“الشفاف” خاص- جنوب لبنان
الإحتفال بذكرى “يوم الأرض” في قلعة الشقيف القريبة من النبطية كان الحلقة الثانية من المسلسل السياسي الذي أعده حزب الله لسكان المخيمات الفلسيطينية في لبنان. لكنها كانت الحلقة الأضعف من حيث الرسائل “السياسية و الأمنية، بالمقارنة مع الحلقة الأولى التي جرت أحداثها في مايو المنصرم في بلدة “مارون الراس الحدودية، والتي سقط فيها عدد من الشبان الفلسطينيين بين قتيل و جريح.
والضعف هذا بدا واضحا على أكثر من صعيد. من حيث الإخراج والإنتاج والممثلين والحضور، وحتى الشخصيات الرئيسية وأبطال المسلسل. وقد ظهر جليا عشية الذكرى، لأسباب تتعلق بالتمويل ونقل المشاركين، حيث كان من المقرر أن يغطي حزب الله تكاليف نقل الفلسطينيين من المخيمات إلى “قلعة الشقيف” على حسابه الخاص, ثم تملص من هذا الوعد، ما اضطر الفصائل الفلسطينية إلى تحمل أعباء النقل وحدها وحصر المشاركة بالمنضوين تحت لوائها فقط. إختفاء التمويل فرض على الفصائل الفلسطينية أيضا إشراك فلسطينيي مخيمات الجنوب فقط في الإحتفال، توفيرا لكلفة النقل من مخيمات الشمال والبقاع وحتى بيروت.
من ناحية أخرى، آثر غالبية فلسطينيي لبنان عدم المشاركة بالإحتفال كونه سيقام في مكان يبعد عن الحدود مع بلادهم نحو تسعة كلم على الأقل. وقد طالبوا مرارا خلال إجتماعات التنسيق التي عُقدت لهذه الغاية بتبديل وجهة التحرك من النبطية نحو “مارون الراس” أو “كفركلا “الحدوديتين كشرط مبدئي لمشاركتهم. وحين جاء الجواب نفياً، عدل معظمهم عن المشاركة.
ويبدو أن قيادة الجيش اللبناني ضغطت باتجاه منع إحياء الذكرى في مكان قريب من الحدود مع فلسطين، خشية أن يتكرر سيناريو “مارون الراس”. وكانت قد عقدت لأجل هذه الغاية إجتماعات تنسيقية مع قيادة قوات اليونيفيل في الناقورة تعهدت خلالها بعدم وصول أي فلسطيني إلى مناطق عمل اليونيفيل تطبيقا للقرار 1701، الأمر الذي أزعج قيادة حزب الله واعتبرته وضعا للعصي في دواليب نزهتها الأمنية الجديدة.
فكيف كان رد قيادة حزب الله على هذا القرار، وكيف انعكس على سير الإحتفال في قلعة الشقيف؟
تلاسن بين “المخابرات” و”الحزب”!
أقيم الإحتفال في الباحة الجنوبية للقلعة التي لا يفصلها عن منطقة “الخردلي” الواقعة ضمن مناطق عمل قوات الطوارئ الدولية سوى شير صخري شديد الإنحدار. وقد أحيطت أطراف الباحة بالأسلاك الشائكة حرصا على عدم تسلل أحد من المشاركين, وكان من المفترض أن يتولى عناصر من حزب الله مهمة مراقبة المكان وحراسته, لكن بالتفاتة بسيطة كان يمكن لأي كان أن يلحظ تراخي قبضة الحراسة, ما شجع عدداً من الشبان على تخطي الأسلاك والتسلل إلى قعر الوادي قبل بداية الإحتفال الرسمي، الأمر الذي أربك قيادة الجيش وأدى إلى نشوب تلاسن بين عناصر من مخابرات الجيش اللبناني بلباس مدني كانوا يراقبون المكان وعناصر من حزب الله. وقد قام الجيش بملاحقة المتسللين في قعر الوادي وتوقيفهم.
كان يمكن لهؤلاء المتسللين أن يقطعوا وادي الليطاني ويتجهوا صعودا نحو مثلث “تل النحاس”، ثم جنوبا باتجاه بلدة “كفركلا”، ليصبحوا عند النقطة الحدودية الأقرب إلى فلسطين على “بوابة فاطمة” الحدودية، ما قد يدخل المنطقة في حال توتر أمني كانت الجهة الإسرائيلية على أتم الإستعداد له.
“قاووق” انتصر على “أمل” (كالعادة).. وأوروبا!
إضافة إلى ذلك لم ينفع استقدام منظمي الإحتفال لحاخامات يهود معارضين للحركة الصهيونية بإضفاء مسحة من التشويق على أجواء قلعة الشقيف، وطغى بدل من ذلك أجواء التزاحم بين الشخصيات الرسمية المشاركة أمام عدسات الكاميرات. فحاول نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق خطف الأضواء من أمام وفد “حركة أمل” وتناسى كلاهما وفود السفارة والفصائل الفلسطينية! أما على صعيد الوفود العربية والدولة المشاركة, فقد انصب الإهتمام على الوفد الإيراني والوفد الأوروبي بينما عوملت الوفود الآسيوية والأفريقية بالتجاهل التام, هذا إضافة إلى النزاع الذي دار أمام أعين المشاركين و وسائل الإعلام حول تراتبية الخطباء. ففاز نبيل قاووق عن حزب الله بالكلمة الأولى، وألغيت كلمة الوفد الأوروبي لضيق الوقت.
الإحتفال كان من المقرر أن يبدأ بعد صلاة الظهر مباشرة و يستمر حتى الساعة الخامسة عصرا، لكنه أجل وأجل أكثر من مرة لعدم كثافة الحضور, وقد اشتغلت الهواتف النقالة في هذا الوقت لإستقدام المزيد من المشاركين لملء فراغات الباحة,و كان أغلبهم من اللبنانيين من سكان القرى المجاورة! كما أنه انفض عند الثالثة بعد الظهر أي قبل ساعتين من الموعد المحدد بسبب الخلافات التي كانت تنشب بين المنظمين من حين إلى آخر.
من الملاحظات الكثيرة التي سجلت في الإحتفال أيضا أنه لم يشارك أي عنصر أو كادر في حزب الله بتأدية صلاة الجمعة التي أقيمت قرب المنصة الرسمية قبل بداية الإحتفال بإمامة الشيخ “محمد موعد” السلفي القادم من مخيم الرشيدية قرب صور.
كما لوحظ استعجال حزب الله على إنهاء فصول الحلقة بعد فشل مخطط تسلل الشبان الفلسطينيين إلى وادي الخردلي, وسعيه إلى إفشال المهرجان, أو عدم سعيه بشكل جاد إلى إنجاحه و ضبطه كما كان متفقا عليه.
“يوم أرض” الشقيف: المنبر لـ”قاووق” والجمهور لم يحضر!
“الأحد 15 أيار/مايو 2011 من بلدة (مارون الراس) بإتجاه فلسطين المحتلة تحت عنوان (ذكرى النكبة)، فيلم من تأليف وإخراج النظام السوري وإنتاج حزب الله، قامت بدور البطولة الاحزاب الفلسطينية الموالية لسوريا، وكانت النتيجة عشرة قتلى وأكثر من ستين جريحاً، وبقيت فلسطين محتلة في نهاية الفيلم.”
هذه مقدمة لمقطع مقالة كتبتها تحت عنوان “ذكرى النكبة الفلسطينية المنسيّة تعود من مارون الراس والجولان” ونشرتها مجلة “الشراع” مشكورة بتاريخ 03. 06 .2011