أ ف ب – خسر لبنان احد ابرز رجالات الدولة الاحد بوفاة الوزير الاسبق والمرجع السياسي فؤاد بطرس، عن عمر يناهز 95 عاما، بعد مسيرة حافلة بدأت العام 1959 في عهد الرئيس الاسبق فؤاد شهاب وتولى خلالها مناصب سياسية ودبلوماسية.
وقالت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية “غيب الموت السياسي اللبناني الكبير الوزير السابق فؤاد بطرس، عن عمر يناهز 95 عاما”، مذكرة بانه “تولى وزارات عدة في عهود رؤساء الجمهورية الراحلين فؤاد شهاب وشارل حلو والياس سركيس، أبرزها توليه وزارة الخارجية في عهد الأخير”.
وانتقل بطرس من العمل في المحاماة والقضاء الى المجال السياسي بعد تعرفه الى الرئيس شهاب الذي يعرف بأنه باني المؤسسات في لبنان وتطلق على عهده تسمية “الشهابية” التي كرر بطرس في لقاءاته انتماءه اليها.
وبدأت مسيرة بطرس بتولي حقيبة التربية والتصميم ثم حقيبة العدل، وحقيبة الدفاع في وقت لاحق. كما تولى منصب نائب رئيس مجلس النواب الذي يعود الى الطائفة الارثوذكسية في لبنان، خلال ولاية رئيس المجلس الراحل صبري حمادة العام 1960.
وبحسب موقع وزارة الخارجية اللبنانية الالكتروني، تولى بطرس اربع مرات حقيبة الخارجية خلال العام 1968 وفي الفترة الممتدة من كانون الاول/ديسمبر 1976 حتى تموز/يوليو 1982، وهي الفترة التي تخللها اجتياح اسرائيل للبنان مرتين في العامين 1978 و1982.
ويقول بطرس في مذكراته الصادرة عن دار النهار العام 2009 عن تلك الحقبة “تمكنت من الوقوف بقوة أمام التحديات الإسرائيلية، ومن تحقيق إنجازات دبلوماسية كان أبرزها استصدار قرار مجلس الأمن رقم 262 تاريخ 31 كانون الأول (ديسمبر) 1968 الذي ادان إسرائيل للمرة الأولى والفريدة لاعتدائها على مطار بيروت، ورقم 425 تاريخ 19 آذار (مارس) 1978 لاعتدائها على أرض لبنان”.
وكان النشاط السياسي الابرز لبطرس في السنوات الأخيرة، ترؤسه “الهيئة الوطنية لقانون الانتخابات” بتكليف من حكومة الرئيس الاسبق فؤاد السنيورة في العام 2006 واقتراحه قانونا للانتخابات النيابية عرف باسم “قانون فؤاد بطرس”، ويقوم على صيغة مختلطة تجمع بين النظام الأكثري والنظام النسبي، كان من المقرر اعتماده في انتخابات العام 2009 البرلمانية.
لكن الانتخابات لم تحصل منذ ذلك الحين بسبب الانقسام السياسي الحاد والخلاف على صيغة قانون الانتخاب وتداعيات الازمة السورية على لبنان.
وعمد المجلس النيابي الحالي الى تمديد ولايته لمرتين متتاليتين، ولم يتمكن منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 ايار/مايو 2014 من تأمين النصاب القانوني لانتخاب رئيس جديد.
*
نشر الوزير الراحل فؤاد بطرس مذكراته في “دار النهار”، ونشرتها “الجريدة” الكويتية على حلقات ما زالت متوفرة على الإنترنيت. وما يلي مقاطع منها:
سؤال إيران عن مصير الإمام موسى الصدر كان مجرّد “رفع عَتَب”
كنت تابعت أيضا في تلك الفترة قضية اختفاء موسى الصدر من خلال مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في الرباط بين العاشر والثالث عشر من أيار (مايو) 1979، وبعدما ارتأيت الذهاب شخصيا لحضور المؤتمر، كلفت سفيرنا في الرباط عادل إسماعيل إثارة قضية الصدر في جلسات العمل. وقد أظهرت الوفود العربية «لا مبالاة تامة تجاه القضية وبعضها استغرب إثارتها في المؤتمر» على حسب قول السفير إسماعيل.
ما أثار استغرابي أكثر، المعلومات الأخرى الواردة في برقية السفير إسماعيل. فقد ذكر أن وزير الخارجية الليبية التريكي سأله عندما علم أن الوفد اللبناني سيثير موضوع اختفاء الصدر «إذا كان من الممكن عدم إثارته بحجة أن ذلك سيفتح مجالاً لبعض الوفود للتعريض بليبيا لأسباب سياسية أخرى».
وبعدما أجابه السفير اللبناني بأن عليه إثارة المسألة بناء على طلب الحكومة اللبنانية، قال التريكي: «إن الرئيس (عبدالسلام) جلود بقي في إيران نحو الأسبوعين وإنه خلافاً لتوقعاته لمس لدى الخميني عدم اهتمام بهذه القضية ولم يحدثه عنها إلا بصورة عابرة».
كما نقل سفير لبنان لدى المغرب رد الفعل الساخر لوزير الخارجية السورية عبدالحليم خدام بعدما أتى الأول في خطابه على ذكر قضية الصدر: «ماذا، هل وجدت الإمام الصدر؟»، فأجابه إسماعيل: «ننتظر مساعدتكم للعثور عليه». عندها قال له خدام: «أنتم اللبنانيين لا تريدون أن تروا الحقيقة وجهاً لوجه، مسألة الصدر واضحة».
وفي البرقية نفسها، نقل السفير عادل إسماعيل فحوى مكالمة هاتفية مع رئيس الوفد الإيراني على الشكل التالي: اتصل بي رئيس الوفد الإيراني وسألني ما التدابير التي يمكن أن نطلب من المؤتمر اتخاذها. أجبته بأنني مستعد لطلب كل ما من شأنه توضيح قضية الإمام، لكنه يُخشى قيام ليبيا ومن معها بالاعتراض على أي تدبير نطلبه لعدم صلاحية المؤتمر، لأن قضية الإمام خاصة ولا علاقة لمؤتمر وزراء الخارجية بها، فأجابني: «إذن لا لزوم لتقديم أي طلب، وشعرت أن سؤاله لي كان رفعاً للعتب».
في العلاقات اللبنانية السورية
“خلال تشرين الثاني من العام الفين، تلقيت دعوة من الرئيس السوري بشار الاسد لزيارة دمشق والاجتماع به، بغية التداول في العلاقات اللبنانية السورية، وبصورة خاصة في العلاقات بين الفريق المسيحي وسوريا التي انتابها تدهور كبير. لبيت الدعوة وعقدت اجتماعا مع الرئيس الاسد في العشرين من تشرين الثاني. تبادلنا فيه الآراء ووجهات النظر في صدد العلاقات الثنائية، في جو حضاري وهاديء، وقد تميز بالمصارحة الى ابعد حدود. وأذكر انه عندما سألني الرئيس الاسد عما بالامكان القيام به من اجل تحسين العلاقات اللبنانية-السورية أجبته “في الواقع لم يعد لدينا شيء نعطيه، ليس الممكن إلا أن نأخذ، على أن نبدأ بإعادة النظر في كل الاتفاقات المعقودة بين البلدين في عهد والدك، لان فيها إجحافا في حق لبنان”.
تتابعت الاجتماعات بيني وبين الرئيس السوري على ثلاث دفعات لغاية السادس من ايلول 2001، ثم عقدت جلسة أخيرة سرية لم يعلم عنها في الثامن عشر من الشهر نفسه في منزلي مع موفد من الرئيس السوري، وغني عن البيان انها لم تؤد الى ما كان يرتجى منها على مستوى تصحيح العلاقات الثنائية”.
في الاخلاق السياسية
“لا مجال لمزيد من التوسع لا سيما فيما ينبغي ان يتصف به أهل السياسة من مؤهلات وميزات وحكمة في سائر الحقول بما فيها الحقل الاخلاقي، ولعل المأساة التي عاناها لبنان تشكل درسا للجميع فيحسنون التمييز بين حسنات ومساويء الجمود والحركة، وبين الصمود والتصدي، ويحسنون التصرف في ضوء الواقع متذكرين قول الرئيس جون كينيدي بأن عدو الحقيقة والواقع هو الاسطورة اكثر مما هو الكذب، فيكفون عن العيش في عالم الاسطورة، مواجهين الواقع والحقيقة بشجاعة ودون مواربة متحصنين بحسن النية وبالابمان بأن للقضايا والمصلحة الوطنية الاولوية حيال قضاياهم ومصالحهم الخاصة”.
في وجود لبنان
أصبح لبنان مهددا في كيانه ووجوده وهويته وقدرته على ان يشكل وطنا بالمعنى الصحيح بالنظر الى تعارض بل تناقض تصور أبنائه للدولة والوطن ووجهة نظرهم بالنسبة الى الطائفية ودورها، بحيث يصح ان يتساءل اللبنانيون – الى أي فئة إنتموا- والعالم اجمع، الى أي مدى ثمة قابلية لان يكون لبنان دولة ووطنا بالمعنى الصحيح والسليم، هذه هي المعضلة التي نبغي مواجهتها والتصدي لها بدون مواربة وتكذب وتحايل”.
وعن مغادرته وزارة الخارجية للمرة الاخيرة في عهد الرئيس امين الجميل قال الوزير الراحل ” أخبرني فاروق ابي اللمع انه التقى الرئيس امين الجميل الذي قال له “لا يمكنني ان اقبل بفؤاد بطرس في وزارة الخارجية، لديه شخصية قوية، إذا حصلت إنجازات سيقولون فؤؤاد بطرس حققها، انا اريد ان يقولوا هذه انجازات امين الجميل، لقد قررت ان اضع هذه الوزارة تحت إشرافي، أريد ان أقرر فيها وحدي وفؤاد بطرس ليس الرجل الذي يناسبني”.
في تجربته مع الرئيس الياس سركيس
يقول خرجت من قصر بسترس “مقر وزارة الخارجية اللبنانية”، للمرة الاخيرة، في تشرين الاول 1982ن ولم اعد اليه قط … وللتاريخ ان يحكم على تجربتنا انا وصديقي الرئيس الياس سركيس، – سلمنا وديعة الحكم للرئيس امين الجميل في ظروف افضل بكثير من تلك التي كانت سائدة يوم آلت الى الرئيس سركيس، على رغم ان الاحتلال الاسرائيلي كان جاثما على مشارف قصر بعبدا وعلى العديد من المناطق اللبنانية، فالسلطة المركزية بأجهزتها الامنية والادارية موحدة، والعامل الفلسطيني الضاغط إنكفأ الى غير رجعة، والتذابح بين اللبنانيين في كل المناطق كان قد توقف، وهذا كله لم يكن متوافرا للرئيس سركيس الذي لم يتسلم مكتبا صالحا للعمل في القصر الجمهوري في بداية عهده”.