“تعلّم المرشد الأعلى خامنئي درساً من عهد أحمدي نجاد يتمثل بعدم السماح مرة أخرى لسياسي باستخدام الانتخابات ومكتب الرئيس لإقامة سلطة مستقلة.”
*
كان مرشد إيران الأعلى آية الله علي خامنئي مسؤولاً عن جلب محمود أحمدي نجاد الى سدة الرئاسة في عام 2005 ودفع ثمناً باهظاً لإبقائه في هذا المنصب في عام 2009. ومع ذلك فقد اختار المرشد الأعلى هذه الأيام أن يجعل الرئيس كبش فداء للأزمة السياسية والاقتصادية الطاحنة في إيران.
وبينما يظل خامنئي صانع القرار النهائي في الجمهورية الإسلامية، فإنه يأمل في تجنب المساءلة عن سياسات النظام الفاشلة. وفي أعقاب الاحتجاجات التي تبعت الانتخابات المثيرة للجدل في عام 2009، وقف المرشد الأعلى بشدة إلى جانب أحمدي نجاد، وكان هدفه الرئيسي من وراء ذلك هو ضمان تهميش الإصلاحيين والرموز المعروفة منذ فترة طويلة مثل الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني. أما الآن وبعد أن أفل نجم ونفوذ الجيل الأول من القادة الثوريين، فإن الفائدة الوحيدة من أحمدي نجاد بالنسبة لخامنئي هي أن يحمله مُجمل مسؤولية المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وكانت الهيئة القضائية – التي يترأسها منافس الرئيس صادق لاريجاني – قد اتهمت إدارة أحمدي نجاد بأشد أعمال الفساد التي تمر بها البلاد منذ ثورة 1979. كما أن الهيئة التشريعية – برئاسة علي لاريجاني، شقيق صادق لاريجاني، الذي هو منافس آخر للرئيس – تلقي المسؤولية أيضاً على أحمدي نجاد حول سوء الإدارة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وانهيار غير مسبوق للعملة الإيرانية – الريال.
والآن يجد أحمدي نجاد نفسه يواجه انتقادات من كافة الاتجاهات. ففي مؤتمر صحفي عقده يوم الثلاثاء 2 تشرين الأول/أكتوبر شن الرئيس الإيراني هجوماً ليس على البرلمان فحسب بل على قوات “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني (“الحرس الثوري”)، ووسائل الإعلام التي تديرها الدولة والجهاز القضائي بسبب شنها هجوماً نفسياً يستهدف إفشال جهوده لحل الأزمة الاقتصادية. وجميع هذه الكيانات خاضعة لإشراف مباشر من خامنئي.
وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى يقرر جميع السياسات الخارجية والدفاعية، إلا أن أعضاء دائرة خامنئي المقربين يزعمون أن سياسات أحمدي نجاد النووية هي السبب وراء العقوبات التي وضعتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، التي أثرت بشدة على صادرات النفط والمصارف الإيرانية.
وفي مقال نُشر يوم الأربعاء 3 تشرين الأول/أكتوبر من على موقع “بازتاب” – إحدى وسائل الإعلام التي لها علاقات مع القائد السابق لـ “الحرس الثوري” محسن رضائي – اتهم كاتبه الرئيس أحمدي نجاد بالتدخل في المفاوضات النووية من خلال استبدال رئيس المفاوضين في ذلك الحين علي لاريجاني بسعيد جليلي. وادعى “بازتاب” أن لاريجاني قد توصل في عام 2008 إلى مسودة اتفاق مع المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في ذلك الحين خافيير سولانا، وأن ذلك المشروع قد حصل على موافقة خامنئي. ومع ذلك، فقد دحض أحمدي نجاد علناً هذا المشروع وأزاح لاريجاني عن منصبه.
ويبدو أن ذلك المقال كان يهدف إلى خلق ذريعة لتبرئة خامنئي من مغبة السياسات النووية للبلاد. وأثناء زيارة أحمدي نجاد الأخيرة إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ورد في وسائل الإعلام أنه قدّم عدة اقتراحات بشأن المفاوضات النووية مما أثار ردود فعل حادة وانتقادية من قبل رئيس تحرير جريدة كيهان حسين شريعتمداري – وكيهان هي صحيفة متشددة تُعرف على نطاق واسع بأنها اللسان الناطق باسم خامنئي. فقد انتقد شريعتمداري الرئيس بشدة بسبب تقويضه سياسات المرشد الأعلى. وكتب المحرر يقول “أرجو أن يأخذ [أحمدي نجاد] هذه الحقيقة بعين الاعتبار وألا يتصرف خارج صلاحياته القانونية”. كما نقل عن خامنئي باستشهاده الأسباب التي توجّب على إيران الإمتناع عن الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة.
وفي مؤتمره الصحفي، قال أحمدي نجاد إن التلفزيون الرسمي ووسائل الإعلام الأخرى ينتقدوه هو وحكومته بينما يمتدحون الهيئة القضائية والبرلمان في كل شيء، وذلك لـ”أنني الشخص الوحيد المسؤول أمام الشعب”. وفي يوم الأربعاء اتهم عدد من أعضاء البرلمان الإيراني الرئيس أحمدي نجاد بالغطرسة وعدم المسؤولية.
ومن الواضح أن أكبر صراع داخلي على السلطة هو محصور الآن بين أحمدي نجاد وأنصاره من جهة والمحافظين من جهة أخرى الذين يعتمدون على دعم خامنئي وحمايته. والتسعة أشهر الأخيرة من رئاسة أحمدي نجاد ستضع ضغوطاً متزايدة عليه. ويرجح أن يصبح ضحية ليس فقط لسوء الإدارة والأخطاء من جانبه، وإنما لجهوده الرامية إلى تأكيد سلطته المستقلة بعيداً عن خامنئي و”الحرس الثوري”.
وغني عن القول أنه من دون دعم “الحرس الثوري” لن يكون أحمدي نجاد قد فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في 2005 و 2009. إلا أن الرئيس يسخر الآن علانية من “الحرس الثوري” ويصفهم بأنهم “أخوان المهربين” دون أي خوف واضح من إزعاج أنصاره السابقين.
إن من صوتوا لصالح أحمدي نجاد، وغالبيتهم من العمال والقرويين من الطبقات الدنيا، يعانون الآن أشد المعاناة بسبب سياساته، وقد تضاءلت قاعدة سلطته السياسية بشكل ملحوظ. ولهذا لم يواجه خامنئي أية صعوبة في استخدام الهيئتين التشريعية والقضائية والدعاية الحكومية للهجوم على الرئيس وتحميله مسؤولية أي مشاكل تظهر داخل المجتمع الإيراني، بغض النظر عما إذا كانت تعود لسياسات أحمدي نجاد. والهدف من ذلك هو إثارة السخط الجماهيري بشأن الاقتصاد، الذي قد يؤدي إلى قيام اضطرابات شعبية واسعة النطاق.
لقد ثبت أن تجربة أحمدي نجاد تمثل درساً جيداً لخامنئي تجعله لا يسمح لأي شخص باستخدام الانتخابات ومنصب الرئاسة لإقامة سلطة مستقلة. وقد تم استيعاب هذا الدرس من قبل خلفاء أحمدي نجاد المحتملين، ومن بينهم رئيس البرلمان علي لاريجاني ووزير الخارجية الأسبق ومستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف. ولا يمكن تحدي خامنئي؛ فمعارضة الرجل الذي جاء بك إلى السلطة سوف تجعله يستبعدك بسرعة من تلك السلطة أو يقلل من صلاحياتك.
وفي الوقت الذي يتقافم فيه الصراع بين أحمدي نجاد ومنتقديه لا يزال خامنئي يتحكم في تطلعات الطامحين للرئاسة. يجب على الرئيس المقبل أن يُظهر قدراً كبيراً من التواضع وأن يكون مستعداً لتحمل قدر أقل بكثير من المسؤولية. ومن المرجح أن يتم اختيار خلف أحمدي نجاد من بين أولئك الذين يبتعدون عن الأضواء فيما يتعلق بالسياسة الداخلية.
كما يحتاج خامنئي إلى أن يجعل من أحمدي نجاد كبش فداء لو أراد بدء جولة جديدة من المفاوضات النووية في أعقاب انتخابات الرئاسة الأمريكية. ويستطيع القائد حينها أن يظهر نفسه باعتباره أكثر حكمة من أحمدي نجاد من أجل طمأنة الغرب بشأن عقلانيته وحكمته واستعداده للتوصل الى اتفاق. وهذا من شأنه أيضاً أن يسهِّل عليه تقديم تنازلات بشأن النزاع النووي أمام الشعب الإيراني.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.