باسندوة بما هو درع بشري:
من يدري إلى أين يتجه اليمن بجميع جهاته، وبعد أن تموضع في هباء القبائل والتقاتل، والحروب الطاحنة بين المليشيات وفرقاء السياسة الدارجين على مألوف انتهاك روح كل اتفاق، والمقيمين على الانتهاك بما في ذلك انتهاك المفهوم المحوري الذي ارتكزت عليه “المبادرة الخليجية”: لا غالب ولا مغلوب؛ بما يعنيه من إعلاء لمتطلبات التعاون وإشراك الجماعات التي لم تُستوعب، وتبديد غمامة التشوش التي أحاطت بالاتفاق من وهلة ميلاده؟
من يدري الى أين تتجه هذه البلاد؛ والى أي مدى يمكن التعويل على “نخبة” هشة ورثّة صعدت الى سنام السلطة فوق أشلاء وجماجم الأبرياء، ودولة تحولت الى غنيمة، وتشبّث ذئبي بالسلطة كان وما زال سببا رئيسا في تمزيق البلاد، وتصعيد الحس الدرامي بالانهيار في كل يوم ولحظة، وتحول الأجهزة المعنية، إسميّاَ، بحماية النظام الى أكبر خطر على النظام والسلم الأهلي والعام وعلى الحكومة التي تحولت، هي الأخرى، الى درع بشري يحمي أجهزة الأمن ويستهلك جل وقته وكل رصيده في الدفاع عن سقطات وارتكابات هذه الأجهزة مع التقدير لرئيس هذه الحكومة الأستاذ محمد سالم باسندوة!
من يدري الى أين تتجه هذه البلاد التي تفشت فيها العصابات والعصبيات بشراهة طاعونية، وتشكلت فيها تنظيمات موازية، ووزارات داخل الوزارات الى أن انصرفت كل وزارة عن وظيفتها وانحدرت لتصبح أدوات للتكسب والتكالب والتطاحن وتصفية الحسابات وتنمية النميمة والوشاية والرشوة وانعدام الأخلاق والقيمة؟
من يدري إلى أين تتجه هذه البلاد بعد أن كان انعقد الرهان على حوار يستلهم تاريخ تعايشٍ هش، ويتوسل ممكنات توسيع المشتركات وإدارة الانتقال بأدنى قدر من المخاطر. ولكنه كان دون مستوى استيعاب تحديات بيئة طاردة للحوار وجرداء من شروطه ودون مستوى استيعاب أو تفكر باحتواء قوى الطرد المركزي لفكرة بناء عقد جديد –دولة قانون إن شئتم- والتعطيل والتفشيل والتفخيخ والتفجير للحوار ولأي حوار من داخله وخارجه إذا ما كان يتقصد انجاز مشروع الدولة منذ أزيد من نصف قرن؟
من يدري إلى أين تتجه اليمن، وما هي الأسماء التي ستكون عليها في قادم الأيام والأعوام في ضوء الانحدار المتسارع الى القاع واستعار شتّى عوامل الانقسام وارتفاع أسهم الزعامات المؤهلة لقيادة البلاد إلى حروب أهلية وخراب مستدام!
من يدري كيف سيكون عليه الحال والمآل مع تنامي قوة التعصب والأفكار المسبقة والتنميط والتمذهب والتطييف، ومع تسنّم القبيلة لموقع الصدارة، خاصة تلك القبيلة التي تشتغل على الحرب وتغتذي وتستقوي بها وتنفتح على التمازج والتزاوج مع تنظيمات مثل “القاعدة” وأخواتها!
ولئن كانت المرحلة الانتقالية قد بدأت رسميا بتوقيع المبادرة الخليجية والآلية المزمنة في 23 نوفمبر 2011م، وانطلقت فعليا مع انتخاب الرئيس هادي وتأطرت مع انطلاقة مؤتمر الحوار الوطني في 18 مارس 2013، وكان من المفترض أن تنتهي في شباط فبراير 2014 فقد صار من الجائز القول بأن العملية السياسية –الانتقالية- اخفقت حتى الآن في إنجاز المهام المطروحة والتأسيس لعملية إصلاح دستوري تعالج هيكلية الدولة أو تنجز مشروع الدولة الذي كان وما زال غائبا.
من الواضح أن الإخفاق كان يرجع، غالبا، إلى واقع أن “المبادرة” لم تخاطب بعض الفاعلين للأحداث والمكابدين لها وحتى المتفرجين السلبيين، ولم تنشغل في البحث عن الاحتمالات المتناقضة لمرحلة ما بعد التوقيع، والأمد المتطاول للصراع وإصرار رأس النظام بأن لا يرحل وبقاء النظام بشقيه في ساحة الستين والسبعين، بكل ما يعنيه ذلك من تعاظم للحظوظ والاحتمالات الكارثية عوضا عن المرتجى الرومانسي العائم المتأتي عن “المبادرة الخليجية” والحوار الوطني.
فوزية عدن.. الصومال غير فقير
في الفترة من 15-22 نوفمبر كنت ضمن مئات الصحفيين العرب والأفارقة والأجانب الذين حضروا وتابعوا مجريات القمة العربية الافريقية الثالثة التي انعقدت بدولة الكويت التي انعقدت تحت عنوان “شركاء في التنمية والاستثمار” وكانت ناجحة بامتياز بفضل من العناية والتدبير والإدارة الكويتية، كما مثلت فرصة نادرة للاجتماع بصحفيين وكتاب كبار من شتى الأقطار العربية والافريقية والعالمية، كما مثلت فرصة لا تعوض بالنسبة لي للالتقاء بزملاء من الجزائر والصومال والسودان والاطلاع على مستجدات الأوضاع في تلك البلدان.
حرص بعض الزملاء الصوماليين على وضعي في صورة مستجدات الوضع في بلادهم، وعلى سبيل الفضول تابعت أحاديث رئيسة الوفد الصومالي الرسمي فوزية عدن نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية التي كان لها حضور لافت في المؤتمر، وحرصت على التأكيد بأن “الاستقرار في الصومال جيد بنسبة 80% وهنالك بعض المناطق آمنة بالكامل”.
وقالت عدن إن “حركة شباب المجاهدين في النفس الأخير ولا يعتبرون مشكلة في هذه المرحلة” مطالبة دولة العالم بالوقوف مع الصومال لتوفير فرص العمل لكي لا ينخرط الشباب في الحركة ويتحولوا الى شباب متطرف، ومشيرة الى أن الصومال تعرضت إلى حرب طويلة إرهابية وأهلية أنهكتها إلى أن استعادت صحوتها وصارت تتطلع بقوة الى استعادة مكانتها ودورها.
كانت فوزية عدن واضحة وشفافة في طرحها لمتطلبات بلادها وتحديدها لطبيعة المشروعات والاحتياجات، على عكس ما كان عليه حال وفد اليمن المرتبك والرفيع برئاسة المشير عبدربه منصور هادي ومرافقيه من مدير مكتب رئاسة الجمهورية ووزير الخارجية ووزير التخطيط والتعاون الدولي؛ إذ كان لافتا انه ما إن بدأ الرئيس هادي بإلقاء خطابه في القمة حتى سارع مرافقوه هؤلاء لوضع السماعات على آذانهم كما لو كانوا يريدون سماعه مترجما –حسب تعليق بعض الصحفيين العرب!
المهم قدمت الوزيرة الصومالية تقريرا متكاملا عن المشاريع المهمة، وعن مشكلات نزوح وهجرة الصوماليين، وعن استيعاب الدولة للعائدين والانشغال بمهمة خلق فرص عمل للعائدين والشباب، وعن مشكلة القرصنة وارتباطها ببطالة الشباب. وقالت إن الصومال يحتاج لبناء أجهزته وقواته الأمنية التي انهارت تماما، منوّهة إلى أن الصومال غير فقير فهو يملك أكثر من 8 ملايين هكتار صالحة للزراعة، إضافة إلى ان لديه اكبر ساحل في افريقيا يصل إلى 300,300 كيلومتر يضاف الى ثروة حيوانية كبيرة ناهيك عن النفط والغاز.
وقالت بوضوح: نحن لا نطلب المعونات فقط، وإنما الاستثمار وقد بذلنا جهدا كبيرا في وضع قوانين جيدة تناسب الاستثمارات وتؤسس لجيش قوي ولإنشاء مدارس وشق طرقات وخلق فرص جديدة للعمل وكل هذه الأمور تسير على خير ما يرام.
تحدثت عن فرص واعدة بالنسبة للصومال كدولة كبيرة تملك منافذ بحرية تفتقر إليها دول الجوار، ويتم من خلالها نقل البضائع من تلك الدول وإليها وتسويقها الى الخارج.
فيما خص وضع المرأة ودورها، قالت بأن المرأة الصومالية تتميز بوضع خاص وندي بالكامل مع الرجل في المجتمع الصومالي الذي يعطي الأولوية للمرأة التي تتمتع بجرأة ولديها حرية كبيرة.
وشددت على أهمية المصالحة بين كافة الأطراف والفرقاء… ذلك المساء.
بعد سماعي لحديث الوزيرة الصومالية أفشيت لأحد الزملاء الصومال سرا: هل تصدق بأننا نلوح بفزاعة “الصوملة” في وجوه بعضنا في اليمن رغم أن الشواهد تقول بخروجكم من نفق الاحتراب والتقاتل والتآكل!
وتمنيت عليه أن يكون كريماً ويسمح لنا بالاستثمار في مقولة “الصوملة” لأن الخيال السياسي الحربي في بلادنا أفقر من أن ينجز التعريف المناسب للحالة اليمنية.
كان الصديق الصومالي كريما على نحو لا يصدق حين عبّر عن استعداده بأن يغض الطرف عن استعلائنا النرجسي الجريح في التعاطي مع الشأن الصومالي والافريقي بصفة عامة، واخبرني بأن بلاده تعاني كثيرا من تهريب وتدفق الأسلحة من اليمن ومن التغذية المرتدة بـ”القاعدة”.
ونوّه إلى أمر خطير: من أسباب المحنة في الصومال كانت “النخبة” والكثير من الخريجين والمثقفين الذين سخروا ملكاتهم الفكرية والتنظيمية في خدمة الزعامات التقليدية والطائفية، القبلية والدينية بدلا من تقديم البديل الفكري والسياسي لتلك المنظومة.
إلى جانبه كانت زميلة سودانية كاتبة في يومية “الراكوبه” تؤيده بالقول إن محنة الصومال وكذلك السودان تكمن في الضعف التكويني للحركة السياسية.
في أذنها همست، أيضا، اننا نخشى من “السودنة”..
قهقهت الزميلة السودانية وهزت كافة أرجاء المطعم والدور الثاني في فندق ماريوت، وأردفت القهقهة بتعليق مفاده أن تجربة السودان خلال ربع قرن تمثلت في إهدار موارد البلاد وتفتت قواها الحية وملاحقة المثقفين والصحفيين الوطنيين والدعاة إلى تكريس ألفة جامعة بين السودانيين، وصولا الى تقسيم البلاد على أساس جهوي ديني، والى انفصال الجنوب عن الشمال، واحتراب لا تلوح له نهاية بين الشمال والجنوب، وتداعيات لانهيار كبير ومتطاول في الجنوب وفي الشرق والغرب.
ولم نختم السمرة بالتأوه على حالة بلداننا التي تعيش أزمة اندماج وطني، وهي أزمة كانت وما زالت سببا رئيسيا في الصراعات الداخلية وفي تغوّل الانتماءات والولاءات الأولية المتعارضة داخل كل بلد، ما أسفر عن هيمنة روح وسلطة القبيلة بدلا من مبدأ “المواطنة” وكان ذلك على ارتباط وثيق برأس الأفعى وبالأحرى النظام الحاكم المستند بالضرورة على جماعة قبلية، عشائرية أو طائفية تقوم على استبعاد الآخر والى سياسات حكومية محكومة بالروح القبلية.
قال الزميل الصومالي بأن الدكتاتور الصومالي الراحل محمد سياد بري لا يختلف عن المخلوع اليمني صالح الذي لا يتميز عن بري إلا في كونه رحل عن الحكم من غير أن يرحل.
وأوضح أن سياد بري كان يسند كافة المراكز السياسية والإيرادية الهامة في البلاد إلى أفراد قبيلته “الريحان”، وحينما ضاقت دائرة المشاركة تصدعت مراكز نفوذ السلطة “القبيلة” التي انحسرت في نطاق دائرته الخاصة وعائلته حتى انفلقت النواة القبلية للنظام وتفاقم شعور الجماعات الأخرى بالجور وانعدام الثقة وانفتح باب “الثورة” والحروب الأهلية التي شكلت تهديدا لكيان الدولة وقصمت ظهرها.
تناصحنا بإعادة قراءة جابريل جارسيا ماركير في روايته الفذة “مائة عام من العزلة” والتوقف أمام المقطع الخاص بكتيبة الإعدام وكيف كان أفرادها يشبهون بعضهم الى الدرجة ذهب معها الكاتب إلى القول: “كأنما ولدتهم أم واحدة”.
ذلك صنف الرؤساء والزعماء الذين كانوا مصدر البلاء ومجسم الابتلاء الماحق للشعوب المنكوبة في اليمن والسودان والصومال.
بعد عودتي الى اليمن وجدتني في خضم مستجد مثير يشكل علامة فارقة في حياة اليمنيين ويتدخل بقوة في منحى إعادة هيكلة المخيال الجمعي لليمنيين أو لـ”المقيمين” في أرجاء “اليمن” ويرسم خارطة طريق، بل وخريطة هذه البلاد بريشة القبيلة.
القبيلة هي وحش الشاشة و”الديناصور الملون” –حسب المفكر السقاف- والمستحاثة المستحدثة والمترامية في الامداء لحساب انكفاء وانحشار رموز المجتمع السياسي والثقافي وشتى المسميات المخاتلة في هذا المضمار في جيوب واحشاء هذا المكون الديناصوري الهائل والمرجعية التي غدت تدعو وتلح على جميع الأطياف والأطراف بأن يكونوا تحت إمرتها وفي ذيلها.
ثمة مفارقة صاعقة الظرافة في هذا المنحى وتكمن في استغراق القبيلة المركزية الحاكمة والمتحكمة بصنعاء بوهم أنها كانت وستظل صاحبة اليد الطولى والمحتكر الأوحد لحق البطش والنهب والاغتنام والإلغاء لغيرها.
المؤكد ان هذا الكائن يتمتع بكل تلك الصفات الآنفة ولكنه يفتقر إلى أبسط شروط الذاكرة التاريخية وليس بمقدوره –مثلا- ان يستعيد تصفح دفتر الأعوام الخوالي وما تضمنه من فصل خاص بصراع “القطبية الحضرمية الصنعانية” أو ما كان عليه الحال حينما امتدت مخالب الإمام المتوكل على الله اسماعيل إلى حضرموت في القرن السابع عشر الميلادي، واستولت عليها وعاثت فسادا فيها ولم يتعمر “احتلالها” للديار الحضرمية أكثر من عشرين عاما؛ اندحر بعدها بهزيمة نكراء على يد الحضارم الذين يتمتعون بصبر جِمال الصحارى ولكنهم عندما يثورون لا يتوقفون إلا بعد استعادتهم لرحيق الكرامة
ومائها والحق في اجتراح بطولة البقاء ومعجزة الوجود وان كان على الشظف.
في كل الأحوال ليس بغريب ان يتردد هذه الأيام القول بأن “دولة الحضارم على الأبواب” وأن حضرموت وضعت نفسها على عتبة تقرير مصيرها كإقليم يديره أهلوه فذلك هو الممكن والمتاح تحت مظلة الحمية والعصبية وتحت راية قبيلة “الحموم” التي قيض لها بأن تكون “حاشد” حضرموت وان في سياق ونطاق مختلف وبطبعة حضرمية. وقد قال مؤسس علم الاجتماع التاريخي العربي الأشهر عبد الرحمن محمد ابن خلدون وهو حضرمي الأصل: إن اختلاف نحل الناس في المعاش يقود إلى اختلاف أخلاقهم”.
في الأثناء كان على قوى الحراك الجنوبي السلمي أن تندرج تحت مظلة الهبّة بعد سبعة أعوام من الكد والشقاء وخوض غمار معترك التحرر من “الاحتلال الداخلي” ومن قوى النهب والبطش المتحدرة من سلالة القبيلة الاستيلائية الكبرى “حاشد” في صنعاء.
وقد بدأت القصة من ثنايا سرديات غابرة وغائرة القرون وترجع الى اليوم الذي كانت فيه حضرموت كيانا، حضارة ودولة معادلة تحمل اسمها العلم والمتعارف عليه جغرافيا وسياسيا وتاريخيا، كما بدأت تستعيد طراوتها عام 1998م حين قتل الشيخ علي بن حبريش شقيق الشهيد سعد بن حبريش الذي قتل في 2 ديسمبر 2013، وكانت أصابع الاتهام تشير يومها الى خال الرئيس المخلوع علي صالح القائد العسكري محمد اسماعيل.
ثمة تطورات ومستجدات كثيرة طرأت وقفزت بالمقدم سعد بن حبريش شيخ قبائل الحموم إلى موقع الصدارة، على خلفية عدم تبلور التعبير القوي والموحد للحراك الجنوبي السلمي، والفراغ الذي كان يتوجب على القبيلة أن تملأه وتتحين الفرصة لشغره لتكون في الصدارة وضمن متوالية انقلابية على التراتب المستقر في حضرموت والذي كان فيه السادة يحتلون المرتبة الأولى وبعدهم العلماء والأعيان والمناصب، وثالثهم القبيلة.
بالمناسبة كان للعصبية الصنعانية دور مهم في حفز عناصر شروط كسرها واستدعاء جحيمها عبر اعتمادها على مرتكزات متماهية معها واعتقادها بسهولة إمكانية تدبير مشائخ وقبائل مطواعين يمحضونها الولاء والطاعة، ولم يدر بحسبانها أنها بذلك تستدعي من ينطوي على عنصر التمرد والانشقاق عليها ويتحرق الى الانعتاق والتحرر من ربقتها؛ وعلى ذلك قفزت إلى السطح قبيلة “الحموم” الحضرمية العتيدة والعنيدة بزعامة الشيخ المقدم سعد بن حبريش الذي قتل في 2 ديسمبر بعد أن كان بذل جهودا كبيرة لعقد مؤتمر لكل قبائل حضرموت في 4 يوليو 2013 تكلل بالنجاح وخرج بوثيقة حلف، وتشكيل رئاسة
للحلف الذي حددت فيه القبائل مطالبها في بيان صدر في نفس اليوم وهي مطالب مشروعة تلخصت في الدعوة إلى تقليص مصالح عصابات الفيد والنهب والقتل المتحكمة بمفاصل الدولة المركزية والمحلية.
وقد لعب الراحل دورا مهما في بلورة صيغة الحلف وقيادته إلى أن لقي مصرعه من قبل أفراد نقطة عسكرية في حادث مؤسف ومروع؛ دخلت بعده حضرموت في منعرج جديد وفارق تماما وكان لها الحق كل الحق في اهتبال فرصة الدعوة لرفع كافة النقاط الأمنية والعسكرية وكذا المعسكرات في المدن والحواضر وكافة الأدوات والتعبيرات المتوحشة لشكل متوحش من أشكال الاحتلال البدائي الذي يعبر عن نفسه كل يوم في الأذية القاتلة.
في 10 ديسمبر تداعت قبائل حضرموت لتصدر بيانها التاريخي الذي حدد قيام هبة شاملة في كل حضرموت بحواضرها وبواديها، في حالة عدم تنفيذ المطالب المحددة في بيان 4 يوليو وبيان 10 ديسمبر، وتضمنت مطالب الهبة التالي: تسليم قتلة المقدم بن حبريش ومرافقيه ومن يقف وراءهم، وكذا تسليم قتلة بقية شهداء حضرموت، ورفع النقاط العسكرية من الطرقات والقوى والمعسكرات من المدن وإحلالها بقوات أمنية من أبناء المحافظة، والمطالبة بأن تكون قوات حماية الشركات من أبناء حضرموت وتشكيل كتيبة حماية عسكرية للمنشآت النفطية من الحضارم، وإعطاء حضرموت نصيبها من ثروتها وإلزام كافة
الشركات النفطية بتوفير الطاقة الكهربائية المجانية لكل مدن وقرى حضرموت وغير ذلك من المطالب.
والخلاصة أن “الهبّة” أحرزت في زمن قياسي الكثير مما لم يستطع “الحراك الجنوبي” إنجازه، ومن الإنصاف القول إنها استفادت من تراكم “الحراك” وإنجازاته، علاوة على ما تحلت به من طاقة “سحرية واقعية” مكنتها من اجتذاب كافة المسميات والمكونات القبلية التي كانت قد غربت عن مجال التداول والنظر.. وجاءت “الهبّة” لتعيدها بقوة إلى قلب المشهد.
saleem2010@gmail.com
* رئيس تحرير صحيفة “التجمّع” في صنعاء