من البديهي في هذه المرحلة الحرجة من عمر أمتنا (كما يرطنون في الخطابات العربية) أن نركز على أولوياتنا. دعونا نتحدث عن الأهم فالمهم. والكلام ليس لقياديينا وزعمائنا المحليين وحسب، بل لكل الدول التي أصيبت بلعنة «العروبة» من أقصاها إلى أقصاها.
دعوا عنكم غياب الديموقراطيات الحقيقية، وترسيخ الاستبداد والدكتاتورية في منظوماتنا. انسوا أرواح الشهداء، وسدوا آذانكم عن نحيب الأمهات الثكالى، وأيتام الثورات. اغفلوا عن الفتنة الطائفية التي بدأت تتسلل كالأفعى، لتبث سمومها في مجتمعاتنا كافة. انسوا مطالب الناس بالعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، وتناسوا الفساد، الرشوة، الجهل، التخلف وتوقف عجلة التنمية، تخلف الصحة والتعليم، نقص الدواء، الفقر، البطالة، أطفال الشوارع.. فنحن في مجتمع «لا يهمه الجائع إلا إذا كان ناخباً، ولا يهمه العاري إلا إذا كانت امرأة» كما قال الراحل جلال عامر.
خلونا في الأهم، بداية من آخر تقليعات النواب المصريين، فالنائب المحترم نسي كل مصائب الشعب المصري، والـ74 شاباً، الذين قبل أيام معدودات، قضوا في مباراة كرة قدم في جريمة لم تتم محاسبة المسؤولين عنها بعد، وحدد أولوياته في المزايدة على المسلمين والنفاق الديني برفع الأذان في مجلس الشعب. أما الأخ الثاني الذي نسي ما قبله وما بعده من أولويات، ليفتي بأن كل أنواع الرياضة محرمة، ويمنع المسلم من ممارسة الرياضة إلا «الإسلامية» منها، كالسباحة وركوب الخيل والرماية. ويا ليته أكملها وطالب بأن تكون الأخيرة موجهة الى صدور الشعب نفسه، حتى يتعظ ويحترم نفسه، ويتوقف عن المطالبة بحريته.
طبعا «عندنا وعندهم خير»، فالإخوان في مجلسنا تركوا كل المصائب المتراكمة على رؤوسنا، ولم يجدوا مشكلة بحاجة إلى حل إلا المادة الثانية من الدستور. فاجتمعوا وقرروا وبايعوا وزايدوا، وقايضوا كرسي الرئاسة بها.. والله يسترنا من المقبل. اما نائبنا الفاضل الآخر فلم يجد في الكويت ما يسترعي اهتمامه، غير عيد الفالنتين، فجهز تهديدا (شديد اللهجة) يحذر فيه بائعي الورد والهدايا (المساكين) في يوم عيد الحب (درءاً للفتنة وهوان الأمة)، لتبقى الدببة والورد واللون الأحمر من أهم أولوياتنا.
طبعا أهم الأهم.. وأولى الأولويات هو نحن «القارورات»..! فلولانا لما كان عندكم لا شغلة ولا عملة. نحن شغلكم الشاغل. لا تتباحثون إلا في قوانين تلجّمنا وتخرسنا، لا تناقشون إلا لإقرار عقبات تقف في طريقنا، لا تبتكرون إلا أفكارا جديدة لقمعنا واضطهادنا. فكما قالت طبيبة مصرية «لو اختفت النساءُ من مجتمع، لاختفى السلفيون». لدغة مضحكة بقدر مرارتها.
تبقى أطرف وأظرف أولوية من أولوياتنا في هذه المرحلة الخطيرة، هي الفتوى الأخيرة التي أقرت بأن الراقصة تعتبر شهيدة، إذا نزلت للتظاهر. ويا أمة ضحكت من أولوياتها الأمم!
دلع المفتي
d.moufti@gmail.com
* كاتبة كويتية