عرض التلفزيون السويدي مشهد الحمامة ليفني، كونها، كما يطلق عليها، الأقرب إلى معسكر الحمائم، وهي تصرح بأنه لايمكن السكوت أبداً على خروقات حماس وأنه ليس أمامهم إلا أن يحموا وطنهم ومواطنهم. ورجعت الكاميرا سريعاً إلى استديو التلفزيون ليظهر صورة عفوية للمذيعة متأثرة ومصدقة ومؤمنة تماماً بأنه من حق الاسرائيليين أن يحموا بلدهم من هؤلاء “الارهابيين”.
يقوم التلفزيون السويدي ببث صور المعركة بالعدل، دقيقة لغزة وأخرى لإسرائيل. دقيقة غزة تحصي عدد الشهداء الذين زادوا من توقيت نشرة إخبارية إلى نشرة أخرى خمسين نصفهم أطفال والأحياء هائجون فقط، ودقيقة لاسرائيل تعيد مشهد المصاب الاسرائيلي على حمالته الأنيقة محاطاً بوجوه أصحابه وممرضيه وأطبائه وكلها حزينة ومتأثرة. فإن نوقش أحدهم أين العدل بين الدقيقتين ستجد الأغلب يجيبونك القتل قتل والعنف عنف وليس مهماً بعده عدد القتلى.
وبعد يومين يبث نفس التلفزيون، صورة لأحد قياديي حماس، وبلده تحت القصف، يتحدث بصوت جهوري ووجه جامد وصدر عارم بأنهم لن يستسلموا وأنهم منتصرون لا محال. وفي اليوم نفسه، وفي قناة عربية، يصرح أحد رجال الإفتاء في سوريا بأنه لايجوز أن يقال عن أجسام الشهداء بأنها أشلاء وإن كانت مقطعة، لأنهم وإن كانوا أشلاء فإنهم عند ربهم منتصرون، مع إطالة الواو والنون. قرر رجل الإفتاء أن هذا الشعب خلق للآخرة وليس للحياة الدنيا. الحياة الدنيا يعبرونها عبوراً ليلدوا أولاداً للمقاومة، ويمضون إلى الجنة ومن بعدهم يجب أن يفعل الخلف ما فعل السلف. يتزوجون سريعاً وقبل أن يتمتعوا بالزواج، ينجبون أولاداً ويمضون سريعاً لحمل السلاح، وهكذا فالقضية تنتظر.
ورغم كل المشاهد المروعة، فإن الأمر الأكثر استفزازاً هو إصرار ذلك المجاهد الفلسطيني على الموت مع زوجاته الأربع وطفليه، قائلاً قبل أن يقتل بأنه لن يغادر بيته.
ولكن ما معنى البيت المهدم والأمهات الأربع مع أطفالهم قتلى، فلماذا يجبر الولدين والزوجات على خياره “الشهادة”؟ أم كان واثقاً أن الاسرائيليين لا يقتلون الأطفال؟
كأن الطفل الفلسطيني خلق ليدق بين مطرقة هؤلاء وسندان أولئك.
يتساءل المرء فقط، ماهو في هذا العالم الذي يستحق ذبح الطفل، أي قضية وأي مبدأ وأي أرض وأي مستقبل يستحق من أجله أن يجوع الأطفال ويعذبوا؟
سيقال إن الوقت ليس وقت انتقاد في فلسفة المقاومة وآليتها. تتوالى صور أطفال فلسطين مذبوحين، وتتوالى صور الرجال المقاتلين وأيضاً المذبوحين، وصور أمهات برؤوس محجبة ووجوه ناقمة وقلوب تتفطر ألماً ووجعاً وبعضهن مذبوحات. فإذا كان هذا ايهود باراك لا يتورع أن يصرح بأنهم على وشك الوصول إلى هدفهم، ولكن عليهم بالصبر. فماذا يتوقع المرء من قاتل يسأل العالم أن يصبر عليه ريثما ينتهي من مهمته؟
فماهو رد فعل من يُسمون “العرب”؟ تصيح قنواتنا وجرائدنا العربية وتولول بالشتائم والسباب على اسرائيل وجرائمها، كأن الأمر جديد على الشعب الفلسطيني وكأن المشاهد العربي لا يعرف هذا ولم يختبره في حياته.
تلقيت رسالة على موبايلي، نداء للاعتصام في مركز مدينة ستوكهولم من أجل التنديد بالحرب الاسرائيلية على غزة. كان النداء تحت عنوان إسلام. ويفهم بأنه باسم إسلامك تَقَدّم وباسم إسلامك اصرخ، وباسم إسلامك اهجم. فإن كان صاحب الموبايل الذي قرأ الرسالة مسيحياً مثلاً، فإن النداء لا يعنيه، أو إن كان يهودياً بوذياً أو لا دين له فإن الأمر لا يعنيه. إن كان إنساناً متعاطفاً مع الضحية الفلسطينية، فإن الدعوة لاتعنيه. يجب أن يكون مسلماً.
دعونا نعترف أن كلمة إسلام ومسلمين صارت تحدث صدمة في نفوس معظم العالم غير المسلم. وهكذا يدمج المراقب الخارجي هذه الضحايا بتلك العقيدة، ويعتبر أن هذا الدين هو المتسبب بقتل هذا الشعب وكسر السلام والأمان وإقلاق راحة الشعب الاسرائيلي. والضحايا لا يفتأون يستخدمون نفس الرمز ويهجمون ويُقتلون.
كانت أكثر الأمثلة التي تعلمنا بها في الطفولة اللغة العربية ونحوها، جملاً تتناول حال حرب وانتصار وعقيدة وشهادة واستبسال. وكانت أكثر معلمات العربي تفضل تلك الجمل الجادة والخطيرة حتى ولو كان الموضوع الإنشائي عن الربيع مثلاً. و”سال دم الشهيد عل البساط السندسي الأخضر..”.
واليوم، ونحن في هذا العمر ونتعلم اللغة السويدية، يلتقي في الصف الواحد العديد من الجنسيات والقوميات. كان هناك فتاة اسرائيلية، اختارت حين جاء الدور عليها أن تتحدث عن أرض اسرائيل، المفروض أنها أرض فلسطين. قالت إنها أرض ساحرة بشمسها وهوائها ولطف الناس. كانت تصف المنطقة للطلاب وكأنها أرض سلام لايوجد فيها أي حروب ولا صراعات. تحدثت عن التآخي الديني الذي تسعاه بلدها والشعب الإسرائيلي وقالت إنك تستطيع أن تقرأ عبارات السلام في كل مكان وباللغة العربية والعبرية معاً. كانت قريبة على بعد مترين منا فقط، وكنت أحاول أن أفتش عن الكذب في وجهها، ورغم كل الكذب الذي تتفوه به، فإنها كانت صادقة لأنها تردد ما عليها أن تردد وتستخدم لغة خطاب مفيدة لدولتها وجنسيتها. وحين ختمت كلمتها بأن الأكلات التقليدية الاسرائيلية هي الفلافل والحمص، استثرت من ناحيتي تماماً وقلت لها إن هذا يكفي، لأنه لا يوجد لاسرائيل تاريخ طويل بالمنطقة لكي يكون لديها أكلات شعبية وتراث شعبي، لأنها شعب قدم من بلدان عديدة، وهذه أكلات لبنانية سورية، فقالت: نعم هذا صحيح. لا فرق المهم إنها أكلات المنطقة.
هذه هي لغة خطابهم، وهذا هو الواقع وهذا هو ما يحدث وما حدث.
أفلا نأخذ بالحسبان كل هذه الأمور؟ ما فائدة كيس التاريخ إن لم نفتش فيه ونتفكر بتلك الزوادة الماضين بها؟ حياة الفلسطيني تمضي ولكن لا أظن أن أحدهم يدري إلى أين، الموت أم حياة كلها قلق وخوف. يخطر في بال المرء أن هؤلاء المجاهدين يفعلون ما فعل سابقوهم وفاء لهم ولكي لايكون دم “الشهيد” راح هدراً، أو إيماناً كاملاً بأن الأرض لا تستعاد إلا بافتداء الأرواح. كان أبطال الأساطير يفعلون هذا، يقدمون الأضحيات اتقاء القوى الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها، أما تلك القوى العالمية فإنها واضحة وتقلع عيوننا كل يوم، فلم لا نتفكر؟
حين يردد الإعلاميون كلمات الصمود والمقاومة على لسان الشعب الفلسطيني ويحيونه ويحيون صموده وما إلى ذلك، ألا يستفز المرء ويسأل ولكن من استشار هذا الشعب؟ هل هناك من أجرى استفتاء حقيقياً لخيار الحرب والمقاومة، ولو بحارة واحدة من حارات غزة؟ هل هناك لجنة أهلية حقيقية، دخلت بيتاً فلسطينياً واستفسرت ماذا يعني الوطن للأم والأب والأخ؟ بظني أن الأم تجيب أن الوطن أن يلتم أولادي حول مائدة طعامي، والأب يجيب أن يسلم أبنائي، والأخ يجيب أن أدرس وأتعلم وأحقق حلمي. لا أظن أن أحدهم يجيب أنه يفضل الموت. إلا إذا كان مريضاً بهوس الجنة، وحينها يحتاج مساعدة نفسية وليس دفعاً إلى ساحة المعركة.
ألا يصادر على هذا الشعب الرأي، تماماً كما يحدث للشعوب العربية الرازحة تحت نير الديكتاتوريات؟ قد يكون الكلام معهوداً، ولكن آن لنا أن نتفكر بالتاريخ وبتغيير لغة تعليمنا ولغة خطابنا لأنها لم تفدنا بشيء، إنما نمسح وجودنا بأيدينا ونتلاشى.
فلماذا لا يرتاح المقاتل الفلسطيني سنة من عمر فلسطين، وليجرب؟ لن يضيع من الأرض أكثر مما ضاع، ولن تقوى إسرائيل أكثر مما هي عليه، إنما، ربما يعطى الطفل الفلسطيني فرصة أن يكبر بهدوء، والشاب فرصة أن يفكر ويختار، وربما، ربما، يأتي مبدع فلسطيني بحل ينقذ هذا الشعب وهذه الأرض.
وليكن حماس الشاعر/ واهجم على الدبابة بخنجر/ حكاية خرافية يسمعها الجيل ولا يصغي إليها، الجيل الذي من حقه أن يعيش نهاره بسلام وينام ليله بأمان ولو لسنة واحدة من عمره.
sarraj15@hotmail.com
• كاتبة سورية من حماه- استوكهولم
واهجم على الدبابة بخنجر!الأخ حسين العلوي إن ما تفضّلت به قد يكون صحيحاً فيما إذا نظرنا إلى مسألة الانقسام الفلسطيني على النحو الذي فسّرته. ولكن الحقيقة هي غير ذلك إطلاقاً، فالشعب الفلسطيني اختار حماس من خلال صندوق الانتخاب، وقد فاجأ ذلك العالم بمن فيهم حماس نفسها، التي لم تكن مهيئة للدخول في تجربة ديمقراطية حضارية لا على المستوى الفكري ولا على المستوى التقني، وما أن بدأت في ممارست صلاحياتها حتّى بدأ ذئاب السلطة تعوي، وأكمل سيمفونية العواء الاسرائيليون، وهكذا إلى أن أقصوا حماس نحو غزة كي يسهل حصارهم وقتلهم، وفي ذلك خطّة محكة بإعادة تقسيم ما تبقى من فلسطين، وقد… قراءة المزيد ..
واهجم على الدبابة بخنجر!الى كاتب التعليق محمد علي الشعب الفلسطيني لم يعد مقاوما. أنه شعب منشق على نفسه ويقاتل بعضه البعض. وقيادته قامت بأنقلاب عسكري على سلطة فلسطينية. ومارس رجال حماس فيه الأجرام الصارخ وقاموا برمي اعضاءالسلطة من البنايات العالية.. الفلسطيني الذي يقتل الفلسطيني بهذه البشاعة ليس مقاما بل مجرما وقاتلا لشعبه.. متى بدأت مقاومة الشعب الفلسطيني؟ من ايام عرفات؟ أتحداك اذا استطعت ان تذكر عرفات بخير في غزة. حين اقام الفلسطينيون مجلسا بمناسبة رحيلة رموهم الشرطمة الحمساوية بالرصاص وجرحوا اكثر من 100 شخص وقتلوا كثيرين.. لان عرفات بنظرهم كافر… الشعب الفلسطيني ليسوا فقط مسلمين بل مسيحيين. كم صار عدد… قراءة المزيد ..
واهجم على الدبابة بخنجر!
When i was reading your article , I was really laughing, because it is so funny. But when I finished and have a second to think, I felt so angry about those selfish senseless leaders who are taking our nation to slaughter.
واهجم على الدبابة بخنجر!مع الأسف هناك جملة من المغالطات في المقال ولكن يهمني أن تعلمي أولاً أن الفسلطينيين بالرغم من مآسيهم هم شعب مقاوم، وأظن أن هذا الأمر لا يحتاج إلى دليل.فهم شعب مطرود من أرضه بدعوى توراتية إلهية، وشعب غزة محاصرون منذ امد بعيد….وغير ذلك. ومن ناحية أخرى، فإن ماجرى ليس حرباً كما وصفت، وإنما عدوان همجي تدميري طال النساء والأطفال، وطال الطبيعة والمنازل والمدارس وغير ذلك مما رأينا من صور تبكي الحجارة. إذا كان بعض العرب مالو إلى السلام بالشرط الإسرائيلي خوفاً من تصاعد الفكر الإسلامي، ثمّ مال معهم اليساريون والليبراليون هذه الميلة الفاضحةبإدانة حماس باعتبارها المسبب للحرب.ترى… قراءة المزيد ..
واهجم على الدبابة بخنجر!وضعكم افضل . هنا-موسكو- بعد الهزيمة المنكرة لحماس ارتفعت درجة الفخر لجزء من البشر- ليس من الشرط ينتموا الى القومية اليهودية -رغم ان رحى الحرب تجري بعيدا عن حدودهم بكثير , الا انهم من جديد هم يدقوا طعم النصر على الشعب المعزول من السلاح .ماعادا بعض صواريخ بدائية الصنع من ايران والصين وباكستان . لقد سعت اطراف كثيرة-هنا- تبرهن ان قتل اطفال فلسطين ليس هدف انما حالة اضطرارية , لان رجال حماس يستخدموا الاطفال كمتارس بعد كل مرة يطلقوا قسام على مواطنيين اسرائيل , وهدى بحد ذاتة حقيقية مخزية , تمارسها كل المنظمات والقيادات من صدام الى… قراءة المزيد ..