إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
الثلاثين من شهر تشرين الثاني نوفمبر هو موعد الذكرى السنوية لهجرة يهود الدول العربية وترحيلهم. قد يدّعي البعض أنّ “يهود الدول العربية غادروا بلدانهم من باب الطوعية”، ومن الواضح أنّ هذا الادعاء هو تكرار لما ورد في الإعلام العربي طوال السبعة عقود الماضية، بهدف تجذير جزء معيّن من التأريخ مقابل التجاهل المتعمد من الجزء الآخر.
الأمر المؤسف يكمن بغياب الجرأة للاعتراف بالأخطاء التي تم ارتكابها سابقاً، والتمسك بنظرية الضحية والجلاد. والمؤسف أكثر هو تكرار ما جرى بحق المكوّن اليهودي في الشرق الأوسط، تجاه باقي الأقليات الموجودة فيه، ممّا يضطرها للهجرة إلى الغرب، ويُحوّل الدول المجتمعات العربية إلى مجتمعات ذات المكوّن الواحد.
لا يتم اختيار موعد الثلاثين من نوفمبر من فراغ، بل لأنّه يأتي مباشرةً بعد قرار التقسيم في 29/11/1947 الذي كان أحد انعكاساته اللجوء اليهودي من الدول العربية.
من مكوّن مخلص إلى أقليّة مضطهدة
كان يهود الدول عربية مواطنين مخلصين للدول التي عاشوا بها، انطلاقاً من مقولة باللغة الآرامية: « دينا دي ملكوتا دينا » – هذه المقولة اعتمدها الحاخامات في بداية فترة الشتات منذ القرن الأول ميلاديا، وهي تعني أنّ قانون الدولة المضيفة هو قانوننا (دين باللغات السامية القديمة يعني قانون).
لذلك حرص اليهود دائما على المساهمة في تحقيق التقدّم والازدهار للدول التي عاشوا فيها، وعملوا كل ما بوسعهم لتحقيق الأفضل من أجلها.
نموذجان بارزان بهذا الصدد هما، وزير المالية العراقي الأوّل، « ساسون حسقيل »، الذي سجل إنجازات للاقتصاد العراقي أكثر من أيّ وزير خلفه، والمهندس المعماري المصري « نعوم شبيب » الذي صمم برج القاهرة.
لكن هذه المساهمة وهذا الإخلاص لم يمنعا الأوساط المتطرفة في العالم العربي من الربط بين الصراع العربي–الإسرائيلي والمكوّن اليهودي العريق في الدول العربية.
هذا الخط كان يقوده آنذاك رئيس اللجنة العربية العليا، حج أمين الحسيني، الذي زار ألمانيا في عام 1941، في خضم الحرب العالمية الثانية، وتلقى من هتلر وعداً يؤكد أنّه بعد احتلال الشرق الأوسط من قبل النازية ستقوم ألمانيا بتدمير المكوّن اليهودي الذي يعيش في الساحة العربية تحت الرعاية البريطانية.
قبل ذلك في عام 1939 استقرّ الحسيني في العراق، وبدأ بالتحريض السافر ضد اليهود هناك، مستغلاً حالة عدم الاستقرار في المشهد العراقي بعد وفاة الملك غازي. عملية التحريض هذه مهّدت الأجواء لمذبحة الفرهود بحق يهود العراق في عام 1941، التي راح ضحيتها 200 شخص، ناهيك عن مئات الجرحى وعمليات النهب للممتلكات.
لم تختصر المذابح بيهود العراق في أربعينات القرن الماضي:
في تونس تم إرسال ألاف اليهود إلى « معسكرات العمل » النازية وتحويلهم إلى لاجئين أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي ليبيا تم ارتكاب سلسلة من المجازر بحق اليهود في الفترة ما بين 1945-1948.
قرار التقسيم وتداعياته
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وعشية قرار التقسيم، كانت القومية العربية في ذروتها. في أعقاب هذه الأجواء المشحونة، هدد ممثلو الدول العربية أنّ قبول خطة التقسيم سينهي وجود يهود الدول العربية. وقد بدأ العرب بتنغيص اليهود في دولهم عبر عمليات اضطهاد، ومصادرة الأموال والممتلكات وحقوق المواطنة.
بعد قيام إسرائيل تدهورت أوضاع يهود الدول العربية بشكل دراماتيكي، إذ أعلنت هذه الدول عن حرب ضد دولة إسرائيل الفتية، وأرسلت قوات وجيوش للمشاركة في حرب 1948.
في نهاية عام 2007 تم اكتشاف “مسودة قانون” (لم يتمّ ننفيذه) للجنة السياسية لجامعة الدول العربية، تم طرحها فور الإقرار على خطة التقسيم في الأمم المتحدة. نصت هذه المسودة على خطة كان هدفها الرئيسي اضطهاد يهود الدول العربية وتحويلهم إلى رهائن. نظرة إلى بنود الخطة تؤكد على انسجام واضح بين مضمونها وبين ما جرى على أرض الواقع بحق يهود الدول العربية.
تنص إحدى بنود هذه الخطة:
“يندرج كل يهود الدول العربية ضمن دولة الأقلية اليهودية في فلسطين” – أيّ سلب مواطنتهم وتصنيفهم كأعداء– وينص بند آخر على تجميد حسابات البنوك التابعة لليهود، واستخدام أموالهم لتمويل الحرب ضد إسرائيل.
نتيجة هذه الإجراءات تم ترحيل حوالي 860,000 يهود من دول عربية كانت موطنهم لمئات وألاف السنين، وفي معظم الحالات، تمت مصادرة ممتلكاتهم بعد رحيلهم بدون أيّ تعويض.
“رحلة بدون رجعة” – هذا هو عنوان مجلة “آخر ساعة” المصرية من نوفمبر عام 1956 في أعقاب إصدار قانون يسلب المواطنة من يهود مصر.
بطبيعة الحال، التعامل مع يهود الدول العربية كان مختلفاً بين دولة وأخرى:
في سوريا مثلا، منعوا اليهود من المغادرة، وتم حجزهم كرهائن، في مصر تم ترحيل اليهود، في العراق، لم يبقَ أمامهم خيار آخر إلّا المغادرة، وفي المغرب وتونس عاش اليهود في هدوء نسبي تحت رعاية الحكام.
اللاجئون الذين تم نسيانهم:
يدل تسلسل الأحداث أنّ الدول العربية لم توفر لليهود في أراضيها أيّ خيار آخر إلّا المغادرة واللجوء من عمليات الاضطهاد، إذ يندرج السواد الأعظم من اليهود المغادرين في هذه الحقبة الزمنية تحت عنوان “لاجئ” كما حددته وثيقة الأمم المتحدة في عام 1951.
قسم صغير من يهود الدول العربية اختار الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، لكن معظمهم اختاروا إسرائيل كبيتهم الجديد رغم الفقر والحياة المزرية التي انتظرتهم هناك في السنوات الأولى لقيام الدولة، حيث عاشوا في المعباراة وهي تشابه المخيم، بكافة تفاصيلها.
“المعباراة” – مخيم اللاجئين اليهود
لحد يومنا هذا لا يتم معاملة اللاجئين اليهود بشكل يتناسب مع مأساتهم. روايتهم لم تكن معروفةً بالحجم المطلوب، لأنّهم لم يبقوا لاجئين لسنوات كثيرة، وبنوا حياتهم من نقطة الصفر. في المقابل، يبدو أنّ هناك جهات تختار تكريس ثقافة اللجوء لدى الفلسطينيين.
تبرز بهذا الصدد التناقضات بين معاملة الأمم المتحدة لقضية اللاجئين الفلسطينيين مقابل معاملتها بقضية اللاجئين اليهود. فمنذ عام 1947 اتخذ مجلس الأمن حوالي 130 قرارات تتعلق باللاجئين الفلسطينيين، بدون اتخاذ قرار واحد يتعامل بصورة أو بأخرى مع 860 ألف يهود عاشوا في الدول العربية إبان القرن العشرين.
وفي حين قامت « أونروا » بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، لم تعطِ أيّ جهة مساعدة مماثلة للاجئين اليهود من الدول العربية.
تبادل سكاني
الأحداث التي جرت في تلك الحقبة الزمنية هي جزء من عملية تبادل سكاني اتسم بها القرن العشرين جراء صراعات قومية وإقامة أوطان جديدة. يفوق عدد سكان العالم الذين تم تهجيرهم جراء عملية تبادل سكاني خمسين مليون نسمة. فقط في أوروبا تعرض عشرين مليون سكان لعملية تبادل سكاني أثناء العقد الأول بعد الحرب العالمية الثانية. وقد استمرت هذه العملية لاحقاً خلال النزاع بين قبرص التركية وقبرص اليونانية، بين أرمينيا وأذربيجان، وبين الدول التي أُقيمت جراء انفصال يوغوسلافيا.
من هذا المنطلق نقول:
لنفترض أنّ الإسرائيليين قاموا بترحيل حوالي 750,000 فلسطينيين كانوا عائشين هنا عشية عام 1948 (مع أنّ الكثير منهم غادروا بأمر من الأنظمة العربية التي وعدتهم آنذاك بالعودة السريعة) ، لكن، في المقابل، العرب قاموا بترحيل رقم مماثل من يهود الدول العربية بمنتهى القهر والاذلال، علما أنّ حجم أموال وممتلكات يهود الدول العربية التي تمت مصادرتها تفوق 4 أضعاف من حجم ممتلكات الفلسطينيين عشية حرب 1948.
لذلك، ومع كل الأسف على كل إنسان فقد بيته وممتلكاته، ما جرى في عام 1948 هو تبادل سكاني وتبادل بالممتلكات: قسم من هؤلاء اللاجئين اختاروا التقدّم رغم المعاناة، مقابل قسم آخر اختار تجذير ثقافة المعاناة والمسكنة.
الاستمرار بنفس الأخطاء
لا شك أنّ الأنظمة العربية ارتكبت أخطاءً جسيمة في أعقاب قرار التقسيم.
كانت واحدة منها إسقاط الصراع العربي–الإسرائيلي على المكوّن اليهودي في الدول العربية لاحتواء غضب الجماهير في هذه الفترة المشحونة.
وقد تم تكرار هذا السيناريو بعد حرب 1967، حيث تم تحويل اليهود القلائل الذين بقوا في الدول العربية إلى كبش فداء في أعقاب هذه الهزيمة، ممّا أنهى بشكل شبه مطلق الوجود اليهودي العريق في الشرق الأوسط.
حان الوقت أن نتعامل مع حقائق التاريخ بموضوعية، بدون طمس تفاصيل الماضي كرهاً لعدو، أو حبا لصديق، خصوصاً أنّ عصر الأبواق الإعلامية قد انتهى، وقوة المنطق تغلبت على منطق القوة بحل الصراعات في أنحاء العالم.
* هذا المقال ورد إلى « الشفاف » من فائقة صالح، وهي يهودية عراقية تعيش في تل أبيب. وننشره لفتح نقاش حول هذا الموضوع التاريخي المهمَل.
مقال ركز الضوء على قضيه لا يعرفها الاغلبيه لما عليها من تعتيم وعدماثارتعا
لا بأس بعودة اليهود لبلدانهم العربية ، إنه أمر جميل جدّا، ويرحب به كل عربي، أنا كعربي أريد ذلك، وأنا متأكد لو ترك كل العرب السلاح وأصبحنا في المساجد فقط ، والمنطقة تحت إدارة دولية سيتحول اليهود للإسلام إذا رأوا أخلاق المسلمين ، الإسلام دين سلام ومحبة ، وكثير مما ينشر غلط وتشويه للإسلام ، فالإسلام دين العدل والمحبة والوئام ونصرة المظلوم وفلسطين أرض الكنعانيين منذ زمن ، لا أدري ما المشكلة ، لا يوجد مسلم ينكر ذلك أبدًا ، والرد على المعتدي ودفع الصائل والتنكيل بالغاصب وإقامة العدل قدر الجهد البشري،. المحصلة 300 مليون عربي ، وعدد اليهود لن… قراءة المزيد ..
“حرص اليهود دائما على المساهمة في تحقيق التقدّم والازدهار للدول التي عاشوا فيها، وعملوا كل ما بوسعهم لتحقيق الأفضل من أجلها”…. فائقة صالح هذا فيه الكثير من المغالطة, ويختلف من بلد إلى آخر , لا يمكن التعميم, وفترة انخراط اليهود في المجتمعات التي يعيشونها متنوع ومتناقض ومتباعد الزمن , بل حتى في إسرائيل توجد جماعات منفصلة عن بعضها رغم كلهم يحملون جنسية وديانة يهودية . هذا طبعا في اوروبا الغربية بسبب ان تم فرض عليهم إصلاحات. نابليون بونابرت قد فرض بالقوة على اليهود في فرنسا , ووضع عدة شروط في تغيير أسلوب حياتهم داخل المجتمع الفرنسي, بالمقابل يمكنهم الحصول على “المواطنة ” كفرنسيين . قبل… قراءة المزيد ..