يبدو ان الرئيس سعد الحريري ليس في وارد التبرؤ من المحكمة الدولية. فكما ينقل مقربون عنه، انه يبدي كل ايجابية في مقاربة ملف اغتيال والده خصوصا مسار التحقيقات الدولية والمحكمة، بما يؤسس لمرحلة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، تقوم على تجاوز التربص بين الفرقاء والانخراط في تثبيت السلم الاهلي، وترسيخ مؤسسات الدولة في ادارة الشان العام. وينفي هؤلاء ان يكون اعلان البراءة من المحكمة الدولية، احد العناوين المطروحة على الحريري كخطوة مطلوبة اصلا في سلة المساعي السورية-السعودية.
قصارى ما يمكن ان يقدمه الرئيس الحريري في هذا السياق، كما تقول المصادر، هو ما يعرفه المعنيون في دمشق وطهران ولدى بعض القيادات اللبنانية لا سيما حزب الله. ومضمونه: اعلانه تبرئة المقاومة الاسلامية من هذه الجريمة في حال ورد اي اتهام لعناصر من حزب الله في القرار الاتهامي. ولعل الزيارات والاتصالات التي قادت الحريري الى اكثر من دولة، اظهرت ان مسار المحكمة لن يتوقف في الحسابات الدولية والاميركية تحديدا، ولم ينبس الحريري بما يخالف هذا التوجه، ولم تظهر المملكة العربية السعودية اي نية في تبني مثل هذا الخيار وتسويقه لبنانيا او حتى عربيا ودوليا.
ولكن، يتمسك حزب الله بمقولة ان الاتفاق بين الرياض ودمشق قد انجز، وتنفيذه مسألة وقت.
وفي هذا السياق تشير المصادر الحريرية نفسها: الى ان الحريري ليس في وارد اطلاق اي موقف معلن بشأن القرار الاتهامي قبل صدوره، وهو لم يحِد بعد عن نتائج قمة بعبدا التي جمعت قادة السعودية وسورية ولبنان، والتي اكدت على حفظ الاستقرار وعدم الانجرار نحو اي فتنة داخلية. وتابعت المصادر، ان ما قاله الحريري عن خطوات مطلوبة من قوى 8 اذار ولم تقم بها حتى الان. قصد بذلك ان عملية سد ذرائع الفتن، يتطلب اتخاذ اجراءات تتصل بضبط السلاح ورفع الشرعية عن مستخدميه في الداخل اولا. حسم مسألة نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ، ثانيا. سحب الدولة السورية مذكرات التوقيف الصادرة من قضائها بحق شخصيات لبنانية، ثالثا. بت ملف شهود الزور والموازنة العامة وما يتصل بها بما لا يتيح استخدامهما كوسيلتي انقضاض على الاكثرية وتعطيل الحكم، ومحاولة وضعهما مقابل جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رابعا. واخيرا وليس اخرا الاقلاع عن “بدعة” الثلث المعطل في الحكومة سواء كان سعد الحريري رئيسا للحكومة او لم يكن.
وفي سياق المحكمة الدولية، تعتبر المصادر: “ان الحريري قام بخطوة تمثلت باقرار ضمني لمبدأ وقف التمويل اللبناني لها. عندما رفض الخوض فيه، ورفض التعامل معه باعتباره خطا احمر، اما سحب القضاة اللبنانيين، فهو شأن يخص القضاة انفسهم ولا سلطة للدولة اللبنانية في بتّه. كما اتاح المجال للبحث في صيغ لتفادي اي ازمة يمكن ان تدرج في تداعيات القرار الاتهامي. لذا على الطرف المقابل ان يظهر استعداده لبناء الثقة التي لا يمكن ان تبنى من جانب واحد، فيما هو يحاول الاستمرار في اظهار انه على وشك اسقاط اتفاق 17 ايارجديد، وكأن المطلوب ان تستسلم قوى 14 اذار وتذعن لا اكثر ولا اقل وهذا رأس الفتنة”.
مطلب العدالة الذي يتشبث به الرئيس الحريري حتى الان على ما يبدو، يتنافى مع هذه النزعة لديه التي تنحو في اتجاه طي ملف شهود الزور، ومحاولة التغاضي عن القضايا الملتبسة التي تتناول الموازنة العامة، والاموال التي تؤكد قوى 8 اذار انها مفقودة او لم تخضع للمحاسبة العمومية من دون يظهر موقف واضح وحاسم من الحريري ووزارة المالية. ملفان يبدو الرئيس الحريري غير قادر على اقناع اللبنانيين بأنهما ملفان فارغان، ولعل الاسوأ في هذا المسار هو ان الطرف المقابل يدرجهما ايضا في سياق المساومات. الفساد لا يتنافى مع مطلب العدالة فحسب، بل كفيل بأن يقوّضها ويسهم في اظهار هشاشة وبهتان منطق بعض الداعين اليها.
احد قياديي تيار المستقبل من المطلعين على اجواء (س-س) يؤكد ان المسعى العربي لا يزيد عن كونه اتفاقا على الاستقرار الامني مقابل انفتاح غربي على سورية. بدأ بدعوة الرئيس بشار الاسد الى العيد الوطني الفرنسي قبل عامين، وتوج بتعيين سفير اميركي في دمشق. هكذا يمكن الاستنتاج ان التسوبة لن تكون اعلى من سقف كهذا: الاستقرار في مقابل الانفتاح. اما ثمن “المحكمة” فغالٍ جدا وقد يكون من الصعب دفعه من دون تنازلات مؤلمة للطرفين.
نُشِر في “صدى البلد”