تشخيص الداء: ممتاز
يقدم البيان قائمة طويلة من المظالم، ويعدد كل ما يجب القيام به من اجل اقامة دولة ذات سيادة. وما يسترعي الانتباه ايضاً لهجته العالية. ليس لنا مآخذ على هذا الشق. المشكلة ليست هنا.
خطة العمل: غير ملائمة
بالأحرى غير موجودة. إذ ان البيان يكتفي في هذا الخصوص بجملة واحدة تشير الى ان قوى 14 آذار “قررت المقاطعة الشاملة لهذه الحكومة، واستخدام كل الوسائل الديموقراطية واساليب التحرك الشعبي السلمي لتحقيق اهدافها”. فهل يُمكن اعتبار هذه الاشارة السريعة بمثابة خطة عمل؟
لا بأس. فلنناقش ما ورد في هذه الجملة كما لو انه خطة حقيقية. ان مقاطعة جلسات اللجان النيابية لا تُسقط حكومة بالتأكيد. والكلام عن “تحرك شعبي سلمي” يبقى عاماً ومبهماً، وضعيفاً فوق ذلك، وكأنه تهرب من تقديم خطة حقيقية. من الواضح ان هناك ضياع على المستوى العملي، او عدم جدية. ان تنصب بضعة خيم في وسط المدينة يبقى عملاً رمزياً غير مجدٍ، وسيبدأ بالتلاشي قريباً اذا لم يكن هناك نية في التصعيد، الامر الذي لا يبدو وشيكاً او مُرجّحاً.
ما هي خطة العمل الملائمة؟ اذا كنا جديين في اسقاط الحكومة، ليس لنا الا خيار وحيد، خيار المستضعفين في اي مكان. عندما تملك قضية محقة، ويكون اكثر من نصف الشعب الى جانبك، لكنك لا تستطيع تغيير الوضع الراهن بسبب الغلبة العسكرية للخصم واستعماله للسلاح من اجل تعطيل الحياة السياسية الطبيعية، فان الشيء الوحيد الذي يبقى متاحاً لك، اذا اردت فعلاً ان تقلب الاوضاع، هو ما يسمى العصيان المدني. وهذا يعني: مقاطعة الدولة بشكل كامل بهدف تعطيل عملها، الامتناع عن دفع الفواتير والضرائب، الاضراب العام المفتوح في كل القطاعات، والاعتصام في الساحات. هذا هو الشيء الوحيد الذي يُمكن ان يُجبر الحكومة على الاستقالة. لكن ذلك يفترض طبعاً ان تكون الجهة الداعية الى العصيان ذات مصداقية عالية، وكلمتها مسموعة. وهذا للأسف ليس حال قوى 14 آذار في الوقت الحاضر، الا اذا بذلت جهداً خارقاً ونجحت في تحسين صورتها واعادت التواصل مع جمهورها العريض.
الهدف المرحلي: هزيل
رفعت قوى 14 آذار منذ فترة مطلب “الحكومة الحيادية”. وفي البيان الأخير اضافت اليه كلمة “انقاذية”، ربما ادراكاً منها بضعف التسمية الاولى، لكن دون ان يتغيّر شيء في المضمون.
ان شعار الحكومة الانقاذية الحيادية اقل ما يقال فيه انه غير مألوف. وغير مقنع. ففي تجربتنا في السياسة المقارنة لم يسبق ان رأينا في التاريخ فريقاً سياسياً يقوم بتعبئة جمهوره بهدف ايصال فريق آخر الى السلطة! تخيّلوا حزب العمال في بريطانيا يقود معارضة شرسة ضد حزب المحافظين من اجل الاتيان بالحزب الثالث (الليبراليون الديمقراطيون) الى الحكم! وهذا المثال ليس ملائماً تماماً لأن الوضع الذي نحن فيه اكثر دقة وخطورة بما لا يُقاس. هذا الزهد في السلطة، او هذا الحياء، لا مكان له في السياسة ولم يُسمع به من قبل. فضلاً عن ذلك، فان جمهور 14 آذار لن يتحرك تحت هذا الشعار. ببساطة: هذا الشعار ليس مثيراً.
ماذا تعني الحكومة الحيادية؟ أن تأتي بثلاثين تافه او اقل، لا لون لهم ولا طعم، لم يأخذوا موقفاً جريئاً في حياتهم ولن يأخذوا، وتُسند اليهم مهمة الانقاذ الوطني في اصعب الظروف. يكفي ان تستحضر بعض الأسماء المرشحة للتوزير حتى تكتشف رعونة هذا الطرح وعبثيته. ولا يقولن احد ان هؤلاء معتدلون. فلا اعتدال بين الحق والباطل، بل جبانة وانتهازية.
وفي ذلك مخاطرة كبرى. ماذا سيفعل هؤلاء في مواجهة فريق مدجج بالسلاح ومشبع بالقوة، يتحكم بعدد من مفاصل الدولة واجهزتها، ولا يردعه رادع. من الواضح ان اللعبة غير متكافئة، لأن الفريق المسلح لديه القدرة ان يضغط على حكومة الخصيان وان يرهبهم، بينما الفريق المسالم لن يسعه سوى الندم والتحسر. ان الاتيان بحكومة حيادية سيكون بمثابة وضع البلد، طوعاً هذه المرة، في فم الأسد. واذا قيل ان مهمة هذه الحكومة مرحلية وتنحصر بالتحضير للانتخابات، فهذا لا ينفي بل يعزز مخاوفنا من حتمية تعرضها للضغط وحتمية خضوعها للأقوى، لأن المرحلة مفصلية، وحاسمة لكلا الطرفين. واذا افترضنا ان الانتخابات سوف تُجرى في موعدها، وهذا ليس مؤكداً، وان اللبنانيين اتفقوا على قانونٍ للإنتخابات، قانون جديد او القانون الحالي، وهذا ليس مؤكداً ايضاً، واوكلوا الى هذه الحكومة مهمة اجرائها، فليس مؤكداً على الاطلاق ان تتمكن هكذا حكومة من ضبط الأمن وتأمين نزاهة العملية الانتخابية.
وعلى الرغم من طابعه الخجول، فان هذا الشعار يبدو لنا بعيد المنال. ففي ظل ميزان القوى الحالي، وقبل سقوط نظام الاسد، لا يمكننا ان نأمل في الحصول على شيء، ولا حتى هذه الحكومة الضعيفة، اللهم الا اذا ذهبنا حتى النهاية ونفذنا العصيان المدني بنجاح. وعندما يتغير ميزان القوى، يسقط هذا الشعار فوراً لأنه يصبح اقل بكثير مما يُمكن تحقيقه في لحظة الانتصار.
لكن اذا لم نذهب الى حد العصيان المدني، وفضلنا الانتظار، فلنحمل على الاقل شعاراً مشرّفاً. اي شعار؟ مطلبنا الاساسي: حكومة سيادية. ولا شيء اقل من ذلك. حكومة تُعيد هيبة الدولة وتصنع السلام في لبنان.
وفي مطلق الاحوال، يجب الا نيأس. لأن المستقبل القريب يحمل الكثير من الفرص.
kamal.yazigi@hotmail.com
جامعي لبناني