كثر الحديث في الآوان الأخيرة، وتحديداً بعد الفراغ في سدة الرئاسة، عن غياب المسيحيين وتحديدأ الموارنة عن الحكم، وبأن ما يحصل من فراغ يؤدي إلى غبن للطائفة. بل أنّ أكثر من يحمل همّ المشاركة المسيحية وحقوقهم هم المعارضة (بالتشديد على شقها المسلم)!
الحقيقة أنه بطبيعة الحال بعدم انتخاب رئيس بالمهلة الدستورية المنصوص عليها، تخلو سدة الرئاسة التي هي من نصيب الموارنة. أمّا لكي نقول أنّ الموارنة أصبحوا خارج الحكم بعد انتهاء عهد الرئيس اميل لحّود من غير انتخاب رئيس، فذلك يبني افتراضاً أنّ الرئيس لحّود كان يملأ مكانه ويحمل مجد طائفته ويحميها. بل أنّه في الواقع أن سدة الرئاسة خسرها المسيحيون منذ أن تسلمها العماد لحّود العام 1998 وربما حتّى قبل ذلك. إنّ اغتصاب الرئاسة ليس بالضرورة كما نعلم جميعاً أن يكون عضوياً أي الغياب العضوي لرئيس ماروني على سدةّ الحكم كما هو حاصل الآن. فالرئيس السابق، وإن كان مارونياً أباً عن جد، فالرئاسة في عهده إفتقرت بشكل واضح إلى روح المارونية أي الروح السيادية الإستقلالية العنيدة. ورغم ما قد يبعثه هذا الحديث من خلاف حول تحديد من هو الماروني الحقيقي، وما هي المارونية الحقيقية، ومن هو المخوّل بالتقرير. ورغم حذرنا الشديد من التصنيف، فإننا بشكل واضح نجد كم يفتقر الرئيس السابق إلى الصفات التي امتلكها رؤساء جمهورية كانوا قادرين على بعث الثقة والطمأنية في قلوب المسيحيين.
أمّا استعادة المسيحيين لدورهم فلم تحصل ولو جزئياً سوى بعد “ثورة الأرز” أي بدايةً مع عودة العماد عون من المنفى الباريسي، تلاه تشكيل حكومة لبنانية الهوى، ومع هذه الحكومة تم العفو عن الدكتور سمير جعجع بعدما قبع 11 عاماً في زنزانة تحت الأرض. هذه الأحداث أدّت إلى عودة القادة المسيحيين إلى الساحة اللبنانية ليلعبوا دورهم المفترض، مع اختلاف جذري في الرؤية بين الطرفين أي بين من أمضى 11 عاماً تحت الأرض وبين من قضى 15 عاماً في المنفى.
وفي حين كان لحّود في سدة الرئاسة في واقع لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن القوة المسيحية الشعبية، كانت حكومة السنيورة تحتضن فريقاً من المسيحيين وكان كل الفرقاء المسيحيين ممثلين في البرلمان، وهذا بحدّ ذاته تطور إيجابي ما كان ليحصل لولا “ثورة الأرز” بعد 15 عاماً من الحكم السوري المباشر الذي عمل على القضاء على الحركات السيادية والمسيحية منها خصوصاً، ودفع إلى الأمام شخصيات مسيحية اختفت تلقائياً وبسرعة عند أول شرارة لإنتفاضة الإستقلال.
واليوم عندما نتكلّم عن غياب المسيحيين عن الحكم، خصوصاً عندما يتخطى الكلام الغياب العضوي في سدّة الرئاسة، أجد أن في الكلام فتنة. فحتّى القادة المسيحيين (من قوى الموالاة طبعاً) لا يعتبرون أن في خلو سدة الرئاسة تغييباً للطائفة-وكأن الغياب تم قصداً- بل أن المعارضة ترفع مراراً وتكراراً هذه المسألة لغايات في نفس يعقوب. إن الحكومة الحالية برئاسة السنيورة هي أفضل ممثل للمسيحيين بالمعنى المعنوي لخيارات المسيحيين وليس بالمعنى العددي-هذا إن كان ما زال عون يملك التمثيل العددي الأكبر. إن حكومة السنيورة هي تحديداً حكومة “ثورة الأرز” وهي تمثل شريحة واسعة من الأحزاب والتيارات ليست بالضرورة ممثلة عضوياً في الحكومة وعلى سبيل المثال لا الحصر حزب “الوطنيون الاحرار” و”الكتلة الوطنية”.
بالنتيجة، أجد أن الدور المسيحي والماروني بالتحديد لم يغب الآن بل بدأ تحديداً بالعودة منذ أن رحل الرئيس لحّود، وهناك طريق طويلة لاستعادته كاملاً. أم القول بأن خلو سدة الرئاسة أو ملأها كيفما كان هو دليل مشاركة المسيحيين أو عدمها، فهو قول تبسيطي جداً ويضر المسيحيين بشكل أو بآخر.
نحن لا نقبل أن يُنتقص من حقوق المسيحيين أبداً، بل نذكّر بما قاله المفكّر السيد هاني فحص ونضم صوتنا إليه وهو أننا لا نريد إلا أن يكون لدينا رئيس مسيحي ماروني للجمهورية حتّى ولو أصبح (لا سمح الله) عدد الموارنة 5000 نسمة.
fladi01@hotmail.com
* كاتب لبناني