سيكون من نافلة التذكير بأن الشيخ ياسين لا يرغب ولن يسعى لإصلاح النظام السياسي القائم. والأمر هنا لا يعود إلى كون النظام الملكي لا يقبل بالإصلاح كما تزعم وثيقة “جميعا من أجل الخلاص”، بقدر ما يتأسس موقف الشيخ ياسين من النظام الملكي وغيره من النظم السياسية على عقيدة العرفان بشقيها الشيعي والصوفي. فالشيخ يحمل مشروعا سياسيا نقيضا لكل المشاريع السياسية والمجتمعية التي تحملها القوى الحية التي يدعوها الشيخ إلى اللحاق به والتحالف معه على أرضية شروطه وأهدافه. وبسبب عقيدة العرفان التي يعتنقها الشيخ ويستمد منها منهاجه ومبادئه، فشلت كل محاولات التحالف التي دعا إليها. فالشيخ لا يكف عن اشتراط “القيادة الربانية” في أي تحالف معه. وباعتباره متشبعا بعقيدة العرفان، فهو يحصر “القيادة الربانية” في شخصه، ومن ثم لن يرضى أن تُسند قيادة التحالف لغيره. وسيكون من الأفيد إدراج شهادة الدكتور الريسوني في الموضوع كما نشرتها جريدة “التجديد” في حوار معه:
ـ سؤال: في بداية الثمانينات أرسل إليكم عبد السلام ياسين وفدا من أجل التحاور معكم في شأن توحيد الصف الإسلامي. لماذا لم يستمر الحوار مع جماعة العدل والإحسان، هل لمستم في توجه عبد السلام ياسين ما يجعلكم ترون أن التوحد معه غير ممكن، وأن أفكاره لا تناسب توجهاتكم؟
ـ جواب: قضيتنا مع الأستاذ عبد السلام ياسين كانت شبيهة بقضية السنة والشيعة. الشيعة عندهم أئمة يتناسلون، لا يختارهم أحد ولا يحتاجون إلى اختيار أحد، وأهل السنة يحتكمون إلى الشورى واختيار الزعماء وفق السنن الاجتماعية ووفقا للتداول. وقد أحسسنا عبر سنوات من اللقاء الشخصي والجماعي مع الأستاذ عبد السلام ياسين أن الرجل يرى أنه الرجل العالم المربي الذي استجمع شرائط القيادة: الشرائط العلمية والتربوية والفكرية والسياسية، فهو كان يبحث عن جمع العمل الإسلامي حوله، ونحن كلنا، أي ما سوى عبد السلام ياسين، كان لنا رأي آخر، وهو أننا لا نجتمع من البداية حول أي شخص، بل نجمع العمل الإسلامي ونضع الآليات ونشتغل وفق تلك الآليات، في حين كان لدى الأستاذ عبد السلام ياسين رؤية جاهزة لا تقبل المراجعة وكانت عنده مركزية ثابتة لا تقبل التغيير، فهذا في الحقيقة هو الإشكال الذي كان بيننا وبينه وهو الذي يفسر لماذا لم يمض الحوار معه طويلا… فالرجل له رؤية تشكلت، ويرى أنه بعلمه وطويل تفكيره ومنتجاته الفكرية وتجربته الروحية وغيرها يرى أن له رؤية، وأن على الغير أن يقترب منها ويحوم حولها، ثم يرى لشخصه مكانة مركزية وثابتة لا سبيل إلى زحزحتها، أما باقي المكونات الإسلامية، فكان رأيها هو تأسيس العمل الإسلامي أولا، ثم إرساء آلياته، وبعد ذلك ووفقا لهذه الآليات يتم الاختيار بطريقة ديمقراطية وشورية، فلم يكن للأستاذ عبد السلام ياسين القابلية للاندماج فيما نحن فيه، ولا كانت لنا القابلية أن نندمج فيما هو فيه.
( إن شهادة الدكتور الريسوني تكشف عن عدة حقائق على القوى الحية استيعابها :
أ ـ أن الشيخ ياسين ينصب نفسه “قائدا ربانيا” و “مبعوثا” إلهيا اصطفاه الله لمهمة إقامة “دولة الخلافة الثانية “.
ب ـ أن الشيخ يناهض الديمقراطية ويرفض الشورى منهجا وطريقة في إدارة أي تحالف كان. وهو بذلك يسفه دعوة وثيقة “جميعا من أجل الخلاص” إلى بناء تحالف على أسس ديمقراطية.
ج ـ أن الإسلاميين نفروا من كل دعوات الشيخ ومبادراته للحوار والتحالف بسبب تضخم أناه وميوله السلطوية.
د ـ أن الشيخ الذي لا يفتح مجالا للإسلاميين ـ وهم الأقرب إليه في المرجعية والأهداف ـ قصد المشاركة في صياغة إطار للتحالف لن يسمح أبدا للقوى الحية ـ وهي التي تختلف معه في المرجعية والأهداف ـ بما منعه عن الإسلاميين.
إذن أي دور يحدده الشيخ للقوى الحية في هذا التحالف الذي يدعو إليه ؟ الجواب على هذا السؤال يقتضي استحضار ثوابت الشيخ التي على كل طامع في التحالف أن يحتكم إليها. وأبرز هذه الثوابت : 1 ـ رفض إطار الدولة المدنية ( اللقاء مع الفضلاء الديمقراطيين يوم يسلمون أن الدين ما هو أيام الزينة والصلاة في التلفزيون يتظاهر به من يعلم الله ما في قلوبهم. يوم يعلَمون ويتعاملون مع أبناء الدعوة على أساس أن الدين ليس مجرد شعائر تعبدية، وإنما هو حكم بما أنزل الله )( ص 5 حوار مع الفضلاء الديمقراطيين). وهذا يترتب عنه إقامة دولة دينية وإلغاء كل الحقوق والمكتسبات السياسية والمدنية. 2 ـ الاندماج في جماعة الشيخ ( يدخل من الأحزاب والهيئات من يدخل في ميثاق جماعة المسلمين كما يدخل الفرد بالتوبة في عهد جديد، ينقطع بالتوبة عن ماضيه المختلط )( ص 89 حوار مع الفضلاء الديمقراطيين). مما يستوجب على القوى الحية أن تتنكر لقناعاتها الفكرية والإيديولوجية وتذوب في جماعة الشيخ وتتشبع بعقائده. 3 ـ مبايعة الشيخ “قائما” و “مُخَـلِّصا”( ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق، أولى الأولويات، من وجود قائم، قائم مؤمن بالله وباليوم الآخر، عالم بما فرض الله عليه.. منبعث للتنفيذ مخلص صادق، منتظم في جماعة المؤمنين )(ص 346 العدل). الأمر الذي يفرض على القوى الحية الطاعة التامة والخضوع المطلق لأوامر الشيخ. 4 ـ لا حلول وسطى ( فكيف بالحل الوسط بين الزور ساعيا بخطى سريعة إلى الهاوية السياسية وبين حركة شابة فتحت عينيها على الصدق فهي أهل للثقة لا غيرها )( ص 78، 79 حوار مع الفضلاء الديمقراطيين). الأمر الذي يلغي الحوار والاختلاف ويستوجب الولاء للشيخ.
إذا كانت هذه وضعية القوى الحية التي حددها الشيخ في الإطار الذي يضعه لأي تحالف معه، فماذا سيكون عليه وضعها داخل نظامه السياسي؟ مسألة نتناولها في مناسبة قادمة بحول الله.
selakhal@yahoo.fr
* المغرب