(الصورة: جنود أردنيون في القدس قبل 1967)
*
العالم ملّ، وفاض به الكيل من مشكلة فلسطين وإسرائيل على مدى ما يقرب من قرن من الزمان.
لقد مل من رؤية أطفال تقتل وشيوخ ونساء يتم تهجيرهم كل بضعة سنوات ويتم حشرهم في مخيمات ومساكن غير إنسانية. تلك المخيمات تعتبر بمثابة حضانات للتطرف الديني، ومنها تنشا منظمات عنيفة مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرها، لان شباب وقادة تلك المنظمات نشأوا في مخيم الشاطئ في غزة وفي معسكر جباليا في غزة. هذه المناطق الموبؤة مثلها مثل المناطق العشوائية الفقيرة حول العالم لا تنتج سوى الاجرام. ولكن في فلسطين عامة، وغزة خاصة، الأوضاع كما رأيتها أوضاع كارثية ويكون امام الشباب الذي نشا في تلك المناطق احد الخيارات التالية:
اما يذهب للعمل في إسرائيل لوكانت الظروف الأمنية والسياسية تسمح بهذا
او
ينضم الى احد امراء الجماعات الإسلامية الذي يتولاه منذ الصغر ويوضح له مدى البؤس الذي يعيشونه بسبب اليهود “احفاد القردة والخنازير“، ويستغل كونه مسلما ويكرر على مسامعه ايات الجهاد وانه لا حل لديهم سوى القضاء على اليهود، وان أي فلسطيني او عربي يقبل بالسلام مع اليهود هو خائن مثل السادات ولا بد من قتله لان الخونة العرب اشد خطرا على فلسطين من اليهود.
او
ان يكون ابنا لاحدى الاسر الفلسطينية الغنية والمقتدرة التي تستطيع ارسال أولادها وبناتها للتعليم في أوروبا وامريكا، وفي نفس الوقت لا مانع ان يطالبوا الآخرين بالقتال وبالجهاد بارواح شباب “الغلابة” في غزة والضفة ويرتدون الكوفية الفلسطينية في شوارع لندن ونيويورك. واذا طلبت منهم الذهاب الى غزة للقتال مع زملائهم يقولون لك : “انت مجنون ؟!!”
…
وعلى الجانب الاخر من المعادلة تجد اليمين المتطرف اليهودي بقيادة نيتنياهو وغيره اشد منه تطرفا (ومنهم الجندي الإرهابي اليهودي الذي قتل اسحق رابين لانه وافق على توقيع معاهدة سلام مع ياسرعرفات) تجدهم يستخدمون الدين أيضا لتجنيد هولاء الشباب ويقولون لهم بان هذه ارضنا الذي وهبها الله لنا وهي ارض الميعاد وبان اليهود هم شعب الله المختار، وبان العرب يرغبون في القاء اليهود في البحر، وان أي يهودي يوقع معاهدة سلام مع العرب يعتبر ضعيف و خائن مثل اسحق رابين. وتجد ان معظم هولاء الشباب من عتاة المتطرفين اليهود يرهبون اليهود المسالمين والذين يرغبون في العيش بسلام مع جيرانهم العرب الفلسطيينين، وهولاء تجدهم في المستوطنات يعتدون على سكان القرى العربية المجاورة لهم عند حدوث كل مشكلة امنية.
ويبدو ان اليمين المتطرف اليهودي في إسرائيل، واليمين الإسلامي المتطرف في فلسطين، لا يرضى الا بالقضاء على الطرف الآخر. ويسعى بكل همة وقوة للقضاء على أي محاولة للسلام، مثلما حدث في اعتداء حماس على إسرائيل في يوم ٧ أكتوبر الماضي للقضاء على أي محاولة سعودية إسرائيلية أمريكية لوضع خطة سلام نهائية للمنطقة
…
انا غير متفائل ابدا لأن الغوغائية والتطرف في الطرفين تسيطر على المشهد العسكري والسياسي، وسمعت اليوم في البرلمان المصري من يهتف ويصفق له معظم النواب:
يسقط كامب دافيد تسقط معاهدة أوسلو “وما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” وكل هذه الشعارات الذي تسببت في مزيد من الالام والمعاناة للشعب الفلسطيني.
وهذا هو السيناريو القادم كما اراه امامي واضحا مجسدا:
اعلن وزير الدفاع الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين بانه بعد نهاية حرب غزة سوف تقطع إسرائيل كل علاقاتها بغزة ولن توفر المياه او الكهرباء او التجارة أو العملة الإسرائيلية وان العمالة الفلسطينية لن تدخل إسرائيل بعد ذلك. وهذا يعني استمرار الحصار الابدي على غزة. ليس لديهم مطار او ميناء بحري، وفي هذه الحالة لا يوجد لاهالي غزة سوى مصر. ومع الضغوط الإسرائيلية والعالمية تجد مصر نفسها مسؤولة عن غزة كما كانت مسؤولة عليها قبل هزيمة ١٩٦٧، ومع الوقت يمكن ضم غزة الى مصر وتصبح محافظة من محافظات مصر. ويمكن عمل نفس الشيء مع الضفة الغربية بضمها الى الأردن كما كان الحال قبل هزيمة ١٩٦٧ وبهذا يكون قد تم القضاء على فلسطين للأبد، ولو حاول أي فلسطيني عمل أي شيء ضد إسرائيل بعد فتكون مصر او الأردن مسؤولة عن ذلك ويتم عقابها إسرائيليا او دوليا.
…
هذا هو السيناريو الذي تتمناه وتخطط له إسرائيل
اللهم حذرت، اللهم فاشهد.
وهو سيناريو جيد على الاقل فيه حل وفيه فكره وحدويه