خاص بـ”الشفاف”
ليس غريبا ولا مستغربا ان يخرج الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد ويصف فريقه الرئاسي وحكومته بانها “اشرف وانزه حكومة مرت في تاريخ إيران” وذلك بعد فضيحة الاختلاس الضخمة التي هزت الاقتصاد الإيراني وبلغت قيمتها ثلاثة آلاف مليار “تومان” ايراني أي ما يعادل مليارين وسبعمئة مليون دولار(2.700 مليار)، وهي فضيحة تُضاف إلى فضائح اخرى رافقت حكومات احمدي نجاد منذ وصوله إلى الرئاسة عام 2005، وقلبها في رئاسة بلدية طهران، وكان ابرزها “ضياع ” مليار دولار من مداخيل النفط، وصرف اكثر من ثلاثمئة مليون دولار من ميزانية بلدية طهران لتوزيع الحلوى والهدايا بمناسبة فوز رئيس البلدية بمنصب رئاسة الجمهورية.
وتأتي هذه الفضيحة بعد ازمة الثقة التي ضربت داخل البيت المحافظ في النظام الإيراني وكان اقطابها فريق الرئيس ومعه كبير مستشاريه ومعاونيه اسفنديار رحيم مشائي من جهة، والجناح التقليدي من المحافظين، بالتحديد مكتب مرشد النظام من جهة اخرى.
وقد ساهمت هذه الفضيحة وتداعياتها في دخول مصطلح جديد على الادبيات السياسية الايرانية هو “التيار المنحرف” لتوصيف فريق الرئيس ومن يعمل معه. وقد اضيف إلى مصطلح آخر، “تيار الفنتة”، كان قد استجد على هذه الادبيات منذ ازمة انتخابات عام 2009 لتوصيف القوى الاصلاحية وزعماء الحركة الخضراء في إيران، أي الرئيس السيد محمد خاتمي والرئيس الشيخ مهدي كروبي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي بعد رفض نتائج الانتخابات والحركة الاحتجاجية التي عمت شوارع إيران مطالبة بتصحيح الخلل الذي حدث في الاعلان عن فوز احمدي نجاد المثير للجدل.
تداعيات ازمة الثقة بين مرشد النظام الايراني ورئيس الجمهورية الذي اختاره من خارج كل السياقات وفرضه على الحياة السياسية الايرانية وتياراتها الموالية والمعارضة لم تقف عند المشكلة التي نشأت جراء اقالة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي وقرار المرشد اعادته الى منصبه مستفيدا من صلاحياته كولي للفقيه، بل تعدّتها لتصل الى فتح ملفات فريق الرئيس المالية والسياسية والاخلاقية.
وقد بدأ مسلسل فضائح فريق الرئيس عند الكشف عن عملية بيع اكثر من ثلاثة عشر الف قطعة اثرية تعمد رئيس مؤسسة التراث والثقافة والسياحة وامين المجلس الاعلى للمناطق الاقتصادية الحرة حميد رضا بقائي عدم ادراجها على جداول المتحف الوطني ولجأ الى اقالة مدير عام المتاحف الوطنية رضا مهر انديش لاصراره على فهرستها وادراجها في الممتلكات الوطنية للمتحف، ومن ثم تعيين السيدة ازاده اردكاني في هذا المنصب بعد ان كانت تعمل في المؤسسة بصفة “معلمة اللغة الانكليزية الخاصة لبقائي”! وكان ان دفعت هذه السيدة الثمن بعد انكشاف فضيحة بيع هذه الاثار وزج بها بالسجن، في حين ان “بقائي” الذي استطاع الخروج من هذه الازمة باقل الخسائر وكان نصيبه حكما قضائيا بالفصل لمدة اربع سنوات من الخدمة العامة، ما يعني حرمانه من أي حق بالتوظيف في أي مؤسسة رسمية، الا انه رفض الانصياع للقرار القضائي واستمر بالعمل في منصبه، حصل على مكافأة من رئيس الجمهورية بان عينه مشائي مساعدا تنفيذيا لرئيس الجمهورية ومستشارا للشؤون الاسيوية.
مداخيل نفطية ضخمة وفضائح ضخمة
تزامن وصول احمدي نجاد الى الرئاسة الايرانية مع صعود كبير في اسعار النفط عالميا، بحيث ان العائدات النفطية لايران في السنة الاولى من توليه السلطة التنفيذية قارب المئة والسبعين مليار دولار، أي ما يعادل مجموع العائدات النفطية التي حصلت عليها ايران طوال ثماني سنوات هي مدة عهد الرئيس محمد خاتمي. ووصل مجموع هذه العائدات خلال السنوات الست من رئاسة احمدي نجاد الى ما يقارب ستمئة مليار دولار(600 مليار) تعاني السلطات الرقابية والمؤسسات المالية خصوصا البنك المركزي صعوبة في رصد المسارب التي صرفت فيها في ظل ازمة اقتصادية خانقة وارتفاع في الاسعار وفاتورة المواطن اليومية، وانفجار في قيمة صرف “التومان” مقابل الدولار (وصل سعر صرف الدولار في الاسواق الايرانية الى 1350 “تومان” لكل دولار واحد – وهو رقم يسير بشكل تصاعدي يوميا).
وعلى الرغم من التردي الاقتصادي والسياسي الذي تواجهه ايران منذ بداية عهد احمدي نجاد، الا ان الاخير مصر على ان حكومته وفريقه من اشرف وانزه السياسيين والاقتصاديين في تاريخ ايران ليس المعاصر فقط، بل في الماضي ايضا.
والعقل الاقتصادي لاحمدي نجاد دفعه لاعتماد سياسة اقتصادية شعبوية بدأ ترجمتها في الزيارات الدورية التي كان يقوم بها على المحافظات الايرانية والتي ترافقت مع انفاق واسع للاموال وتمويل مشاريع محلية من خارج أي خطة اقتصادية عامة وشاملة للدولة، اضافة الى توزيع مساعدات عينية ومالية على المواطنين، الامر الذي خلق حالة من البطالة المبطنة تعيش على ما تقدمه الحكومة من اموال من دون مقابل.
وقد ساهمت هذه السياسة في انفاق مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة العامة، وادت في احدى المرات الى اقالة وزير النفط الذي رفض تزويد احمدي نجاد بمبالغ مالية من مداخيل الوزارة بعد ان نفدت الاموال التي حملها معه الى احدى المحافظات للتوزيع.
وامام معارضة الاقتصاديين لتصرفات احمدي نجاد المالية، لجأ الاخير الى إلغاء مؤسسة التخطيط والموازنة العريقة والتي تعتبر من اولى مؤسسات التخطيط الاقتصادي ليس في ايران وحسب، بل في كل المنطقة، وحولها الى دائرة في رئاسة الجمهورية بعد ان كان رئيسها يشغل تاريخيا منصب نائب رئيس الجمهورية. وكان نتيجة هذا الامر ان اصطدم لاكثر من مرة مع كل من وزير الاقتصادي ورئيس البنك المركزي ما دفعه الى اتباع سياسة تغييرهم عدة مرات.
وفي اطار سعيه للسيطرة على المفاصل المالية للدولة، عمد احمدي نجاد الى تغيير كل المدراء العامين للبنوك الرسمية في ايران، أي “بنك ملي” و”بنك ملت” و”بنك صادرات”، وتعيين مقربين منه ومن فريقه. واستكمل عملية الاستحواذ هذه بان بدأت حكومته بمنح تراخيص لتأسيس بنوك خاصة لافراد يدورون في فلك اشخاص في فريقه ومنحهم تسهيلات مالية تتعارض مع رأي البنك المركزي. وهي السياسة التي انتجت فضيحة الاختلاس الضخمة الاخيرة التي تعتبر جزءا من سلسلة اختلاسات واسعة في كل فروع هذه البنوك على كل الاراضي الايرانية، اضافة الى عمليات التفات واسعة على الرقابة المالية في مؤسسات الدولة.
اكثر من 46 شخصية حقيقية وحقوقية تم توقيفها واعتقالها في عملية الاختلاس الاخيرة، وهي العملية التي دفعت البرلمان لتشكيل “لجنة تقصي حقائق” تعتبر الاولى في تاريخ ايران الحديث، وتوصلت هذه اللجنة والتحقيقات الاولى الى حقيقة تورط المدير العام لبنك ملي – اكبر البنوك الايرانية الرسمية – محمد رضا خاوري الذي قدم استقالته من بعد وصوله فاراً الى مدينة تورنتو الكندية، وكذلك محمد جهرمي المدير العام لبنك صادرات، اضافة الى ولي الله ضرابيه المدير العام لبنك سامان الخاص وكذلك فرزاد احمدي احد اعضاء مجلس ادارة بنك ملي.
البنك المركزي الايراني طلب من البنوك والمؤسسات الايرانية تجميد ارصدة واسهم وجميع انواع الحسابات المالية للاسماء الستة واربعين خصوصا رجل الاعمال المقرّب من احمدي نجاد وكبير مستشاريه امير منصور آريا الذي يمثل شبكة اقتصادية ومالية متشعبة ومعقدة تسيطر على اعمال الاستثمارات العقارية والتجارية والغذائية وحتى البنكية.
الكثير من الاوساط السياسية الايرانية – المحافظة والاصلاحية – تعتقد ان الفساد المالي الذي تكشف رسميا في حكومة احمدي نجاد وكان ابطاله عدد كبير من مساعديه واعضاء فريقه الخاص، لا يمكن ان يكون مقتصرا فقط على نهب وسرقة موارد الدولة واصولها المالية، بل يمكن القول انها تندرج في جزء منها في اطار سياسة مدروسة هدفها التخطيط للسيطرة مستقبلا على مفاتيح السلطة وبالمباشر السيطرة على مقاعد مجلس النواب في الانتخابات المقررة في حزيران من العام المقبل 2013 وتاليا فرض مرشحهم في الانتخابات الرئاسية التي من المقرر ان تجري في حزيران 2014.
وبعد ان استولى احمدي نجاد على اصوات الناخبين الايرانيين في انتخابات عامي 2005 و2009 ليصبح رئيسا للجمهورية على حساب من يستحقها، ها هو اليوم يستكمل عملية الاستيلاء على مقدرات الدولة الايرانية من خلال اطلاق يد فريقه بالاختلاس ونهب اموال الدولة والشعب باسم العدالة والمكافحة الفقر ومحاربة عملاء الخارج المنادين بالحرية والديمقراطية والتعددية.
13 قطعة أثريّة مهرّبة: “أشرف الحكومات” تنهب مال الشعب الإيراني
الدول الدكتاتورية الاستبدادية طبيعي ان تكون فاسدة فما بالك اذا كانت ديكتاتورية استبدادية دينية مغلفة بقشرة ديمقراطية مزيفة يصبح من الصعب اكتشاف الخبايا والفساد الا بعد ان يكون بلغ مبلغا يصعب ستره ثم تبدأ المبررات والمزايدات والنكران والتسويف ولوي اعناق الحقائق كمثل ان الاموال استخدمت لمحاربة شياطين الخارج وهي اصلا اموال الشعب تنهب وتبدد على مشاريع فاشية وتصدير ثورات وقمع تحرر الشعوب وانشاء منظمات تعكر صفو الاخرين مادام الولي السفيه معكر المزاج من حالة الغليان التي لديه لكنها مسألة وقت ايها العمم المرابية بحقوق الشعوب.