في آخر ظهور له على شاشة التلفزيون، حاول بشار الأسد القيام بكل الأشياء التي لم يوصي مكيافيللي، أستاذ السياسات الاستبدادية، بالقيام بها.
جمع الأسد كامل وزارته الجديدة وخطب فيهم محاضرة مرتجلة.
بدا الوزراء في اللقاء مرتبكين، غير متأكدين مما كان يتوقع منهم القيام به أمام الكاميرات. كان المفترض أن يبهجوا الرئيس، وبدأوا في تدوين ملاحظاته المشتتة بحماسة شديدة.
هذا ما جعل الحدث أشبه بفصل دراسي يملي فيه المعلم على التلاميذ ما ينبغي عليهم القيام به.
ولم يكن مدهشا، لبعض مشاهدي التلفزيون، أن يكون ذلك عرضا لكيفية عمل الديكتاتوريات، رجل يملي والآخرون يدونون ما يمليه.
بعد ذلك، أخطأ الأسد خطأه الثاني.
عندما تحدث عن حالة الطوارئ، ذكر أن البعض، والمفترض أنهم من داخل النظام، اعتقدوا أن تلك فكرة سيئة قد تضر بالأمن القومي السوري.
ينبغي على الديكتاتور ألا يستحضر أفكارا غير أفكاره إلا للسخرية، لأن الديكتاتور الذي يعترف بأن هناك أفكارا مناقضة لأفكاره داخل المؤسسة حكم يكشف عن تصدعات في سلطاته.
هذا الاعتراف يشير إلى أنه ربما يكون هناك متشددون داخل النظام السوري يفضلون «خيار حماة»، والذي يعني سحق المعارضة بكل قوة بغض النظر عن تكلفة الخسائر البشرية.
بيد أن العالم تغير منذ عام 1982 وأسلوب مذبحة حماة لن ينمحي بسهولة. فبموجب المعاهدات الدولية الجديدة، يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحريك دعاوى قضائية ضد رؤساء الدول بناءً على اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. (والتي حدثت بالفعل مع الرئيس الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش والرئيس السوداني عمر البشير).
من المحتمل أن الأسد رغب في إبعاد نفسه عن «خيار حماة» بشكل معلن، بحيث، إذا سارت الأمور بسلاسة دون أي عقبات، يمكنه ادعاء أنه لم يكن طرفا فيها.
محاولة الأسد أن يفتدي نفسه مفهومة. ومع أنه لا يزال في ريعان شبابه، إلا أنه لن تكون أمامه أي احتمالات للنجاح لسنوات، إن لم يكن لعقود، بسبب مواجهته اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية على نحو مروع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يبدو كخطوة حكيمة بالنسبة للأسد من ناحية شخصية، يعتبر غير حكيم في سياق السياسات الاستبدادية. فالحاكم المستبد الذي يلمح إلى أنه مستعد لترك أتباعه لقمة سائغة للأسود من أجل تأمين مخبئه لا يمكنه أن يتوقع مزيدا من الولاء من جانبهم.
وفي الوقت الراهن، ربما يتساءل البعض من داخل مؤسسة الحكم السورية عن ضرورة بقائهم على متن سفينة يستعد ربانها للقفز منها. كان خطأ الأسد الآخر هو الإشارة إلى معارضيه باعتبارهم «عملاء» لقوى أجنبية.
هذا تقليد قديم في السياسات الاستبدادية والغوغائية في العالم العربي. فهؤلاء الذين ليس لديهم ما يقولونه دفاعا عن أنفسهم دائما ما يزعمون أن نقادهم متورطون في مؤامرات تحاك من جانب أعداء في دول أجنبية.
وفي حالة الأسد، كانت المشكلة أنه قبل ثلاث دقائق، كان قد أطلق على هؤلاء الذين قتلوا على يد رجال الأمن خاصته اسم «شهداء» وعبر عن خالص أسفه لموتهم.
حسنا، إذا كان المئات الذين قتلوا في الانتفاضة السورية عملاء أجانب، فلماذا ذرف الرئيس الدموع حزنا عليهم؟
وكيف يتسنى لمتآمرين أجانب حشد الملايين في كل مدينة سورية؟
ينبغي أن يكون الديكتاتور ثابتا على موقفه حتى في ظل الظروف المتقلبة المتعذر اجتنابها. عالم الحاكم المستبد صريح وواضح؛ ففيه يكون الخيار بين الصديق والعدو. من المؤكد أن محاولة الأسد التحوط ضد المخاطر ستأتي بعكس النتائج المرجوة. ومن المثير للدهشة أن الدول التي ما زالت تعتقد أنه يجب إنقاذ النظام السوري هي الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران. ولهذا تصر وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، على الإشارة إلى بشار الأسد بمسمى «إصلاحي». ويظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تفضيله الأسد على من يسميهم «الإسلاميين المتطرفين في سوريا». كذلك ترغب إيران في بقاء الأسد في الحكم نظرا لأنه منذ السبعينات من القرن الماضي، ساعد نظامه طهران في تقسيم الكتلة العربية واكتساب سيطرة في لبنان.
بالإضافة إلى ذلك، كان إعلان الأسد أنه طلب دراسة إمكانية إجراء إصلاحات لم يتم تحديدها وتقديم مقترحات، خطأ آخر وقع فيه.
لم يكن حافظ الأسد ليفعل ذلك مطلقا. بل لم يكن حتى ليعلن أي القرارات اتخذها ووضعها موضع التنفيذ. فالشعب سيعلم بتلك القرارات من الخطب التي يدلي بها التابعون، وأيضا من المقالات الافتتاحية التي يكتبها المتملقون مادحين فيها الديكتاتور على آخر مجموعة من الأفكار السياسية التي توصل إليها.
لم يكن من الممكن مطلقا أن يجسد هاملت نموذجا لديكتاتور مثالي لأنه استحوذ عليه سؤال: أكون أو لا أكون؟
ما لم يدركه هاملت كان هو أن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرحه على نفسه هو: كيف أكون؟ ربما كان أكبر أخطاء الأسد ظهوره بمظهر من يقدم تنازلات وهو في موضع ضعف. والديكتاتور الذي يفعل ذلك يقدر له الإخفاق. لا يمكن إصلاح الأنظمة الاستبدادية تدريجيا. فهي كتل موحدة والتي ستنحل، حتى وإن تم تغيير جوانب من هيكلها.
لقد كشف ظهور الأسد على شاشة التلفزيون أمورا مختلفة.
فهو أوضح أن الأسد رجل منقسم على نفسه، متردد وغير قادر على اتخاذ قرار بشأن أي وسيلة يمكنه اتباعها. كما كشف أيضا عن أن نخبة الحكم السورية في حالة من الانقسام.
نحن نعلم أنه منذ عقد مضى، كان قد تم تشكيل «حزب الإصلاح» داخل النظام السوري. واستطاع الحزب أن يكسب العديد من الامتيازات في السياسات الثقافية والاقتصادية، لكنه عجز عن اتخاذ أي خطوة للأمام في الأمور السياسية.
ومنذ بضعة أيام، كان من الممكن أن نرى بعضا من أعضاء هذا الحزب على سطح الطاولة، يقومون بتدوين ملاحظات حسبما يمليها عليهم الأسد. وقد بدوا أكثر تقدما في العمر وفي حالة من الإرهاق الشديد.
ولن يستطيع أحد أن يخمن ما كانوا يفكرون فيه في حقيقة الأمر، باستثناء سؤال أنفسهم: أكون أو لا أكون؟
هاملت في دمشق
النظام في سوريا فاشل
وبشار الأسد طبيب فاشل فهو تخرج من جامعة اللي خلفه
وهو أيضاً ديكتاتور فاشل
وسيكون خروجه فاشلاً
ثم موته فاشلاً
مصيبتنا هي: كيف سمحنا لفاشلين مثل هؤلاء أن يحكمونا لمدة 48 سنة؟