يُعتبر الكاتب السوري ياسين الحاج صالح (٥٢ عاماً) أحد أبرز منظّري الثورة ضد بشار الأسد. وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي، وكان حتى مطلع الشهر الحالي يعيش في “الغوطة” التي تعرضت لهجوم كيميائي في ٢١ آب/أغسطس. وهو يعيش الآن، متخفّياً، في منطقة أخرى داخل سوريا.
* ما رأيك بالمقترحات الروسية الرامية إلى وضع الترسانة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية؟
– المبادرة الروسية خلطت الأوراق وفتحت الباب لمناورات ديبلوماسية يمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً جداً. ومثل هذه المبادرة لم تكن ممكنة لو أن موسكو ونظام دمشق لم يشعرا بأن الغرب متردد. وقد قدّمتا للغرب ما يسمح لهم بعدم التدخّل. لقد كنت على قناعة، منذ بدء الحديث عن ضربة عسكرية ردّاً على المجزرة الكيميائية التي ارتكبها نظام الأسد، بأن ردّ الفعل الغربي كان مغالياً في الأخلاقية ومجرّداً عن المصالح، إلى درجة لن تقنع الأميركيين باعتماده.
* هل تشعر بأن المجتمع الدولي تخلّى عنكم مرة أخرى؟
– المبادرة الروسية والموافقة المبدئية للغرب تظهران مدى عدم أخلاقية النظام الدولي الذي لا يبالي بمقتل عشرات الألوف من السوريين منذ ٣٠ شهراً. إن تجريد النظام من ترسانته النووية مع إبقائه في السلطة ليس عدالة. منذ متى يُترَك مجرم حرّاً إذا وافق على التخلّي عن سلاح الجريمة؟ إن المراقبين يتحدثون عن ارتياح “الجميع” بعد هذه المبادرة الروسية! “الجميع”، ما عدا الشعب السوري!
* لقد أثارت فرضية الضربة العسكرية ضد النظام السوري وما زالت تثير الكثير من المخاوف في فرنسا، خصوصاً الخشية من انفجار الوضع في المنطقة كلها وصعود الحركة الجهادية. ما جوابك؟
– ما بعد الضربة العسكرية يثير مخاوفنا نحن أيضاً. ولهذا السبب، فإذا ما وقع الهجوم في نهاية المطاف، فإنه ينبغي إدراجه ضمن استراتيجية أوسع تشمل الإطاحة بالنظام أو على الأقل تسهيل الإطاحة به على أيدي الثوار. ولو حدث ذلك قبل سنة لكان ذلك أفضل للجميع. لقد أثبتت الأشهر الثلاثون الماضية أن أسوأ فعل هو اللافعل. إن بلداً كاملا،ً يقع في منطقة حيوية من العالم، قد انتهى إلى الخراب والجميع يراقب. إن الجماعات الجهادية كانت الوحيدة التي استفادت من حالة الفوضى العامة. والنظام ليس حصناً ضد تلك الجماعات، بل بالعكس. فكل منهما يعطي مبرراً للآخر، وهما يتعايشيان تعايشاً مثالياً.
* في صفوف اليسارين العربي والغربي، يعتقد كثيرون أن الثورة السورية تُستَخدم لإضعاف معسكر المقاومة ضد إسرائيل. ما رأيك؟
– كنتُ عضواً في الجناح الذي عارض حافظ الأسد في الحزب الشيوعي السوري. ثم دخلت السجن من ١٩٨٠ إلى ١٩٩٦، وخلال سنوات السجن لم أعد شيوعياً. وتكوّنت لدي قناعة بأن الشيوعية تخنق مطالب الحرية والعدالة. وألاحظ أن العديد من الشيوعيين في سوريا فعلوا العكس. فقد ضحّوا بالبُعد الأخلاقي وتعلّقوا بالطقوس. وقد نأت تلك الأوساط بنفسها عن الكفاح الحقيقي للناس متذرّعة باعتبارات خارجية مثل الكفاح المزعوم ضد الولايات المتحدة.
لا شك في أن الأميركيين والإسرائيليين لديهم خططهم. لكن من، سوى النظام، قام بتدمير سوريا إلى درجة تفوق حتى الأحلام الأكثر جنوناً لليمين الإسرائيلي؟
* أعطنا فكرة عن ظروف العيش في “الغوطة”
– منذ تحرير المنطقة، قام النظام بقطع الكهرباء، وشبكات الإتصالات، وشبكات الماء، لمعاقبتها. ويعتمد الناس على مولّدات الكهرباء المصنوعة في الصين للإنارة. ويبلغ سعر ليتر البنزين ٢ دولار، وتستهلك المولدات ليتراً واحداً في الساعة الواحدة. لذلك يكتفي الفقراء بمصابيح الجَيب. ويعيش الناس، معظم الوقت، تحت الأرض لأسباب أمنية. ويُستَخدم الماء للشرب والغسل بالدرجة الأولى، ثم للمراحيض. ومع ذلك، فالحياة مستمرة. ويزرع الناس الخضار على متر واحد من الحفر التي وضعوا فيها موتاهم. إن الجوار بين الموت والحياة هو أحد ميّزات “الغوطة”.
* قبل سنوات كتبتَ أن الثورة “مستحيلة”. لماذا؟ وهل ما زال ممكنا أن تصل الأمور إلى نهاية سعيدة؟
– إنها مستحيلة لأن النظام لا يهمّه سوى بقائه ولأنه مستعد لأن يفعل أي شيء لإبقاء سلالة الأسد في السلطة. وهي مستحيلة أيضاً لأن المجتمع مشحون بالتوترات، وذلك بقدر ما نجح النظام في تجزئته وفي الحؤول دون نشوء قوى بديلة. ولكن الثورة المستحيلة وقعت رغم كل شيء.
أنا لن أتحدث عن نهاية سعيدة. إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخفّف آلام السوريين والذي سيسمح بفتح صفحة جديدة، سيكون كل شيء فيها صعباً، سيكون سقوط النظام.
أجرى المقابلة: “بنجامان بارت”