إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ما أسباب تقديس اللغة العربية؟ هل هي سبب من أسباب تخلف الشعوب الناطقين بالعربية ؟
إن فكرة الاعتزاز باللغة منتشرة عند جميع الأمم والشعوب. اليهود كانوا يعتبرون العِبرية أحسنَ اللغات، فهي لغةُ الرب والملائكة. أما اليونان فقد كانوا يعتقدون بأن الإغريقية أرقى لغة، وغيرَها من اللغات بربرية همجية غير مفهومة. وكان الفراعنة يعتبرون الخُطوط واللغة الهيروغليفية والهيراطيقية هابِطة من السماء، وأنها هبة من الآلهة! والسومريون كانوا مُقتنعين تمام الاقتناع بأن الآلهة قد منَّت عليهم بلغة يتحدثون ويكتبون بها.
الغربيّون تخلصوا من تقديس لغاتهم لأن التركيبة اللغوية والثقافية تتطور كل يوم بتطور المجتمعات.
ولكن العرب كانوا وما زالوا متشبّثين باليقين المطلق بأن اللغة العربية هي كلام الله ولغة القرآن وأهل الجنة. يقول ابن تيمية: “لا ريب أن اللغة العربية هي أفضل لغة خلقها الله. هي لغة أفضل كتاب أنزل، ولسان أفضل نبي أرسل، وقد قال الله تعالى في كتابه “ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين”.
وهذا الإصرار لا يستند إلى أي دليل علمي أو تاريخي لغوي. فاللغة المستخدمة في القرآن تنحدر من الآرامية التي نبعت في قبائل المناذرة المسيحية غرب نهر الفرات في القرن الرابع-الخامس الميلادي قبل ظهور القرآن. بمعنى آخر، كانت لهجة من اللغات الآرامية .
“ابو حيان التوحيدي”، وهو فيلسوف وأديب من القرن الرابع الهجري يقول: “لقد سمعنا عن لغات كثيرة في الأمم منها لغة الفرس والروم والهند وخوارزم وأندلس والزنك والترك، وإن لم نستوعبها ما وجدنا فيها نصوع العربية، أعني الفَرَج والفضاء بين حروفها والمسافة بين مخارجها..”. والغريب أنه يعترف بأنها لغات لم يستوعبها فكيف به يحكم على عدم نصوعها؟
أدباء العرب يقولون إنها لغة فصيحة استنادًا على الآية: لتنذر قومك “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ”، اي اللسان الفصيح الكامل الشامل الذي يستطيع ان يُعبّر عن الأفكار العميقة!
في الواقع ليس هناك لغة عاجزة عن تعبير أعمق الأفكار. جميع الأفكار الفلسفية العظيمة التي تمكنت من إطلاق آفاق العقل الإنساني لفضاءات أوسع، وكانت ذات أبعاد أدت إلى الخير الخلاّق، كُتبت باللغات الإغريقية والالمانية والانجليزية والإسبانية والبرتغالية والروسية والهندية.
عباس محمود العقاد كان على رأي “الجاحظ” ينظر الى العربية كلغة شاعرة وتنفرد بفن العروض (جمال ودقة أوزان الشعر).
الأديب الناقد ابراهيم المازني يقول في كتابه “حصاد الهشيم” إن العرب ليسوا أشعر الأمم وأن الشعوب الآرية أفطن لمفاتن الطبيعة وجلالة النفس الإنسانية وجمال الحق والفضيلة، والذي ينكر فهو مكابر وضعيف البصيرة ويعاني من العصبية الباطلة.
أمير الشعراء احمد شوقي كان يفتخر بحرف الضاد لقول رسول الإسلام: “انا أفصح من نطق بالضاد”. وهو حديث ضعيف يفنّده الخليل بن أحمد الفراهيدي، المؤسس الفعلي للغة العربية المكتوبة، حيث يقول بأن “الضاد” ليست حصراً على العربية. وهي موجودة في الأثيوبية والأمازيغية. و”الحاء” توجد في جميع اللغات السامية.
صحيح أن الحضارة اليونانية القديمة كانت تُولي هي الأخرى أهمية مِحورية للبلاغة، ولكن بمفهوم مُختلف! فالبلاغة عندهم كانت تقوم على المعنى أكثر مما تقوم على التلاعب باللغة. كانت تقوم على الإقناع المَنطقي أكثر مما تقوم على سِحر الكلمات وتنميقها.
وكان عِشق العرب الأول هو التلاعب بالكلمات والبحث عن الغريب في الشكل أكثر منه في الجوهر. وقد بلغ استظهارهم لمهارتهم واستعراضهم لعضلاتهم اللُّغوية أن تبادلوا رسائل تُقرأ فيها الجُمل من اليمين أو اليَسار كما جاء في رسائل القاضي الفاضل والعماد الأصفهاني مثل: “سر فلا كَبا بِك الفَرَس” أو “سور حماه بربِّها مَحروس”. وقد امتدَّ هذا الجهد المنزوف عبثًا إلى الشعر.
د. عمر لطفي العالم، الباحث والمترجم والحاصل على دكتوراه في الدين المقارن بألمانيا، يقول في مجمع اللغة العربية بطرابلس في 11 نوفمبر 2023: “القرآن الكريم هو وحي مُنزل، وأنه يتميز بالفصاحة والبلاغة، وأن اللغة العربية هي لغة قادرة على حمل هذا الوحي وهو الحُجّة و المرجع والأساس لقواعد اللغة”! وهذا كذلك رأي مجمع اللغة العربية في القاهرة ودمشق.
الاعتزاز باللغة العربية غير المبرر وغير المفهوم وربط ذلك بالدين وتحويلها للغة مقدسة كقداسة القرآن في حين أنها لغة ككل اللغات، تتطور، تتغير، تعيش زمنها! فهناك كلمات وصياغات في اللغة العربية اليوم ما كانت متداولة منذ عشرة قرون، وكلمات أخرى مستجدة لم يعرفها مستعملو اللغة العربية حتى منذ خمسين سنة. نحتاج اليوم إلى فصل اللغة العربية عن القرآن. واللغة الفصحى التي نرمز إليها أحياناً بلغة ” سيبويه ” لم تكن في يوم من الأيام لغة تفاهم وتعامل يومي طوال الـ١٤ قرنا اللهم إلا في فترة قصيرة، وفي رقعة جغرافية محدودة بالجزيرة العربية.
٣٣٠ مليون عربي لغتهم الرسمية هي العربية الفصحى ولا يستخدمونها في الحياة اليومية، بل تُستخدم فقط في المكاتبات الرسمية و المؤسسات التعليمية والصحافة والأعلام. فشيخ الأزهر من جانبه لا يتحدث في حياته العامة الفصحى مع انه يُعتبر أحد حراس اللغة العربية!
وبحِسبةٍ بسيطة فإن ٨١٪ من المسلمين لا يعرفون يتحدثون اللغة العربية. لكن هذه النسبة لا تُمثل الواقِع اللغوي العربي؛ فالإحصائيات تدل على أن نِسبة الأمية في العالم العربي تصِل إلى نحو٥٠٪ ، ومعنى هذا أن نِسبة المسلمين الذين يُجيدون اللغة الفُصحى هي ٩٫٦٪ فقط لا غير. أي أن أكثرَ من٩٠٪ من المُسلمين يجهلون اللغة العربية الفصحى التي نعتبرها نحن الركن الأساسي للدين. كذلك هناك فقهاء تعمَّقوا في الدين، وهم لا يجيدون العربية إجادة حقيقية، مثل الفيلسوف والفقيه والمؤرخ الإسلامي أبي الأعلى المودودي، وقائد الثورة الإسلامية في ايران آية الله الخُميني. يُفاجأ كبار الشيوخ من العرب بشباب من بلاد إسلامية غير عربية يقرأون القرآن دون أقل خطأ وبِنُطقٍ جميل، لكنهم عندما يتحدثون إليهم بالعربية لا يَفهَم هؤلاء الشباب شيئا، ويلجأون إلى مترجم للتفاهم مع الأساتذة الممتحِنين.
بعض العرب ذهبوا إلى أبعد من قدسية اللغة إلى جعل الناطقين باللغة العربية فوق مستوى باقي بني البشر واحتقار اللغات الأخرى غير العربية.
في الحقيقة، اللغة العربية تعاني من جمود وتعقيد في قواعد الصرف والنحو ومشاكل الإعراب وكثرة علامات التشكيل التي تُغيّر النطق والمعنى، وهي كثيرة في اللغة العربية. وقد تم إلغاؤها أو استبدالها بالحروف في معظم اللغات!
وبسبب صعوبة النحو في اللغة العربية، يوجد في جميع المؤسسات الصحفية قسم يسمى بقسم تصحيح الكتابة العربية! وحسب موقع انفوغرافيك الإلكتروني تُعتبر اللغة العربية ثاني أصعب لغة بعد اللغة الصينية.
يقول جورجي زيدان، الأديب والمؤرخ الراحل في كتابه “تاريخ آداب اللغة العربية”: كلمة العين لها ١٠٠ معنى باللغة العربية، وكلمة العجوز لها ٧٧ معنى، وهناك ٣٠٠ اسم للسيف، و٢٠٠ لفظ يدل على ٣ معاني، و١٠٠ لفظ على ٤ معاني، وتُسمّى بالاسم الواحد ذو المعانيَ الكثيرة!
إنه ثراء وهمي لا نفع فيه ويؤثر على الدقة في المعنى وليس دليل على قوة واتساع اللغة بل ضعفها وقلة دقتها في التعبير وترهلها اللغوي. وهذا يفسر وجود أكثر من تأويل وتفسير للقرآن.
كما يُعقّب جورجي زيدان: “إن اللغةَ كائن حي يخضع لنواميس الحياة من نمو وتجدد وتطور”. وعندما نقول بأن اللغة العربية فيها عيوب لا نقصد من ذلك الإساءة، لأن جميع اللغات فيها مآخذ وعيوب ولكن عيوب اللغة العربية أكثر للأسباب التالية:
١- اقترانُ اللغةِ العربية بالقرآن، منَعَها من التجديد والتطوير. فلغةُ القرآن لم تُستَخدم في الحياة العامة طوال الـ ١٤ قرناً، حالها حال لغة الإنجيل اللاتينية!
٢- اللغات تُصّحح نفسها بنفسها وتتطور مع تطور المجتمعات. أما اللغة العربية فعيوبها تراكمية لا تُصَحَّح لأن القائمين عليها يجعلون الزيادة في اللغة كالزيادة في القرآن! وهذا قياسٌ غير صحيح، لأن القرآنَ والدينَ تشريع، واللغة هي من وَضْع الناس قابلة للتجديد والنقد والتنقيح والتغيّر من زيادة وحذف، كما حدث في لغة “شكسبير” التي خضعت لتبسيط النصوص النحوية المعقدة وتغيّرات صوتية وإملائية.
٣- يجب فصلٌ اللغة العربية عن الموروث الديني والتخلي تماما عن أسطورة انها مقدسة ولغة أهل الجنة وأن الله رفع من شأنها وآثرها على غيرها من اللغات، لأنها دعاوى عُنصرية تحمل كل أفكار نظريات التفوق الجنسي.
٤- تقديسُ اللغة العربية كَثّفَ من استعمال الموروث الديني ليس فقط في الحياة اليومية بل في التعليم والسياسة والاقتصاد، ومهّد للمرجعيات الدينية، “حُماة اللغة العربية”، للهيمنة على قطاعات الدولة، وكَبَحَِ سُبُل الحداثة في المجتمع.
كلامك سخيف لأن ٱستنادك إلى أمثال جرجي زيدان أبان عن حقدك الدفين للغة العربية.
نعوم تشومسكي يقول*فاتني خير كثير لجهلي أو عدم إتقاني للعربية* أو كما قال.
وغيره ممن أثنوا على هذه اللغة التي بجهلك جعلت مواطن قوتها مواطن ضعف.
جهل لم يقدم عليه غيرك من العالمين
في النصف الأول من العام الماضي ٢٠٢٣؛ عرضت استاذة فنون في جامعة امريكية صورا غير مسيئة للرسول/فارسية ومنغولية وانقسم الطلبة المسلمين بين معارض ومؤيد ؛ وبالنتيجة تم فصلها من عملها ؛ فقد اخذت الجامعة بأن الدين الإسلامي يقوم على التجريد ؛ وقرات كتابا لباحث عراقي يورد فيه كيف انقسم شيعة العراق في البداية حول رسومات لعلي والحسين والعباس كان يتركها بعض الشيعة الإيرانيين عند العتبات المقدسة ؛ ولاحظت في السنوات الاخيرة ازدياد مضطرد لدى الشيعة العراقيين في انتاج رسومات وحتى تاتوهات لآل البيت وازدياد الطلب عليها ؛ وهذا يوسع الفجوة بين السنة والشيعة التقليدية وهؤلاء لدرجة اعتبار ذلك دين ومعتقد… قراءة المزيد ..
أهم شيء على ماذا تحتوي هذه اللغة ؟ هل هذا المحتوى جعلهم يتقدمون ؟
الدكتورة العزيزة: كاتب المقال “مُسلم” ومكتَّر! وليس مسيحياً أو يهودياً (مع أنه يحق للمسيحيين واليهود.. أن “يبلّوا يدهم” باللغة العربية وغيرها من اللغات). “الشفاف” فخور بنشر مقالات حول اللغة، وحول صلتها بالقرآن أو غيره. ولكنني لست الكاتب. ولو بحثتِ تحت إسم “الدكتور محمد الهاشمي” لوجدتٍ على “الشفاف” دراسات ومقالات تنمُّ عن معرفة عميقة باللغة العربية منذ إخواننا “الفرس” حتى.. العظيم طه حسين. مع ذلك، معك حق في نقطة مهمة: هل يستطيع كاتب خليجي، أي كاتب سعودي أو قطري أو إماراتي او كويتي أو بحريني أو عُماني أن يتطرّق إلى مثل هذه المواضيع بحرّية وبإسمه الصريح؟ أو حتى بروفسور بريطاني مرموق… قراءة المزيد ..
لا أعرف من هو محمد الهاشمي لكن ما عرفته من هذا المقال هو جهل الكاتب بتاريخ اللغة العربية وكراهيته لصلة اللغة العربية بالقرآن الكريم.
ولا أعرف لماذا السيد شفاف يخفي اسمه على غرار كريستوفر لوكسمبرغ في ألمانيا، الذي يظهر بالمقابلات يتكلم عن التأويل- الذي يعني الكشف عن المعنى الأول- وهو يخفي وجهه الى جانب اسمه المستعار أيضا.
خطاب الكراهية لا ينفع ولا يجدي خيرا.
اي والله دوخونا بتقديس العربية وكأنوا ما في لغة غير العربية!