوفاً بالعلم الى تراب قريته. أم انتظرت عريس عمرها فعاد محمولاً. زوجة انتظرت فارس ايامها فرجع نائماً تتقدمه الأوسمة. أطفال يلعبون أمام عسكريين يعزفون نشيد الموت. لم يعرفوا أنهم نالوا وسام الأيتام.
كانت ليلة الجنرال قاسية. جاؤوا اليه بلا موعد سابق. جاء رفيق الحريري حاملاً ضريحاً وعاصمة. وباسل فليحان ملفات وأرقاماً. وسمير قصير حبراً ودويّاً. وجورج حاوي صرخة وتاريخاً. وجبران تويني نهاراً وقَسَماً. وبيار أمين الجميل علماً وصخرة. وجاء وليد عيدو حاملاً نجله وكان الدم يتصبب من كبده ومن فلذة كبده. ولمح بين الحاضرين مروان حماده والياس المر ومي شدياق.
كان الاجتماع بلا جدول أعمال. حديث من القلب الى القلب. وثمة من يقول ان الزائرين اتفقوا على نقطة وحيدة: يقبلون ما حل بهم شرط ألا يضيع دمهم. ويعتبرون بقاء لبنان موحداً وديموقراطياً وحراً وعربياً تعويضاً كافياً عن الظلم الذي طالهم. ورددوا مداورة لا شيء أهم من الوطن ولا معنى لشيء في غيابه. غادروا واتخذ قراره. سمع في داخله صوتاً يقول له: إذهب أيها الجنرال.
نادراً ما يحتاج وطن الى رجل. وحين يحتاج اليه يعطيه فرصة الدخول في نادي الكبار. نادي المنقذين. وهو ارفع من نادي الرؤساء والسياسيين. إنه نادي الذين يذهبون الى التاريخ حين يذهبون. ليعودوا ثانية في الكتب ولينزرعوا شجراً سامقاً تستظله الأجيال.
باكراً يستدعي الجنرال وسائل الإعلام. يرتبك المستشارون. لم يطلعهم ولم يشركهم. وأمام عدسات المصورين وأقلام الصحافيين يقرأ بياناً مقتضباً: «لا معنى للرئاسة في جمهورية مستباحة. ولا معنى للجمهورية في وطن ضائع. الساعة لإنقاذ الجمهورية والوطن. الساعة للتضحيات. ولأنني جندي قبل ان أكون سياسياً أعلن أنني لست مرشحاً للرئاسة. أعلن في الوقت نفسه إطلاق معركة إنقاذ الجمهورية والوطن من سيناريو الاستباحة والعرقنة».
بعد قليل تتحرك سيارته الى بعبدا. يرتبك الحراس أمام زائر بلا موعد. يدخل القصر ويصارح اميل لحود: «هذا قصر الجمهورية وأختامه للشعب. إنني بما أملك من رصيد معنوي وتفويض شعبي أطالبك بأن تعتبر نفسك في إجازة مفتوحة بانتظار اتفاق اللبنانيين على رئيس. سمعت أنك تهدد باستلهام ضميرك. أحذرك ان تفعل».
من بعبدا يتحرك موكبه الى قريطم. يقطع سعد الحريري اجتماعه ليستقبل الزائر. قبل دقائق أبلغه المستشارون وقائع المؤتمر الصحافي والبيان الذي صيغ بلهجة ديغولية. يقول الجنرال لسيد قريطم: «لم يستشهد والدك ليضيع الوطن. والدك نفسه كان يقول ان البلد أهم من رجالاته. ستضيع الحقيقة إذا ضاع الوطن. ستأتي متأخرة. المطلوب الآن وبلا تأخير رئيس قادر على التحدث الى كل اللبنانيين ولم شملهم. رئيس غير مرتهن لأحد يستعيد الجمهورية والوطن».
من قريطم الى الضاحية الجنوبية. يستقبل سيد المقاومة الجنرال الزائر معانقاً. يقول الجنرال: «ينحني اللبنانيون أمام تضحيات المقاومة. وهي تضحيات من أجل الوطن. ماذا سيبقى من المقاومة ورصيدها وسلاحها إذا اندلعت حرب اهلية أو ضاع الوطن؟ المطلوب الآن رئيس يقاوم رياح العرقنة ويحصن الجمهورية والبلاد».
يكمل الجنرال جولته في اتجاه المختارة وبكفيا وبزمار وعين التينة وبكركي ودار الفتوى والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى.
يذهب الجنرال في كل الاتجاهات. يستحق الوطن هذه التضحيات والمخاطرات. صباح اليوم التالي تنسحب المعارضة من ساحة رياض الصلح. يوجه الجنرال لحود رسالة وداعية. يخرج نبيه بري مطرقته من إجازتها. ينتخب النواب رئيساً يؤتمن على القصر والجمهورية والبلاد والعباد. تبدأ الاستشارات لتشكيل حكومة وحدة وطنية. أنقذ الجنرال الجمهورية.
هذا ما حلم به أحد قراء «الحياة». اتصل وباح فرويت حلمه. سامحه الله.
(نقلاً عن “الحياة”)
إذهب أيها الجنرال
أبكيتني يا عذب الكلمات وصادق المشاعر ويا أيها الوطني مع مرتبة الشرف
إذهب أيها الجنرال
ma3 i7tirami la mr charbel khalik chway raye2 w rje3 lal terikh a7ssan …fal yabka general al marja3 al watwni