تنعقد القمة العربية في الرياض محملة بعدد من الملفات والقضايا الساخنة والثقيلة والمصيرية، والمشاكل والهموم التي تشغل المواطن العربي الذي يبحث عن حلول لتلك المشاكل العضال التي لم تستطع القمم السابقة من حلها…،والتي تحولت إلى أمراض مستعصية لا علاج لها…. لم تنفع معها المسكنات ولا المضادات ولا التنديد والاستنكار والوعود، ولا الترهيب والترغيب، ولا المظاهرات.
تأمل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج من هذه القمة أن تكون قمة واقعية، بمستوى التحديات الراهنة التي تواجه الأمة على المستويين الإقليمي والدولي، وأن تكون هموم الشارع العربي وآماله موجودة على طاولة الزعماء.
تبدأ أعمال قمة الرياض بعدما حملت “حُملت” راية الخلاص تارة والانجازات والتحديات الكبرى في التاريخ العربي الحديث تارة أخرى حسب وصف بعض الإعلام المحلي والعربي وحسب الأمنيات… فمنذ فترة ليست بالقصيرة من انطلاق القمة أخذت بعض الدول تبحث عن ملفات ممكن حلها وتحقيق نصرا يستحق أن يسجل باسم القمة.
فكان التحرك بقوة على عدد من الملفات كملف الأزمة اللبنانية… حيث تحركت الجامعة العربية والدول المضيفة لقمة الرياض “السعودية” قبل انعقاد القمة بطرح مبادرات للحل… , وكذلك ملف القضية العراقية بعد زيارات مسؤولين كبار مسعود بارزاني وإياد علاوي إلى السعودية…… بالإضافة إلى قضية فلسطين الملف الدائم الحضور في القمم بعدما سجلت الرياض مكسبا كبيرا عبر المصالحة بين أبناء الشعب الفلسطيني من حركة فتح وحركة حماس في مكة المكرمة.
ولكن الظاهر أن الزعماء العرب (المعتدلين حسب التصنيف الأمريكي) طموحاتهم اكبر وآمالهم أعلى ونياتهم أسمى … (من الدخول في نفق الفتنة عبر السعي في حل الملف اللبناني أو العراقي وذلك لأسباب داخلية وإقليمية وخارجية…) حيث اختاروا أصعب الملفات وأكثرها سخونة وأهمية في حياة الشعوب العربية وهو ملف القضية الفلسطينية، وإحياء مبادرة السلام مع إسرائيل (التي ماتت وأعلن الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى عن إصدار شهادة وفاة ودفن لها)… إذ لا يوجد قضية أهم من قضية فلسطين ولا يوجد أقدس من ارض القدس الشريف ولا صوت يعلو صوت فلسطين أنها المعركة الخالدة… بحيث أصبح ملف إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بأي طريقة السمة البارزة لهذه القمة…(على الرغم من تواجد الملف الفلسطيني على الطاولة في جميع القمم السابقة بدون تحقيق نتائج واقعية) وكأن هناك اتفاق وضوء اخضر على إنهاء الصراع، وما الحملة الإعلامية والرحلات المكوكية والاجتماعات الوزارية لوزراء الخارجية والاستخبارات… إلا دليل على ذلك.
المراقب لما يحدث على الساحة السياسية في المنطقة يجد بان هناك رغبة كبيرة من قبل بعض الدول العربية، و أخيرا من قبل أمريكا والكيان الإسرائيلي بضرورة تحريك مسار إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي عبر هذه القمة ومن خلال ما يعرف بمبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله.. المبادرة التي لم تجد اهتماما من قبل أمريكا أو من إسرائيل حينما طرحها الملك عبدالله في قمة بيروت عام 2002م. المبادرة التي تقر بالاعتراف بدولة إسرائيل وبناء علاقة معها بعد الانسحاب الشامل من الأراضي العربية في فلسطين ، ومرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية وحتى حدود الرابع من يونيو /حزيران/ عام 1967، قيام دول فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس،و إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرار الأمم المتحدة 194 لعام 1948.
ليس هناك من يشكك بنوايا الزعماء العرب على إنهاء هذا الملف (ملف فلسطين الذي كان وما يزال شعاعا ومنبعا للثوريين)، والذي سبب صداعا مزمنا وأصبح ثغرة يهدد الأنظمة… ويحرجها أمام شعوبها وأمام من يؤمن بحق عودة الحق إلى أصحابه.
هل فكرة السلام مع إسرائيل بالنسبة للشارع العربي واقعية في هذه الظروف، وهل من حق الزعماء تقرير المصير للأمة بدون الشعوب؟
هل الوقت الحالي مناسب لطرح هذا الملف الأصعب في قضايا الأمة العربية والإسلامية “إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي عبر القمة”، وهل سيتحقق النجاح من خلال ذلك، أم انه مزيد من التنازلات العربية، والمزيد من المكاسب لإسرائيل الغارقة بعد فشل حرب تموز، ولأمريكا حيث يصارع رئيسها جورج بوش مع الكونجرس بعد الفشل في العراق؟
هل سيكون للزعماء الوقت الكافي للتفكير فيما يعانيه الشعب العربي أم انه سيكون اسما بلا واقع.