يبحث جبران باسيل عن شرعيّة عبر استرضاء نظام لا شرعيّة له هو النظام الاقلّوي في سوريا. يبحث عن رفع العقوبات الأميركية عنه لدى دولة عليها عقوبات أميركية واوروبيّة هي روسيا. يتحدّث عن أوكرانيا، من زاوية الانحياز الى روسيا، ولا يعرف ما هي أوكرانيا وما طبيعة مشكلتها مع روسيا.
يتحدّث عن تفجير مرفأ بيروت بصفة كونه “مؤامرة” على ميشال عون وعهده. يفعل ذلك، علما ان رئيس الجمهورية أُبلغ رسميّا بوجود مواد خطرة في مرفأ بيروت قبل أسبوعين من التفجير. لم يفعل شيئا وتذرّع بعدم امتلاكه الصلاحيات اللازمة. وهذا موثّق بالصوت والصورة، تماما كما هو موثّق تأكيد رئيس الجمهورية للبنانيين وطمأنتهم الى انّهم ذاهبون الى جهنّم!
ما لا يفهمه صهر رئيس الجمهورية الذي حقّق إنجازا وحيدا في حياته يتمثّل في إيصال عمّه الى موقع رئيس الجمهورية بفضل سلاح “حزب الله” انّه لا يمكن لسياسي الانبوب ان يتحوّل الى سياسي حقيقي يمتلك جذورا في الأرض اللبنانية عن طريق البهلوانيات.
زار جبران باسيل موسكو حيث استضافه وزير الخارجية سيرغي لافروف الى غداء. لا يعرف ان ذلك كان ممكنا لانّه لم يكن لدى لافروف جدول مواعيد مزدحم في ذلك اليوم وكان يوم الخميس، خميس ما قبل يوم الجمعة العظيمة، الذي هو بداية عطلة طويلة تشمل كبار المسؤولين تصبح فيها موسكو فارغة.
وجد جبران باسيل وقتا ليعقد مؤتمرا صحافيّا لم يكن سوى تمنّيات صادرة عن شخص يعتقد انّه يمثّل مسيحيي المشرق. شرح طويلا كيف المحافظة على الوجود المسيحي في المشرق ودور روسيا في هذا المجال وكأنّ روسيا اهتمّت يوما بمسيحيي المنطقة، خصوصا بمسيحيي سوريا الذين بدأت هجرتهم بعد الوحدة المصرية – السوريّة في 1958 وبدء التأسيس للنظام الأمني الذي وضع لبناته الأولى الضابط عبد الحميد السرّاج. اخذ هذا النظام مداه مع تفرّد حافظ الأسد بالسلطة في 1970 وصولا الى سعي هذا النظام الى تحويل لبنان منطقة نفوذ له بصفته محافظة سوريّة لا اكثر.
لا يستحق المسيحيون في لبنان هذه النهاية التي اوصلهم اليها رئيس الجمهورية وصهره الذي يمارس عمليا صلاحيات رئيس الجمهورية. ما نشهده في لبنان حاليا ليس فشل عهد، هو في الواقع “عهد حزب الله”، بمقدار ما هو فشل مسيحي على كلّ المستويات يظلّ ميشال عون بحساباته الصغيرة افضل تعبير عنه، فيما يعتبر جبران باسيل الرمز الحيّ لهذا الفشل.
من اعتقد ان ميشال عون يستطيع، كرئيس للجمهورية، لعب دور بيضة القبّان انّما ارتكب خطأ فادحا، بل جريمة، في حق لبنان واللبنانيين. تبيّن انه لا وجود لا للبيضة ولا للقبّان. كلّ ما في الامر ان وصول ميشال عون الى قصر بعبدا يندرج في سياق انقلاب نفّذه “حزب الله” في العام 2005 عندما استطاع التخلّص من رفيق الحريري ثم من رموز استقلاليّة وسياديّة عدة تمهيدا لفرض مرشّحه رئيسا للجمهورية بضمانات من صهره. التزم ميشال عون كلّ الضمانات التي أعطاها لـ”حزب الله” وذلك منذ توقيع تفاهم مار مخايل في السادس من شباط – فبراير 2006. كوفئ ميشال عون على كلّ ما قام به طوال عشر سنوات بجائزة كبرى هي رئاسة الجمهوريّة. ستكون هذه الجائزة كارثة على لبنان واللبنانيين وعلى مستقبل المسيحيين تحديدا.
كانت زيارة جبران باسيل لموسكو أخيرا فضيحة بحد ذاتها. في كلّ كلمة قالها كانت هناك كمّية من التزلّف لا تليق باي لبناني اكان مسلما او مسيحيا، خصوصا ان جبران تحدّث عن كلّ شيء باستثناء عن سلاح “حزب الله” الذي هو في أساس الانهيار اللبناني. وهو انهيار لا قعر له. اكثر من ذلك، قال صهر رئيس الجمهوريّة في موسكو كلاما من النوع المضحك المبكي الذي لا علاقة له بالواقع.
من جملة ما قاله في مؤتمر صحافي: “أكون سعيدا في كل مرة أكون فيها هنا في موسكو حيث تعطيني روح الشرق وروحانيته المجال لأستشرف بعض الاستراتيجيات والأفكار التي يمكن أن تخدم بلدي لبنان، وتخدم قضية الاستقرار والازدهار في منطقتنا. ولذلك، إن الأمور التي نبحثها كثيرة ومتشعبة من الدولي إلى الإقليمي فاللبناني. عرضنا أولا مشرقية لبنان وأهمية دوره ووجوده في هذا المشرق، وكيف أن لبنان بتنوعه واستقراره يمكن أن يكون عاملا إيجابيا لازدهار المنطقة. لقد طرحنا طبعا فكرنا حول وجوب انشاء السوق المشرقي الذي يضم لبنان وسوريا والعراق والاردن، وفلسطين طبعا عند انشاء الدولة، وكيف لهذا الإطار الاقتصادي ان يساهم ايجابا في استقرار المنطقة ويساعد في إعادة اعمار سوريا والعراق وإنهاض لبنان من محنته الاقتصادية المالية. وفي هذا الإطار، يأتي موضوع الغاز والنفط في البر والبحر، ربطا بكل مصافي وانابيب النفط والغاز الآتية من الشرق باتجاه الغرب، وكيف يمكن أن يكون منتدى غاز ونفط الشرق إطارا جيدا لذلك”.
لم يتجاهل جبران باسيل في موسكو دور “حزب الله” وسلاحه فحسب، بل تجاهل ايضا دور النظام السوري في المساهمة في تهجير المسيحيين في لبنان وذلك منذ العام 1975. استفاد النظام السوري الى ابعد حدود من ميشال عون الذي اختلق حربا مسيحية – مسيحية في 1989 و 1990 واستفاد “حزب الله” من الحقد الذي لدى ميشال عون على بيروت وعلى كلّ نجاح لبناني. لعب رئيس الجمهورية دوره في جعل الاقتصاد اللبناني ينهار. انهار الى درجة لم يعد في البلد فرصة عمل لشاب مسلم او مسيحي وكي يقتصر دور لبنان على التحوّل الى ورقة لدى “الجمهوريّة الاسلاميّة” لا اكثر.
لا يمكن للاوهام والبهلوانيات ان تصنع من جبران باسيل سياسيا وشخصيّة وطنيّة. كلّ ما يمكن للاوهام والبهلوانيات ان تؤدي اليه هو مزيد من الانهيار… أي الى انهيار في الانهيار.
هل من عاقل يظنّ ان لدى بشّار الأسد، الذي دعا جبران باسيل الى تأييده في الانتخابات الرئاسية، المزورة سلفا، همّ عودة النازحين السوريين الى سوريا؟ هل من عاقل يظنّ ان مسيحيي الشرق همّ روسي؟
لم تترك تصرّفات جبران باسيل في موسكو مجالا للاستغراب في ما يتعلّق بما حل بالمسيحيين في لبنان. هؤلاء فقدوا كلّ شيء. لم يعد لديهم سوى طموح واحد هو طموح الهجرة وتعليم أولادهم خارج لبنان. المسيحيون خصوصا واللبنانيون عموما ضحيّة “العهد القوي”… عفوا “عهد حزب الله”!
نفلاً عن « أساس »
*
مواضيع ذات صلة:
رسائل روسيا للزوار اللبنانيين شكلا ومضمونا..للسفير في موسكو موقفه!
باسيل في موسكو: سوَّق « مشرقية الأقليات » وطلب الثلث زائداً 2 فقط!