“مظلومية” آية الله حسين علي منتظري (حسب تعبير ذي رمزية خاصة لدى الشيعة) تحقّقت في السنوات الأخيرة من حياته التي تلت وفاة الإمام الخميني وتأكّدت بعد وفاته.
فلم تعلن السلطات الإيرانية الحداد الرسمي على وفاة آية الله العظمى حسين علي منتظري الذي يعتبره مقلّدوه أكبر مرجع ديني في إيران، في حين ذكرت أنباء من طهران أن قوى الأمن تقوم باعتقال الناشطين السياسيين الذين يتوجّهون إلى مدينة “قم” للمشاركة في تشييع منتظري صبيحة يوم الإثنين.
واعلمت السلطات وسائل الاعلام الاجنبية انها ممنوعة من التوجه الى “قم ” الاثنين لتغطية التشييع. وغاب خبر الوفاة عن الصفحات الأولى لمعظم الصحف الإيرانية التي تصدر صباح الإثنين.
وشهدت شبكة الانترنت اضطرابات في طهران مساء الاحد، على ما جرت العادة قبل اي حدث قد يشهد تظاهرات للمعارضة.
وحتى في البيان الرسمي الذي أصدره لتأبين آية الله العظمى حسين منتظري فإن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية لم يقاوم إغراء التقليل من شأن أقوى مرجع شيعي معارض لولاية الفقيه! فسقط من بيان خامنئي لقب “آية الله العظمى” وحلّ محلّه تعبير “آية الله الحاج الشيخ حسين علي منتظري”. والأهم أن خامنئي عمد إلى التذكير بخلافات منتظري مع الإمام خامنئي في الجملة التالية “البارعة” على الطريقة الإيرانية:
“لله تعالى امتحن آية الله منتظري باختبار صعب وخطير في الفترة الاخيرة من حياة الامام الخميني (رض)، سائلا المولي تعالي ان يغطي ذلک بغطاء رحمته ومغفرته ويجعل المصاعب الدنيوية کفارة لتلک الحقبة”!!
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية فقد “انعكس حذر النظام من هذه الشخصية المنبثقة من الثورة الاسلامية والمعارضة في وسائل الاعلام الرسمية وشبه الرسمية التي امتنعت عن ذكر لقب منتظري “اية الله العظمى”، فيما سماه بعضها “السيد” منتظري.
وقالت وكالة الانباء الايرانية في السيرة الموجزة التي اعدتها عن منتظري انه كان “شخصية دينية محركة لمثيري الشغب في الحوادث التي اعقبت الانتخابات، ورحبت وسائل الاعلام المعادية للثورة بتصريحاته التي لا اساس لها”.
لماذا يخاف النظام الإيراني من آية الله العظمى منتظري؟ المقابلة التالية كان “الشفاف” قد نشرها لمناسبة في يونيو 2007 الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية ونعيد نشرها اليوم لأنها تسلّط الضوء على تطوّر مواقف هذه الشخصية التي كانت من أبرز صانعي الثورة الإيرانية قبل أن تنقلب على ممارساتها القمعية وعلى مبدأ “ولاية الفقيه”. مع الإشارة إلى أن آية الله منتظري تراجع حتى عن تأييده لاحتلال السفارة الأميركية في العام 1979 معتبراً أن ذلك كان “خطأ”.
آية الله منتظري: الولاية المطلقة عن الفقيه لم اعثر عليها في الكتاب والسنّة ولا في حكم العقل
أحداث 11 سبتمبر كانت من افحش الظلم على الإنسانية فعلى الاخوة أن يعلنوا البراءة منها
أجرى اللقاء محمد باقر الحسيني
بين الفترة والأخرى يستضيف موقع المعصومين الـ (14) ثلة من الفقهاء والعلماء الكبار الذين يعملون من أجل رفعة الإسلام وتطوير مناهج الفقه والفكر الاسلامي.
إضافة إلى ذلك تحرص إدارة الموقع إلى الدخول في الجدل الإسلامي السياسي الساخن مع هؤلاء الفقهاء بشأن رأي الاسلام بموضوعات مثيرة وتلقى يوماً بعد آخر صدى واسعاً في الاوساط الفكرية والاجتماعية المختلفة مثل المعارضة والدولة وولاية الفقيه والدستور والحدود وفقه العلاقات الدولية وموضوعات أخرى في هذا الجانب.
يسر موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) أن يتلقي أحد فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) البارزين ممن أثارت وتثير آرائه الفقيهة ومواقفه السياسية في قضايا الأمة المختلفة جدالاات وسجالات مستمرة.
إنه آية الله العظمى الشيخ حسين علي المنتظري.
مع فقيه أهل البيت (عليهم السلام) في إجاباته الوافية لأسئلة إدارة الموقع
كما نوّد أن نشكر سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ أحمد المنتظري نجل المرجع المنتظري على حسن تعاونه مع إدارة الموقع في إعداد هذا اللقاء..
س: كانت الإشارة واضحة إلى خلافتكم الإمام الخميني كمرشد للثورة الإسلامية الإيرانية..ما الذي غيّر مجرى الأحداث؟
ج – ما اتفّق لي في هذه الحادثة لم يوجدِ في نفسي أي اثر سوء، بل شكرت الله تعالى واشكره على رفع التكليف والمسؤولية الخطيرة عنّى، ولما بلغ أبي (ره) هذا الموضوع حمد الله تعالى وشكره على ذلك، ولو أراد أحد أن يطّلع على ما كان وراء هذه الحادثة من العلل السياسية فليراجع كتابي (خاطرات) في موقعي الخاص ولاسيّما الفصل العاشر منه: ضجة التنحية (غوغاي بركناري).
س: ما دليلكم لنفي الولاية المطلقة عن الفقيه؟
ج – نفي الولاية المطلقة للفقيه لا يستدعى دليلاً إذ الأصل الأولي يقتضي عدم ولاية أحد على أحد، بل إثباتها يستدعى دليلا قاطعا، ولم اعثر على ذلك في الكتاب والسنّة ولا في حكم العقل. ومن أراد التفصيل فليراجع المجلد الأول من كتابي(دراسات في ولاية الفقيه) المطبوع في إيران ولبنان، والجزأين موجودين في موقعي: «ولاية الفقيه والقانون الأساسي) و(حاكمية الأمة والقانون الأساسي).
نعم اصل ضرورة الحكومة مما لا ريب فيها، والعقل والشرع يدلان على اعتبار شروط في الحاكم الإسلامي ومنها الفقاهة والعدالة وحسن التدبير.
من أراد الوقوف عليها فليراجع الباب الرابع من المجلد الأول من كتابي: (دراسات في ولاية الفقيه). ولكن تحقّق الحاكمية وخارجيّتها تكون بانتخاب الأمة وبيعتهم فيجب عليهم انتخاب الواجد للشرائط، وحتى فعليّة حاكمية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا قد حصلت ببيعة الناس لهما. ومدّة حاكمية غير المعصوم وحدود اختياراته تابعتان لانتخاب الناس حدوثا وبقاءً.
قال الله تعالى في سورة الشورى (في وصف المؤمنين): (وأمرهم شورى بينهم). وخاطب رسوله – في سورة آل عمران – مع كونه معصوما بقوله: (وشاورهم في الأمر) وكلمة (الأمر) في اصطلاح الكتاب والسنة كان يطلق على الأمور الاجتماعية والسياسية العامة. وكان رسول الله (صلى الله وعليه وآله وسلم) مع عصمته يشاور أصحابه في الأمور المهمة الاجتماعية ولم يكن يستبدّ بها. والولاية المطلقة خاصّةٌ بالله العظيم مالك كل شيء وخالقه. (إن الحكم إلا لله) (سورة يوسف: الآية 76) والباقون حتى الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) موظّفون بإجراء أحكام الله تعالى، ولهم الولاية في إطار أحكام الله تعالى. قال الله تعالى في سورة المائدة مخاطبا رسوله: (وأن احكم بينهم بما انزل الله وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل إليك)
والولاية المطلقة للفرد غير المعصوم ربما توجب استبداده في أعماله وأحكامه ويمكن أن يتدخّل فيما ليس متخصصا فيه ويتعقبه أضرار كثيرة على الأمة. ولم يكن في الدستور الأول كلمة (المطلقة) ولكن أضافوها في إعادة النظر فيه.
قال المحقق آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد حسين الأصفهاني (طاب ثراه) في حاشيته على المكاسب ( ص 412): (والفقيه بما هو فقيه آهل النظر في مرحلة الاستنباط دون الأمور المتعلقة بتنظيم البلاد وحفظ الثغور وتدبير شؤون الدفاع والجهاد وأمثال ذلك فلا معنى لا يكال هذه الأمور إلى الفقيه بما هو فقيه، وإنما فوّض أمرها إلى الإمام (عليه السلام) لأنه عندنا اعلم الناس بجميع السياسات والأحكام فلا يقاس بغيره ممّن ليس كذلك).
س: ما سبب اعتراضكم على كثير من صلاحيات الوليّ الفقيه؟
ج – إن كان نظركم في السؤال إلى محاضرتي في (31 رجب 1418 هـ) التي أعقبّها فرض الإقامة الجبرية عليّ في البيت بعد حوادث مؤسفة وهجمات فظيعة، فهدفي من المحاضرة كان هو النصيحة وأداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والدفاع عن مرجعية الشيعة والنظام الإسلامي. ونحن نقرأ في الخطبة (612) من نهج البلاغة مخاطبا أصحابه: (فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله…) فإذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مع عصمته يستقبل النقد والنصيحة وجب على كلّ من يدّعي متابعته التأسي بحضرته (عليه السلام) والاستقبال من ذلك. ويوجد متن محاضرتي المشار إليها في آخر المجلد الثاني من خاطراتي في موقعي.
س: الاجتهاد السياسي ما حدوده؟
ج – التعبير بالاجتهاد السياسي غير متعارف عندنا. ولكن يجب على الفقيه والمرجع الديني أن يطّلع على سنخ الحوادث الواقعة في عصره من المشكلات الاقتصادية والسياسية والنظامية العامّة على حدّ استطاعته حتى يتمكن من استنباط أحكامها من الكتاب والسنّة ويميّز فيها الحق من الباطل.
وفي أصول الكافي (ج 1 ص 72) عن أبى عبد الله (عليه السلام): (والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس). والحاصل أن المسائل السياسية بكليّتها تحتاج إلى الاستنباط من الكتاب والسنة وحكم العقل، ويتوقف الإفتاء في كلّ موضوع على معرفة الموضوع وحدوده.
س: هل للإرهاب تعريف واضح وما موقف الشريعة منه؟
ج – لا يخفي أن دين الإسلام دين العقل والمنطق، وهدفه تسخير قلوب الناس وسوقهم إلى الله تعالى ولا يتحقق هذا بالإرعاب والإرهاب، بل هذان يوجبان نفوّر الناس واختلال النظام الاجتماعي وسلب الأمنية العامة. ونقرأ في آية الكرسي المباركة: (لا إكراه في الدين)، وفي الكافي (ج 7 ص 573) عن أبي الصباح الكناني ما محصّله: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إن لنا جارا يقع في أمير المؤمنين (عليه السلام) أتأذن لي فيه؟ فقال لي: يا أبا الصباح أفكنت فاعلاً؟ فقلت: إي والله لئن أذنت لي لأرصدنّه حتى اقتله، فقال (عليه السلام: (يا أبا الصباح هذا الفتك وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الفتك، يا أبا الصباح الإسلام قيد الفتك). وقصّة امتناع مسلم بن عقيل عن قتل ابن زياد الملعون حينما عاد شريك بن الأعور وتمسّكه بهذا الكلام عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشهورة. مع أن قتل ابن زياد كان يقلّب على الظاهر جوّ الكوفة بنفع مسلم والحسين (عليهما السّلام).
والجهاد الإسلامي ليس من مقولة الإرهاب بل هو من سنخ الدفاع في قبال هجوم الأعداء.
س: مبدأ تصدير الثورة الذي تبنته إيران إثر نجاح ثورتها ألا يعدّ من الإرهاب؟
ج – لم يكن تصدير الثورة بمعنى الهجوم على البلاد وقتل النفوس بل بمعنى الحماية الثقافية والسّياسيّة والإعلامية عن المظلومين في البلاد والدفاع عنهم في تحصيل حقوقهم الاجتماعية. ومبنى ذلك مضافا إلى حكم العقل والعقلاء بذلك ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم) (الكافي ج 2 ص 461)
س: كيف تنظرون إلى العمليات الاستشهادية المستمرة في فلسطين وجنوب لبنان؟
ج – الجهاد بمعنى الدفاع عن النفوس والحقوق الاجتماعية وفي سبيل الله تعالى أمر يحكم بحسنه ولزومه العقل والشرع، ومصاديق الجهاد وتكتيكاته تختلف بحسب اختلاف الأزمنة والإمكانات، والحضور في ميدان الجهاد ملازم غالبا لفداء بعض النفوس، وللعمليّات الاستشهادية المشار إليها أنواع، فما كان منها مصداقا للجهاد في قبال الأعداء المهاجمين كان مشمولا لأدلة الجهاد الإسلامي.
والمسؤول عن هذه المصائب الفجيعة الواردة على أمّة فلسطين المظلومة والأبرياء من غير المسلمين أولا: رؤساء الدول الاستعمارية الذين جمعوا الصهاينة من أقصى بلاد العالم في الأرض المباركة وطردوا أهلها وأوجدوا في قلبها غدّة سرطانية باسم إسرائيل وجهّزوها بأجهزة اليوم، وثانيا: الدول المسلمة غير المتعهّدة التي تمتلك منابع النفط والغاز وساير الثروات والمواهب الإلهيّة ولا تستفيد منها في الدفاع عن الإسلام العزيز والقدس الشريف والحماية عن المظلومين.
س: دعا الإمام الشيرازي (قدس سره) إلى انتهاج السلم واللاعنف لحلّ الأزمات العالمية القائمة كيف تجدون هذه الدعوة؟
ج – آية الله الشيرازي (قدس سره) قد كان عالما مجاهدا ذا بصيرة وحسن سليقة ولكن لم أعثر على متن تلك الدعوة.
س: كيف يمكن استئصال جذور العنف الذي ساد الحياة اليوم؟
ج – الخشونة والعنف في الجوامع لهما جذور سياسية واقتصادية واعتقادية منحرفة. والطريق لإزالتهما واستئصالهما الإقدام الواسع في ارتقاء سطح العلوم والأفكار والأخلاق في الجوامع ولاسيّما في الشبان، و إعانة الفقراء ورفع حاجات المحرومين في البلاد المختلفة. وبالجملة الخشونة والعنف ناشئتان من الجهل والفقر، واستئصالهما باستئصال هذين السببين من الجوامع. واللازم الاستفادة من جميع الوسائل الإعلامية الحديثة في ترشيد الأفكار والفضائل الخلقية والمعنويات، وإيجاد المشاغل لجميع الفقراء والمحرومين في البلاد.
س: أيهما من حيث التطبيق أصلح للأمة الإسلامية في ظروفها الراهنة: ولاية الفقيه، شورى الفقهاء، شورى الأمة، أو الديمقراطية الغربية؟
ج – في جميع النظريّات الأربعة المذكورة ما هو السبب لاستحكام الحكومة واستقرارها هو آراء الأمة ورضاها، وإلاّ كانت في زلزال ولم تستقرّ. ولكن الجوامع الإسلامية إن كانوا معتقدين بالإسلام ومتعبدّين بموازينها، فهم لا محالة يريدون إجراء أحكام الإسلام فيها، وبالتتبع في الكتاب والسنّة يظهرانّ أحكام الإسلام لا تنحصر في العبادات والأخلاق فقط، بل الإسلام بسعته تعرّض للمسائل الاقتصادية والسياسية والجزائية والحاكمية وشرائطها بنحو الكلّية أيضا. فلا محالة يجب عليهم أن ينتخبوا الحاكمية من يكون خبيرا بالمسائل الإسلامية في الأبواب المختلفة ويدير المجتمع والبلاد على أساس موازين الإسلام. وقد استفدنا من الكتاب والسنّة وحكم العقل اعتبار شروط ثمانية في الحاكم الإسلامي، وتنطبق قهرا على الفقيه العادل القوىّ العالم بالسياسة، أو شورى الفقهاء الواجدين للشرائط فراجع الباب الرابع من المجلد الأول من كتابنا: دراسات في ولاية الفقيه).
وفي الخطبة (371) من نهج البلاغة: (أيها الناس إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أ قواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه).
فللناس في عصر الغيبة أن ينتخبوا أحدا من الفقهاء الجامع للشرائط أو جمعا منهم، ولهم أن يشترطوا في انتخابهم مدّة خاصّة ويحدّدوا حدودا معيّنه ويراقبون أعمال الحكام مباشرة أو بوسيلة الأحزاب السياسية المتشكلة من النقباء والاختصاصيين، ولو فرض أن الأمّة أعرضوا عن التعبّد بموازين الإسلام ولم ينقادوا لحكومة الفقيه الواجد للشرائط فلا مجال لإعمال الإكراه والعنف بل اللازم حينئذ الإرشاد والنصيحة والقول الليّن لعلّهم يتذكرّون.
س: يتفاقم في نفوس المسلمين العرب والإيرانيين الشعور بالشعوبية – إن صح التعبير – جراء التصرفات اللاإنسانية من قِبل بعض المسؤولين في إيران بماذا توجهون في هذا الصدد؟
ج – أبناء الأمة الإسلامية في إيران – مع مشاهدتهم بعض الاستبدادات والأعمال المخالفة للشرع والقانون من بعض الحكام والمسؤولين – معتقدون الإسلام ومطالبون لإجراء أحكامه العادلة وإقامة القسط والعدل في شتّى الجوانب، فعلى المسئولين أن يفكّروا في مصالح الأمة ومستدعياتها ولا يوجبوا بأعمالهم وأخطائهم ما يوجب يأس الناس وانزوائهم عن الحاكمية بالكلية.
س: نسمع بمضايقات كبيرة يعانيها العراقيون المهاجرون والمهجّرون إلى إيران من بعض الأجهزة الإيرانية ما أسبابها وكيف يمكن معالجتها؟
ج – أنا في حالة الإقامة الجبرية بسبب محاضرتي في رجب 1418 وصرت منقطعا من كثير من الحوادث التي تجرى في إيران ولا اطّلع على تفصيل ما أشرتم إليه من التضييقات على الاخوة المهاجرين والمهجّرين من العراقيين، فلا يبقى لي إلا التأسف على عدم قدرتي في هذا المجال فأسأل الله تعالى مسبّب الأسباب أن يحلّ بقدرته جميع المشكلات، إنه على كل شئ قدير.
س: كيف تقيمون الخطاب الإسلامي الشيعي الموجّه إلى العالم وهل تقترحون آلية ما لتطويره؟
ج – لا ريب أن مذهب التشيّع المتّكئ على المباني الاعتقادية والعملية المأخوذة من أهل بيت العصمة والطهارة، بذاته مذهب غنّي يساعده العقل السليم، ولكن ربما التصق به بمرور الأزمنة والأجواء بعض الآراء الفاسدة التي يشمّ منها الغلوّ أو ما يحكم العقل السليم بفساده، فعلى العلماء الخبراء أن يسعوا كثيرا في تخليص المذهب من هذه الآراء الدخيلة ولا سيّما في حوزة الاعتقاد. وبذلك ينجذب إليه طبعا أهل العلم والثقافة من جميع الأمم وتستقبله الجوامع الراقية.
ويجب أن يتوسّل لبيانه ونشره في جميع البلاد بأنواع اللغات الرائجة والوسائل الجديدة من قبيل الراديو والتلفزيون والإنترنت. فهذه وظيفة شرعية على عهدة المتمكنين علما أو مالا. قال الله تعالى في [سورة الأحزاب: آية 93]: (الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفي بالله حسيبا) فالطاقات والأموال التي تصرف في طريق إعلاء كلمة الله ونشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لا تخفى على الله تعالى بل يحاسبها ويجزي أهلها الجزاء الأوفى.
س: منذ أحداث سبتمبر وتهمة الإرهاب تلاحق المسلمين أينما اتجهوا ما العمل للخلاص منها؟
ج – أحداث سبتمبر الماضي في أمريكا لم تكن مما يساعده العقل والشرع وكانت من افحش الظلم على الإنسانية، فعلى الاخوة والأخوات في جميع البلدان أن يعلنوا البراءة منها. ولكن لا يخفى أن العاملين لهذه الأحداث الفظيعة كانوا يوما تحت حماية دولة أمريكا. ومن خصال القوى الاستعمارية انهم بطبعهم الاستعماري لا يتورعون عن إحداث نظير هذه الأحداث في سائر البلاد لأهدافهم السياسية الشيطانية إما مباشرة أو بالتسبيب، فانظر كيف تُحدِث إسرائيل وليدة الاستعمار في البلاد الفلسطينية أحداثا فجيعة من القتل والتخريب والتدمير وتؤيدها أمريكا وتساعدها على ذلك. ولا يشعرون أن في نظام التكوين لكل صوت ردّ صوت، ولكل فعل ردّ فعل.
ونحن نقرأ في نهج البلاغة (الحكمة 674) خطابه (عليه السلام) لعامله على فارس وأعمالها: (استعمل العدل وأحذر العسف والحيف فان العسف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف).
فعلى العقلاء والخبراء من كلّ أمة وفي كل بلدان يراقبوا رؤساءهم ويمنعوهم من الظلم والعنف على سائر الأمم والبلاد ويعتبروا بما حدث في أمريكا نتيجة لما كان يصنع عمّالها في سائر البلاد.
س: على أي الأسس يجدر بالوحدة الإسلامية المنشودة أن تقوم؟
ج – قال الله تعالى في [سورة آل عمران: الآية 301]: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا) وقد أعلنت أنا سابقا بمناسبة اختلاف الشيعة والسنّة في يوم ولادة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أسبوع الوحدة ولم يكن المقصود تشيّع السنّة أو تسنّن الشيعة بل اتحاد جميع المذاهب الإسلامية بما هم مسلمون في ناحية الاقتصاد والسياسة في قبال المستكبرين والمتجاوزين.
فعدد المسلمين في أنحاء العالم يتجاوز عن مليار ومأتي مليون نسمة وهم مع اشتراكهم في أصول الإسلام وفرائضه ومعنويّاته، يملكون كثيرا من منابع الثروة والإمكانات الماديّة التي تحتاج إليها الأمم أيضا. ولكن مع الأسف وقع كثير منهم في بعض البلاد تحت سلطة المتجاوزين ولا يدافع عنهم رؤساء الدول الإسلامية رعاية لرضى اليهود والنصارى، فمن العار تجاوز الصهاينة مع قلّة عددهم على فلسطين والقدس الشريف وقتل النفوس البريئة وتخريب البلاد ولا يتجاوز دفاع رؤساء بلاد الإسلام عنهم عن الشعارات والحماية البرّاقة اللفظية، فتجديد مجد الإسلام وعظمته وشوكته لا يتحصّل إلا باتحاد المسلين عملا، والاحتراز عن موجبات التفرقة بينهم.
س: إلى أي حد يمكن للفقيه الإسلامي آن يخوض في السياسة بمفهومها المعاصر؟
ج – وظيفة الفقيه – بما هو فقيه ومتخصّص في الفقه الإسلامي – النظارة على القوانين الموضوعة والاجرائيات والقضائيات بلحاظ موافقتها لموازين الإسلام وعدم انحرافها عنها، وعدم التجاوز بحقوق الأمة ولاسيّما الضعفاء منهم، وأعمال الولاية الشرعية في الموارد النادرة التي انسدّت فيها الطرق القانونية ولم يبق فيها مجال إلا لاعمال الولاية موقتا، وليس له التدخّل فيما ليس أهلا له ومتخصصا فيه. والذي يوجب يأس الناس عن الحكومة الدينية وانزوائهم عن الحاكمية ليس إلا تدخّل الفقيه أو عمّاله فيما ليسوا أهلا له، واستبدادهم في بعض المسائل المهمّة المرتبطة بالأمة.
س: ما تبرير السكوت عما يجري في فلسطين المحتلّة وهل تجدي بيانات الاستنكار نفعا في ظروف القهر والاستلاب والقمع الذي يتعرض له المسلمون أينما وجدوا؟
ج – من الواضح أن مجرّد التجمّعات وإصدار البيانات الاستنكارية والشعارية لا تجدي نفعا في قبال القهر والاستلاب والقمع الذي يتعرض له المسلمون في فلسطين المحتلّة وبعض البلاد الأخرى، والمسلمون بإمكاناتهم المادّية التي أنعم الله عليهم يقدرون على الدفاع عملا بالاتحاد والاعتراض على إسرائيل وحماته، ولكنهم – مع الأسف – يراعون رضا الدول الاستعمارية ويخشون الناس كخشية الله أو اشدّ خشية. وقد قال الله تعالى في [سورة المائدة: الآية 15]: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة).
س: هل يجوز العمل الحزبي في الإسلام؟
ج – الإسلام لا يخالف التشكل والتحزّب بل يرغّب فيه. وربما يصير واجبا إذا توقف العمل بالوظائف الدينية أو السياسية على ذلك لوجوب المقدمة عقلا بوجوب ذيها. وكما يجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الموارد الجزئية الفردية يجب إصلاح المجتمع وسوقه إلى الرشد والسّداد، ولا يتيسر هذا إلا بتجمع أهل الفكر والصلاح وحصول التعاون بينهم في شتّى المجالات. وهل الحزب إلا هذا؟
ومن قِبل الأحزاب السياسية المستقّلة المتشكّلة من أهل الخبرة والرشاد، يرشّح الأفراد الصالحة لرياسة الدولة وأعضائها وينتخب الأصلح لذلك بأصوات الأمة، ثم تراقب الأحزاب أعمالها وأعمال عمّالها وتؤيدها في برامجها النافعة وتمنعها وترشد إلى الصلاح في أخطائها وانحرافاتها، وعلى هذا الأساس تستقر الدولة وتستحكم.
وفي عصر رشد الارتباطات وسعتها وكثرة شعب السياسة وعمقها لا يمكن إدارة المجتمع وإصلاحه إلا بالتعاون والتعاضد من ناحية جميع الطبقات.
وفي صدر الإسلام أيضا كان تشكّل القبائل والعشائر المختلفة وعقد العهود بينهم نحو تحزّب سياسي، فليس التحزّب أمرا حادثا غربيّا، بل كان أمرا مقبولا بين العقلاء من جميع الأمم، وإن كان تتفاوت أطواره على حسب اختلاف الشروط الزمانية والمكانية. والواجب على كل حزب سياسي صالح أن يفكر ويسعى في صلاح الأمة لا في مصالح نفسه وأعضائه.
س: طرح الإمام الشيرازي (ره) نظرية شورى الفقهاء المراجع ألا ترونها جديرة بالأخذ بها في عصرنا الحالي؟
ج – إن كان المترقّب من الفقيه المنتخب – بلحاظ تخصّصه في الفقه الإسلامي – نظارته على القوانين الموضوعة والاجرائيات والقضائيات من حيث عدم مخالفتها لموازين الإسلام فقط من دون أن يتدخّل في نفس الاجرائيات المتشعبّة المفوّض كل منها إلى أهله المتخصّص فيه، فتفويض ذلك إلى شورى الفقهاء أولى وأحوط، ويستلزم ذلك الاستفادة من أنظار الفقهاء المعروفين ويصير النظام لا محالة أتقن واحكم لصيرورته تحت حماية الفقهاء الممتازين ومقلديهم أجمعين.
وإن كان المترقب من الفقيه المنتخب كونه رئيس الدولة والمسؤول الأعلى في جميع الاجرائيات في شتّى الموضوعات فالواجب عليه وإن كان عدم الاستبداد بل الاستشارة في المسائل المهمّة والعزم بعد ذلك كما كان يصنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمره تعالى، حيث قال: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله).
ولكن تعدّد المقام المسؤول في هذا المجال يستلزم كثيرا الاضطراب والتزلزل في مرحلة العمل وحصول التوقف في بعض المسائل المهمة، وضرر هذا عظيم جدا. ولم نجد في التاريخ تعدّد الإمام والحاكم في زمان واحد في بلد واحد، بل كان المتصدي والمسؤول الأعلى واحدا، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الشركة في المُلك تؤدّى إلى الاضطراب). (الغرر والدرر ج 2 ص 68 – ح 1491) والتفصيل يطلب من محلّه.
والحمد للّه ربّ العالمين.