لماذا الآن؟ لماذا الآن يصدر «حزب الله» وثيقته بالمحتوى الذي تنطوي عليه، وبهذا القدر المبالغ به من «التحضير» و«التقديم» والتغطية الاعلامية المنظّمة؟ لماذا بعد خسارته الانتخابات على الصعيد الوطني، وبالقانون البائد الذي ألزمنا به حليفه؟ وقبيل صدور بيان وزاري معروف لديه مسبقاً، اعطاه حقه بمبرّر وجوده، اي السلاح؟
فلنحاول الاجابة: لو ربح «حزب الله» هذه الانتخابات، هل كان سوف يضع معادلته الفظّة: إما «ديمقراطية توافقية» كالتي ارتضاها بعد الحكومة وبيانها، وقد تكرس فيهما سلاحه، وحقه بالفيتو؟ إما هذه اذن، او الغاء الطائفية السياسية. اي بالمعنى المضْمر لبنانياً: منح الحزب حكم لبنان باسم اكثريته العددية الطائفية، المتمكّنة بالسلاح، لا الاكثرية المواطنية. هل كانت المعادلة مختلفة لو اختلف الوضع؟ سؤال تؤجّجه الوثيقة بمحورية هذه المعادلة التي في متْنها.
وما بالك لو كان المطلوب منه الاجابة على سؤال و«التأسيس» و«اللبننة» المزعومين؟ الوثيقة ليست تأسيسية، كما اصر معجبو الحزب، وقد رحب بها احدهم بالتأهيل والستهيل للحزب الداخل عبر هذه الوثيقة الى «النادي السياسي اللبناني»…! فالدخول حصل عام 1992 ومن غير وثيقة، وكذلك التدافع الى مؤسسات الدولة بتسهيل من حليفته، «امل». الوثيقة هي لإعطاء معنى لهيمنة جديدة، تمرّس عليها الحزب خلال مقاومته اسرائيل، فأهّلته للسيطرة على الساحة اللبنانية. والمعنى وجد ضالته في تلك الصيغة المتذاكية: إما نهيمن أو نحكم. نوع من شحن سلاح المقاومة بالمعنى الذي يفتقده هذه الايام…
لذلك ربما لم تتناول الوثيقة اياً من المسائل المسكوت عنها في أدبيات الحزب المعلنة؛ مسائل تلوكها الألسن في بيئة الحزب وغيرها من البيئات، ولا تُنقل الى الحيّز الموثّق المعلن. لنبدأ من تموز 2006، حرب «الوعد الصادق»، بصفتها هي التي أسّستْ لهيمنة «حزب الله» على لبنان. هذه الحرب، من هم الـ15 خبيرا الذين قرروها، كما اعلن حسن نصر الله غداة انتهائها؟ أي هدف كان منها؟ وهل تحقّق «وعده» فعلا بها، لكي يسمّي مآلها «نصراً استراتيجياً وتاريخياً والهياً»؟ بأي معنى «عوّض» الحزب عن ضحايا هذه الحرب ومنكوبيها؟ هل تقدم لنا بجردة؟
مسكوت عنه آخر: في غزوة بيروت الثانية المسلحة في حزيران 2007، من قتل 85 مواطناً؟ من إتخذ القرار بترويع المدينة؟ وكيف؟ لماذا لا تكرر الوثيقة، او تنقض، ما قاله زعماؤها وقتها انهم كانوا بصدد التصدي لاعتداء اسرائيلي امني بعملية «نظيفة وسريعة»؟ تنظيف بيروت من العملاء… لنتكشف من بعدها، وبأقل من عامين، شبكة تجسّس اسرائيلية مؤلفة حتى الآن من 123 لبنانياً، ومن كل الطوائف؟ هل كانت آذان الحزب منصّتة للأعداء الاخوة وغافلة عن اداء «العدو الصهيوني»؟ كم من العملاء استطاع الحزب ان يلتقط في غزوته الثانية لبيروت؟ يريدون منك ان تخرس عن هذه الموقعة المجيدة بذريعة الفتنة وتوابعها من مؤامرات صهيونية… وإخماد الفتن كما يتخصص به «حزب الله» لا يتم الا بالسكوت عنها، بعد العمل على ادامتها.
مسكوت عنه آخر: الوضع في الضاحية الجنوبية لبيروت والتي هي تحت سيطرة الحزب. وقد تحولت الى منطقة إنفلات أمني وأخلاقي. لا يستطيع الحزب التصدّي لهذا الوضع في وثيقة يريدنا ان نصفها بالـ«تأسيسية». ماذا سوف يقول؟ انه استهتر بالدولة وبالمواطن «البسيط» في آن معا؟ وانه اليوم يريد ان يكون لبنانياً، فيحمل الامن الرسمي، الذي طرده سابقاً بذريعة انه قادر عليه؟
الأسلمة الدؤوبة للشيعة اللبنانيين. مسكوت اخير: كيف يثابر الحزب على إحياء كل اشكال الغيبيات وتغذية الشيعة بها بصفتها معاني للعصبية الشديدة؟ هل للحزب ان يقول لنا في وثيقة يريدها تأسيسية كيف يتم ذلك؟ وبالتعارض التام مع كل مفاهيم الدولة التي لا يكف عن المناداة باسمها، والمواطنة والقانون الوضعي؟
والخلاصة، هل ننتظر من حزب انتصر عنوة أن يؤسس لمرحلة جديدة من حياته بالنقد الذاتي؟
الكثيرون اعطوا للوثيقة أهمية لا تستحقها. وبعضهم بشّر بها بصفتها انعطافة للحزب عن اسلاميته وجهاديته وايرانيته الاولى، و«لبننة» تدريجية، لا بد ان تفضي الى ما يؤمل به (ولكن ما المأمول به؟). والبعض الآخر قارن بين الوثيقة الاولى للحزب عام 1985 وبين الوثيقة هذه. «ربع قرن من التجارب الناجحة كلها، غيرت رؤية الحزب لنفسه وللوضع اللبناني، فأصبح أقل جهادية، اقل اسلامية»… وكادوا يواصلون «اقل ايرانية»، لولا «ولاية الفقيه». والحال، ان الذي تغير يكمن في مكان آخر. عام 1985 في وثيقتهم التأسيسية الاولى كان اعضاء الحزب مناضلين شباناً صادقين، وها هم اصبحوا سياسيين مسلحين أصحاب عزوة وامتيازات. كانوا محرومين حقيقة، واصبحوا اصحاب غلبة وقرار. كانوا تحت نَير دولة ضعيفة متخاذلة، فاصبحت هذه الدولة تحت نيرهم بفضل تفوقهم العسكري عليها. أما التغير الأهم الحاصل عن 1985، فهو ما فعله الحزب بالطائفة التي سيطر عليها، من عصبية صاحبة حق بديهي يتعاطف معها المنصفون، الى عصبية مغرورة بانتصارها ينفر منها العزّل المقهورون.
بعض اليساريين السابقين نفشوا ريشهم عندما قرأوا في مقاطع من الوثيقة ادبيات اليسار الستينية الخشبية اياها، والتي لم يتغير فيها حرف الا الاتحاد السوفياتي الذي انهار «والحمد لله»، واستبدل بايران الاسلامية في الصراع الذي يراه الحزب ابدياً بين القطبين العالميين اليوم: ايران واميركا. لا يفهم سبب هذا الانتعاش اليساري بغير المكانة المفقودة لليساريين المتبقين وشحذهم للمواقع في ساحة امتلأت بغيرهم. والواقع ان استعارة وثيقة «حزب الله» للأدبيات اليسارية لا تنم عن حيوية الفكر اليساري بقدر ما تكشف عن كسل ذهني وعن تشبّث رؤيوي خصوصاً في النظر الى العالم بصفته منقسماً دائما وأبداً بين شر مطلق وخير مطلق. اميركا في وجه ايران بعدما كانت تواجه الاتحاد السوفياتي، اميركا محور الشر الخ. كل هذا التلاقي حول برامج خشبية بين اليسار و«حزب الله» منبعه الوسواس الاميركي، من بين وساوس اخرى مشتركة.
ومع ذلك تستحق الوثيقة اهتماماً. ها هي توثق بالنص لممارستين كانتا عائمتَين: الاولى، كما ألمحنا بداية، هي في الابتزاز السياسي غير المفضوح، والمرفوع بوجه بقية اللبنانيين، من غير الاشرف بين الناس. وصيغته بسيطة جدا: اما ان تقبلوا بالـ«الديمقراطية التوافقية» التي تلغي نتائج انتخابات ذات اكثرية واقلية، وتكرسّ غلبتنا وهيمنتنا؛ اما هذه اذن، أو نبحث بالغاء الطائفية السياسية الممهّدة للديمقراطية «الحقيقية» التي تعني الحكم لنا. وبما ان الغاء الطائفية السياسية لا يستطيع «حزب الله» ان يحقَقه، لأنه حزب ولد من رحم البنيان الطائفي، يزول بزواله… فان المعنى المستنبط من الابتزاز هو: إما نهيمن، وهذا واقع؛ أو نحكم، وهذا مستحيل. فيما الحكم بحد ذاته، أي ادارة شؤون الدولة ومؤسساتها، مؤجل الى زمن لا وجود له. ورفض البحث بالغاء الطائفية السياسية من داخل اهل النظام هو للردّ على هجومية الحزب الذي يريد بوثيقته تكريس هذه الوضعية حيث القرار الخافتْ، ولكن الاكيد، هو للسلاح.
أما العبث بعينه فهي المعادلة الاخرى المرفوعة في وجوهنا: دوام الاعتداءات والاطماع الاسرائيلية تجاه لبنان، ودوام غياب «الدولة العادلة القادرة» يؤديان بالمنطق الى دوام المقاومة ودوام السلاح. هكذا يقرر «حزب الله». ومكمن العبث ان دوام التنطّح مكان الدولة، ضمناً وبالسلاح، ثم دوام تهديد اسرائيل علناً بنفس هذا السلاح… لن يوقفا اعتداءات اسرائيل ولن يدعا اي مدماك من مداميك الدولة ينبني. والنتيجة، كما في «الغاء الطائفية السياسية»، كذلك في الاعتداءات الاسرائيلية وقيام الدولة: دوام الاولى وعدم قيام الثانية مشروطان بوجود الحزب على الساحة مسلحاً .
dalal.elbizri@gmail.com
كاتبة لبنانية-بيروت
المستقبل
وثيقة «حزب الله» السياسية، طبعة2009: نهيمن أو نحكم…
يجب على الحكومة ان تبحث اغلاق مواقع الانترنت وجماعات الشبكات الاجتماعية وقنوات التلفزيون التي تحرض على العنف والحقد والميليشيات الطائفية ومنها حزب الله الطائفي الذي دمر وقتل من اهل بيروت باسم المقاومة التي يتغنى بها الاستعمار الايراني والسوري مع العلم ان نقول لحزب الله الطائفي ان الجولان لا يتحرك فيها ساكن منذ ان احتلت.
وثيقة «حزب الله» السياسية، طبعة2009: نهيمن أو نحكم… جيلنا الذي عاش الثورات، بدءاً من عبد الناصر والبعث، لم يزدد إلا ضلالاً وجهالة وسخفاً وتخلفاً… وعنفاً و إرهاباً لن ترتاح لبنان ولا العراق ولا المنطقة ولا العالم الا بتغيير النظامين الايراني والسوري المصدرين والداعمين للمليشيات والقتل والإرهاب ولا يحتاج العراقيون ولا اللبنانيون ولا السوريون ولا اليمنيون الى جهد كبير ليعرفوا من هو المجرم الحقيقي الارهابي انهم النظامين الايراني والسوري المصدرين والداعمين للمليشيات والقتل والإرهاب، نعم ولن ترتاح العراق ولا المنطقة ولا العالم الا بتغيير النظامين الايراني والسوري المصدرين والداعمين للمليشيات والقتل والإرهاب ان النظامين منافقين وارهابيين في كل تاريخهم ويعتمدون على… قراءة المزيد ..