إذا كان العرب في الحقبة التاريخية الاخيرة وتحديدا منذ إنشاء دولة اسرائيل بين ظهرانهيم اشتهروا بانهم ظاهرة صوتية، فهم بدأوا بالخروج من سباتهم العميق وتحولوا الى مؤسسي مذاهب فلسفية.
أوليست هناك الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية وتفرعاتها؟ لقد انجز العرب مع انتهاء حرب غزة مذهبا فلسفيا يضاف الى ما سبق وهو يحمل بكل فخر واعتزاز اسم مذهب “لو كنت اعلم” ويحمل ايضا توقيع كل من امين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله ونظيره في الجانب الفلسطيني خالد مشعل. فكلاهما اعلنا بعد حربين مدمرتين اسفرتا عن سقوط اكثر من ثلاثة ألآف لبناني وفلسطيني، جلهم من المدنيين الابرياء، انهما لو كانا يعلمان بان النتائج ستكون على غرار ما شهدناه لما كانا اقدما على خوض غمار حروبهما.
اما المذهب الجديد فهو بسيط للغاية ويقوم على مرتكزات واسانيد لا تستعصي مغاليقها على معرفة العارفين ولا حتى على جهل الجاهلين.
استلهام المؤتمن على مقاليد الخمينية في العالم الخامنئي وربيبه احمدي نجاد وعامله في سوريا والجوار الرئيس السوري بشار الاسد مع ما يقتضيه الامر من استنساخ كتاب التخوين الداخلي والتخاذل ورمي الآخرين به، استنادا الى مبدأ كل من ليس معنا في هذه الحرب هو ضدنا وعميل ونصف رجل يجوز شرعا وحلالا قتله واستباحة دمه وعرضه.
وفي مذهب “لو كنت اعلم” ايضا اعلان الانتصار فور بدء المعارك وهذا ليس بالامر السهل ومقدرة تفوق مدارك العامة من الناس من امثالنا ، فكل من حسن نصرالله ومشعل قالا انهما انتصرا وحررا ارضا لم تكت محتلة اصلا كما اطلقا اسرى لم يكونوا في الاسر اصلا.
فلا لبنان كان محتلا ليصار الى تحريره وكان سمير القنطار في الاسر وحيدا من اللبنانيين وبعد الحرب اصبح بعض لبنان محتلا، وحتى اليوم لا تزال قرية الغجر بجانبها اللبناني محتلة وارتفع عدد الاسرى ليطلق سراحهم لاحقا ومع ذلك اعلن حزب الله انتصاره وتحول به الى الداخل اللبناني.
وكذا فعل مشعل قلد المقلد الاول واعلن انتصاره بتحرير غزة التي لم تكن محتلة وعاد الامر بها الى اما كان عليه قبل مغامرته غير المحسوبة النتائج مع فارق بسيط وهو سقوط ألآف القتلى والجرحى وتدمير وخراب اين منه القنابل الذرية، وبعد ان اعلن انتصاره تحول الى الداخل تخوينا للسلطة ولسائر الشركاء في الوطن.
ومن هنا ننصح جميع الثوريين في العالم في الباسك ونمور التاميل وكوبا الممانعة وفنزويلا شافيز وحتى دمشق التي وصفت يوما بقلب العروبة النابض ان يحذو جمعيهم حذو الإلهيين ويعلنوا انتصارات دوكيشوتية على جثث مواطنيهم وببساطة هناك مقدمة لاعلان الانتصار تبدأ بعبارة ” لو كنت اعلم” وهي كفيلة بمحو آثار العدوان من اي جهة اتى وتعطيهم شرعية الشروع في حروبهم.
وبعيدا عن مذهب “لو كنت اعلم”وعلى غرار حرب تموز الاسرائيلية الحزب الهية وقف الشارع العربي في حيرة من امره وسط فوضى الفضائيات والمدونات الالكترونية وسواها التي تعرض هول الكوارث التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي وآثارها على المدنيين دون المسلحين فهو لا يستطيع ولا يقر الممارسات الاسرائيلية على اختلافها وفي الوقت نفسه ” العاقلين من بينهم” لا يريدون ان يتعاطفوا مع المسلحين واجنداتهم فوجدوا انفسهم في خانة الخونة والعملاء.
فوسط تراكم هذه الفوضى المدمرة انكفأ هؤلاء وافسحوا في المجال امام المغالين على شاشات الفضائيات والمزايدين ممن يعيشون في اوروبا واميركا يحللون لحركة حماس وقادتها في الخارج والداخل افعالهم ومتسترين بجثث المدنيين والاطفال من بينهم خصوصا.
كان الامر مربكا اين الوقوف في هذه الزحمة ، الى جانب حماس خصوصا ان الوقوف الى جانب اسرائيل لامر خاطىء حتى ولو لم تكن تقتل فإن وجودها في قلب العالم العربي وبالطريقة التي انشأت فيها وممارساتها منذ إنشائها وحتى اليوم مدانة ومنبوذة..
واذا كان الوقوف الى جانب حماس يمثل تشجيعا للمغامرين على المضي في غيهم وجهلهم فأي جانب هو الذي يجب ان يستظله من اراد عدم الانجرار خلف الاجندات الحمساوية والاسرائيلية؟
بصراحة فانا مثلي مثلهم لا اعلم !!لذلك انتحيت جانب المدنيين الذين شردهم مذهب “لو كنت اعلم ” ورد الفعل الاسرائيلي المجنون وكان التساؤل ما ذنب هؤلاء؟ هل لانهم في غزة ولبنان صدقوا الكلام الالهي النازل من افواه المفوهين في حزب الله وحماس ؟ وقرروا في غفلة عن وعيهم انتخاب ممثليهم من بين الحزبين ؟ ما اكسبهم شرعية حقة استخدموها في الباطل بمال ايراني ظهر جليا في كلام نصرالله عن المال النظيف وظهور احمدي نجاد رافعا شارة النصر في مهرجان الدوحة؟
وبمناسبة الحديث عن دور الدوحة النضالي في الممانعة والصمود والتهكم على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نحيل القارىء الى هذا الرابط حيث سمو امير قطر ورئيس وزرائه واعتقد ايضا حرمه المصون يستقبلون ببهجة وحبور وبالاحضان وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني ويسمع في الشريط اوقفوا التصوير بتفضحونا!!!
http://www.alwantv.com/play.php?vid=1113
وبالمناسبة ايضا يستحضرني قول السيد المسيح عندما غفر لجلاديه طالبا لهم المغفرة من ابيه في السماوات فقال اغفر لهم يا ابتها لانهم لا يدرون ماذا يفعلون اما في حالتنا الراهنة فلا تغفر لهم يا ابتاه لانهم يدرون ماذا يفعلون .
فمصر ابلغت لبنان رسالة اسرائيلية واضحة بانها لن تتسامح مع اي استفزاز على حدودها الشمالية ووعد سيد النصر الالهي بصيف هادئ وثم عاد ليرسل مسلحيه ليخطفوا جنودا خلف الخط الازرق وفي يقينه المعلن ان الرد الاسرائيلي سيكون محدودا ثم قال انه لو كان يعلم لما اقدم .
لقد كان يعلم .
وكذا مشعل كان يعلم !!
وكذا سمو امير الدوحة كان يعلم وهو شريك في الهجمات الاسرائيلية.
وكذا ايضا محمود احمدي نجاد كان يعلم .
وكذا ايضا رئيس القمة العربية ورئيس نظام الممانعة بشار الاسد كان يعلم.
فلا تغفر لهم يا ابتاه لانهم كانوا يعلمون ماذا يفعلون.
abouelkim@hotmail.com
* كاتب لبناني