تحت عنوان « “لغز” رفع العقوبات عن إيران: من يستفيد، ومن يبقى خاضعاً للحظر؟” نشر « الشفاف » مقالاً في ٦ آب/أغسطس ٢٠١٥، جاء فيه أن العقوبات باقية ضد “الحاج” سليماني، وشركات “الحرس”، و.. قطاع النفط! وهذا رغم الدعاية الإيرانية التي حاولت أن توحي أن إيران خرجت كلياً من نظام العقوبات. وجاء في تقرير « الشفاف » الصادر قبل ٨ أشهر تنبيه إلى أن العقوبات على قطاع النفط والغاز ستسقط مع استثناء أميركي مهم: فسيظلّ محظوراً على الأشخاص الأميركيين والشركات الأميركية التعامل مع شركات قطاعي النفط والغاز في إيران!
« لغز » رفع العقوبات ما زال مستمراً! وقد أجرت « الفيغارو » الفرنسية مقابلة اليوم الإثنين مع المسؤول الأميركي السابق لـ »ملف العقوبات »، ريتشادر نيفيو، الذي أصبح منذ العام الماضي أستاذاً في جامعة كولومبيا في نيويورك، يوضح فيه جوانب غامضة حول « المحظور » و »المسموح » أميركياً.
أهم ما فيها أن العقوبات على قطاعي النفط والغاز، وعلى التعامل بالدولار، وعلى “بنك صادرات”، وعلى كل الهيئات التابعة لـ”الحرس، وكذلك بيع طائرات “بوينغ” للنقل المدني، ما زالت كلها قائمة! وإبقاء العقوبات على قطاعي النفط والغاز حاسم بصورة خاصة،لأن إيران بحاجة ماسة لتأهيل آبارها، مما يعني تكنولوجيا أميركية حصراً، واستثمارات أجنبية ربما تصل إلى 150 مليار دولار.
في ما يلي نص المقابلة، علماً أن ما ينطبق على الشركات الفرنسية ينطبق على كل الدول الأخرى:
الفيغارو: الشركات الفرنسية الراغبة بالتعامل مع إيران ما تزال تشعر بقلق إزاء العقوبات المفروضة على البنوك. ما هو الوضع الحقيقي؟
ريتشارد نيفيو: إذا كنت تقصد بنك « بي إن بي باريبا »، فمشكلته هو أنه خرق نظام العقوبات. هذا البنك (الفرنسي) يملك فروعاً في الولايات المتحدة، وبذلك فإنه يصبح مؤسسة مالية اميركية، ويتم التعامل معه على هذا الأساس. وذلك سبب فرض عقوبات مالية ضده.
الفيغارو: نظام العقوبات الأميركي معقد. هل بات ممكناً الآن إجراء معاملات بالدولار مع إيران؟
ريتشارد نيفيو: ما زال ممنوعاً القيام بمعاملات بالدولار مع إيران!
الفيغارو: هل تستطيع الشركات والبنوك الفرنسية أن تتعامل مع البنوك الإيرانية؟
ريتشارد نيفيو: بالإجمال، العقوبات المصرفية انتهت. وتمّ سحب معظم البنوك من قائمة الأشخاص أو الهيئات التي لا يحقّ للشركات الفرنسية، مثلاً، التعامل معها تحت طائلة حظر تعاملها التجاري مع الولايات المتحدة. مثلاً، « بنك ملّي » لم يعد مشمولاً بأي عقوبات. مع ذلك، فإن البنوك الأوروبية تتخوّف من أن تعود الولايات المتحدة إلى الوراء. ووجه الخطر هنا هو أنه ما يزال يُحتمل أن تكون النظام البنكي الإيراني مرتبطاً بعمليات تبييض الأموال أو بعمليات تمويل الإرهاب.
من جهة أخرى، ما يزال محظوراً تقديم خدمات مالية لـ »حرس الثورة » ولـ»بنك صادرات ».
الفيغارو: هنا بيت القصيد: فالشركات الأميركية تحتج بأن الأميركيين يطالبونها بقدر من المعلومات حول شركائها الإيرانيين لا يمتلكه سوى جهاز إستخبارات…؟
ريتشارد نيفيو: ليس صحيحاً. ما يتوقّعه الأميركيون هو أن تقدّم الشركات الأوروبية إثباتاً حول حسن نواياها. فينبغي عليها أن تسعى للحصول على معلومات عبر محرك بحث « غوغيل »، ولدى الحكومات، وحتى من أجهزة المخابرات إذا دعت الحاجة، للتأكد من أن شركائها الإيرانيين ليسوا تابعين لأي من الهيئات الإيرانية المشمولة بالحظر. أما إذا اكتشفت لاحقاً أن أياً من شركائها الإيرانيين ينتمي إلى « حرس الثورة »، فسيكون عليها أن تتوقف عن التعامل معه تحت طائلة التعرّض لعقوبات أميركية.
الفيغارو: يعتقد كثيرون في فرنسا أن الولايات المتحدة تمسك خيوط العقوبات ضد إيران من أجل إعطاء أفضلية للشركات الأميركية. ما جوابك؟
ريتشارد نيفيو: أسمع هذا الكلام منذ سنوات. أستطيع أن أجيبك، انطلاقاً من خبرتي كديبلوماسي، أن الأميركيين في وزارة الخارجية الأميركية لا يقومون بعمل جيّد لخدمة المصالح الإقتصادية لبلادهم! وحينما كنت ديبلوماسياً مسؤولاً عن ملف العقوبات، فإن محور تفكيري لم يكن مصالح الشركات، بل الأمن القومي.
الفيغارو: يصعب تصديق كلامك…
ريتشارد نيفيو: هل تذكرون ما فعلت هيلاري كلينتون حينما كانت وزيرة للخارجية؟ لقد رفضت تقريراً كانت فحواه بذل جهود اكبر للدفاع عن المصالح الإقتصادية للولايات المتحدة. ولم تُحظَ تلك الدعوة بتأييد الديبلوماسيين الأميركيين الذين يعتقدون أنهم يعملون على مسائل تتعلق بالحرب والسلام، أي على مسائل سياسية.
إن القسم التجاري في الخارجية الأميركية لا يضم سوى 100 موظف. لو كنا نريد الدفاع عن المصالح الإقتصادية الأميركية، لكنّا رفعنا الحظر الأميركي لكي نسمح لشركة « إكسون » الأميركية بالتنافس مع شركة « توتال » الفرنسية. ولكننا لم نفعل ذلك، وما زال الحظر قائماً. نعرف أن نوايانا تثير الريبة. ولكن المسؤولين الأميركيين قاموا بتضحية. ولذلك، فمن المزعج أن نسمح أحداً يقول أننا نمسك بخيوط العقوبات….
يمكنك أن تبيع “إيفون” لإيران ولكن “بوينغ” لا تستطيع أن تبيعها طائراتها!
الفيغارو: هل ما زال صعباً على شركات أميركية مثل « بوينغ » أن تعود إلى السوق الإيراني؟
ريتشارد نيفيو: ما زال صعباً جداً. إن العقوبات التي نُطلِق عليها تسمية « العقوبات الأولية » ما تزال سارية المفعول، باستثناء المنتجات الزراعية، والمنتجات الصحية، والتكنولوجيا الشخصية. يمكنك أن تبيع هاتف « إيفون » في إيران بدون أن تتعرّض لعقوبات. أما « بوينغ » أو « إكسون » فلا يمكنهما العودة إلى إيران إلا بعد الحصول على ترخيص خاص من « وزارة الخزينة » الاميركية ينصّ بدقة على المعاملات التي تنوي الشركتان القيام بها. ويمكنهما طلب مثل هذا الترخيص الخاص، ولكنني متأكد أن « وزارة الخزينة » سترفض طلباتهما!
إن الشائعات الكثيرة حول زيارات رجال أعمال أميركيين إلى إيران تمهيداً لعقد صفقات تتضمن مبالغة كثيرة. ويمكن للأميركيين فعلاً أن يزوروا إيران بصفة « سيّاح »، ولكن شيئاً لا يحول دون اعتقالهم في إيران بتهمة أنهم « جواسيس ».
الأصل الفرنسي:
إقرأ آيضاً:
“لغز” رفع العقوبات عن إيران: من يستفيد، ومن يبقى خاضعاً للحظر؟”